قال المؤلف رحمه الله: [كتاب اللعان.
إذا رمى الرجل زوجته بالزنا فعليه حد القذف أو التعزير إلا أن يقيم البينة أو يلاعن، وصفة اللعان أن يقول الزوج أربع مرات: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت هذه من الزنا ويشير إليها، ثم يزيد في الخامسة: وأن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم تقول الزوجة أربعاً: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا، ثم تزيد في الخامسة: وأن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، وسن تلاعنهما قياماً بحضرة جماعة وألا ينقصوا عن أربعة، وأن يأمر الحاكم من يضع يده على فم الزوج والزوجة عند الخامسة، ويقول: اتق الله فإنها الموجبة وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة.
فصل: وشروط اللعان ثلاثة: كونه بين زوجين مكلفين، الثاني: أن يتقدمه قذفها بالزنا، الثالث: أن تكذبه ويستمر تكذيبها إلى انقضاء اللعان.
ويثبت بتمام تلاعنهما أربعة أحكام: الأول: سقوط الحد أو التعزير، الثاني: الفرقة ولو بلا فعل حاكم، الثالث: التحريم المؤبد، الرابع: انتفاء الولد، ويعتبر لنفيه ذكره صريحاً، كأشهد بالله لقد زنت، وما هذا ولدي].
قال المؤلف رحمه الله: (كتاب اللعان).
واللعان في اللغة: مصدر لاعن يلاعن ملاعنة إذا تبادل اللعن مع غيره.
واللعان شهادات مقرونة بلعن أو غضب بين زوجين، وسبب اللعان هو رمي الزوج زوجته بالزنا سواء بشخص معين أم غير معين.
الحالة الأولى: أن يقيم البينة على ما قال، والبينة هنا أن يشهد أربعة شهود على أن الميل قد دخل المكحلة؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما كما في الصحيحين: ( أن
الحالة الثانية: ألا يقيم البينة ولكنها تقر بالزنا، فإن أقرت بالزنا فيقام عليها حد الزنا والعياذ بالله؛ لأن الإقرار سيد الأدلة كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم بـماعز و الغامدية حينما أقرا بذلك.
الحالة الثالثة: ألا يقيم البينة ولا تقر، فهذا يعد قذفاً، فإما أن يقام عليه حد القذف أو يلاعن.
يقول المؤلف: (إذا رمى الزوج زوجته بالزنا فعليه حد القذف).
قال الحنابلة: إذا كانت المرأة محصنة يعني: مسلمة عفيفة حرة عاقلة ففي قذفها الحد، أو التعزير إن كانت غير محصنة مثلما لو تزوج كتابية, وكانت الكتابية لا ترد يد لامس واشتهرت بذلك، فأولاً: يجب عليه أن يفارقها وإلا صار ديوثاً كما قال ابن تيمية ، ولكن لو قذفها بذلك فلا يقام عليه حد القذف.
يقول المؤلف: (إلا أن يقيم البينة) وقد مرت معنا، والبينة معلومة وهي: أربعة شهود، (أو يلاعن) المؤلف اختصر، والحالات الثلاث التي ذكرناها هي على الترتيب، وقد اختلف العلماء هل نزول آية اللعان وهي قوله تعالى: وَالذينَ يَرْمونَ أَزْوَاجَهمْ وَلَمْ يَكنْ لَهمْ شهَدَاء إلا أَنفسهمْ فَشَهَادَة أَحَدهمْ أَرْبَع شَهَادَات [النور:6]، كان في هلال بن أمية أم نزلت في عويمر العجلاني ؟ قولان عند أهل العلم.
والأصح والله تبارك وتعالى أعلم (أن
قال العلماء: فأول من سأل عويمر، ولكن نزول الآية إنما نزلت أولاً في حق هلال بن أمية حينما (قال له رسول الله: البينة أو حد في ظهرك، قال: والله إني لصادق، فنزلت الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاها على
يعني نقول: إن أول من سأل عويمر ، وأول من نزل في حقه هلال بن أمية.
وسبب ذكر اللعن في حق الزوج والغضب في حق المرأة -كما قال بعض أهل العلم- أن المرأة في الغالب تكثر اللعن فإذا قيل لها: قولي: وأن لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين ربما لا تستشعر عظم الأمر، بخلاف ما لو قيل لها: إن غضب الله عليها، والعلم عند الله سبحانه وتعالى.
فإذا قال في الخامسة: إن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، نظر إلى المرأة فإن صدقته أقيم عليها حد الزنا، وإن نكلت على اليمين، وهذا هو الأظهر وهو ما عليه جمهور العلماء كما قال ابن القيم رحمه الله، فإذا تم لعان الزوج سقط عنه حد القذف، وإن نكلت المرأة صارت أيمان الرجل مع نكول المرأة بينة قوية لا معارض لها فيقام عليها الحد؛ وذلك أن الرجل لا يمكن أن يقدم على فساد فراشه إلا أن يكون عنده بينة, أو أنه صادق في نفسه, ولا يقدم عاقل على مثل هذا إلا لخطورة وفداحة الأمر، (ثم تقول الزوجة -بعد ذلك- أربع مرات: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا, ثم تزيد في الخامسة: وأن غضب الله عليها إن كان من الصادقين).
استدلوا بحديث ابن عباس عند البخاري ، وفيه أن هلالاً جاء فشهد ثم قامت فشهدت، ويظهر لي والله أعلم أن هذا لا يفيد الاستحباب؛ لأنه لو أخذنا بهذا الحديث فهلال لم يقم، بل الذي قام هي المرأة، فهذا يدل على أنه لا يستحب، فربما قامت المرأة لأنها كانت بعيدة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك، والاستحباب حكم شرعي لا يثبت إلا بمقتضى دليل شرعي، وكونها قامت لا يدل على الاستحباب، وغاية ما يقال: إن هذا فعل صحابي، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يشر إلى استحبابه، ولو قلنا باستحبابه لأنه أقره فسنقول أيضاً باستحباب الجلوس؛ لأن هلالاً جلس وأقره.
أما قوله: (بحضرة جماعة) فهذا هو الأصل؛ لأن الزنا قد قال الله تعالى فيه: وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهمَا طَائفَة منَ الْمؤْمنينَ [النور:2] وهذا في حكمه؛ لأن بداية الأيمان هو شروع في العذاب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لـهلال بعدما حلف الرابعة فذكره صلى الله عليه وسلم وقال: ( يا
يقول المؤلف: (وألا ينقصوا عن أربعة) يعني: الجماعة لا ينقصوا عن أربعة، قالوا: لأن الزوجة ربما لو أقرت فشهد عليها هؤلاء الأربعة فيكون هناك شهادة, وهذا محل نظر؛ لأن إقرار الشخص في مجلس القضاء يعد بينة، وهي إذا أقرت أقرت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مجلس القضاء.
يقول المؤلف: (وأن يأمر الحاكم من يضع يده على فم الزوج والزوجة عند الخامسة، ويقول: اتق الله؛ فإنها الموجبة وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة).
أما وضع اليد فالصحيح أنه لا يشرع لكنه يذكر بعد الرابعة كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث الوارد في هذا ضعيف رواه الجوزجاني ، ورواية الصحيحين ليس فيها: فأمسك بفيه، أو على فمه، أو على فمها.
قلنا: إن اللعان إنما شرع في حق الزوجين؛ لأن الزوج لا يقدم على ذلك إلا خوفاً من خراب فراشه وأن تنسب المرأة إليه ما ليس منه من أولاده، فكان تخفيف الشارع ورحمته في هذا الرجل بأن يشهد أربع شهادات فكانت هذه الشهادات في حكم الشهود، وشهادته الخامسة مقوية لذلك.
وأما تقديم الزوج فقال بعض أهل العلم: تقديم الزوج في ذلك لأن اليمين تتجه إلى أقوى المتداعيين، والزوج لا يقدم إلا أنه في الغالب أقوى من المرأة؛ فلذا قال ابن عبد البر كما في التمهيد: والسنة في ذلك أن اليمين إنما تتوجه لأقوى المتداعيين في الحق، ونسبه إلى جمهور العلماء.
وقوله: (بين زوجين)؛ لقوله تعالى: وَالذينَ يَرْمونَ أَزْوَاجَهمْ وَلَمْ يَكنْ لَهمْ شهَدَاء إلا أَنفسهمْ [النور:6]. والتكليف؛ لأن قذف غير المكلف لا يوجب حداً كما قال أهل العلم.
(الثاني: أن يتقدمه قذفها بالزنا)، يعني: لا بد حين اللعان أن يكون قد قذفها بالزنا، سواء كان بشخص معين أم غير معين.
(الثالث -من شروط اللعان- أن تكذبه الزوجة)؛ لأنها إن لم تكذبه لها حالان: إما أن تقر وإما أن تنكل، فإن أقرت أقيم عليها الحد، وإن نكلت فالراجح الذي عليه جمهور أهل العلم أنه يقام عليها حد الزنا كما قلنا في ترجيح ابن القيم لذلك ونسبته للجمهور، فلو نكلت عن الأيمان، وقالت: لا أريد أن أحلف أقيم عليها الحد؛ ولهذا جاء في الرواية: ولم تقر؛ ولهذا في قصة هلال بن أمية : (فقامت فشهدت أربع شهادات إنه لمن الكاذبين، قال: فلما كانت الخامسة ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لها: اتق الله؛ فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وإنها الموجبة، قال: فتلكأت ساعة ثم قالت: والله لا أفضح قومي سائر اليوم ثم حلفت الخامسة، وقال صلى الله عليه وسلم: انظروها فإن جاءت به ...)، فهذا يدل على أن الشارع يتشوف إلى الستر لا إلى إيقاع العقوبة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (فإن جاءت به أكحل كذا وكذا فهو لـ
نقول: لأن الشارع لم يقصد بإيجاد أربعة شهود إلا التثبت وقصد الستر، فلو قام ثلاثة لأقيم عليهم الحد، وهل يشك أحد في صدق أناس حفاظ عيونهم كالصقر وهم ثلاثة ربما يكونون أقوى من أربعة ضعفاء، لكن الشارع يقصد الستر وصون الأعراض وبقاء الأنساب ولا يقصد إلى وقوع العقوبة أو إثبات الزنا، نعم يحق للقاضي إذا ثبت له أن هذا الحمض لهذا الرجل فماؤه في بطن هذه المرأة أن يعزره، أما أن يقيم عليه حد الزنا فليس له ذلك؛ وإن كانت هذه قرينة قوية ولا شك، وربما تكون أقوى من الأربعة في نظر الكثير، لكن الشارع لا يقصد إيقاع العقوبة؛ لأننا لو نظرنا إلى المسألة وقلنا: ربما شاهدين ثبتين عدلين يعلمون واقع الحال ربما يكونان أقوى في نظرنا من أربعة كبار السن ضعاف, فهؤلاء يقام الحد بشهادتهم ويقام على هؤلاء الحد بقذفهم، فالمسألة ليست مسألة تيقن بأكثر من أن تكون ستراً وقصداً لبقاء الأنساب وحفظ الفرش.
يقول المؤلف: (الثالث: أن تكذبه ويستمر تكذيبها إلى انقضاء اللعان) يعني: لو حلفت الأولى والثانية والثالثة والرابعة ثم تلكأت أقيم عليها الحد، فلا بد أن تشهد خمس مرات أو خمس شهادات.
يقول المؤلف: (الثاني: الفرقة) يعني أن يفرق بين الزوج وزوجته، يقول المؤلف: (ولو بلا فعل الحاكم)؛ لأن وجود اللعان بين الزوجين كاف في الفرقة بينهما؛ لقول ابن عمر: فكانت سنة المتلاعنين، سواء حكم الحاكم بذلك -يعني قال: وفرقت بينهما- أم لا.
وقال بعضهم: لا تحصل الفرقة حتى يفرق الحاكم بينهما؛ لقول ابن عباس: ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، والأقرب والله أعلم هو مذهب الحنابلة؛ لأن قول ابن عباس: ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما هذا بيان لتشريع الحكم؛ لأنه لم يكن معلوماً قبل ذلك؛ ولهذا قال عويمر العجلاني: ( كذبت عليها يا رسول الله! صلى الله عليه وسلم إن أمسكتها فطلقها ثلاثاً ثم فرق الرسول بينهما )، فكان عويمر لا يعلم الحكم، فهذا يدل على أن مجرد وجود اللعان كاف في التفريق بين الزوجين.
يقول المؤلف: (الثالث: التحريم المؤبد)، فلا يجوز للزوج أن يراجع امرأته سواء كان في العدة أو بعد انقضاء العدة، تزوجت زوجاً آخر أم لا؛ ولهذا قال سهل بن سعد الساعدي: (مضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما, ثم لا يجتمعان أبداً) أخرجه أبو داود و البيهقي، وقال ابن عمر: فكانت سنة المتلاعنين، وقال ابن عباس: ثم فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما.
يقول المؤلف: (الرابع: انتفاء الولد)، ثم قال: (ويعتبر لنفيه ذكره صريحاً).
يعني بأن يقول: أشهد بالله العظيم أن هذه زنت وما هذا بولدي، والأولى ألا يذكر المؤلف هذا الشرط؛ لأن الرجل أحياناً يقذف امرأته بالزنا من غير حمل، أو ربما يتيقن ويغلب على ظنه أن هذا الحمل حمله, ولكن المرأة زنت بعد ثبوت الحمل من زوجها، فانتفاء الولد أمر غير لازم، ووجود اللعان لا يلزم منه انتفاء الولد؛ لأن اللعان ثبوت للزنا في حق المرأة، وثبوت الزنا لا يلزم منه حمل كما لا يخفى، ولكن لا يصح نفي الولد إلا أن ينفيه صريحاً، فلو لاعن الرجل امرأته وهي حامل فالولد للزوج، إلا أن ينفيه، فإذا نفاه ينسب لأمه فقط.
فصل: ومن ثبت أو أقر أنه وطئ أمته في الفرج أو دونه ثم ولدت لنصف سنة لحقه، ومن أعتق أو باع من أقر بوطئها فولدت لدون نصف سنة لحقه والبيع باطل، ولنصف سنة فأكثر لحق المشتري، ويتبع الولد أباه في النسب وأمه في الحرية وكذا في الرق إلا مع شرط أو غرور، ويتبع في الدين خيرهما، وفي النجاسة وتحريم النكاح والذكاة والأكل أخبثهما].
يقول المؤلف: (ومن ثبت).
يعني: من ثبت أنه أتى أمته وجامعها أو أقر أنه وطئ أمته في الفرج أو دونه كما يقول المؤلف.
يقول المؤلف: (إذا أتت زوجة الرجل بولد بعد نصف سنة)، إذا تزوج الرجل المرأة ثم أتت من أول الزواج والدخول بها -مع العلم بالدخول- بولد لنصف سنة يعني: ستة أشهر، فستة أشهر يمكن أن يوجد معه ولد يحيا بعد ذلك؛ ولهذا قال المؤلف: (منذ أمكن اجتماعه بها) فإذا تزوج ودخل بها ثم جاءت من إمكان الدخول ولداً لنصف سنة يعني: ستة أشهر فإن الولد ينسب لهذا الزوج الذي دخل بها؛ لأنه يمكن وجود الحمل كما قال علي بين يدي عثمان رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى: وَحَمْله وَفصَاله ثَلاثونَ شَهْراً [الأحقاف:15]، فالفصال في عامين والحمل ستة أشهر، وقال بعض أهل العلم: أكثر الحمل أربع سنين كما قال مالك بن أنس: هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلان تحمل أربع سنين، والأطباء يقولون: لا يمكن أن يبقى الحمل أكثر من تسعة أشهر هكذا كلام الأطباء، فإن كان قصدهم بالحمل كاملاً فهم أعلم بذلك، وهذا هو المراد عندهم، وإن كان حمل ولكنه ميت في بطن المرأة فأحياناً يبقى الحمل أربع سنين وهذا وجد قريباً, امرأة طلقها زوجها ثم مات عنها، وبعد أربع سنين تقريباً، تعبت فذهبت إلى المستشفى فقالوا لها: فيك حمل وهذا الحمل ميت وهو باق في بطنك منذ زمن بعيد، فذهبت إلى المحكمة تطالب بإرث زوجها؛ لأنها لم تنته عدتها بعد؛ لأنها لم تضع الحمل والله سبحانه وتعالى يقول: وَأوْلات الأَحْمَال أَجَلهن أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهن [الطلاق:4].
ونحن الآن لا نتحدث عن إرث الصبي، بل نتحدث عن إرث المرأة، فعدتها تنتهي بوضع الحمل سواء سقط أم خرج كاملاً.
يعني: رجل تزوج المرأة والزوج عمره عشر سنين ثم دخل بالمرأة فولدت لستة أشهر، قال العلماء: يكون هذا الولد لابن العشر ويلحقه نسبه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم يقول: (الولد للفراش وللعاهل الحجر) ، وابن عشر يمكن أن يطأ مثله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع) مما يدل على أن ابن عشر يمكن أن يطأ مثله، لكنهم رحمهم الله قالوا: (ولو كان ابن عشر سنين لحقه نسبه، ومع هذا لا يحكم ببلوغه).
يعني: ابن عشر سنين هذا الذي جاءت زوجته بحمل بعد ستة أشهر لا يحكم ببلوغه مع العلم أن خروج المني دفقاً بلذة دلالة على البلوغ؛ فكيف يوجد حمل إلا بماء الرجل وماء المرأة كما قال صلى الله عليه وسلم: (إذا علا ماء الرجل ماء المرأة جاء الولد ذكراً بإذن الله، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل جاء الولد أنثى بإذن الله).
وقولهم رحمهم الله: (ومع هذا لا يحكم ببلوغه) تناقض، وإن قالوا رحمهم الله: لأن الأصل عدمه وألحقنا الولد به لتشوف الشارع إلى لحوق النسب، لكننا نقول: تشوف الشارع للحوق النسب يكون إمكانية ذلك وعدم مخالفة الواقع؛ ولهذا قلنا: وإن جاءت به لأقل من ستة أشهر علمنا أنه ليس ولد الزوج، فكذلك كيف نقول: ابن عشر سنين يمكن أن يطأ مثله وهذا لا إشكال فيه، ثم لا نحكم عليه بالبلوغ.
(ولا يلزمه كل المهر)؛ قالوا: لأنه لا يطأ مثله، والخلوة والدخول إنما هي بالوطء، وهل الخلوة بالوطء؟ الراجح أنها بغلق الأبواب وإرخاء الستور مع بقاء زمن يمكن أن يستمتع الرجل بالمرأة في الغالب، أما إقفال ثم فتح بسرعة فهذا لا ينفع، فلا بد أن يغلق الباب ويستر عليه ويبقى زمناً يمكن أن يستمتع الرجل بالمرأة، وعلى هذا فإذا حكمنا عليه بالولد فيلزم المهر.
يقول: (ولا يلزم كل المهر) يعني: لو المرأة طلقها الزوج بعدما جاءت بهذا الولد فإن طلاقها هنا يكون في حكم الطلاق قبل الدخول، فلها نصف المهر وهذا بعيد؛ لأن القاعدة الفقهية تقول: الخراج بالضمان، يعني أنه إذا ترتب على حكم شيء فيأخذ أحكامه كلها ولا يفرق بين متماثلين.
يقول المؤلف: (ولا يثبت به عدة ولا رجعة بناءً على عدم ثبوت موجبهما) وهو الوطء أو الدخول، والراجح خلاف ذلك.
يقول المؤلف: (وإن أتت به لدون نصف سنة) يعني: أقل من ستة أشهر (منذ تزوجها، أو علم أنه لم يجتمع بها)، يعني: جاءت بولد أقل من ستة أشهر، القاعدة والأصل أنه لا يمكن إيجاد ولد في أقل من ستة أشهر، فلو جاءت بولد في أقل من ستة أشهر علمنا أنها كانت حاملاً قبل زواجها من زوجها الثاني، أو قبل أن يدخل بها؛ ولذا قالوا: (أو علم أنه لم يجتمع بها) قالوا: (كما لو تزوجها بحضرة جماعة ثم أبانها في المجلس أو مات لم يلحقه نسبه)؛ لأنه لم يجتمع بها فكيف يجيء ولد من غير خلوة بها.
رجل عنده أمة ثم وطئها ثم باعها فاشتراها المشتري ثم ولدت عند المشتري لدون ستة أشهر، فنحن نجزم أن هذا الحمل ليس من المشتري إنما هو للبائع الأول، أو أعتق البائع فجاءت هذه الأمة المعتقة بولد لدون ستة أشهر فإنما يكون ولداً للمعتق.
يقول المؤلف: (والبيع باطل)؛ لأنها صارت أم ولد للبائع، وأم الولد لا يجوز بيعها، والمسألة فيها خلاف إلا أنه اتفق أهل العلم بعد ذلك في عهد عمر على أنه لا تباع أمهات الأولاد.
يقول المؤلف: (ولنصف سنة فأكثر لحق المشتري).
يعني: لو باع الرجل أمة ثم اشتراها المشتري ووطئها ثم جاءت بولد في ستة أشهر، فإنه يمكن أن يكون للمشتري ويمكن أن يكون للبائع، فلما كانت قد ولدت على فراش المشتري نسب إلى المشتري؛ لأن (الولد للفراش).
يقول المؤلف: (ويتبع الولد أباه في النسب).
إذا جاءت الأمة بولد فإنما يسمى هذا الولد باسم أبيه فيقال: فلان بن فلان إلا أنه يلحق أمه في الحرية وعدمها، يعني: في الحرية والرق، أي: على حسب أمه؛ ولهذا قال العلماء: الرجل إذا كان عنده جارية فولدت، فبمجرد ولادتها صارت أم ولد وهي في حكم الحرة، وصار أولادها أحراراً؛ ولهذا لا يجوز بيعها.
يقول المؤلف: (وكذا في الرق إلا مع شرط).
صورة المسألة مثلما ذكرنا: لو أن رجلاً لم يستطع على مهر حرة فتزوج أمة فأولاد هذه الأمة يكونون عبيداً أرقاء، إلا أن يشترط الزوج على سيد الأمة أن أولاده يكونون أحراراً له، فإنه حينئذ يكون أولاده أحراراً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمنون عند شروطهم)، ولقول عمر: مقاطع الحقوق عند الشروط.
يقول المؤلف: (إلا مع شرط أو غرور).
مثل رجل تزوج امرأة على أنها حرة فبانت أنها أمة، فالأولاد يلحقون أمهم في الحرية والرق؛ ولكن حينما غرر عليه فإن أولاده يكونون أحراراً، وعلى من غره القيمة -أي: قيمة هؤلاء الأولاد- إذاً: على من غره من الأولياء أو الخطاب أو غيرهم وقالوا: هذه حرة أن يدفعوا لسيد الأمة قيمتهم.
يعني: لو ولد للمسلم من كتابية فيكون مسلماً، أو ولد كتابي من مجوسية فيكون كتابياً.
يقول المؤلف: (وفي النجاسة وتحريم النكاح والذكاة والأكل أخبثهما)، يعني: مثل إذا نزا الفرس على الحمار فجاء ببغل، فالخيل طاهر، والحمار روثه نجس وإن كان لعابه وعرقه طاهر؛ لأنه يشق التحرز منه، فالبغل هذا في النجاسة يلحق الحمار، وعلى هذا فروثه نجس، كذلك في تحريم النكاح والذكاة، فالبغل لا يجوز أكله تغليباً لجانب حرمة أكل الحمر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غزوة خيبر: (إن الله ورسوله ينهيانكم عن أكل لحوم الحمر الأهلية)، فعلى هذا فالبغل لا يدخل في الذكاة، وكذلك الأكل؛ لأنه يتبع أخبثهما، والعلم عند الله سبحانه وتعالى.
نكون هنا قد انتهينا من كتاب اللعان وكتاب الظهار، وبقي كتاب العدة وكتاب الرضاع وكتاب النفقات وكتاب الحضانة.
الجواب: يعني الإنسان أحياناً إذا تكلم يبتلى بذلك؛ لأنه ربما يكون كلامه وبالاً عليه، أو ربما يكون كلامه فيه نوع من الاستهزاء والسخرية فيقع عليه كما قال محمد بن سيرين كما روى عبد الله بن المبارك في كتاب الزهد أنه أصيب بالفقر المدقع، فقال: والله إني لأعلم من أي بلاء جاءني ذاك، قالوا: من أين؟ قال: عيرت رجلاً قبل أربعين سنة، الله المستعان.
الجواب: الأقرب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الولد للفراش) أن معناه: أن هذا الولد من أم أو أمة لها سيد أو لها زوج، أنه يتبع سيد الأمة أو زوج الحرة، هذا هو المعنى، فبمجرد وجود الزواج يكون الولد للفراش، وبمجرد تملك السيد لهذه الأمة يكون الولد للفراش، هذا معنى الحديث، والله أعلم.
الجواب: تحتاج تأمل، الآية ظاهرها الجميع؛ لأن الله يقول: وَالذينَ يَرْمونَ أَزْوَاجَهمْ [النور:6] ولم يقل: زوجاتهم، وأكثر كلام العلماء في الكتب أنهم يجعلون ذلك عامة في الزوج والزوجة، لكن العلماء قالوا: إن المرأة إذا ادعت على زوجها بالزنا لا تلطخ فراشها، بخلاف الرجل إذا رمى زوجته بذلك، يعني: المرأة إذا رمت زوجها بالزنا ما يأتيها شيء، بخلاف الرجل إذا رمى زوجته، فخطورة زنا المرأة أعظم بكثير من خطورة زنا الرجل كما لو تعدد الرجل.
إذاً: الرجل إذا قذف امرأته فإنما يخاف هتك فراشه واختلاط الأنساب بخلاف المرأة؛ فهذا هو الفرق، وهو قوي.
الجواب: هذه المسألة مبنية على مسألة وهي: هل الوطء واجب على الرجل؛ لأنهم يقولون بأنه حرم لأنه ترك واجباً، مذهب مالك و أحمد أن الرجل مأمور ويجب عليه أن يطأ أهله كل أربعة أشهر، وذهب الشافعي رحمه الله إلى أنه لا يجب عليه ذلك، وإن كان متأخرو الشافعية حكموا بالتحريم في الإيلاء، لكن مذهب الشافعي في المنصوص عنه يفهم أنه ليس بحرام؛ لأنه يجوز للرجل ألا يطأ أهله ولا يجب عليه؛ لأن الشافعي يرى أن الوطء حق للزوج فقط.
الجواب: الفرق إذا كانت الأمة هذه لسيد فهم أحرار، وإن كانت لزوج نظر، فإن كان هذا الزوج رقيقاً صاروا أرقاء، وإن كان الزوج حراً فهم أرقاء أيضاً إلا أن يشترط الزوج حريتهم.
الجواب: ستكون حرة، وهي في منزلة بين المنزلتين وتسمى: أم ولد، واختلف العلماء في بيعها، هي لا تكون حرة إلا بعد وفاة الزوج، وترث أم لا؟
الذي يظهر لي أنها لا ترث.
الجواب: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم والآخر فلا يسق بمائه زرع غيره)، فلا يجوز للرجل أن يطأ امرأة حتى تضع، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد: (لا توطأ حامل حتى تضع، ولا أمة حتى تستبرأ)، وقال صلى الله عليه وسلم كما في مسلم عن أبي الدرداء أنه (رأى امرأة مجحاً -يعني حاملاً- فقال: لعله أن يلم بها، قالوا: نعم، قال: قد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه في قبره، كيف يورثه وهو لا يحل له؟)، لا يجوز هذا.
الجواب: نحن قلنا: الحديث ليس ( قم فاشهد )، بل: (فقامت)، والبعض قد يقول: هذا حديث آخر.
على كل حال فالرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال: ( قم فاشهد ) أو (فقامت فشهدت)، ليس فيه دلالة على القيام للشهادة، إنما المراد الإتيان بها، والعرب تقول لمن أراد أن يأتي شيئاً: فقام فلان فقال، فلم يقصدوا به القيام الحقيقي، هذا الذي يظهر، والله أعلم.
الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم إنما حكم في ولد زمعة بأن تحتجب منه سودة ؛ لأنه وجد شبهاً بيناً بـعتبة ، ولكنه عليه الصلاة والسلام ألحق ذلك بالفراش، فلو لم يكن ثمة تنازع لأمرت سودة ألا تحتجب منه، فلما وجد تنازع ووجد أن هناك شبهة بالزنا غلب أقوى المتداعيين وهو عتبة ، أما هنا فإذا قلنا: إن ولدها من زوجها ابن عشر سنين فكيف تعطى نصف المهر؟ هذا لا يمكن لأنه ثبت الدخول، كيف تقول: إن ولده لأنه وطأها ثم تقول: ليس لها إلا نصف المهر لأنه يمكن أن يكون لم يطأ، أنت حكمت بالدخول ثم أبطلت الدخول وهذا فرق، هذا ليس تبعض أحكام.
الجواب: مثل رجل وقع بأخته وحملت وليس هناك شهود, لكن هي أقرت بذلك وذهبت إلى المحكمة، فذهبوا ونظروا الحمض وأنكر هذا، وكان صاحب خمر ومخدرات، فثبت عند أصحاب الخبرة أن هذا الجنين أمه هذه وأبوه أخوها، هل يقام عليه حد الزنا سواء كان محصناً أو غير محصن؟ نقول: لا، لكن يقام عليه التعزير، وليس فيه إشكال.
الجواب: أقول: إذا أقر الزوج بأن هذا ابنه وقد ولد على فراشه صار ابنه ولو وجدت شبهة تقوي خلافه، وهذا قد وجد، رجل تزوج امرأة وكان كبير السن ولم ينجب وتزوج امرأة ثانية من الهند فذهبت إلى الهند وجاءت ثم بقيت عنده تسعة أشهر أو ثمانية أشهر فولدت، يقول لي: إن مرة من المرات غضبت عليه وقالت: هذا الولد ليس ابنك، بل هو ابن خالتي لكنه ما صدقها، فهل يكون ولده؟ فنقول: نعم هو ولده؛ لأنها ولدت على فراشه، والعلم عند الله.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر