اللهم اغفر لنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما عملتنا يا أرحم الراحمين، أما بعد:
قال المؤلف رحمه الله: [الثالث: طواف الإفاضة].
طواف الإفاضة ركن وهو من أعظمها، كما قال تعالى: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29]، وقال تعالى: ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:33]، وأول وقته -يعني: أول وقت طواف الإفاضة- اختلف العلماء في ذلك، والراجح هو مذهب الشافعية والحنابلة، وهو أنه يبدأ من نصف ليلة النحر لمن وقف، وإلا فبعد الوقوف، ولا حد لآخره، يعني: أن من وقف بعرفة ثم مشى إلى مزدلفة، فإذا كان ذلك بعد الساعة الثانية عشرة تقريباً، يعني: بعد منتصف الليل فإنه يجوز له أن يطوف، ولا ينبغي له أن يخرج إلا لحاجة، فإن خرج أجزأ ذلك؛ لأن النبي جوز للضعفة أن يخرجوا ليلاً، ومن المعلوم أن كلمة: (ليلاً) لا يصدق عليها إلا قبل منتصف الليل أو بعده، فلما جاءت أحاديث فمنهم من يقدم منى في صلاة الفجر، ومن يقدم بعد ذلك، دل على أن ذلك إنما يكون قد بقي أكثر الليل في مزدلفة، ولم يثبت حديث صحيح يصار إليه في متى يخرجوا.
وأما حديث أسماء أنها قالت: ( هل غاب القمر؟ ) فليس فيه ما يدل على ذلك؛ لأن قول: إن النبي أذن للضعن، يعني: أذن للضعن أن يخرجوا، أما الوقت فإنه يظهر والله أعلم أن ذلك ينبغي أن يكون قبل الفجر بساعة أو ساعتين، لكن لو خرجوا بعد منتصف الليل أجزأهم ذلك، والله أعلم، وهذا مذهب الحنابلة والشافعية.
وإذا جاز لهم أن يخرجوا ليرموا فقد قال أحدهم: ( يا رسول الله! لم أكن أشعر فطفت قبل أن أرمي، والثاني: يقول: نحرت قبل أن أرمي ) فدل ذلك على أن ذلك يجزئ، وأما آخره فلا حد لآخره، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم، ولا ينبغي له أن يؤخره إلى أيام التشريق، فإن فعل فلا ينبغي أن يؤخره إلى آخر شهر ذي الحجة، فإن أخره فقد أساء، ولكن لا يجبره بدم على الراجح، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
ذهب الحنابلة إلى أن السعي ركن، والراجح كما قلت: إنه ليس بركن، والله أعلم؛ لأن الحديث الوارد في الركنية ضعيف ولا يصح، وأما قول عائشة : فلا والله! ما تم حج امرئ قط ولا عمرته من لم يطف بين الصفا والمروة، فنقول: هذا قول عائشة وقد خالفها غيرها من الصحابة، فإنه روي عنه كما روى ابن أبي شيبة بسند صحيح أن ابن عباس قال: من شاء فليطف، ومن شاء فلا، وهذا إنما كان في حق الناس، والله أعلم.
وقلنا: إن هذا قول عامة أهل العلم خلافاً لـمجاهد فإنه يرى أنه ركن.
نقول: هذا مذهب أحمد و أبي حنيفة ، وأما الشافعي فيرى أن ذلك مستحب استحباباً شديداً، وأما مالك فيرى أنه ركن، يقول أبو عمر بن عبد البر وهو مالكي: ولا أعلم دليلاً لـمالك ، ولكن الأقرب أنه لا ينبغي له، ولكن لو تركه لم يجبره بدم، والله أعلم.
ابن تيمية رحمه الله يقول: كلمة (مبيت) لم تثبت إلا بمنى، وأما مزدلفة فإن ذلك من صنع الفقهاء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: البيتوتة، وإنما وقف، والواجب في مزدلفة قوله تعالى: فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة:198]، وذكر الله يصدق في الصلاة وغيرها، والله أعلم.
ولا ينبغي له أن يخرج إلا بعد أن يصلي الفجر فيها، فإن خرج قبل ذلك ولو كان قوياً نقول: أساء، ولكن ليس عليه شيء؛ لأنه شرع له أن يخرج؛ ولهذا أقول: إن جواز الخروج له بعد منتصف الليل هو قول الحنابلة والشافعية، وهو قول مالك أيضاً؛ لأن مالكاً يرى أوسع من ذلك، فإن مالكاً يرى أنه لو وقف بمزدلفة بمثل وقت حط الرحال ثم خرج أجزأ ذلك، لكنه يرى أنه لا يرمي إلا بعد طلوع الفجر.
قال المؤلف: [والمبيت ليلة النحر بمزدلفة إلى بعد نصف الليل].
ومذهب جمهور أهل العلم أن المبيت بمنى أيام التشريق واجب؛ لقول ابن عمر : ( رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ
رمي الجمار واجب، وهذا قول عامة أهل العلم، فيرمي جمرة العقبة يوم العيد، ثم يوم الحادي عشر يرمي الصغرى والوسطى والكبرى، ولا ينبغي له أن يخالط فيرمي الكبرى ثم الوسطى ثم الصغرى، أو يرمي الوسطى ثم الصغرى، فإن فعل جاهلاً أو ناسياً فالذي يظهر والله أعلم أن ذلك يجزئه خلافاً للحنابلة، وهذا رأي شيخنا عبد العزيز بن باز ، ودليله ما قال عبد الله بن عمرو بن العاص : ( فما سئل يومئذٍ من تقديم بعض الأمور على بعض مما جهل المرء أو ينسى إلا قال: افعل ولا حرج ).
واجب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي موسى : ( فطف بالبيت ثم اسع بين الصفا والمروة ثم قصر وأقم حلالاً ) والله أعلم، ومن المعلوم أن الحلق أفضل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( اللهم ارحم المحلقين ) في حديث ابن عمر وفي حديث أبي هريرة : ( اللهم اغفر للمحلقين ثلاث مرات ) والله أعلم.
[وأما المرأة فلا يجوز لها الحلق].
ليس على النساء حلق إنما على النساء التقصير كما قال ابن عمر بسند صحيح.
الصحيح أن طواف الوداع واجب هذا قول جمهور الفقهاء خلافاً لـمالك ، فإن مالكاً و ابن المنذر يرون أن طواف الوداع سنة، يقول مالك : لأن النبي صلى الله عليه وسلم أسقطه عن الحائض والنفساء، ولو كان واجباً لأمرها أن تجبره بشيء، ولكن الجمهور يقولون: هو لم يجب عليها أصلاً حتى تجبره، وهذا القول أظهر لأن عمر رضي الله عنه كان يبعث إلى من يخرج أن يرجع، والله أعلم.
هذا المذهب والراجح أنها الإحرام والطواف، وأما السعي فواجب، [وواجباتها] يعني: واجبات العمرة شيئان، يقول المؤلف: [الإحرام بها من الحل، والحلق أو التقصير]، والراجح أن واجباتها ثلاثة: الأول: الإحرام، الثاني: السعي، الثالث: الحلق أو التقصير، وأما قوله: (الإحرام بها من الحل)، هذا إنما يكون إذا كان من أهل مكة، وأما غير أهل مكة فإنهم يحرمون بها من الميقات، والله أعلم.
نحن نقول: إن المبيت بمنى ليلة عرفة مستحب، وهو قول الأئمة الأربعة وقد نقل ابن المنذر الإجماع على ذلك، وخالف في ذلك الشيخ الألباني فإنه رأى وجوب ذلك، والصحيح عدم الوجوب؛ لحديث عروة بن مضرس فإنه لم يقف ليلة عرفة فيها، والله أعلم.
الرمل في الأشواط الثلاثة سنة، فإذا لم يرمل الشوط الأول وهو ناسٍ ثم تذكر رمل في الثاني والثالث فقط؛ لأن السنة في الأشواط الثلاثة الأولى، والرمل أي السرعة، وسنة الأشواط الأربعة الباقية المشي، والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: [والاضطباع فيه].
الاضطباع يشرع في طواف القدوم وفي طواف العمرة، وعلى هذا فإذا ذهب إلى عرفة مباشرة ثم رمى وحلق، ثم ذهب إلى البيت ومعه ثيابه فإنه لا يرمل؛ لأنه لم يكن قدوماً في حقه، والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: [ولبس إزار ورداء أبيضين نظيفين].
لقوله صلى الله عليه وسلم: ( ويحرم بإزار ورداء ونعلين ) وقوله: (أبيضين)؛ لقول ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم ).
السنة في العمرة أن يلبي حتى يمس الحجر، كما هو المذهب وهو اختيار ابن عباس رضي الله عنه، وروي مرفوعاً ولا يصح؛ لأن في سنده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو حديث ضعيف.
و ابن عمر يرى أنه يمسك عن التلبية إذا رأى بيوت مكة، والصحيح إذا شرع في الطواف، وأما في الحج فيلبي حتى يشرع في رمي جمرة العقبة؛ لما في الصحيحين من حديث الفضل بن عباس أنه قال: ( لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى جمرة العقبة )، والله أعلم.
تارك الركن لا يصح إلا أن يفعله، فإن كان له وقت فإنه لا يصح حجه ولكن يتحلل بعمرة، ولا شيء له وقت إلا الوقوف بعرفة، ومن ترك واجباً فعليه دم، كما مر معنا، وحجه صحيح، ومن ترك مسنوناً فلا شيء عليه، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
لأنه لا يصح وربما يدور في البيت؛ لأنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فلا بد أن ينوي أن ذلك عبادة، وهل كل شوط له نية؟ الصحيح أنه ليس لكل شوط نية، فلو نوى مرة واحدة أجزأه ذلك، والله أعلم.
والصحيح أيضاً أن كل شوط له حكم، وعلى هذا فالذي يظهر أنه لو طاف الشوط الأول والثاني والثالث، ثم أحدث في الشوط الثالث جاز له أن يذهب فيتوضأ ويكمل ويبني على ما مضى فيعيد الشوط الثالث، هذا الذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
كذلك: [والإسلام] وهذا ثابت، [والعقل] كذلك ثابت، وضده الجنون، وقد مر معنا.
كذلك [ستر العورة]، فإن الإنسان يجب عليه أن يستر عورته؛ لقول أبي بكر : لا يطوف بالبيت عريان، ولا يطوف بعد العام مشرك.
كلك [الطهارة من الحدث].
ذهب الأئمة الثلاثة مالك و الشافعي و أحمد إلى أن الطهارة من الحدث شرط، ومعنى الشرط أنه لو طاف ولو معذور لا يصح، والقول الثاني -وهو قول أبي حنيفة ورواية عند الإمام أحمد - أن الطهارة واجبة، وعلى هذا فإن طاف من غير طهارة وجب عليه أن يعيد، فإن لم يعد فإنه حينئذٍ يجبره بدم ويصح حجه، هذا هو الراجح، والله أعلم، وقال بعض أهل العلم بأنه سنة.
أقول: إن المعروف عن ابن تيمية رحمه الله كما نقل ذلك تلاميذه أن قوله قريب من قول أبي حنيفة فيرى أنه واجب؛ ولهذا قال في حق الحائض: إن كانت معذورة طافت ولا شيء عليها، وإن كانت غير معذورة، يعني: إذا كان أهلها لا يرون بأساً في أن ينحبسوا لها، فإنها لو طافت تجبره بدم، وإن كانت اضطرت إلى ذلك بسبب أن القافلة سوف تذهب فليس به بأس.
ومن المعلوم أن السنة لا يقال: فيها جبر دم، هذا الذي يظهر من قول ابن تيمية رحمه الله، وإن كان له ألفاظ تدل على الاستحباب، لكنه ليس من باب التقرير، ولكنه من باب الرد على المخالف، ومن المعلوم أن المفتي والعالم إذا رد على المخالف لا يلزم أن يكون ردوده كلها يقول بها، وهذا معلوم لمن بحث في مسائل كتب أهل العلم.
على هذا فإن القول بأن الطهارة من الحدث مستحبة قول بعيد، وقد نقل ابن حزم الإجماع على أن الحائض ممنوعة من الطواف بالبيت؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لـعائشة : ( افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري ).
إذاً: المذهب عند الحنابلة أن الطهارة من الحدث شرط صحة للطواف، والراجح أن ذلك واجب وليس بشرط وليس بسنة.
وكذلك [جعل البيت عن يساره].
هل المقصود أنه لا بد في كل طواف أن يجعل الكعبة على يساره، أم المقصود أنه إذا شرع في الطواف أن يذهب جهة اليمين ليجعل الكعبة عن يساره؟ الذي يظهر والله أعلم أن المقصود بالشرطية أنه يذهب جهة يمينه ليكون البيت عن يساره، فإن اضطر إلى أن يجعل البيت قبلة وجهه، أو أن يجعل البيت خلفه بسبب الزحام فإنه لا يلزمه أن يرجع فيصحح؛ لأن أبا بكر كان يحمل الصبي بين يديه، ومن المعلوم أنه لم يكن يضعه على يساره، وهذا خلافاً لـأبي حنيفة فإن أبا حنيفة يقول: لو استقبل الحجر ثم ذهب جهة يساره ليجعل الكعبة عن يمينه أن ذلك يجزئه، والصحيح أن ذلك لا يجزئه، فإن ذهب جهة اليمين ليجعل الكعبة عن يساره فإن ذلك هو الواجب وهو الشرط ولا فرق بين أن يجعل الكعبة قبلة وجهه بسبب الزحام وغير ذلك، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
الحنابلة يرون أن الراكب لا يصح طوافه، والصحيح أن الراكب إن كان معذوراً صح بلا كراهة، وإن كان غير معذور، فإنه يصح مع الكراهة، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكباً وطاف غير راكب، وإنما طاف راكباً ليراه الناس ويشرف أن يسألوه، ومن المعلوم أن هذه الحاجة ليست حاجة شديدة، لو كان عدم الركوب شرطاً، والصحيح أن الركوب خلاف السنة، فإن كان لحاجة جاز، وإن كان لغير حاجة كره، ولكن الصحيح أن الطواف صحيح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لـأم سلمة لما قالت: ( إني شاكية قال: طوفي من وراء الناس وأنتي راكبة ) فدل ذلك على جواز الطواف بالركوب، ومن المعلوم أن الحاجة لا يسقطها الشرط، والله أعلم.
المقصود الموالاة بين الأشواط، والمقصود بالموالاة: ألا يطل الفصل عرفاً، فإن طاف ثم صلى للجنازة أو صلى للفريضة، فإن هذا لم يطل، أو ذهب ليتوضأ قريباً فإن هذا لا بأس، أو طاف ثم جلس يرتاح لسبب تعب به أو تعب بأهله فلا بأس، والمقصود ألا يجعل طواف بعض الأشواط ليلاً والبعض نهاراً، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
الحنابلة يرون أن من أحدث أثناء طوافه فإنه يجب عليه أن يستأنف، وقلنا: إن الأقرب أن كل شوط له حكمه، والله أعلم.
قال المؤلف: [وكذا لقطع طويل] يعني: لو أنه طاف الشوط الأول بعد صلاة الفجر، والشوط الثاني بعد صلاة الظهر فهذا فاصل طويل، فكأن وجود بعض الأشواط كعدمها، فلا بد أن يستأنف سبعة أشواط جديدة.
قال المؤلف: يقول: [وإن كان يسيراً أو أقيمت الصلاة أو حضرت جنازة صلى وبنى من الحجر الأسود]، المؤلف يقول: إن كان القطع طويلاً لا يصح، وإن كان يسيراً لحاجة مثل أن أقيمت الصلاة، أو حضرت جنازة، أو صلى صلاة بسبب صلاة التراويح إذا كان يريد أن يصلي الوتر فمثل هذا يسير، يقول المؤلف: [بنى من الحجر]، يعني: لو أنه وقف في أثناء الشوط فإنه إذا صلى فيجب أن يعيد من الحجر، والصحيح القول الثاني وهو مذهب الشافعي أنه يجزئه ولو من مكانه، والله أعلم.
هذا هو السنة أن يستلم الركن اليماني، وهل يقول بعد استلام الركن اليماني شيئاً؟ الراجح أنه لا يقول شيئاً وقد ذكر ابن القيم في زاد المعاد أنه يقول: الله أكبر، وهذه رواية ضعيفة ولا تصح، فقد روى الطبراني هذ اللفظ بطرق، ولم يذكر فيه التكبير، فلعل هذا وهم، والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: [وكذا الحجر الأسود].
استلام الحجر الأسود يكون على مراتب:
المرتبة الأولى: إما أن يقبله وهو أفضل، المرتبة الثانية: أن يستلمه ويقبل يده، المرتبة الثالثة: أن يستلمه بلا تقبيل، المرتبة الرابعة: أن يستلمه بشيء معه، المرتبة الخامسة: أن يشير إليه، فهذه خمس مراتب والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم، ومن المعلوم أن الإشارة ليست هي كإشارة التكبير في أثناء الصلاة، فإن بعض الإخوة بل بعض الفضلاء إذا وقف عند الحجر يقول: الله أكبر وهذا خطأ، بل يشير إشارة الله أكبر، والله أعلم.
يعني: الدعاء في المواطن التي يشرع فيها مستحب، ومن الدعاء أن يقف عند استقباله للبيت، وهو صاعد في الصفا وكذلك في المروة، والله أعلم.
[والذكر].
أن يذكر الله سبحانه وتعالى في ذهابه ومجيئه [والدنو] من البيت.
يستحب للإنسان أن يدنو من البيت هذا على سبيل الاستحباب في قول عامة أهل العلم خلافاً لـابن حزم رحمه الله.
بألا يطيل الفصل بينهما هذا مذهب الحنابلة، والقول الثاني: أنه إذا كان إطالة لعذر بشرط ألا تكون إطالة فاحشة أن ذلك معذور، وهذا جيد، وقد كانت امرأة عروة بن الزبير بنت عبد الله بن عمر امرأة ضخمة يقول الحسن : وكانت تجعل عمرتها ثلاثة أيام، وهي بنت عبد الله بن عمر وامرأة فقيه من الفقهاء السبعة عروة بن الزبير ، فدل ذلك على أنه إذا كان ذلك لعذر فإنه لا بأس شريطة ألا يكون ذلك من باب الترفه، والله أعلم.
وعلى هذا فإنه إذا طاف شوطين أو ثلاثة وازدحم الناس وخاف على نفسه وذهب حتى كان الليل فطاف أن ذلك لا بأس به، ولا يلزم أن يستأنف، والله أعلم.
الراجح أن المشي سنة، ولو ركب من غير حاجة جاز مع الكراهة، وأما مع الحاجة فيجوز من غير كراهة، وكونه بعد طواف هذا مذهب عامة أهل العلم، بل كما قلت: حكى الماوردي و الحطاب و النووي أنه لا يصح سعي إلا أن يسبقه طواف مشروع، والواجب غايته أنه يسقط مع العجز وعدم الإدراك، فإذا كان ناسياً وجاهلاً فإن أمكن أن يصحح فإنه يؤمر أن يصحح، وإلا فإن الراجح أنه إذا كان جاهلاً أو ناسياً فلا بأس، بينما المتعمد يشترط عليه ألا يسعى قبل أن يطوف.
السبع، يعني: أنه ينبغي له أن يكمل السبعة الأشواط وتكون من الصفا إلى المروة شوط، ومن المروة إلى الصفا شوط آخر، وقد كان في السابق أصحاب العربات مجرد أن ينتهي الجدر التي عن يمينهم وشمالهم ينحرفون مسرعين ويرجعوا، مع العلم أنهم لم يصعدوا إلى بداية الصفا، وهذا لا يصح، وذكرت لشيخنا عبد العزيز بن باز هذه القضية وقال: نخبرهم، ثم مد الجدر إلى بداية الرخام المتربع الصغير بحيث يعلم أنه بدأ من الصفا إلى المروة.
لو بدأ بالمروة إلى الصفا فوجوده كعدمه لأنه لغو.
يستحب الطهارة وقد جاء في رواية عائشة : ( افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت وبين الصفا والمروة )، ولكن هذه رواية منكرة، والصحيح أنه لا بأس بأن تسعى بين الصفا والمروة من غير طهارة، وأما الطهارة له فإنه من المعلوم أنه عبادة، والأولى بالعبادة أن يكون الإنسان فيها على طهارة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث المهاجر بن قنفذ : ( إني كرهت أن أذكر الله وأنا على غير طهر ) وفي صحيح مسلم من حديث ابن عمر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد على من سلم عليه وهو يقضي حاجته )؛ وذلك لأنه محدث، والله أعلم.
يعني: لو كشف أول فخذه، فإن طوافه أو سعيه صحيح، ولكن لا ينبغي أن يصنع ذلك، وهذا يحصل أحياناً أيها الإخوة! في الرجل السمين، فإنه أحياناً تخرج سرته وما تحت السرة بكثير، فيطوف وهو على حالته تلك بين الصفا والمروة أو في الطواف، أما في الطواف فعلى المذهب فإنه لا يصح؛ لأنهم يرون أن خروج السرة ليست بعورة، وخروج الركبة ليست بعورة كما هو مذهب الثلاثة خلافاً لـأبي حنيفة ، ولكن خروج ما تحت السرة عورة؛ ولهذا يجب أن يحتاط لذلك، وإن كنا نقول: إن الراجح صحة الطواف، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
يعني: لو أنه طاف من النهار ثم ارتاح وسعى في الليل فإنه لا بأس، لكن السنة أن يوالي بين الطواف والسعي.
قال المؤلف رحمه الله: [وسن أن يشرب من ماء زمزم لما أحب، ويرش على بدن وثوبه، ويقول: بسم الله اللهم اجعله لنا علماً نافعاً ورزقاً واسعاً ورياً وشبعاً وشفاءً من كل داء، واغسل به قلبي، واملأه من خشيتك].
لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء مخصوص عند الشرب من ماء زمزم، وقد قال صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم من حديث أبي ذر : ( ماء زمزم طعام طعم ) وقال في حديث أبي داود الطيالسي : ( ماء زمزم لما شرب له ) وهذا الحديث قواه الحافظ ابن حجر وقد ألف رسالة في جمع أحاديث شرب ماء زمزم، ( وماء زمزم لما شرب له )، كما جاء في حديث أبي داود الطيالسي ، وقد كان الأئمة إذا أرادوا أن يشربوا من ماء زمزم دعوا الله بخير ما يريدون، فكان الإمام ابن حجر يشرب ويتضلع من ماء زمزم ويقول: اللهم ارزقني حافظة مثل حافظة الإمام الذهبي ، الإمام الذهبي كان بارعاً في علم الرجال، حتى قيل من شدة حفظه: لو أن الذهبي وقف على الصراط لقال حين يمر في الصراط: فلان بن فلان ثقة، وفلان بن فلان ضعيف من شدة حفظه للرجال رحمهم الله رحمة واسعة.
يقول السخاوي معلقاً على كلام وحفظ الإمام ابن حجر وقد كان تلميذه، قال: فرزقه الله حافظة أوسع من حافظة الذهبي ، وأنا أقول: بعيد.
أما قوله: (يرش على بدنه وثوبه) فهذا لم يثبت فيه شيء، لكن ينبغي إذا أراد به الاستشفاء أن يفعل ذلك، ومن المعلوم أن ماء زمزم إذا نواه الإنسان أن يشبعه فإنه يشبعه، فإنه جاء في صحيح مسلم أن النبي قال لـأبي ذر حينما جاء من اليمن: ( منذ كم؟ فذكر أنه جلس ليال، قال: وأين عشاؤك وغداؤك؟ قال: جعلت زمزم لي حتى إني لأرى عكن بطني ) يعني: من شبع، يعني: كأنه يأكل لحماً وشحماً؛ لكنه لأنه نواه أن يكون عشاءه وغداءه، فقال صلى الله عليه وسلم: ( ماء زمزم طعام طعم ) والمشكلة أن كثيراً من الناس يذهبون إلى مكة والمدينة ولا يشربون، والأحسن منهم يشربوا بالكأس الصغير، وقد جاء في حديث: ( أن الفرق بيننا وبين المنافقين التضلع من ماء زمزم )؛ لأن له نكهة، واليوم خفت هذه النكهة، فلا تحرم نفسك الدعاء أن يصلح حالك وبالك، وأن يرزقك العلم النافع والقلب السليم.
هذه اللفظة خطأ من المؤلف، فلا يجوز شد الرحال لها، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة و أبي سعيد : ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ) والقاعدة في هذا أنه لا يجوز شد الرحال إذا جمع بين أمرين وهما: أن يقصد بقعة للتعبد، فإن زار أخاً له تعبداً فلا حرج، ولو ذهب ليصلي على جنازة جاز، لماذا؟ لأنه لم يزر بقعة وإنما زاره لأجل الصلاة، ولو طلب منه زميله أن يأتي إليه ويسافر ليريه فلَّته وبيته فهو جائز؛ لأنه قصد بقعة ولكن ليس للتعبد، فإذا زار بقعة لذات التعبد فهذا هو الذي يحرم، ومن ذلك قبر النبي صلى الله عليه وسلم.
يقول ابن تيمية : ولم يقل أحد من أهل العلم أنه يستحب زيارة القبر وشد الرحال للقبر إلا ما حكي عن العز بن عبد السلام و الجويني و الغزالي فإنهم قالوا: يجوز، ولم يقولوا: يستحب، والمؤلف رحمه الله إنما ذكر ذلك من باب التجوز؛ لأنه أراد أن يجوز أن يذهب إلى المدينة فيذهب إلى المدينة، وإن نوى زيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وزيارة قبره جاز؛ لأن زيارة القبر صارت تبعاً، والله أعلى وأعلم.
ومن المعلوم أنه لم يكن واحد من الصحابة يذهب إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم عليه، إلا ما حفظ عن ابن عمر ، و بالمناسبة فإن مالك بن أنس إمام دار الهجرة كره أن يقول: زرت قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، قال ابن تيمية : وذلك لأنه مخالف للغة والشرع، فإن قبر الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن أحد ليزوره لأنه داخل في الحجرة، ومن زار الحجرة هل زار الحجرة أم زار القبر؟ الجواب: أنه زار الحجرة، أقول: قول مالك من باب حفظ جناب التوحيد، وإلا فمن المعلوم أن الإنسان لو قال: زرت قبر الرسول لم يقصد ذات القبر، وإنما قصد المكان، وما زال الأئمة يذهبون إلى هذه الغرفة، ويسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يتقدمون فيسلمون على أبي بكر ، ثم يتقدمون قليلاً فيسلمون على عمر ، ولا حرج في ذلك إن شاء الله تبارك وتعالى.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( ما من مسلم يسلم عليّ إلا رد الله عليّ روحي فأرد عليه السلام )، وهذا سواء كان الذي في جنب الغرفة أو الذي هنا كلهم سواء، فالذين في المسجد النبوي يمرون على الحجرة فيسلمون على الرسول صلى الله عليه وسلم، أو نحن نسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم هنا فكلنا سواء؛ ولهذا ينبغي للإنسان ألا يبخل أن يصلي على النبي ويكثر من السلام عليه، فإن : أبي بن كعب قال: ( يا رسول الله! كم أجعل لك من صلاتي -يعني: من دعائي- قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك، قال: أجعل لك ثلثها -يعني: أدعو ثلثين لي وثلثاً لك- قال: ما شئت، وإن زدت فهو أفضل، قال: أجعل لك نصفها؟ قال: ما شئت وإن زدت فهو أفضل، قال: أجعل لك صلاتي كلها -يعني: ما أدعو لنفسي أدعو لك أنت- قال: إذاً يكفى همك ويغفر ذنبك ).
الله المستعان يا إخوان! والله العظيم إننا بخلاء بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حتى إننا في يوم الجمعة لو سألنا كم صليت على النبي؟ لربما قال: عشراً؛ لأنك تعودت تصلي في المغرب عشراً، أنا أعرف واحداً يقول: أصلي على النبي يوم الجمعة أكثر من ستة آلاف ومائتين وخمسين صلاة، اللهم صل وسلم على رسول الله، هذا حق علينا، بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.
الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بألف صلاة؛ لما جاء في صحيح مسلم من حديث ميمونة أنها قالت: ( صل في هذا المسجد، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة إلا مسجد الكعبة ) وقال: (تعدل ألف صلاة)، وأما قوله: (في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة) فهذا جاء في بعض الروايات، ولكن في سندها نكارة، وأحسن شيء في الباب ما جاء في حديث ميمونة : ( إلا مسجد الكعبة فأطلق ) فيمكن مائة ألف ويمكن أن يكون أكثر، ويمكن أن يكون أقل، وأما ما جاء في رواية مسجد الأقصى خمسمائة صلاة، فهذا حديث لا يصح، والله أعلم؛ ولهذا قال المؤلف: [وفي المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة]، وهذا حديث ضعيف ولا يصح.
ومعنى الفوات: من فاته الحج، والإحصار: من عجز عن إكمال الحج، أو من عجز أو صد عن البيت.
أفادنا أنه إن كان لعذر فلا يأثم، وإن كان لغير عذر أثم ويلزمه ما يلزم المعذور، قال: [لعذر حصر أو غيره فاته الحج].
إذاً المعذور وغير المعذور في الفوات واحد، [فاته الحج وانقلب إحرامه عمرة]، فحينئذٍ يجب عليه أن يتحلل بعمرة إن كان يستطيع أن يصل إلى البيت، يقول المؤلف: [ولا تجزئ عن عمرة الإسلام] يعني: أن عمرة الإسلام واجبة، لكن هذه لا تجزئ عنها؛ لأنها بدلاً عن إحرام الحج، وليست عمرة كاملة والله أعلم، وهذا هو الصحيح.
قال المؤلف: [فيتحلل بها] يعني: يتحلل عن الحج بالعمرة [وعليه دم] كما مر معنا وهو قول عمر ، [والقضاء في العام القابل]، إن كان لم يحج حجة الإسلام فيجب عليه الحج من قابل إن كان قادراً، وإن كان قد حج حجة الإسلام، فالراجح أنه إذا كان لم يقف بعرفة لعذر لا يلزمه، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
قال المؤلف: [لكن لو صد عن الوقوف فتحلل قبل فواته فلا قضاء] يعني: أن المحصر إذا صد عن البيت فتحلل من عمرة بأن حلق ولو لم يقف بعرفة فإنه لا يلزمه القضاء إذا كان قد حج حجة الإسلام، والله أعلم.
وأما ما يسمى بعمرة القضاء فإن الذين اعتمروا مع النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الثانية لم يكن كلهم هم الذين أدركوا معه العمرة الأولى، فدل ذلك على أن الإحصار يكفي، والله أعلم.
وهذا لقوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196]، [فإن لم يجد صام عشرة أيام بنية -تحلل- وقد حل]، وهذا صح عن ابن عمر ، وهو قول أكثر أهل العلم.
ثم قال: [ومن حصر عن طواف الإفاضة فقط، وقد رمى وحلق لم يتحلل حتى يطوف] لم؟ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( حينما أراد
هذه فائدة أن الإنسان إذا اشترط، فلا بد في الاشتراط أن يتلفظ لقوله، فإن محلي حيث حبستني، أما لو نواه من غير شرط فلا يجزئ.
الفائدة الثانية: أنه لو اشترط فإن العلماء أو الحنابلة يقولون: يجزئ إذا كان معذوراً، والحيض هل يعتبر عذراً؟ الحنابلة يرون الحيض عذراً، والصحيح أن أي عذر يمنعه من الوصول من البيت ولو كان عذر المرض فإن ذلك ينفعه، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
انتهينا من الكتاب نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
الجواب: إذا قبل زوجته وهي راضية فعليهما فديتان، والله أعلم.
الجواب: ابن حزم يقول: فسد حجه، فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ [البقرة:197] والصحيح أن حجه صحيح لكنه ناقص، والله أعلم.
الجواب: لا يصح، والله أعلم.
الجواب: يعني: من أحرم بعمرة هل يدخل عليها الحج ليكون قارناً؟ نقول: إن فعل أجزأ، ولو من غير عذر؛ لكن الأولى ألا يصنع، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
الجواب: نقول حجه صحيح لكنه آثم، وأي إثم أعظم، ولا يحصل على ثواب من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق، والله المستعان.
الجواب: نقول: إن كان قد حج حجة الإسلام فيجوز ولكن ليس بسنة، فالجواز شيء والسنة شيء آخر، وهذا هو المذهب عند الحنابلة ومذهب أبي حنيفة .
الجواب: الفقه ليس أن تحفظ المسائل، الفقه أن تفهم الأدلة وتفهم خلاف الأئمة؛ ولهذا يقولون: أجمع أهل العلم على أن من لم يعرف الخلاف لا يعد فقيهاً.
الجواب: يبدأ بالزكاة؛ لأنها واجبة قبل الحج؛ ولأن المال حال عليه الحول.
الجواب: نعم، جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية ورواية عند الإمام أحمد اختارها أبو العباس بن تيمية على أن الاستمناء محرم، والرواية الأخرى عند الإمام أحمد أن ذلك لا بأس به، وهو قول مجاهد إذا استدعته الشهوة، يعني: جاءته الشهوة وخاف على نفسه العنت، أما من يتطلبها فيقول ابن تيمية : هذا محرم بلا إشكال.
لعلنا نقف عند هذا أيها الإخوة! وجزاكم الله خيراً، أسأل الله أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر