الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، أما بعد:
نشرع في كتاب الأطعمة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب الأطعمة: وهي نوعان: حيوان وغيره, فأما غير الحيوان من الحبوب والثمار وغيرها، وكله مباح إلا ما فيه مضرة كالسم ونحوه, والأشربة كلها مباحة إلا ما أسكر, فإنه يحرم كثيره وقليله, لحديث: ( كل مسكر حرام )، ( وما أسكر منه الفرق فملء الكف منه حرام )، وإن انقلبت الخمرة خلاً حلت].
وأما الأشربة فإن الأصل في الأشربة الحل إلا إذا كان مسكراً أو سماً, فإن كان مسكراً فلا يجوز سواء كان إسكاره في الكثير أو القليل، فيكون حراماً، والله أعلم.
الخمر إما أن تنقلب بنفسها، وإما أن تنقلب بفعل العبد, ما معنى بنفسها؟
يعني: وضعت خمراً فما علموا إلا بعد أن صارت خلاً، فإن انقلبت بنفسها صارت حلالاً بإجماع الفقهاء، وإن كانت بفعل الآدمي فقد اختلف العلماء في ذلك, والذي يظهر -والله أعلم- أنها تكون طاهرة وإن كان العبد عاصياً في ذلك, وهذا اختيار ابن حزم رحمه الله، فلو أخذ الخمر ووضعها في الشمس حتى تنقلب خلاً، فهذا بفعل العبد، فهو آثم وإن كان الخل حلالاً. والله أعلم.
البحري: هو الذي يعيش في البحر أو غالب حياته في البحر، فعلى هذا يدخل سرطان البحر الذي يعيش في البر والبحر، لكن بقاؤه في البحر لا بد منه، فهذا يكون في حكم البحري والله أعلم, فحينئذ يجوز أكله ولا يلزم ذكاته؛ لقوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ [المائدة:96], ومعنى طعامه: أي الذي يقذفه البحر، مثل: العنبر في الحوت أو السمكة؛ فإذا لفظته فإنه يكون حلالاً، والله أعلم.
يقول المؤلف: (وأما البري فالأصل فيه الحل إلا ما نص الشارع على تحريمه).
الأصل في الأطعمة الحيوانية الإباحة إلا ما نص الشرع على تحريمه، والذي نص الشرع على تحريمه هو: (كل ذي مخلب من الطير), والمخلب: هو الذي يصيد به الطير, وإلا فإن كل طير لديه مخلب، فالعصفور له مخلب لكن لا يصيد به، فالعبرة بالمخالب التي يصيد بها كالصقر والحديا والغراب ونحو ذلك.
ولا عبرة بالمنقار المائل, فإن بعض العامة يظنون أن ذي المنقار المائل لا يجوز أكله، كالصبري، فالأصل أنه يجوز أكل الصبري؛ لأنه لا يأكل بمخلبه ولكن يفترس الدخلة، فإذا كان يفترس الدخلة صار حكمه حكم الجلالة التي سوف نأتي إليها.
كذلك الخابور: وهو الطير المعروف, الذي يأكل الجيف، فإذا كان يأكل الجيف فإنه يؤكل إذا طهر وإلا فلا يؤكل؛ لأنه في حكم الجلالة. والله أعلم.
وكذلك كل ذي ناب من السباع، وهو الذي يأكل بنابه، واختلف العلماء في الضبع: هل هو صيد؟ فنقول: الراجح أن الضبع صيد، كما جاء في صحيح مسلم: ( الضبع صيد ), الضبعة هذه معروفة، لكن الضبعة لماذا جاز أكلها مع أنها تعتبر من المفترسات؟ قال بعض العلماء: إن أسنانها متراصة وليست مثل أسنان غيرها من المفترسات، وقال بعضهم: إن ذلك على سبيل الرخصة, والله أعلم بعلة هذا الاستثناء، لكننا نقول: الضبع صيد، فيجوز أكلها, فإن كانت تأكل الجيف فلا بد من حبسها حتى يطهر لحمها والله أعلم.
ثم قال المؤلف: ونهى عن لحوم الحمر الأهلية، الحمر الأهلية: هي التي عندنا، وأما الحمر الوحشية فليست هي الحمار الوحشي المخطط التي نعرفها، فإن الحمر الوحشية حمر معروفة توجد في بعض مناطق المملكة كالحريق لكنها قليلة ومندثرة ولا يوجد منها إلا القليل, وأما الحمار الوحشي الموجود هنا، فهل هو من فصيلة الحمر أم من فصيلة الخيول؟ الله أعلم, وأما الحمار الوحشي فإن بعضهم يقول: إنه من فصيلة الوعول والله أعلم، والحمار الوحشي الموجود في إفريقيا يجوز أكله؛ لأنه قريب من الخيل وليس بغلاً، والله أعلم.
الصرد: هو الذي يأتي إلى الماء ويشرب ويسرع, هذا يسميه العامة: خاطوف.
وكذلك لا يجوز قتل الهدهد, ولا يجوز قتل النحلة، والنحلة الآن يعالج بها، فهل العلاج بها ممنوع؛ لأن علاجها سوف يؤدي إلى قتلها؟ نقول: المسألة محتملة، فإن كان العلاج متأكداً وينفع فلا بأس؛ لأنه تعارضت مفسدتان: مفسدة تلف النحلة ومفسدة ضرر الآدمي، فيقدم حق الآدمي، وأما إذا كانت النحلة تقتل من غير فائدة فلا يجوز.
وكذلك النملة لا تقتل ولا توطأ إلا إذا آذت، فإن الأذية تدخلها في حكم الفويسقات. والله أعلم.
الحشرات: المقصود بها التي لا نفع فيها والله أعلم، فإنها مضرة؛ لقوله تعالى: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157].
ثم قال: (ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الجلالة وألبانها)، هذا الحديث رواه أبو داود و الترمذي و النسائي من حديث ابن عمر , وله شاهد من حديث ابن عباس وإن كان بعضهم يضعف الحديث كما في قصة خيبر، لكن الجلالة التي تأكل الجيف فإنها تحبس ثلاث ليال حتى يطهر لحمها، ولهذا قال المؤلف: (تحبس وتطعم الطاهر ثلاثاً) ومن المعلوم عند العلماء أن أكل لحوم الجلالة يزول بحبسها ثلاثة أيام، وأكلها العلف الطيب.
لعلنا نقف عند هذا الحد. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الذكاة: ذبح البهيمة وكل ما يجوز أكله من الرقبة، وأما الصيد فهو: إصابة المصيد وعقره في أي موضع من بدنه، هذا هو المقصود في هذين العنوانين.
والمؤلف رحمه الله يقول: [الحيوانات المباحة لا تباح بدون الذكاة إلا السمك والجراد].
(الحيوانات المباحة) كبهيمة الأنعام، والطيور التي يمسكها الإنسان، وكل ما يؤكل لحمه إذا أمسكه الإنسان فإنه لا يجوز أكله إلا بعد أن يذكى، فلو أن إنساناً صاد طيراً وأمسكه، فبمسكه صار في حكم الحيوانات وبهيمة الأنعام، فكما أن بهيمة الأنعام التي يمسكها الإنسان لا يجوز له أن يذبحها إلا بالذكاة، وهو عن طريق الرقبة، فكذلك غيرها من المصيد الذي يمسكها الإنسان وهو حي، فإنه لا يجوز له أن يأكله إلا بعد أن يذكيه، ولم يستثن المؤلف إلا شيئين: (السمك والجراد)؛ لما روى ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: -وروي مرفوعاً، والصواب وقفه على ابن عمر وله حكم الرفع-: ( أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان: فالجراد والحوت )، وفي رواية: ( فالسمك والجراد )، وفي رواية ( الحوت والجراد )، وهذان دليلان على أنه لا بأس بأن تؤكل ولو من غير ذكاة، كما قال الله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ [المائدة:96]، والطعام: هو الذي يلفظه البحر من غير ذكاة.
الشرط الأول: يقول المؤلف: [ويشترط في الذكاة أن يكون المذكي مسلماً أو كتابياً]؛ لأن غير المسلم والكتابي وثني، ولا يجوز ذبيحة الوثني، وقد دل على ذلك قوله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:121]، وإن التسمية لا تنفع إلا في حق المسلم، وأما غير المسلم فإن كان كتابياً فيجوز ذلك على سبيل الاستثناء، كما قال الله تعالى: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ [المائدة:5]، وغير الكتابي يبقى على أنه لا تجوز ذبيحته؛ لأنه غير مسلم وغير كتابي.
وأما الكتابي فهل تجوز ذبيحته ولو لم يسمِّ، أم لا بد أن يسمي أهل الكتاب؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين: الأقرب والله أعلم، وهو قول عطاء ، أن كل ما كان ذبيحة لأهل الكتاب اعتادوا أن يذبحوها فإنها تكون طعاماً لنا، وعلى هذا فإذا ذكى الكتابي ولو لم يسم فإن ذكاته حلال إذا ذكيت؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل )، هذا في حق المؤمن، وفي حق غير المؤمن، ما أنهر الدم إذا كان كتابياً، والله أعلم، هذا الشرط الأول.
الشرط الثاني: يقول المؤلف: [أن يكون بمحدد].
يعني: بشيء يقطع، ليس السن والظفر؛ لأن السن نهي عنه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( وأما السن فعظم )، وإذا كان عظم فإن العظم طعام الجن؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لكم بكل عظم ذكر اسم الله أوفر ما تجدونه لحماً )، وهذا في حق الجن، فإذا كان طعاماً للجن فلا يجوز لنا أن نمسه، ولهذا نهي أن نستنجي أو نستجمر بعظم أو روثة؛ لأنها طعام إخواننا من الجن.
وإذا كانت التذكية بسكين لكنها ليست محددة، فما حكمها؟ نقول: جائز إذا قطعت وأنهر الدم، لكنها تعذيب للحيوان؛ لحديث: ( وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن تحد الشفار وأن توارى عن البهائم )، نحن نقول: تسن السكين، ( وأن توارى عن البهائم )، فإذا كان الإنسان معه سكين لم تسن فذكاها بها، فسوف يتألم الحيوان، فإن أنهر الدم وذكر اسم الله جاز أكلها، لكنه تعذيب للحيوان، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم : ( وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)، والله أعلم.
الشرط الثالث: يقول المؤلف: [أن ينهر الدم].
يعني: أن يسيله، وهل المقصود بإنهار الدم بحيث لو قطع الودجين دون الحلقوم والمريء يكفي، أم لا بد من قطع الحلقوم والمريء مع الودجين، والودجان وريدان عن يمين الرقبة وعن يسارها، والمريء وراء القصبة الهوائية؛ وراء الحلقوم؟
فالمؤلف يقول: لا بد من قطع الحلقوم والمريء؛ لأنه إذا قطع الحلقوم والمريء فقط انقطع الودجان، وذهب بعض العلماء إلى أنه إن حصل الإنهار بقطع الودجين أو بقطع أحدهما والحلقوم كفى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر بإنهار الدم، والأحاديث الواردة بقطع الحلقوم وقطع الودجين كلها ضعيفة، والله أعلم.
وعلى هذا فالأقرب والأحوط أن الإنسان يقطع الودجين والحلقوم والمريء، وهذا لا إشكال فيه، ولكن إن قطع أحد الودجين والحلقوم أو والودجين فقط، بحيث أنهر الدم فإن البهيمة تكون حلالاً، لماذا؟ لأنه حصل الإنهار، والله أعلم.
الشرط الرابع: يقول المؤلف: [وأن يذكر اسم الله].
جعل المؤلف رحمه الله ذكر اسم الله في البهيمة من المأمورات، وهذا اختيار ابن تيمية ورواية عند الإمام أحمد ، اختارها ابن سعدي ، وذهب الأئمة في المشهور عندهم، وهو مذهب أبي حنيفة و مالك و الشافعي و أحمد في المشهور عنه، وهو فتوى شيخنا عبد العزيز بن باز : أن التسمية واجبة مع الذكر وتسقط مع النسيان، وعلى هذا فإذا لم يسم فإن البهيمة تكون حلالاً أم حراماً؟ حلالاً، وحينئذ ليست من شروط التذكية، خلافاً لـابن تيمية ، ولعل القول هذا أظهر؛ لقوله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:121]، وهذا نهي، والنهي من باب اجتناب المحظور، والقاعدة في اجتناب المحظور: أن من تركه جاهلاً أو ناسياً، فإنه يرفع عنه الإثم، والله أعلم.
يعني: يشترط في الصيد أن يكون الصائد مسلماً أو كتابياً، ويستثنى الكلاب التي يصطاد بها، هذا شرط.
وكذلك يشترط أن يكون بمحدد، وهل يجوز أن أصيد بمثقل أو عصا؟ نقول: لا، وتكون وقيذة، فلا بد أن تكون الآلة منهرة للدم، فإن كان بحصى وهي التي تسمى: النبيطة أو النباطة، ويسمونها: النباشة، فالنباشة هذه إن ضربت الطير وسقط فأخذناه فلم نجد فيه شيئاً من الدم فهل يجوز أكله أم لا؟ لا يجوز، وبعض الشباب الصغار يضعون حصاة كبيرة، يقولون: من أجل أن تضربه، فتكون نوعاً من الوقيذة، وقد نهى الله عن ذلك، فقال: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ [المائدة:3]، فالنطيحة والموقوذة ماتت بسبب شدة الضرب، لكنها لم تمت من أجل أنه أنهر الدم، فحينئذ نقول: لا بد أن آلة الصيد تنهر الدم، فإن كانت الفشيقة هذه ضربت البهيمة وخرقتها وخرج الدم، فهل يجوز أكلها أم لا يجوز؟ يجوز أكلها، لماذا؟ لأنها أنهرت الدم، والله تبارك وتعالى أعلم.
طيب، يقول المؤلف: [إلا أنه يحل بعقره في أي موضع من بدنه].
يعني: أنه لا يلزم أن يكون بالرقبة؛ ولهذا (كان النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في سفر، فند بعير -والبعير الند هو الشارد- فعجزوا عنه، فأتى أحد الصحابة بسهم من كنانته فوضعه على قوسه فضربه فسقط البعير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش، فإذا ند منها فاصنع بها هكذا)، فهذا يدل على أنه يجوز ولو كانت بهيمة إذا ند منها بعير أن يصنع بها هكذا، وهذا مثل الخروف الأسترالي، إذا هرب ولم تستطع عليه، فإذا ضربته بمسدس في أي موضع من بدنه فلا حرج في ذلك، والله تبارك وتعالى أعلم.
يقول المؤلف: [ومثل الصيد ما نفر وعجز عن ذبحه].
مثل ما مر معنا، أما الأشياء البسيطة التي يمكن مسكها، مثل: الماعز فإن هروبها سهل، لكن الإشكال في الذي يعجز عنه، والله أعلم.
ثم ذكر المؤلف دليل ذلك: [ ( ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل، ليس السن والظفر ) ]. ثم علل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( أما السنة فعظم )، وقد قال صلى الله عليه وسلم في العظم: ( أنه طعام إخواننا الجن أوفر ما تجدونه لحماً، وأما الظفر فمدى الحبشة )، فبعضهم قال: وإذا كانت مدى الحبشة -سكين الحبشة- فلماذا لا يجوز؟ لأنه لا ينهر الدم، وإن ماتت البهيمة فإنما هي نوع من الوقيذة، لأن ذلك نوع من الخنق، والله أعلم.
ثم ذكر المؤلف صيد الكلب المعلم وغيره.
هذه صفات الكلب المعلم، ويشترط في الكلب المعلم: أن ينزجر إذا زجر، وأن يسترسل إذا أرسل، أما إذا كان يسترسل من نفسه من غير أمر، أو لا ينزجر إذا قيل له: قف، فإنه لا يكون معلماً، فإذا صاد فهل يجوز أكله؟ لا؛ لأنه إنما صاد من أجله هو، والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: [وإذا أمسك لا يأكل، ويسمي صاحبها عليها إذا أرسلها].
في صيد الكلب المعلم لا تستطيع أن تسمي أنت على المصيد، فإنه يكون في الظلام أحياناً، فمثلاً: تريد أن تصيد أرانب، فما تدري: الأرنب هذا أبيض أم أسود، واحد أم اثنين، فترسل كلبك المعلم وتقول: باسم الله، وتطلقه، ثم هو يبحث ويبحث فإذا لقي أرنباً صاده، وأتى به إليك، فهنا اشترط التسمية على الآلة، وأما حال القدرة فيشترط التسمية على البهيمة، ولهذا نقول: إذا عجز عن التسمية على البهيمة جاز التسمية على الآلة، ومثل ذلك: إذا كان في مسلخ الدجاج، وهذه الدجاج المستورد أو غير المستورد أحياناً يكون على الشريط الحديدي الذي في مسلخ الطيور عشرة رجال، فالذي يمسك الدجاجة يقتلها، وتأتي دجاجة أخرى، ثم تأتي للذي بعده وهكذا، فهم يبدءون يقطعون الرقبة، فهنا لو اشترطنا التسمية على كل دجاجة لشق ذلك، ولهذا نقول لهم: سموا الله على الآلة، ولكن بين الفينة والأخرى سموا، باسم الله والله أكبر، باسم الله والله أكبر، باسم الله والله أكبر، ولو ذبحتم ثلاث أو أربع دجاجات بتسمة واحدة إن شاء الله أن هذا لا بأس به؛ لأن هذا مما يعجز عنه، فصار مثل التسمية على الآلة، والله أعلم.
وفي الحديث: ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته )، رواه مسلم ، وقال صلى الله عليه وسلم: ( ذكاة الجنين ذكاة أمه )، رواه أحمد].
ذكر المؤلف حديث عدي بن حاتم ، وهو عمدة في هذا الباب، فحديث عدي بن حاتم، وحديث أبي ثعلبة الخشني يعتبران هما العمدة في باب الصيد، والله أعلم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا أرسلت كلبك المعلم فاذكر اسم الله عليه )، فهذا يدل على أن الإنسان يسمي على الآلة؛ آلة الصيد ( فإن أمسك عليك فأدركته حياً فاذبحه )، يعني: صاد الكلب، ثم جئت وأمسكت الأرنب ووجدته حياً فاذبحه.
بعض الإخوة إذا أمسك الطير الحباري يمسك رقبته يمزعها، وهذا لا يجوز، ما حكمه؟ ميتة؛ لأنك لم تذكه بعد القدرة عليه، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( فإن أدركته حياً فاذبحه )، ولم يقل: فامزعه، فهناك فرق، وعلى هذا فما يفعله الإخوة في الصيد إذا أمسك طيراً وسقط وهو حي، قال: باسم الله والله أكبر ومزع رقبته من جسده، ثم يضعه في مكان الصيد، فهذا لا يجوز، فلا بد أن يكون معه سكين ولو صغيرة، بحيث يذبحه بها، والله أعلم.
يقول المؤلف: ( وإن أدركته قد قتل )، يعني: أرسلت كلبك المعلم فأدركته قد قتل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ولم يأكل منه شيئاً فكله )، لماذا؟ لأنه إن أكل منه شيئاً فإنما صاد لأجله هو، فحينئذ يكون وقيذة، ولا يكون معلماً، فإن أكل فلا يجوز أن تأكل، وإن لم يأكل فلا بأس، ولو ماتت البهيمة.
ثم قال: ( وإن وجدت مع كلبك كلباً غيره وقد قتله فلا تأكل )، لماذا؟ قال: (فإنك لا تدري أيهما قتله)، لا تدري أكلبك المعلم الذي قتل، أم الكلب الآخر غير المعلم؟ فلا يجوز الأكل، وهنا تعارض مبيح وحاظر، فالحاظر هو صيد الكلب غير المعلم، والمبيح هو صيد الكلب المعلم، وليس عندنا أصل نرجع إليه، فحينئذ نقول: إذا تعارض مبيح وحاظر وليس ثمة أصل فإنا نرجع إلى الحاظر، فلا يجوز أكله، والله أعلم.
الآن بعض الناس إذا أراد أن يصيد وسمع طيوراً فوق الشجرة، ولم يستطع رؤيتها، ولو رفع رأسه لضربته الشمس، فماذا يصنع؟ فبمجرد سماعه الصوت يضرب، فلا يدري ماذا صاد، فتتساقط الطيور، ففي هذه الحالة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( فإن غاب عنك يوماً )، ضربت وسكت الصوت، بعضه طار وبعضه لم يطر، فذهبت يوماً آخر فوجدت بعض الطيور معلقة، فجئت وأخذت هذا الطير، فوجدت فيه أثر ضربتك، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( فلم تر إلا أثر سهمك فكل إن شئت )؛ لأنه يمكن أن تكون الضربة من غيرك، ومع ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم جوز لك ذلك؛ أخذاً بالغلبة، ما هي الغلبة؟ السهم الذي عندك، ويمكن أن تكون ليست ضربتك: ( فكل إن شئت، وإن وجدته غريقاً في الماء فلا تأكل )، لماذا؟ لأنك لا تدري أكان الموت بسبب ضربتك وصيدك أم بسبب الماء؟ فتعارض مبيح وحاظر.
بقيت مسألة صغيرة في هذا الباب وهي في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ذكاة الجنين ذكاة أمه )، فإذا كان الإنسان يريد أن يذكي الشاة وفيها حمل، فإذا ذكى الشاة ثم خرج الحمل فإن الحمل لا يلزم ذكاته؛ لأن ذكاة الجنين ذكاة أمه، فلا بأس أن يأكل الجنين، وإذا مات في بطن أمه فإذا كانت الأم قد ذكيت فإن ذلك جائز والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
الجواب: يقول: أمكم عدتها كذا، هذا في حكم الكناية إن قصد الطلاق يقع طلاقاً والله أعلم.
الجواب: إذا قال الرجل لامرأته: كلما طلقتك فأنت طالق، فهذا إذا قال: طلقتك تقع طالق ثنتين، فنقول: الراجح والله أعلم: أنها طلقتان في مجلس واحد أو ثلاث تقع واحدة، وعلى هذا فتحسب واحدة. والله أعلم.
الجواب: نقول: إن كانت نيته التكرار فإنها تقع إذا كانت في غير مجلس واحد، أو إذا قال: إذا كلمتك فإنت طالق ثم طالق، إذا كان في مجلس واحد تقع واحدة. والله أعلم.
الجواب: لا، لا يستمر الشرط, وإذا كان قد طلقها مرتين ثم تزوجت زوجاً آخر ثم عاد فتزوجها، فتبقى عليه طلقة واحدة, فالصحيح: أن الطلاق لا يهدم عليه، ولكن الشرط ينتهي والله أعلم.
الجواب: العلماء رحمهم الله يقولون: وإن طلق أجنبية لم يقع, فهي أجنبية ولّا لا؟
مداخلة: نعم.
الشيخ: هذا لا يقع. أما إذا كانت زوجته فإنها تقع على قول الجمهور.
الجواب: إذا خرج الإنسان ووجد صيداً وسمى فهو أفضل، وإن كان يريد أن يسمي فنسي فإن عامة أهل العلم يرون أنه لا بأس بذلك، خلافاً لـابن تيمية، فإن ابن تيمية جعل التسمية من باب الواجب, والعلماء جعلوها من باب ترك المحظور، والصحيح هو قول أكثر الفقهاء على أنه لا بأس بأكله خلافاً لـابن تيمية، والله أعلم.
الجواب: السلحفاة سهلة، يعني: يجوز أكلها؛ لأنها تمشي مع هذا وهذا, أما التمساح فالحقيقة أنا متوقف فيه؛ لأنه يفترس, وبقاؤه في الماء ليس من حكم الصيد، والقول بأنه صيد متعذر, أما الزرافة فمن المعلوم أنها لا تأكل إلا النباتات، فالأصل فيها أنها لا بأس.
الجواب: إذا كان لا بد منه، يعني: إذا كان يريد أن يخرج العسل ولم يستطع إلا بقتلها فلا حرج، مثل أن تقرصه فيضربها فلا حرج, لكن لا يجعل سبب قرص واحدة قتل الجميع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما عند البخاري: ( أن نبياً من الأنبياء قرصته نملة فقتل وادياً، فقال: هلا كانت واحدة؟ ), والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر