إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.
وبعد:
فحديثنا في بيان مصطلحات ومزايا المذهب الشافعي.
ولا غرو إذاً أن يقول الإمام أحمد رحمه الله في هذا الجهبذ حينما سأله ابنه: يا أبتاه! أي شيء يكون الشافعي فإني كثير ما أسمعك تقول: اللهم اغفر للشافعي وتدعو له كثيراً؟ قال: يا بني! الشافعي كالصحة لأهل العافية، وكالشمس لأهل الدنيا، فانظر هل ترى فيهما خلفاً؟ فهذا يدل على أن الإمام الشافعي رحمه الله بين ووضح وقعد، ولذا سماه الناس حينما جاء إلى بغداد في الرحلة الثانية سموه: ناصر السنة كما سوف يأتي بيانه إن شاء الله.
ولد الإمام محمد بن إدريس الشافعي في غزة في فلسطين سنة خمسين ومائة، وكان أبوه إدريس يعمل هناك، فتوفي والده وله من العمر سنتان، فأخذته أمه وكانت أمه قرشية واسمها فاطمة بنت الحسين وتنتسب إلى علي بن أبي طالب ، كذا ذكرها غير واحد من أهل العلم، وذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله في توالي التأسيس في مناقب محمد بن إدريس أن أمه لم تكن قرشية، إنما كانت أزدية، والعلم عند الله سبحانه وتعالى، غير أن أمه رحلت به من غزة إلى مكة.
وقد علم الشافعي فضل الإمام مالك حينما كان سفيان بن عيينة يذكر مالكاً ، ويقول: من نحن عند مالك ؟ إنما نذكر أقوال مالك لنتأسى بها، وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله: ما رأت عيني أحداً عنده من آلة العلم مثلما عند سفيان يعني: ابن عيينة ، وما رأت عيني أحداً أخوف عليه من ترك الفتيا مثل سفيان ، وما رأيت أحداً أحسن تفسيراً للحديث من سفيان .
هذا سفيان هو الذي قال فيه الشافعي رحمه الله: لولا مالك و سفيان لذهب علم الحجاز.
فمن مزايا الإمام الشافعي رحمه الله أنه طلب العلم وأخذه عن مشاهيرهم، فأخذ اللغة عن فصحاء العرب وهم هذيل، حتى صار بارعاً فيه لدرجة أن الأصمعي يقول: ما أخذت شعر هذيل إلا على فتى من قريش يقال له: محمد بن إدريس الشافعي ، ويقول الأصمعي : ما أخذت شعر الصعاليك إلا على فتى يقال له: محمد بن إدريس الشافعي .
ومن شعراء الصعاليك الشنفرى و تأبط شراً ، هؤلاء إنما حفظ الناس أشعارهم بالرواية، فحفظ الشافعي رحمه الله ذلك، فكان بارعاً في العربية لدرجة أن ابن هشام صاحب المغازي يقول: الإمام الشافعي يؤخذ عنه اللغة، ويقول ابن هشام أيضاً: لقد جالست الشافعي وسمعت كلامه، فما والله لحن قط، وما قال كلمة قلت: لو أنه قال غيرها لكان أفصح.
انظر البراعة والبيان، وهذه هي التي جعلت الشافعي رحمه الله يفوق غيره في ذلك، حتى إن الربيع بن سليمان يقول: لو رأيت الشافعي وفصاحته وحسن بيانه لرأيت عجباً، وإنه ليتكلم معنا بالكلام فما تعرف ما يقول، وإنه لو كتب كتبه هذه على لغة ما نسمعه ما قرأها أحد، وأنت تعلم إذا أردت أن تعرفه فاقرأ كتاب الأم.
كتاب الأم الشافعي رحمه الله أملاه على طلابه إملاءً في آخر السنين، وهو ابن واحد وأربعين سنة تقريباً أو اثنين وأربعين سنة، فإن الشافعي توفي وهو ابن ثماني وأربعين سنة أو سبع وأربعين سنة؛ لأن الشافعي انتقل إلى مصر سنة مائة وتسع وتسعين تقريباً، وتوفي فيها بعد أربع سنين ونصف، سنة أربع ومائتين للهجرة، والكلام في علم الشافعي في العربية كلام يطول، إلا أن لي وقفة في ذلك.
الإمام الشافعي رحمه الله استطاع أن يبين معان القرآن بلغة العرب، وقوة فهم الصحابة رضي الله عنهم على من جاء بعدهم، ولذا ذكر في كتاب الرسالة أنهم فوقنا في العلوم، وبين لم فاق الصحابة غيرهم بذلك بما منح الله هذا الإمام من أسلوب أدبي وبراعة لغوية، ومنهج في الفهم بارع، وقوة في الحجة، فبين أن الصحابة رضي الله عنهم يفوقون غيرهم ولذا قعد أن قول الصحابي إذا لم يخالف حجة كما في كتاب الرسالة.
بلغ الشافعي ثلاث عشرة سنة، وقد أخذ الفقه في مكة على يدي مسلم بن خالد الزنجي ، وهو فقيه مكة وقد سمي بـالزنجي لشدة بياضه وحمرته، وقد كانت العرب في الغالب تقلب هذه المعاني، وكان مسلم بن خالد الزنجي قد أمر الشافعي أيضاً أن ينتقل إلى دراسة الفقه.
إذاً: أخذ الشافعي الفقه عن مسلم بن خالد فقيه أهل مكة، وأخذه عن سفيان وعن مشاهير المحدثين في أهل مكة كـسفيان بن عيينة ، و عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، و سعيد بن سالم القداح ، وغيرهم من مشاهير أهل الحديث.
يدع الجواب فلا يناقش هيبة فالسائلون نواكص الأذقان
نور الوقار وعز سلطان التقى ذاك التقي وليس ذا سلطان
قال: فلما قرأ والي المدينة هذا الكتاب قال: يا بني! والله لأن أمشي حافياً من جوف المدينة إلى جوف مكة أهون علي من أن أقف على باب مالك لما أناله من الذل، قال الشافعي : لو كتبت في ذلك كتاباً؟ قال: وما يسمع مالك ، والله لو نعلم أن أرجلنا تغبر بالعقيق فنحصل منه على شيء لذهبنا، قال الشافعي : فما زلت به حتى ذهبت أنا وهو مع رسول معنا معه الكتاب، يقول الشافعي : فطرق رجل منا باب مالك ، فخرجت جارية سوداء فسلمت علينا، فقلنا: هلم مالك فدخلت، فأخبرت أن والي المدينة عند الباب، فخرجت إليهم وقالت: إن مالكاً يقول: إن كان عندك سؤال فاكتبه لنا برقعة حتى يأتيك الجواب، وإن كنت تريد غير ذلك فقد علمت مجلسنا فانصرف، قال: أخبري مالكاً أن عندي كتاب من والي مكة، وأنه مهم، قال: فدخلت الجارية, ثم خرجت وجاءتنا بكرسي قال الشافعي : فخرج مالك وإذا هو رجل عظيم طويل ذا مهابة، قال: فسلم عليه الوالي فأعطاه الكتاب، فقرأه مالك فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من فلان ابن فلان إلى فلان بن فلان، فهذا رجل ذو شرف ومكانة فاذهب به إلى مالك ومره أن يعلمه، وأن يفقهه وأن يحفظه الحديث، قال: فلما قرأه مالك ألقى الكتاب، وقال: سبحان الله! سبحان الله! سبحان الله! قد صار علم رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤخذ بالوسائل -يعني: يؤخذ بالواسطات- فألقى الكتاب، فقال الشافعي: فعجز هذا الوالي أن يكلمه، قال: فتقدمت -وهو ابن ثلاث عشرة سنة- فتقدمت، فقلت: أصلحك الله يا شيخ! أنا رجل قرشي فذكرت له مسألتي وقصتي، قال: فابتدأت كلامي، ثم التفت إلي ونظر إلي -يقول الشافعي : وكان مالك ذا فراسة- وقال: ما اسمك؟ قلت: محمد ، فقال لي بتوِّه: يا محمد ! اتق الله! واجتنب المعاصي، فإنه سوف يكون لك شأن من الشأن -ابن ثلاث عشرة سنة التفت إليه مالك وعلم بفراسته من يكون الشافعي قال الشافعي : فقلت: نعم وكرامة -انظر للأدب فقال: إذا جاء الغد فأتنا في مجلسنا وأتي بمن يقرأ عليك، -يظن أنه لا يحسن أن يقرأ- قال: فقلت: أصلح الله الشيخ قد حفظته عن ظهر قلب، قال: فلما جئت الغد قرأت عليه فأعجب مالك بحسن صوتي وفصاحتي فكنت أتهيبه، فأردت أن أقف، فقال: زد زد زد فأزيد، حتى قرأت موطأه في أيام يسيرة، وكان مالك يعجب ببراعة وفصاحة هذا الإمام الصغير، فجلس الإمام الشافعي مع مالك بن أنس منذ سنة ثلاث وستين ومائة إلى سنة تسع وسبعين ومائة، يعني: إلى أن توفي مالك رحمه الله، يعني: جلس عنده ست عشرة سنة، والإمام الشافعي جالس يأخذ علم مالك رحمه الله، وكان هذه السنين يتخللها ذهاب الإمام الشافعي إلى أمه في مكة، وذهابه إلى هذيل لأخذ العربية منهم كما سبق أن ذكرنا عن الربيع بن سليمان أن الشافعي أخذ شعر هذيل في عشرين سنة.
فجلس الإمام الشافعي ست عشرة سنة يطلب العلم ويأخذ قواعد وأصول مذهب مالك رحمه الله، وهذه تسمى المرحلة الثانية.
والإمام الشافعي مع جلوسه مع مالك والعلماء يأتون إلى مالك فيستمعون منه، فعلم محمد بن الحسن -حينما جلس عند مالك ثلاث سنين في آخر عمره قبل وفاته عن الشافعي وفضله.
وهذه المرحلة من حياة الشافعي الرابعة.
إذاً: المرحلة الأولى في مكة، المرحلة الثانية في المدينة، والمرحلة الثالثة في اليمن، والمرحلة الرابعة في بغداد.
إذاً: علم الشافعي أصول مالك وقواعده وفروعه ثم ذهب إلى محمد بن الحسن فكتب عن محمد بن الحسن حمل بعير، وكلمة (حمل بعير) يعني: يصل تقريباً مكتبة في مجلس من المجالس التي ننتابها وتكون بين أيدينا.
يقول الشافعي : وأخذت كتب الأحناف -وهذه غير كتب محمد بن الحسن - فقرأتها وتأملتها وتدبرتها وتفقهت فيها، وجعلت تحت كل مسألة منها حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الآن هذه مرحلة جديدة للإمام الشافعي فهو يريد أن يؤصل قواعد الأحناف على الحديث، والأحناف طريقتهم أنهم يبنون الأصول على الفروع بخلاف الشافعية، ومتأخري أهل الكلام، فالشافعي خالفهم، فأراد أن يجعل مناط الحكم على: قال الله، قال رسول الله.
وأنتم تعلمون أن مالكاً له أصول كما مرت معنا، وهي أن عمل أهل المدينة حجة، وأن خبر الآحاد يترك لعمل أهل المدينة، وهذا أصل مالك رحمه الله، وأما القياس الجلي فيترك إذا خالف عمل أهل المدينة.
وأما الاستصلاح وهو المصالح المرسلة عند مالك ، فهذه اهتم بها مالك كثيراً.
أما الشافعي رحمه الله فقد علم أصول مالك وذهب إلى محمد بن الحسن وقرأ كتب الأحناف وتدبرها، والآن لو سألنا كثيراً من طلاب العلم ومن العلماء العصريين هل قرأ الواحد منا كتب الأئمة حتى يفقهها؟ فتجد أننا أحياناً بين كتابين أو ثلاثة أو أربعة وحولهما ندندن، وهذا فيه فائدة وفيها نعمة، إذا سئل أفتى، لكنه لن يكون جهبذاً إماماً ذا براعة في الأصول وفي الفروع، فإن ذلك لا يتأتى إلا لمن جثا وأقبل على كتب الأئمة وعلم أصولهم، وأمعن النظر في ذلك.
جلس الشافعي مع محمد بن الحسن أربع سنين يطلب العلم، وهذه هي الرحلة الأولى إلى بغداد، وقد أخذت بغداد لب الشافعي رحمه الله وأسرته، حتى إنه قال لـيونس بن عبد الأعلى الصدفي : هل رأيت بغداد، قال: لا، قال: ما رأيت الدنيا، ويقول الشافعي رحمه الله عن بغداد: ما دخلت مدينة إلا كنت مسافراً فيها، إلا بغداد فإني لما دخلتها جعلتها وطناً، يعني: كل مدينة أدخلها أعلم أني لن أبق فيها ولو جلست سنين، إلا جعلت أمري كأني مسافر إلا بغداد فإني ما دخلتها إلا جعلتها وطناً.
كثيرون هم طلاب العلم الذي ما إن يتخرج من الجامعة وعمره اثنان وعشرون سنة إلا وقد تخرج من حلق أهل العلم، وكأنه قال كما سمعت أحد مشايخنا يقول عن طلاب العلم: الواحد من طلاب العلم، إذا تخرج من الجامعة تخرج من دروس أهل العلم، وقال: هم رجال ونحن رجال، هذا يقوله أحد مشايخنا ينقد به طلاب العلم أمثالنا.
أما الإمام الشافعي رحمه الله فكان يترقب ويبحث عن العلماء مع أن عمره كبير، ويقول: ما فات علي شيء من الدنيا، ما فات علي الليث بن سعد و ابن أبي الزناد ، وفي رواية: و ابن أبي ذئب ، ذهب الشافعي إلى مصر سنة مائة وتسع وتسعين وعمره تسع وأربعون -الشافعي مات وعمره أربع وخمسون سنة- ويقول: ما فات علي أحد من العلماء ما فات علي ابن أبي ذئب و الليث بن سعد وفي رواية: ابن أبي الزناد و الليث بن سعد ، يعني الشافعي : لو أن الليث بن سعد باقي لطلب العلم وهو ابن أربعين سنة, الله المستعان، وأنت تستحضر هذا الإمام صار عمره خمس عشرة سنة يقول له مسلم بن خالد الزنجي فقيه مكة: يا محمد ! اذهب فأفت الناس فإنك تستحق أن تفتي الناس، ومع ذلك الشافعي رحمه الله ترك كل ذلك فأقبل على العلم.
ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (تعلموا قبل أن تسودوا)، الواحد إذا صار دكتوراً أو صاحب شهادة ماجستير أو معيداً في الجامعة، لا يستطيع أن يحضر دروس مشايخه؛ لأنه أصبح لديه طلاب يدرسهم، أما الشافعي رحمه الله والعلماء فلم يكونوا يهتمون بذلك، فإن محمد بن الحسن جلس عند مالك ثلاث سنين وتحته الشافعي رحمه الله الذي تتلمذ عليه بعد ذلك، وعنده خلق كثير.
دخل الشافعي رحمه الله بغداد، ولم يكن يهتم إلا بطلب العلم من محمد بن الحسن ، ولم يبرز الشافعي ولم يظهر أدلته إلا في الرحلة الأخرى من بغداد، ذهب إلى مكة سنة تسع وثمانين ومائة إلى سنة خمس وتسعين ومائة، ومن هنا أصبحت للشافعي حلقة في مكة، وبدأ رحمه الله يقرر ويقعد مذهبه الجديد، علم أصول مالك وفطنها، وأصول الأحناف وتدبرها ووعاها، فجاء إلى مكة سنة تسع وثمانين ومائة وبقي فيها إلى سنة خمس وتسعين ومائة وعنده حلقة في العلم، وهذه الحلق فيها رجال كبار أمثال سفيان بن عيينة وغيرهم كثير.
يقول صالح: كان أبي عندما جلس عند الشافعي كان يلازم حلقته، وكان يحيى بن معين يبحث عن أحمد فلا يراه في حلقة سفيان بن عيينة ، قال: فكان يبحث في حلق العلم فيرى أحمد عند الشافعي ، وكان الشافعي شاباً فتى، وكان أحمد مقبلاً على الشافعي ويكتب عنه، فكان الشافعي يقوم فيأخذ الإمام أحمد بثيابه ونعليه, ثم يأخذ زمام بغلته فيركب الشافعي فيناوله الزمام وكان يسأله في العلم، فبلغ ذلك يحيى بن معين فاستكثر ذلك من أحمد رحمه الله، قال صالح: فجاء يحيى بن معين إلى أبي فقال: أراك يا أبا عبد الله! تكثر المجيء إلى هذا الفتى الشافعي ، ولقد بلغني أنك تأخذ بركاب فتى مثلك، قال الإمام أحمد رحمه الله، ما قال: هذا مجاملة أو تقديراً لأهل العلم، بل قال: وأنت يا يحيى! إذا أردت العلم فتعال فخذ بالزمام الآخر، قال: وما أصنع بفتى مثلنا، قال: والله لئن تركت الحديث عن سفيان بعلو وأخذته بنازل -يعني: الإسناد العالي والنازل- فلا تعرف العام من المخصوص، والناسخ من المنسوخ إلا من هذا المطلبي، قال: فما زال أحمد رحمه الله ينصحنا، وينصح إسحاق بن راهويه ، وكان إسحاق بن راهويه في أول أمره على طريقة أهل الرأي، ثم أقبل على الشافعي فتفقه على الشافعي ثم أقبل على علم الحديث قريباً من أهل الظاهر، فقال أحمد لـإسحاق بن إبراهيم : تعال استمع إليه، قال: ما أصنع بفتى مثلنا، لم يكبره سناً وأترك الشيوخ سفيان بن عيينة وغيره؟ قال: تعال استمع قال: فجلس إسحاق بن راهويه في حلقة الشافعي ، وإذا الشافعي رحمه الله يقرر قاعدة، وهي أن مكة تملك كما تملك سائر البلدان، واستدل على ذلك بما جاء في الصحيحين -وكان الشافعي بارعاً في الحفظ- من حديث أسامة بن زيد قال: ( يا رسول الله! وهل أنت نازل بدارك في مكة قال: وهل ترك لنا
ولهذا كان في زمانه يعظمون الشيوخ -يعني: أقوال الناس- ويتركون السنة النبوية، فجاء الشافعي فأرجع الناس إلى الكتاب والسنة والإجماع، كما سوف نأتي إلى كلام الحسين الكرابيسي وكلام إبراهيم أبو ثور فأرجع الناس إلى تعظيم الكتاب والسنة، وبين في كتاب الرسالة القديمة والجديدة أنه أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة محمد صلى الله عليه وسلم أنه لا يجوز أن يدعها لكائن من كان، وهو بهذا يريد أن يقرر خبر الآحاد وأنه يجب قبوله لا على قواعد الأحناف، ولا على قواعد المالكية.
قال: فرجع إسحاق إلى هذا، ولكن إسحاق لم يهتم بـالشافعي كثيراً حتى خرج الشافعي إلى مصر فقال: والله ما فاتني مثلما فاتني الجلوس عند الشافعي، ووددت لو أني أعلم علمه وجلست عنده، وقد أعجبت بسعة حفظه، لكن أحمد رحمه الله استفاد من الشافعي رحمه الله.
و يحيى بن معين الذي كان ينقد أحمد لذهابه كان إذا جاءه السائل يسأله بعد ذلك عن الحديث يقول: هذا الحديث من طريق فلان بن فلان، يقول: لا, أسألك عن تفسيره، يقول: هذا عند أبي عبد الله فاذهبوا فاسألوه.
جلس الإمام الشافعي رحمه الله إلى سنة خمس وتسعين ومائة، وهو يقرر ويقعد هذه القواعد، وكان إسحاق يناظر الإمام الشافعي في بعض المسائل منها هذه المسألة: ومنها جلد الميتة هل تطهر بالدباغ أم لا.
لما قدم الشافعي رحمه الله بغداد سنة خمس وتسعين ومائة، وهي الرحلة الثانية بقي فيها إلى سنة تسع وتسعين ومائة، يعني تقريباً أربع سنين، هذه الرحلة هي الرحلة التي ظهر فيها جلياً ولم ينضج بعد مذهب الشافعي رحمه الله تعالى، فأكثر من مناظرة محمد بن الحسن شيخه، وأكثر من مناظرة أهل الرأي، قدم الشافعي بغداد سنة خمس وتسعين ومائة، يقول إبراهيم الحربي : دخل الشافعي بغداد وفي المسجد الجامع الغربي عشرون حلقة لأهل الرأي فلما كانت الجمعة الثانية لم يبق فيها إلى ثلاث أو أربع حلق، والباقي انصرفوا إلى الإمام الشافعي رحمه الله.
هل هذا الانصراف كان لأجل أن الشافعي كان مطلبياً، أم لأجل أن الشافعي قاد الناس بعصاه أن تحضروا دروسي، أو أن الشافعي كتب لمشايخه يأمرهم أن يأمروا الناس أن يذهبوا إلى الشافعي ؟ لا لا، بل كان الشافعي رحمه الله عنده من العلم جعل البعض والكثير من الناس لا بد أن ينصاع إليه.
خذ قصة بسيطة تبين لك ذلك: بغداد عامرة بالكتب وخاصة كتب أهل الرأي، وعامرة بالمناظرات والمناقشات، لما دخل الشافعي بغداد مرة ثانية، فجلس أول جمعة له في الجامع الغربي الأموي، فاستمع الناس له فسمعوا شيئاً لم يكونوا يسمعوه قبل ذلك.
قال أبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي قال: جاءني الحسين الكرابيسي ، والحسين الكرابيسي أصبح من تلاميذ الشافعي فيما بعد.
انظروا الحركة العلمية أحياناً مثل زماننا ما تغير شيء؛ الكلام والقيل والقال، والأخذ والرد، ما تغيرت إلا العمائم والثياب، وإلا فإن الأنفس في الغالب واحدة، لكن استطاع الأئمة الكبار أن يأخذوا قلوب تلامذتهم فيرجعونهم إلى الجادة، وهكذا أهل السنة والجماعة رحمة الله تعالى عليهم.
قال أبو ثور : جاءني الحسين الكرابيسي فقال لي: يا أبا ثور قد ورد رجل من أصحاب الحديث يتفقه فقم بنا نسخر به، يقول الإمام أحمد : كانت أيدينا بأيدي أهل الرأي حتى جاءنا الشافعي فأظهر السنة، وما كنا نعرف الناسخ من المنسوخ حتى جاء الشافعي رحمه الله، فلذا سمي الشافعي ناصر السنة في ذلك الوقت.
وكان أبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي و الحسين الكرابيسي على مذهب أهل الرأي.
يقول أبو ثور : فقمنا فدخلنا على الشافعي ، وهنا أقول: طالب العلم لا بد أن يتحلى بأمور إذا أراد أن يكون قوياً:
أولاً: الثروة العلمية والمحصول العلمي من الكتاب والسنة.
الثاني: الثروة اللغوية والبيانية، فلا بد أن يكون طالب العلم ذا ثروة لغوية بيانية، وأحياناً عالم كبير لكنه لا يحسن المناظرة فيفحمه أصغر الناس.
الأمر الثالث: أن يكون واثقاً بعلمه، وهذه ذكرها الإمام أحمد أيضاً، فمن أراد أن يطلب العلم فليطلب العلم على الكتاب والسنة وأن يكون واثقاً بما يقول، الشافعي رحمه الله عنده هذه المزايا وهو واثق بما يقول رحمه الله.
فدخل الحسين الكرابيسي و إبراهيم أبو ثور الكلبي على الشافعي قال أبو ثور : فسأله الحسين مسألة، يريدان أن يدخلا معه في لجة المناظرة، وجاء بمسألة دقيقة جداً، وعندهم الكثير من الحجج والأشياء العظيمة، حتى يقول الربيع بن سليمان : كان ابن الماجشون إذا جلس مع الشافعي يتناظران والله ما نعلم لغتهما.
هذا يقوله الربيع بن سليمان الذي قرأ الرسالة خمسمائة مرة، فهو ليس جاهلاً في العلم, بل إمام، وله أقوال ونقولات كثيرة عن الشافعي رحمه الله.
يقول: كان ابن الماجشون والإمام الشافعي إذا اجتمعا يتناظران والله ما ندري ما يقولان، من قوة البيان وقوة الحجة، وبراعة الحجج.
قال الحسين الكرابيسي فسألناه قال: فلم يزل الشافعي يقول: قال الله قال رسول الله ويستنبط من الآيات، قال أبو ثور : حتى أظلم علينا البيت، ما كان يعرفون هذا، أكثر أدلتهم قياسات وتعليلات، قال: فما زال يقول: قال الله قال رسول الله حتى أظلم علينا البيت، فتركنا بدعتنا واتبعناه، والبدعة: هي ترك خبر الآحاد للقياس، وأنه لا يقبل خبر الآحاد إلا بأن يكون الراوي فقيهاً، وأن يكون الراوي يعمل برأيه، وأن يكون هذا الحديث لا يخالف القياس، وأن يكون مشهوراً، أما الشافعي رحمه الله فترك كل هذه الأشياء، وألزم الناس بخبر الآحاد، فترك أبو ثور بدعته.
ولهذا صار أبو ثور ينافح على مذهب الشافعي في القديم وأصبح من تلامذته في الأول، ولهذا تجدونهم يذكرون الإمام أبا ثور من تلاميذ الشافعي ، وكذلك إسحاق بن راهويه و أحمد بن حنبل و الحسين الكرابيسي ، فكان الحسين الكرابيسي قد رجع إلى قول الشافعي والتزم رأيه وحلقته، حتى قال أحد الطلاب: يا حسين! أراك تكثر من الشافعي ، مَن الشافعي ؟ قال: والله ما تكلم الناس وما نطقت أفواههم بالكتاب والسنة، وما علمنا الكتاب والسنة إلا حينما جاء الشافعي ، فكان الشافعي رحمه الله قد بين حجة القرآن والسنة، وبين الإجماع.
قد يقول قائل: إلى هذه الدرجة بلغ بهم؟ نقول: نعم، أول الأمر كان القرآن له نص وله ظاهر وله تأويل، وقد قالوا: إن القرآن عنده ظنيات، نعم هو قطعي الثبوت لكن ظني الدلالة، فكانوا لا يهتمون به كثيراً، فجاء الشافعي رحمه الله، فقرر هذا وأفحم الخصوم في وجوب تقديم الكتاب والسنة وأقوال صحابة محمد صلى الله عليه وسلم على من جاء بعدهم.
ولم تكن الرسالة في ذلك الوقت هي الرسالة الموجودة عندنا؛ لأن الرسالة القديمة فيها بعض المسائل، ولكن الشافعي رحمه الله أخذها في مصر وهذبها وأتقنها حتى سأل رجل أحمد قال: ما ترى في الكتب؟ قال: عليك بكتب الشافعي ، قال: كتبه التي بالعراق أم التي بمصر؟ قال: خذ الكتب التي بمصر فإن الشافعي قد قرأها وضبطها أكثر ما كان في العراق.
وألف الشافعي في العراق على المذهب القديم كتابان هما: كتاب الرسالة القديمة، ثم ذهب إلى مصر ونقحها فإذا هي كتاب الرسالة التي عندنا، وسميت الرسالة لأجل كتابة عبد الرحمن . والثاني ليس الأم، كما يظن البعض؛ لأنه يقال: إن الأم أساسه الكتاب الذي في بغداد وهو كتاب الحجة، ذكر فيه مسائل من الفقه، كتاب الحجة.
أعود فأقول في قولهم: إن سبب تأليف الشافعي رحمه الله الرسالة هو كتاب كتبه له عبد الرحمن بن مهدي : الذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلم أن سبب تأليف الإمام الشافعي لهذا الرسالة أمور كثيرة كان العزم عليها هو كتابة عبد الرحمن بن مهدي له، فلما قرأه عبد الرحمن بن مهدي قال: هذا رجل شاب فصيح البيان قوي الحجة، والذي يظهر لي والله تبارك وتعالى أعلم أن الشافعي رحمه الله إنما ألف هذا الكتاب لأمور:
الأول: إظهار مذهب الشافعي رحمه الله، وتقرير قواعده التي تختلف عن مذهب مالك وتختلف عن مذهب أبي حنيفة ، فهو أراد أن يبين بعض الأصول وبعض القواعد التي يراها وارتآها وفهمها من كتاب الله ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني: كتب الرسالة لإظهار بيان خطأ أهل الرأي في اعتمادهم على القياس وتركهم خبر الآحاد وعدم عنايتهم بالمفهوم والمنطوق والعام والخصوص، فكتب الشافعي هذا الأمر كي يجعل هذا لبنة يرجع إليها المتناظرون، وقد كانت بغداد إذ ذاك كثيرة المناظرة.
الثالث: أراد الشافعي أن يبين حجية الكتاب والسنة والإجماع، ولم يكن إذ ذاك ظاهراً، ولذا سمي الشافعي في رحلته الثانية إلى بغداد ناصر السنة.
الرابع: بيان حجية خبر الآحاد، والرد على مذهب مالك بن أنس في الاحتجاج بعمل أهل المدينة وتركه خبر الآحاد، والرد على تقريرات وتقعيدات الأحناف في قبولهم لخبر الآحاد.
الخامس: رسالة عبد الرحمن بن مهدي إليه.
وأحياناً للمشايخ أعذار في ذلك، وهو أن أصحاب الدورات الذين يقومون بترتيب الدورات يقولون للشيخ: يا شيخ لا بد أن يكون خلال هذا الأسبوع ثم ينتهي، ولو كان الشيخ عنده وقت كافٍ لبين أكثر المسائل بطريقة الاستنباط، ولهذا تجدون أن الأئمة في السابق اهتموا بهذا كثيراً، وذكروا عيون المسائل أو رءوس المسائل، وهي في المسائل الكبار التي اختلف العلماء فيها، ورءوس المسائل وهي المسائل دائمة التكرار في حياة المسلم، وهي التي تختلف أنظار الفقهاء الأربعة في منزع أدلتها، فلو ضبط طالب العلم هذا لسهل عليه كثير من المسائل، وفهم القواعد والأصول، مع أنه قد أصبح الآن أكثر اهتمامات الناس بالفروع.
ولو سألنا كثيراً من الإخوة: عرف لنا الفقه اصطلاحاً ما هو؟ لقال: هو معرفة الأحكام العملية المستنبطة من أدلتها التفصيلية، وهذا التعريف كما ذكره الجويني وغيره أن طالب العلم إذا جاء بمسألة فقهية, وقال: دليلها كذا، ثم ذكر ظاهر القرآن فقالوا: ليس هذا بفقه، إنما الفقه أن يستنبط الأحكام من أدلتها التفصيلية، فإذا كان الدليل غير مستنبط فإن هذا يكون من ظل الفقه، ولكنه ليس بفقيه، فالفقيه هو الذي يستنبط الحكم الشرعي، وهذا كثير في كتب الفقهاء، مثلما قال الإمام أحمد في مناظرة الشافعي ، قال الشافعي : لا بأس بأن يعود المرء في هبته، قال أحمد : أرى أن ذلك لا يجوز، قال الشافعي : فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( العائد في هبته كالكلب، يقيء ثم يعود في قيئه )، فمثل العائد كالكلب، وهذا على سبيل الاستقذار لا على سبيل التحريم، قال أحمد فما تقول في قوله: ( ليس لنا مثل السوء العائد في هبته كالكلب )، قال: فرجع الشافعي ولم يكن الشافعي يحفظ هذه الرواية، وقد رواها البخاري في صحيحه رحمهم الله، فهذا مثال للاستنباط، والأمثلة في هذا الباب كثيرة.
ثم خرج الشافعي إلى الحج سنة تسع وتسعين ومائة، وكان الشافعي رحمه الله يسأل، فلا يدخل بلداً إلا يسأل عن أهلها، فعلم أن الليث بن سعد قد توفي فاشتد ذلك عليه، وقال: ما اشتد علي فوت أحد من العلماء مثل فوت ابن أبي ذئب و الليث بن سعد ، وقرأ كتب الليث وقال: الليث أفقه من مالك إلا أن الليث لم يكن له أحد يكتب له علمه.
قال: فكتب الشافعي :
تمنى رجال أن أموت وإن أمت فتلك سبيل لست فيها بأوحد
فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى تهيأ لأخرى مثلها فكأن قد
يعني: أن هذا أمر صار الناس عليه، فأنت تطلب شيئاً قد كتب، ولا ينبغي لك أن تذكر هذا.
ثم إن الشافعي رحمه الله كتب كتبه كلها وهو بمصر، ينقحها ويقرأ على طلابه فألف كتاب الأم، ونقح كتاب الرسالة، وله كتاب الإملاء، ولكنه لم يوجد.
ويقال: إن الشافعي لما مات مات بعده أشهب بن عبد العزيز بثمان وعشرين يوماً، حتى قال البويطي : كنا نجتمع نتدارس مذهب الشافعي فتكالب المالكية علينا، وذهبوا بنا إلى السلطان فتفرقنا.
قال: فأنفقت ألف دينار، أو ألفي دينار لأجل ذلك حتى اجتمعنا، فاجتمع منا شيء كثير وبدأنا نطلب مذهب الشافعي فنشرناه، يعني: أنفق من ماله حتى يجتمعوا، وهذا يدل على أن هذه الخلافات وهذه النزاعات تكون بين طلاب العلم، ولكن اللبيب الذي يصدق مع الله سبحانه وتعالى.
هذا الذي جعل الإمام الشافعي يبرز على الأئمة رحمهم الله في هذا، حتى قال الإمام الغزالي رحمه الله في بعض كتبه: وأي من العلماء اقتدى الطالب فخير وحسن، وإن كنت أحب من الطالب أن يذهب إلى مذهب الشافعي ، ثم ذكر فضل الشافعي وأنه بارع في فنون كثيرة، وقد كتب أحمد شاكر في مقدمة كتاب الأم في فضل الإمام الشافعي رحمه الله وبراعته رحمه الله، وأن من كان مقتدياً فليقتد بـالشافعي ؛ لأنه جمع بين استنباط مدرسة أهل الرأي ومدرسة أهل الحديث، فجمع بينها فجمع فأوعى.
وكلما كان طالب العلم بارعاً في الحديث، يعلم صحيحه من سقيمه، بارعاً في الأصول والاستنباط، يستطيع أن يستخرج المسألة من مظانها فإنه سوف يكون له شأن عظيم, ومن المؤسف أن ترى فقيهاً لا يعرف صحيح الحديث من سقيمه، فإذا أراد أن يرجح ذهب إلى قول المتأخرين في تصحيحاتهم، ولم يعلم علة الحديث على طريقة أئمة الشأن وميدان وفرسان علم الرجال والحديث كـأحمد و البخاري و ابن المديني و ابن المهدي و يحيى بن سعيد القطان وغيرهم كثير كثير.
وأيضاً من الخطأ أن تجد طالب العلم في الحديث يعلم الرجال ويعلم مواطن آرائهم وهو لا يحسن الاستنباط في الفقه، ولا يعرف مسائل الفقه الدقيقة، وكلما جمع طالب العلم بين فنين -خاصة بين فن الفقه وفن الحديث، وعلم علل الأحاديث وعلم استنباطات الأصول- إلا صار له شأن عظيم في زمانه، وارتفعت واشرأبت أعناق الناس إلى أخذ رأيه، فنسأل الله أن يمن علينا وعليكم بذلك، وهذا الذي جعل الإمام الشافعي ينال هذا العلم لأمور:
الأول: فهمه للكتاب.
الثاني: فهمه للسنة وصحيحها.
الأمر الثالث: معرفته الدقيقة بلغة العرب.
الرابع: ذكاء وفطنة من الإمام الشافعي قلت أن توجد عند أحد.
والشافعي رحمه الله حياته عامرة بالعجائب والدرر والفوائد، والسبب في ذلك هو كثرة رحلاته، وملتقياته، ومناقشاته، ومناظراته رحمه الله رحمة واسعة، وللإنصاف فإن أكثر الكتب نفعاً في الأمة من حيث الفقه والحديث هي للشافعية، فإنك لو رأيت كتب الحديث تجد أكثرها من الشافعية، ولو نظرت كتب الفقه لوجدت أن أكثرها من الشافعية، والسبب في ذلك لأمرين كما سبق أن قلت في هذا.
نقف عند هذا ونسأل الله أن يمن علينا بالهداية والتوفيق وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
الجواب: المعلوم أن كتب الشافعي فقط التي كتبها إنما هي: (جامع العلم) مطبوع، و(اختلاف الحديث)، و(أحكام القرآن)، و(الرسالة)، و(الأم)، هذه التي أعرفها.
ومن قرأ كتاب الأم فإنه ربما لا يحسن بعض عبارات الإمام الشافعي ، وأنصح طالب العلم ألا يقرأ كتاب الأم، إلا إذا علا كعبه وارتفع شأنه، واشرأبت عنقه في طلب العلم؛ لأنه ربما لا يحسن بعض عباراته.
أما (أحكام القرآن) فيه بعض القصاصات من تأليفه, لكن الآن قد جمع كثير من أقواله في خمسة مجلدات، لكنه جمع وليست من كلامه.
الجواب: لا, الذي أحفظه من ترجمة الإمام ابن حجر في توالي التأسيس أن مسلم بن خالد الزنجي قال له بعد أن بلغ خمس عشرة سنة: اذهب فأفت الناس؛ لأنه حينما جاء زائراً أمه بعدما طلب العلم سنتين عند مالك وقد حفظ موطأ مالك وهو ابن عشر سنين، فذهب فجلس مع مسلم بن خالد الزنجي فرأى شيئاً لم يكن يراه قبل ذلك، فقال له مسلم بن خالد لأجل هذا، فقد علم مذهب مالك وحفظ الموطأ، وتتلمذ على مسلم بن خالد لكن تتلمذه على مسلم بن خالد كان أكثر قبل أن يذهب إلى مالك .
الجواب: والله ما أدري، ما أعرف، أما الشافعي رحمه الله فهو يقرأ كثيراً حتى إنه قرأ علم الكلام وفطنه، وعلم غوره، وقال كلمته المشهورة: لأن يبتلي المرء بكل شر، خير له من أن يبتلى بعلم الكلام، وقال: حكمي بأهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال، ويقال: هذا جزاء من أعرض عن الكتاب والسنة وأقبل على علم الكلام.
لعلنا نقف عند هذا ونسأل الله أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر