إسلام ويب

فقه أحاديث الصيام [9]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أجمع العلماء على أن من استقاء عمداً فإنه يفطر بدلالة السنة والأثر والنظر، ويجوز للصائم أن يكتحل بشتى أنواع الكحل؛ لأن العين ليس لها منفذ إلى المعدة.
    المقدم: الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على رسوله وعبده.

    أما بعد: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحباً بكم إلى لقاء جديد من لقاءات برنامجكم اليومي فقه أحاديث الصيام، أرحب في مطلع هذا اللقاء بضيف البرنامج صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الله بن ناصر السلمي الأستاذ المشارك في قسم الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أهلاً ومرحباً بكم صاحب الفضيلة!

    الشيخ: حياكم الله يا شيخ ناصر ! وحيا الله المستمعين والمستمعات.

    المقدم: أحسن الله إليكم وشكر الله لكم، ذكرتم فيما مضى المنافذ إلى الجوف أنواعها وأصنافها والأمثلة عليها، وهناك ثمة أمثلة تعاطاها الناس ويسألون عن مدى تفطيرها للصائم، كمن ذرعه القيء أو تعمد التقيؤ لأمر أو لآخر ونحوها، كيف تندرج تحت أي نوع من الأنواع التي ذكرناها؟

    الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    نحن تحدثنا سابقاً عن مسألة ما هو الجوف؟ وخلاف أهل العلم، وقلنا: إن الراجح والله أعلم أن الجوف هو كل ما يصل إلى المعدة مما يتغذى منه البدن، أو يدخل عن طريق الفم مما يسمى لغة أكلاً أو شرباً، ولو لم يحصل به التغذية، فهذه لا بد من بيانها حتى ننطلق إلى المسائل التي تحدث عنها الفقهاء، وقد ذكرنا أن المنافذ التي تدخل الجسم سبعة: الفم، والأنف، والعين والأذن والقبل، والدبر، والبطن أو الجسد.

    ولعلنا نتحدث عن بعض المسائل التي تحدث عنها الفقهاء وجاء فيها بعض الأحاديث، وإن كان لا يصح في الباب منها شيء:

    الأول: القيء، فالقيء ذهب عامة أهل العلم بل نقل الإجماع على أن من تقيأ عمداً فإنه يفطر، وقد نقل الإجماع ابن المنذر وكذلك الخطابي وغير واحد من أهل العلم.

    واستدلوا بأدلة:

    أولاً: من السنة، والثاني: من الأثر، والثالث: من النظر.

    أما من السنة: فاستدلوا بما رواه الإمام أحمد و أبو داود وأهل السنن، من حديث عيسى بن يونس عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء عمداً فليقضِ )، وهذا الحديث تكلم فيه الأئمة الثقات الأثبات كـأحمد بن حنبل و أبي داود والإمام البخاري و الترمذي و الدارقطني وغير واحد من أهل العلم، فقالوا: إن الحديث لا يصح مرفوعاً، وإنما الصحيح أنه مرسل، بمعنى أنه لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد متصل، وأن عيسى بن يونس أخطأ في رفعه، وكذلك هشام بن حسان أخطأ في رفعه عن محمد بن سيرين ، وأن هشاماً أخطأ في ذلك، هذا مجمل كلام الأئمة في الحكم على الحديث.

    وعلى هذا نقول: إن الحديث لا يصح مرفوعاً، ومما يدل على ضعفه: أن الثابت عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه لا يرى في القيء بأساً، وهذه قاعدة أشار إليها العلماء، على أن الراوي إذا أفتى خلاف ما رواه مرفوعاً دل على أن المرفوع ضعيف، خلاف ما يقوله الأصوليون: إن العبرة بما روى لا بما رأى، والصحيح: أن الصحابي إذا جاء عنه طريقان: طريق مرفوع له حكم، وطريق موقوف له حكم، دل على أن المرفوع ضعيف؛ لأجل مخالفته للموقوف؛ لأن الراوي الصحابي لا يمكن أن يفتي بخلاف ما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لما نعلم من إيمانهم ويقينهم وانقيادهم لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فإن الثابت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (الفطر مما دخل، لا مما خرج)، كما رواه البخاري في التاريخ الكبير، وضعف حديث ابن عباس المرفوع بهذا الموقوف، وكذلك غيره من أئمة السلف.

    الدليل الثاني: الأثر، فقد روى مالك في موطئه بسند صحيح، من طريق نافع عن ابن عمر أنه قال: ( من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء عمداً فليقضِ )، وهذا يدل على أن ابن عمر رضي الله عنه كان يرى بالقيء أنه يفطر، وقد خالفه ابن عباس وخالفه أبو هريرة .

    ومما يقوي أيضاً أن القيء يفطر ما رواه الإمام أحمد و الترمذي من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر، قال الراوي: فذهبت إلى ثوبان رضي الله عنه فقال: صدق أنا صببت له من وضوئه )، وهذا الحديث يقويه الإمام أحمد ويقول: إن حسين المعلم يجود إسناده، وكذلك يقول الترمذي ، فدل ذلك على أن النبي صلى الله عليه وسلم تقيأ بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام عمداً فأفطر لأجل تقيئه، هذا من حيث الأثر.

    الدليل الثالث: النظر، فإن الذي يتقيأ عمداً فإنه يستخرج شيئاً من الطعام، وقطعاً سوف يبتلع شيئاً منه؛ لأنه سوف يبقى في حلقه، وإذا ابتلع شيئاً منه فإنما أخرجه عالماً ذاكراً مختاراً، فدل ذلك على أنه داخل في الفطر، فهو قد استدعى خروج شيء من الطعام الذي لا بد وأن يدخل منه في المعدة، وعلى هذا نقول: إن الأقرب والله أعلم أن القيء يفطر, هذا قول عامة أهل العلم، فإذا تقيأ الإنسان عالماً ذاكراً مختاراً، سواء أدخل أصبعه في حلقه أو شم شيئاً ويعلم أنه إذا شمه يتقيأ، أو نظر إلى شيء متعمداً ومثله إذا رآه يتقيأ، فإن كل هذه الأشياء داخلة في العمد الذي أشار إليه الفقهاء رحمهم الله تعالى، وعلى هذا فنقول: إن الراجح والله أعلم: أن القيء يفطر لا لأنه من باب الاستفراغ كما يقول بعض الفقهاء: إن كل ما كان من باب الاستفراغ فإنه يفطر كالإنزال وكالحجامة وكالقيء، لكننا نقول: يفطر من جهة أخرى. وكذلك الجماع أو الإنزال جاء عنه استفراغ لكنه بشهوة، وقد قال الله تعالى في الحديث القدسي: ( يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ).

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088524024

    عدد مرات الحفظ

    777121874