إسلام ويب

برنامج يستفتونك - الاستغفار [2]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الاستغفار من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في يومه وليلته كما ورد ذلك في أحاديث كثيرة، ونحن أحوج ما نكون إلى الاستغفار اقتداءً بنبينا صلى الله عليه وسلم وطلباً للعفو من رب العزة سبحانه وتعالى، وآكد مواطن الاستغفار هو بعد أداء العبادات كالصلاة والحج، وأثناء الدعاء وعند الاستيقاظ من النوم، وفي مواطن الغفلة كالمجالس وأماكن اللهو.

    1.   

    الاستغفار أهميته ومواطنه

    المقدم: الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على رسوله وعبده، أما بعد:

    فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحيهلا بكم إلى لقاء جديد من لقاءات برنامجكم الإفتائي المباشر يستفتونك، أرحب بكم وأرحب بمتابعتكم وأسئلتكم الثرية عبر شاشتكم الرسالة. أرحب في الوقت ذاته، وفي الشاشة ذاتها، وفي البرنامج ذاته باسمكم وباسم فريق العمل بضيف البرنامج ضيف اللقاء، والذي سيتولى مشكوراً مأجوراً التوضيح والبيان لموضوع هذه الحلقة، ومن ثم التكرم بالإجابة عن أسئلتكم واستفساراتكم.

    أرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي أستاذ الفقه المقارن في المعهد العالي للقضاء في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، أهلاً بك صاحب الفضيلة.

    الشيخ: حياكم الله يا شيخ ناصر! وحيا الله المشاهدين والمشاهدات في قناة الرسالة.

    المقدم: الله يحسن إليك! إذاً حيا الله مشاهدي الكرام، وحيا الله شيخنا الكريم.

    مشاهدينا الكرام مشاهداتي الكريمات! أشكر لكم عظيم حفاوتكم بما ذكره شيخنا في الحلقة الماضية حول الاستغفار وأهميته، واستجابة لطلبات الكثيرين، فإننا ربما نورد شيئاً من هدي النبي صلى الله عليه وسلم إن أذن صاحب الفضيلة في الاستغفار تلكم العبادة العظيمة كيف كان هديه عليه الصلاة والسلام؟ كيف كان هدي السلف الصالح مع الاستغفار؟ ثم مزيد إيضاح لمعنى هذه الكلمة استغفار.

    حاجة العبد إلى الاستغفار

    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

    سبق أن تحدثنا عن مسألة الاستغفار وأن العبد يسأل ربه المغفرة، ذلك أن المغفرة تختلف عن العفو.

    فإن المغفرة هي طلب العفو مع ستر الله سبحانه وتعالى لعبده؛ ولهذا سمي الغفر والمغفر وهو الذي يوضع على الرأس، فكأن العبد يسأل ربه أن يعفو عنه وعن ذنبه وأن يستره يوم العرض عليه سبحانه وتعالى، وعلى هذا فإن الإنسان حينما يطلب ربه أن يغفر له فإنما يطلب من ربه سبحانه وتعالى أن يتجاوز عن سيئاته وألا يفضحه يوم العرض لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:18]، هذا معنى الاستغفار؛ ولأجل هذا لا بد أن يستحضر العبد أنه في كل لحظة بحاجة إلى طاعة الله سبحانه وتعالى، فإن قصر أو تهاون في ذلك فهو بحاجة إلى استغفار، والله سبحانه وتعالى ليس له حاجة إلى أحد؛ ولهذا قال الله تعالى في الحديث القدسي الذي رواه مسلم في صحيحه: ( يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي! إنما هي أعمالكم ثم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه )، ولأجل هذا أخبر عليه الصلاة والسلام أنه ليغان على قلبه فقال: ( إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم والليلة أو في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة )، وجاء في رواية البخاري من حديث أبي هريرة : ( أكثر من مائة مرة )، وهذا يدل على أن الإنسان بحاجة إلى أن يستغفر.

    مواطن يستحب فيها الاستغفار

    لقد جاء الاستغفار في مواطن منها: أن يكون المرء قد أعجب بنفسه، أو أن تكون هذه العبادة التي تقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى تحتاج إلى كمال وذلك بالاستغفار، أو أن يكون ذلك في وقت غفلة الناس، ولعلنا نذكر بعض المواطن.

    الموطن الأول: استحب للإنسان أن يستغفر بعد صلاة الفريضة ـ أي: إذا سلم ـ يقول: ( أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام )، كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها؛ والحكمة من الاستغفار بعد الفرض للدلالة على أن العبد بحاجة إلى أن يكمل النقص الحاصل في الفرض؛ لأن الفرض بحاجة إلى واجبات وإلى أركان وإلى مستحبات، فلربما أنقص بعض الواجبات، أو ربما أنقص بعض الأركان، أو ربما أنقص بعض المستحبات، أو ربما ضعف إقباله على ربه في هذا الفرض بأن حدث نفسه في الصلاة أو وسوس له، فاحتاج إلى أن يكثر من الاستغفار بأن يقول: أستغفر الله ثلاثاً بعد الفرض، هذا الموطن الأول.

    الموطن الثاني: وقت قيام الليل، وهو وقت إجابة الدعوات؛ ولهذا ذكر الله الصالحين والعارفين حين يتقربون إلى الله في الليل فقال: كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:17-18]، قال أهل العلم: إنما جعل الاستغفار في مثل هذا الموطن لأن العبد ربما قصر في عبادته لله تعالى.

    الموطن الثالث: إذا تعارّ الإنسان من الليل، وهذه سنة يغفل عنها كثير من الناس؛ ولهذا جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من تعار من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، الحمد لله وسبحان الله، ولا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، والله أكبر، وقال: رب اغفر لي أو دعا، غفر له)، وهذا يدل على أن مثل هذا الموطن موطن غفلة عن الذكر وإيثار للنوم، وقوله: (فإذا تعار من الليل)، أي: استيقظ من الليل فيكون الأفضل في حقه أن يكثر من الاستغفار اعترافاً بفضل الله عليه أن أحياه، وهذه سنة يغفل عنها الكثير من الناس، إذا نام الإنسان ثم قام من آخر الليل قبل أن يؤذن المؤذن لصلاة الفجر فإنه يتذكر ويقول: لا إله إلا الله إشارة بالوحدانية، فكأن العبد حين استيقظ قد أحياه الله بعدما أماته، فإذا أحياه الله يكون أول ذكر يقوله: لا إله إلا الله، فناسب ذلك أنه إذا كان في آخر حياته فإنه يقول: لا إله إلا الله وأول حياته يقول: لا إله إلا الله وهذا يدل دلالة واضحة على تعلق القلب بالإيمان وبوحدانيته وإفراده تعالى بالألوهية والربوبية والأسماء والصفات.

    قال صلى الله عليه وسلم: ( فإن قام وصلى قبلت صلاته )، وهذا يدل دلالة واضحة على أن الإنسان ينبغي له أن يكثر من الاستغفار في مثل هذا الموطن.

    الموطن الرابع: مواطن الغفلة ومنها: مواطن السهو والمجالس التي يكثر الحديث فيها حول أمور دنيوية، ولربما طال الحديث وتشعب وحصل فيه من المنكرات والسباب والشتام، أو الغيبة والنميمة؛ فلذا ينبغي أن يكثر من الاستغفار في هذه المجالس؛ ولأجل هذا قال صلى الله عليه وسلم: ( إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة ).

    الموطن الخامس: مواطن الدعاء يستحب فيها الإكثار من طلب المغفرة؛ ولهذا كان خير الدعاء دعاء ذي النون، كما جاء ذلك في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما دعا بها مسلم إلا استجاب الله دعاءه)، وهو قول ذي النون عندما كان في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، وفيه اعتراف بالضعف وطلب المغفرة.

    الموطن السادس: بعد قضاء العبادات، فإن الإنسان إذا قضى صومه أو قضى حجه فإنه ينبغي له أن يكثر من الاستغفار ويكثر من الدعاء؛ ولأجل هذا كان عمر بن عبد العزيز الخليفة الخامس رضي الله عنه، كان يكتب إلى أهل الأمصار وإلى أمراء الأمصار أن يأمروا الناس بعد قضاء فرضهم من الصوم أن يكثروا من قول: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23]، وأن يقولوا كما قال العبد الصالح نوح عليه السلام: قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ [هود:47]، وهذا يدل على أن الإنسان بحاجة إلى أن يعبد الله سبحانه وتعالى وأن يكثر من الاستغفار.

    فمن الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط

    ولأجل هذا ينبغي أن يعلم أن لله ملائكة يعبدونه في الليل والنهار كما قال صلى الله عليه وسلم: ( أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك ساجد وملك قائم يسأل الله سبحانه وتعالى المغفرة، ويثني على الله بما هو أهله)، والله أعلم.

    نسأل الله عز وجل بمنه وكرمه أن يوفقنا وإياكم للاستغفار دائماً وأبداً وأن يتقبل منا.

    1.   

    الأسئلة

    صفة الغسل من الجنابة

    السؤال: أم محمد من ليبيا تقول: ما كيفية الاغتسال من الجنابة؟

    الجواب: من المعلوم أن الاغتسال من الجنابة على نوعين:

    النوع الأول: يسميه العلماء الاغتسال المجزئ، النوع الثاني: الاغتسال المستحب.

    النوع الأول: الاغتسال المجزئ: أن يعم سائر بدنه بالماء ويتمضمض ويستنشق ويبلغ الماء أصول الشعر فحينئذٍ قد أتم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث عمران بن حصين : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قد أجنب فقال: ما منعك أن تصلي معنا؟ قال: يا رسول الله! أصابتني جنابة ولا ماء، فلما جيء بالماء قال: خذ هذا فأفرغه عليك )، وقول الله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6]، ولم يذكر الله جل جلاله وتقدست أسماؤه كيفية الاغتسال، فدل ذلك على أن المقصود من ذلك أن يعمم سائر بدنه، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها في قصة الحائض التي تطهر قال: ( ثم تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها ثم تطهر فتحسن الطهور، ثم تبلغ به أصول شعرها وتغسله ثلاثاً )، فهذا هو الاغتسال المجزئ، ولابد من المضمضة والاستنشاق وهو الراجح من مذهب الحنابلة خلافاً لغيرهم، فإن الحنفية جوزوا أو أوجبوا ذلك في الاغتسال ولم يوجبوه في غيره، ومذهب الحنابلة هو الراجح أنه لا بد من المضمضة والاستنشاق وأن يعمم سائر بدنه بالماء، هذا النوع الأول.

    أما ما يسمى الآن بالدش أو الشاور: فعليه أن يتمضمض ويستنشق ثم يجلس تحت الشاور ويعمم به سائر بدنه مباطنه ومغابنه، لا بد أن يصل الماء إلى مثل الإبطين والعانة، والمسافط إذا كان بديناً، فلا بد أن يصلها الماء، ثم بعد ذلك ينتهي، ولا يلزم بالوضوء.

    النوع الثاني: وهو المستحب: هو أن يغسل فرجه ثم بعد ذلك يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم بعد ذلك يعمم سائر بدنه وهذا يسميه العلماء المستحب، ولا ينبغي له بعد ذلك أن يمس فرجه؛ لأنه إذا مس فرجه انتقض وضوءه، وأما إن مس فرجه في أول الوضوء فلا حرج في ذلك، والله أعلم.

    ثم من المستحب أنه إذا توضأ يتوضأ ثلاثاً وهذا الأفضل، ويبدأ بميامين جسده، ولهذا جاء في الحديث: ( ثم يبدأ بميامينه )، وقال صلى الله عليه وسلم: ( ابدءوا بميامينكم في الوضوء )، والاغتسال والوضوء حكمهما واحد، والله أعلم.

    معاهدة الابن بترك العادة السرية وإلزامه بصوم كذا من الأيام إن مارسها

    السؤال: تقول: أنا عندي ابني يعمل العادة السرية، وقد نصحته أن يجاهد نفسه من أجل ترك هذه العادة، فقلت له يجب أن تحلف أنك كلما مارست هذه العادة أن تصوم ثلاثة أيام متتالية، لكنه بعد ذلك استمر في ممارسة العادة، فتراكم عليه صيام خمسة عشر يوماً، فمن ثم قلت له: احلف مرة ثانية أنك لو مارستها تصوم عشرة أيام، لكنه ما زال يمارسها حتى تراكم عليه مائة وعشرون يوماً، فهل يجب عليه صيام كل هذه الأيام أم لا؟

    الجواب: أولاً: الحكم الشرعي في العادة السرية: معلوم أن مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية وقول عند الحنابلة أن العادة السرية محرمة، وهو اختيار أبي العباس بن تيمية .

    ومذهب أحمد رحمه الله أن ذلك مكروه إذا كان لم يستدعها، يعني: لم يتطلب الشهوة، وأما إذا تقحمته الشهوة وجاءته فإن الحنابلة يجوزون ذلك.

    والجمهور استدلوا بقول الله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ [المؤمنون:5-6]، ولكنا نقول: رغم قول الجمهور بالتحريم، لكن ليس معنى ذلك أن الإنسان يدع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة أنه لا يستطيع أن يترك هذه العادة، فينبغي له أن يجاهد نفسه في هذا، وأن ينصح إخوانه، وأن يدعو إلى الله سبحانه وتعالى، ولا ينبغي أن يكون هذا الذنب مدعاة إلى ألا يصلح إخوانه الآخرين بسبب هذا الذنب.

    ثانياً: ينبغي للإنسان ألا يعاهد نفسه على ترك أمر من الأمور الواجب تركها، بدعوى أنه أدعى لضبط النفس، وقد رأينا ما وقع من الأخت أم محمد جزاها الله خيراً، وأنا أولاً: أشكرها لقربها من ابنها، ونصحها له وهذا بحد ذاته مكسب؛ فإن الأبناء إذا لم يجدوا توجيهاً واهتماماً من آبائهم وأمهاتهم فإنهم سوف يجدون هذا التوجيه من غيرهم، إما من الإنترنت أو من جهة أخرى، فإذا كان أحد الوالدين مثل الأب قريباً من ابنه أو ابنته، فإن ذلك أدعى وأصلح في معالجة الأخطاء وتحجيمها.

    ثالثاً: ينبغي أن يكون العلاج بقوة الإرادة، والتخويف من غضب الله عز وجل، والزيادة في مراقبة الله سبحانه وتعالى، وأن الله مطلع على العبد، ويتذكر العبد أنه إذا كان يستحيي من المخلوقات فالله أحق أن يستحيا منه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـمعاذ بن جبل : ( يا معاذ ! استحيي من الله كما تستحيي من سيد قومك )، والحديث رواه الإمام أحمد .

    وهذا يدل على أننا بحاجة إلى أن نربي أبناءنا على مراقبة الله سبحانه وتعالى، وأن نحفظ الله سبحانه وتعالى في يسرنا فيحفظنا الله سبحانه وتعالى في حال شدتنا، كما قال النبي صلى عليه وسلم للغلام الذي لم يناهز الاحتلام: ( يا غلام! إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة )، فمن ترك مثل هذه الشهوات والنزوات البسيطة فإنه مدعاة إلى أن الله سبحانه وتعالى سوف يقذف في قلبه محبته، وإذا قذف الله في قلب العبد محبته فإنه يخافه، وأعظم الفقه هو الخوف من الله سبحانه وتعالى.

    ولذا أقول: أيها الإخوة والأخوات! الذي لا يستطيع أن يصارع شهوته البسيطة فكيف له أن يصارع في الميدان الكبير، في أهله ومجتمعه وأمته الإسلامية.

    لذا يجب أن يكون لدينا من القوة والإرادة ما يجعلنا نرى أن مثل هذه الأشياء بسيطة في تركها، وأنا أقول هذا بقوة: يجب على الإنسان أن يربي نفسه، فإن بعض الناس إذا ابتلي بمثل هذه يظن أنه قد ابتلي بلاءً لم يبتل به أحد من الأولين أو الآخرين، فهو يقول: أنا ابتليت بشيء ليس مثل أحد، أنا عندي شهوة شديدة.

    نقول: ليس صحيحاً، هذا دلالة على اكتمال رجولتك، واعلم أن الأنبياء والصالحين والصحابة والأئمة كـأحمد و الشافعي و مالك فيهم من هذه الشهوة مثلما فيك ومثلما فينا، ولكنهم رضي الله عنهم خافوا الله في السر فحفظهم الله سبحانه وتعالى يوم يحتاجون إليه في الشدة؛ ولأجل هذا عندما كان أبو هريرة شاباً فخشي على نفسه من الزنا، فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو إليه فقال: ( يا رسول الله! إني أخاف على نفسي العنت )، يعني الزنا، ماذا قال له الرسول صلى الله عليه وسلم؟ ما قال له: افعل العادة السرية، قال: ( اصبر يا أبا هريرة )، وهذه التربية التي يجب أن نربي أنفسنا وأبناءنا عليها على الصبر، فقال: ( اصبر يا أبا هريرة، قال أبو هريرة : ثم جئته من الغد، فقلت: يا رسول الله! إني أخاف على نفسي العنت- يعني المشقة والزنا- قال: فنظر إلي، وقال: اصبر يا أبا هريرة )؛ ولهذا قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200]، إذاً المسألة تحتاج منا إلى صبر ومصابرة، وهذا هو العلاج الحقيقي.

    أما أن نعاهد أنفسنا بأن نحلف بالله العظيم أننا إذا فعلنا هذا الذنب فإننا سوف نصوم ثلاثة أيام، أو نذبح شاة أو غير ذلك، فإنني أرى أن مثل هذه المعاهدة لا تصلح؛ لأن العبد ربما يقع في أمور لا تحمد عقباها، وقد قال الله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ [التوبة:75-77]، فهذا يدل على أنه لا ينبغي للإنسان أن يعاهد نفسه، فأنا أقول للأخت أم محمد : لا ينبغي أن تجعلي علاج ابنك بأن يعاهد نفسه إذا فعل هذا الذنب أن يفعل الكفارة المغلظة أو صيام ثلاثة أيام أو ذبح شاة أو غير ذلك، وإذا كان الأمر كذلك فإنني أرى صيام مائة وعشرين يوماً ربما شق ذلك على الابن، وعلى هذا فقد صح عن ابن عباس رضي الله عنه كما روى ذلك أبو داود والدارقطني أن ابن عباس رضي الله عنه قال: من نذر نذراً يطيقه فليفعله، ومن نذر نذراً لا يطيقه فليكفر كفارة يمين، فإن كفر ابنك كفارة يمين واحدة فإن ذلك بإذن الله يجزئ، ولا ينبغي له أن يفعل مثل ذلك أي: المعاهدة؛ لأن ذلك مدعاة إلى أن يخالف ذلك، ويكون ذنبه ربما أعظم من ذنب وجود العادة السرية كما هو معلوم.

    إذاً: عليه كفارة وهي إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فعليك أن تعطي ابنك عشر وجبات يوزعها على الفقراء والمساكين مما تطعمون منه كنصف دجاجة مع الأرز أو غيرها للواحد، ذلك يكفي، أما أن تعطيهم من المال فهذا لا يجوز ولا يجزئ؛ لأن الله قد قرر وقد قعد سبحانه بقوله: (عشرة مساكين)؛ لأن الإطعام مقصود هنا لعشرة، فإذا أطعمتم عشرة مساكين فلا حرج في ذلك إن شاء الله ويجزئ عنه، والله أعلم.

    وهنا مسألة تربوية مهمة، وهو أننا أحياناً نطالب أبناءنا وبناتنا بأشياء من العلاج وقد أوقعناهم في الفخ، كما يقولون.

    ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء

    فمن العجب أن نفتح لأبنائنا وبناتنا الباب على مصراعيه: من وجود القنوات الفضائية، ومن وجود الشبكة العنكبوتية والأفلام، ومن طبيعة الشاب الفضول، وحب الشيء الممنوع، فربما دخل على بعض المواقع التي ربما أفسدت قلبه وأفسدت جهازه، فمثل هذا ينبغي أن يكون هناك تربية على مراقبة الله سبحانه وتعالى، وأن نعاهد أبناءنا على مثل هذا الأمر، وكذلك أن نمنعهم؛ لأن المنع أسلوب تربوي، فكثير من الناس يظن أن المنع سبب إلى الحرمان، وربما إذا قدر بعد المنع أن يفتح الباب على مصراعيه لفعل، هذا ليس صحيحاً. نحن في زمن التربية نحن نقول: إن من التربية المنع بمقدار معين، المنع المقصود به: منع المحرم، أما المباح فينبغي أن يكون فيه نوع من الترشيد، فإذا أعطي الابن والبنت بعض الأشياء المباحة التي ربما ترغب بها نفوسهم وهذا لا حرج فيه، بل قد تكون مدعاة إلى أن يتركوا الحرام وهذا مطلب، أما أن نمنعهم من الحلال والحرام فهذا خطأ، أو لا نمنعهم مطلقاً فهذا خطأ أكبر.

    وأنا أقول: إننا بحاجة إلى ترشيد أبنائنا وإلى فهم نفسياتهم؛ لأن الابن أحياناً كلما كبر يظن أن العلاقة التي بينه وبين أبيه بعيدة، فيقول: مشكلة والدي أنه لا يفهمني، مشكلة والدي أنه لا يحبني، أو مشكلة أمي أنها لا تحبني، هذه المعاني لها أثر بسبب أن الآباء أو الأمهات ربما أرغموا أبناءهم على بعض الأشياء، وليس هناك نوع من العاطفة تجاههم؛ لأن الابن حينما أمنعه من شيء باكفهرار جبين وقوة الأبوة كما يقولون فهو يكره هذا التعامل؛ ولذا يفضل عند المنع مثلاً أن أقول له: يا بني! والله ما تركت هذا وما منعت هذا إلا محبة فيك وضممته إلي، وقبلته وأشعرته بحبي له، وأبدلته بغير ذلك، هيا اذهب معي إلى السيارة، تعال نذهب إلى البقالة تعال نشتري شيئاً، هكذا يستطيع الابن أنه يعلم أن والده يحبه؛ لأننا أحياناً بسبب انشغالنا عن أبنائنا فربما منعناهم من الحرام، وهذا واجب لكن أحياناً لا نستطيع أن نشرح لهم ونقنعهم بذلك، وأنا أذكر أن أحد الإخوة يقول: اشتريت لابني لعبة البلستيشن هذا، وللأسف بعض ألعابه أو أشرطته أحياناً يكون فيها بعض الموسيقى أو بعض المقاطع الغير لائقة، مثل خروج بعض الفتيات بلباس فاضح، فقال الأب لابنه: يا بني! أنا سوف أعطيك هذا وتستخدمه في الأمور المباحة، لكن اعلم يا بني! أنك إذا سمعت الحرام أو شاهدت الحرام لن تتعذب وحدك بل سوف أعذب أنا معك؛ لأنني أعنتك على هذا الأمر، فإذا كنت تحبني فإياك إياك أن تقع في هذا الأمر، هنا يستطيع الابن أن يتربى على أنه كلما رأى قال: أنا ربما أستطيع أن أتحمل وزري؛ لكن كيف أحمل أبي وزر ما فعلته وقد استأمنني. مثل هذه المعاني التربوية والأخلاق الإسلامية تجعل الابن بفتوته وحماسه يتخلى عن كثير من هذه الأشياء بسبب حسن التربية وحسن التعامل، والله أعلم.

    تأخر الزواج أو الإنجاب بسبب السحر وعلاج ذلك

    السؤال: أم محمد تسأل وتقول: إن أختها تأخرت عن الزواج بسبب سحر سكب أمام بيتهم، ماذا تصنع إن صح ذلك، وهل السحر يؤخر الزواج؟

    الجواب: ينبغي أن نقول: ليس كل تأخير في الزواج أو الإنجاب أو الدراسة سببه سحر أو عين، ينبغي أن يكون عندنا قوة الإرادة وأن نتوكل على الله سبحانه وتعالى، فإن التوكل على الله سبحانه وتعالى من أعظم الأسباب الجالبة بإذن الله إلى توفيقه؛ ولهذا قال الله تعالى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173]، فهذا يدل على أن الإنسان إذا توكل على الله سبحانه وتعالى فإن إرادته وقوته سبب بإذن الله إلى الشفاء أو إزالة هذا الأمر، هذه نقطة.

    النقطة الثانية: ربما يكون السحر سبباً لأن تتأخر البنت ونقول: إن من العلاج النشرة، والنشرة نوعان: نشرة محرمة، ونشرة جائزة، فالنشرة الجائزة منها: الرقية، والرقية مقصد شرعي، فالإنسان يرقي نفسه بسورة الفاتحة وبسورة البقرة وبسورة آل عمران؛ لأنه معلوم أن السحر لا يستطيع أن يقوى على الصمود أمام قراءة البقرة وآل عمران.

    كذلك من النشرة المشروعة: أن يأخذ سدراً ويدقه، والسدر هو شجر العبري كما يقولون، فيدقه ثم يطحنه ثم يضعه في ماء، ويغتسل فيه لمرات تلو المرات، فإن ذلك بإذن الله ينفع وقد جُرّب هذا عند السلف ونفع.

    والنشرة المحرمة منها: الذهاب إلى السحرة والكهان والمشعوذين فهذا لا يجوز؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد )، كما قال أبو هريرة رضي الله عنه.

    إذاً التوجيه الشرعي في شأن أختنا الكريمة أم محمد أنه ينبغي لها أن تستخدم النشرة الجائزة المباحة كالرقية ترقي نفسها أو تذهب إلى من يرقيها، وكذلك تجعل أختها ترقيها تمسك المصحف وتقرأ سورة البقرة يومياً فإن ذلك بإذن الله نافع، أو تغسل نفسها بسدر، فإن ذلك ينفع بين الفينة والأخرى، أما أن تذهب إلى كاهن أو عراف فإن ذلك لا يجوز.

    وكذلك ينبغي أن نجعل من الرقية التي هي النشرة الجائزة كثرة الدعاء والتضرع إلى الله، فإنه جاء في الحديث كما في الصحيحين حينما سحر لبيد بن الأعصم النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد، ثم دعا كثيراً ثم دعا، ثم دعا، فجاءه ملكان أحدهما عند رأسه وآخر عند رجله، فقال: من طبه؟ قال: طبه لبيد بن الأعصم ، قال: في أي شيء؟ قال: في مشط ومشاطة، وجف طلعة ذكر )، وهذا يدل على أن الإنسان بحاجة إلى أن يتضرع إلى الله، وأن ينكسر بين يديه فإن الله سبحانه وتعالى يحب من عبده تضرعه وانكساره بين يديه.

    أما لو افترضنا أنه ليس سحراً وأنه قضاء وقدر، فالمؤمن يؤمن بقضاء الله وقدره، لكن ينبغي عليها ألا تقول: هذا قضائي، وهذا قدري في تأخر زواجي أو تأخر خاطبي، ويركن إلى هذا، بل هناك أسباب أخرى شرعية يمكن طرقها.

    من هذه الأسباب: أن يعرض أحد الوالدين ابنته أو أخته لمن يراه كفئاً، فينبغي على الأب أو الأم أن تعرض ابنتها أو أختها على أناس ربما تراهم صالحين، وقد عرض عمر رضي الله عنه ابنته حفصة على أبي بكر وعلى عثمان ، وهذا يدل على أن هذه سنة قد هجرت، وكثير من الناس حينما تعرض عليه الفتاة يظن أنها ليست جميلة، أو ليس لها قيمة، وما فعل وليها ذلك إلا لأنها ليست جميلة، وهذا مفهوم خاطئ، فينبغي أن نشيع هذه السنة وننشرها وهي أن يعرض الأب ابنته إذا كانت صالحة أو يرى من الناس الأزواج من هو كفء ليعرض عليه ابنته، فإن ذلك سبب -بإذن الله- إلى أن يعجل الله بزواج الأبناء، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله).

    إذاً فلنخطب أيها الإخوة والأخوات! لأخواتنا وبناتنا ومن تحت ولايتنا من هم الأكفاء من الرجال، ولو بالتلميح أو التعريف أو الإرسال، هذه كلها جاهزة بل هي سنة هجرها الناس، والله أعلم.

    اشتراط الوضوء والطهارة للذكر والاستغفار

    السؤال: أم محمد من السعودية تسأل: الذكر والاستغفار هل يشترط لهما الوضوء أو الطهارة؟

    الجواب: من المعلوم أنه يستحب للإنسان أن يكون دائماً على وضوء؛ فإنه قد قال صلى الله عليه وسلم: ( ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن )، فإن محافظة الإنسان على الوضوء دلالة على إيمانه، هذه نقطة.

    النقطة الثانية: يستحب للإنسان أن يذكر الله على طهر، وقد جاء عند الترمذي و أبي داود والإمام أحمد من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إني كرهت أن أذكر الله على غير طهر )، وهذه الكراهة كراهة تنزيهية، وإلا فإنه يجوز للإنسان أن يذكر الله، وأن يستغفر، وأن يقرأ القرآن إن كان على حدث أصغر؛ لقول عائشة رضي الله عنها كما عند البخاري، ومن حديث حذيفة كما عند مسلم وغيره: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه )، فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله ولو كان على حدث أصغر.

    وأما الحدث الأكبر فيجوز أن يذكر الله فيه، لكن لا يقرأ القرآن كما قلنا مراراً وتكراراً: إن قراءة القرآن للجنب لا تجوز، وهو مذهب جمهور الصحابة وجمهور أهل العلم، كما روى عبد الرزاق عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعن علي بن أبي طالب وهو مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أما الجنابة فلا ولا آية ).

    صحة القول بوجوب الشفع والوتر

    السؤال: أحسن الله إليكم! السؤال الثاني لـأم محمد من السعودية تسأل عن صلاة الشفع والوتر، هل هما واجبان؟

    الجواب: هما ليسا بواجبين، ولكن كانا واجبين على الرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خفف الله سبحانه وتعالى ذلك على أمته؛ ولهذا قال الله في الآية: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ [المزمل:20]، فقال العلماء: إن هذا رخصة من الله سبحانه وتعالى، فقد كان واجباً في حق الرسول صلى الله عليه وسلم ثم خفف الله عنه، وقال بعضهم: إنه واجب في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم على الرسول وعلى الصحابة، والصحيح أنه واجب على الرسول صلى الله عليه وسلم فقط، وأما بعد ذلك فإنه سنة مؤكدة لا ينبغي تركها خاصة الوتر، وقد سئل الإمام أحمد عن رجل يترك الوتر، فقال: رجل سوء، لا تقبل شهادته، والمقصود: أنه لا يوتر ولا مرة، يعني: ينبغي للإنسان إذا صلى العشاء وصلى ركعتي العشاء صلى ركعة واحده أو ثلاث ركعات وهذا أفضل، ولا ينبغي له أن يتركها.

    وأنا أقول للأخت: إنه لا يلزم، لكن الأفضل أن يصلي الإنسان الشفع والوتر، وينبغي أن يعتاد على ذلك؛ لأن هذا -بإذن الله- سبب أكيد إلى مغفرة الذنوب، وتقبل الله سبحانه وتعالى لعبده كما قال الله تعالى في الحديث القدسي: ( وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه )، فإذا تقرب العبد إلى الله في الشفع والوتر فإن ذلك أدعى إلى أنه إذا دعا استجاب الله دعاءه، والله أعلم.

    قول: سبحان الملك القدوس رب الملائكة والروح وموضعه من صلاة الوتر

    السؤال: أحسن الله إليكم، أختنا الكريمة أم أسماء من السعودية، تقول: (سبحان الملك القدوس رب الملائكة والروح) هل تقال بعد السلام أو قبل السلام في الوتر؟

    الجواب: روى الدارقطني و الطبراني و البيهقي بسند جيد وكذلك النسائي : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا سلم من الوتر، سبحان الملك القدوس، سبحان الملك القدوس. ثم في الثالثة يرفع صوته ويمد فيقول: سبحان الملك القدوس )، ثلاث مرات إذا سلم من الوتر.

    وأما قول: (رب الملائكة والروح) فقد رواها الدارقطني وفي سندها بعض الضعف، فإن قالها الإنسان أحياناً فلا حرج إن شاء الله.

    تقسيم قيام الليل بين أول الليل وآخره

    السؤال: أم أسماء تسأل أيضاً عن تقسيمها للوتر تقول: أنا أصلي أربع ركعات في أول الليل ثم سبع ركعات آخر الليل، هل هذا جائز؟

    الجواب: لا حرج أن الإنسان يصلي من الليل ما قدر عليه أول الليل ثم يقوم من آخر الليل، وقد قال صلى لله عليه وسلم: ( من طمع أن يقوم آخر الليل فليوتر آخره، فإن الصلاة آخر الليل مشهودة )، وذلك أفضل.

    حكم المصالحة بين الدولة وبعض المساجين على ألا يقاضوا الدولة بعد ذلك

    السؤال: أحسن الله إليكم، أبو عبد الله من ليبيا سؤاله عن المصالحة الوطنية التي تكون بين الدولة ومن أفرج عنهم من السجن، حيث يطلب منهم التوقيع على المصالحة والخروج من السجن بشرطين:

    الشرط الأول: استلام مبلغ مع الإقرار باستلامه.

    الشرط الثاني: ألا يرفعوا قضية أو دعوى ضد الدولة.

    الجواب: على كل حال، مثل هذه المسألة لا بد فيها من التكييف الفقهي للمسألة، والتكييف الفقهي لا بد فيه من التصور الدقيق لهذه المسألة، وهذه القضايا قضايا عامة، لا يمكن للإنسان أن يحكم فيها بهذه البساطة، لكني أقول في الجملة: إن الصلح على دفع ضرر لا حرج فيه، فإذا كان عليَّ ضرر منك، فقلت لي: أصالحك على ألا ترفع ضدي مظلمة، فصالحتك على ذلك، فهذا في الأصل جائز، لكن هذا من حيث الجملة، فإن الإنسان يجوز له أن يصالح ويكون هذا من باب الصلح على إقرار أو الصلح على إنكار، فإذا كان كذلك فلا بأس، وقد ذكر أبو العباس بن تيمية رحمه الله: أن الإنسان إذا عرف عنه أنه يسب الآخرين فجاء رجل فقال: أعطيك المال ولا تسبني، يقول ابن تيمية : جائز بذل المال لأجل هذا، وإن كان الآخذ آثماً؛ لأنه ضار في هذا الأمر، لكن هذه المسألة أعني مسألة المصالحة، لا يمكن أن نعطي لها حكماً حتى نعرف كنه هذه القضية وأسبابها وعلاجها ولعل ذلك أدعى إلى إعطاء حكم أدق في هذه المسألة، ولو سأل علماء بلده فإن علماء بلده أعلم بهذا، وقد قال الفقهاء: الحكم على الشيء فرع عن تصوره، والله أعلم.

    تفسير قوله تعالى: (وما ملكت أيمانكم)

    السؤال: حياة من تونس تقول: ما تفسير قوله تعالى: وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:36]؟

    الجواب: وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:36]، هي الأمة أو العبد، ومعنى ملك اليمين هي: أن يغزوا المسلمون غير المسلمين، فيغنموا منهم رجالاً ونساءً، فيكون هؤلاء أرقاء وإماء، هذا في أول الإسلام، وقد انتهى الآن بعد الاتفاقات الدولية التي تجرم الرق، والشارع يتشوف إلى إعتاق الرقبة، وهذا لا يتأتى الآن، والله أعلم.

    الانتحار بحرق النفس أو غيره

    السؤال: أحسن الله إليكم، حياة من تونس تسأل عن الانتحار، فإن الكثير من الناس ربما يقلد ذلك الشاب التونسي في إحراق نفسه، قد يكون ذلك عن جهل أو عن علم، ما الحكم الشرعي في مثل هذا؟

    الجواب: من المعلوم أن الخطأ لا يعالج بالخطأ، والضرر يزال بقدر الإمكان، ولا يزال الضرر بضرر مثله، هذه قاعدة معروفة.

    ومن المعلوم أن الانتحار من أعظم الكبائر المحرمة التي بين النبي صلى الله عليه وسلم خطورتها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الرجل الذي احتسى سماً: ( فهو يتحساه بيده في نار جهنم يوم القيامة)، وقال: ( من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجأها يوم القيامة )، فهذا يدل على أن مسألة الانتحار من أكبر الكبائر، حتى أن بعض الفقهاء يقول: ليس له توبة، والراجح والله أعلم أن له توبة، لكن ليس معنى ذلك أن يتساهل في هذا الأمر، والخطأ يعالج بطرق أخرى، أما أن يعذب الإنسان نفسه بالانتحار، فقد قال صلى الله عليه وسلم ( لا يعذب بالنار إلا رب النار )، والله أعلم.

    الحكم على معين أنه هالك أو أنه في النار

    السؤال: أحسن الله إليكم، بعض الناس قد يحكم حكماً خاصاً على فلان من الناس أنه هالك، أو أنه في النار، ما مذهب أهل السنة والجماعة في ذلك؟

    الجواب: مذهب أهل السنة والجماعة فيمن قتل نفسه أنه مسلم إذا كان يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ولا نقول: إنه في النار؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بين أن من يقتل نفسه فهو في نار جهنم، لكن ليس معنى ذلك أن نحكم على كل معين بهذا، فهذا يسميه العلماء الحكم بالوصف وليس الحكم بالمعين.

    فالحكم المعين: لا نستطيع أن نعطي للإنسان حكماً؛ لأن مآله إلى الله تعالى، ولكن بالوصف: من صنع ذلك فهو في النار، أي أن وعيده وعقوبته النار إن لم يتغمده الله سبحانه وتعالى بواسع رحمته، والله أعلم.

    التأمين الصحي على النفس والأهل

    السؤال: أحسن الله إليكم، أم الجوزاء من الجزائر تقول: زوجي بائع في أحد المحلات التجارية يريد أن يؤمن على نفسه؛ لأجل احتياجاته كالأدوية وغيرها، وهو يدفع لصاحب المحل جزءاً من المال كل ثلاثة أشهر، ما حكم هذا العمل؟

    الجواب: هذا يسميه العلماء التأمين، إذا كان عندكم تأمين إسلامي، وهو ما يسمى: التأمين التكافلي الإسلامي فإن هذا جائز، وأما إذا كان تأميناً تجارياً فإني أرى أن هذا لا يجوز، ولكن لا أستطيع أن أعطي حكماً لهذه المرأة؛ لأنه لابد أن يكون هذا الحكم أخف من مسألة الضرر عليها، فلو اتصلت علي الأخت أم الجوزاء حتى أعرف حال زوجها وحال بلدهم هل يحتاجونه أو لا؟ لأنه ربما يكون هذا الضرر أعظم من ضرر الغرر الذي حرمه الشارع، والله أعلم.

    الاستغفار وكونه سبباً في إجابة الدعاء

    السؤال: أحسن الله إليكم، مها من السعودية تقول: الاستغفار هل هو سبب من أسباب إجابة الدعاء؟

    الجواب: أولاً: الاستغفار سبب لإجابة الدعاء، وسبب لتوبة العبد، وسبب لأن يبتعد العبد عن المحرمات؛ ولهذا قال الله تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا [نوح:10]، وهذا دليل على أن العبد يغفر له ذنبه.

    ثانياً: أنه سبب للإجابة لقوله تعالى: لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ [الأنبياء:78-88]، فهذا يدل على أن الإنسان إذا أقر بالتوحيد وأقر بالاستغفار، واعترف بالذنب استجيب له؛ ولهذا كان سيد الاستغفار أن يقول العبد: ( أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت )، وهذا يدل على أن ذلك سبب لتوبة العبد، وكذلك سبب لأن يبتعد العبد عن المحرمات والشهوات، فإن ذكر الله سبحانه وتعالى أعظم ما يتقرب العبد به إلى الله، ومن تقرب إلى الله بالنوافل أحبه الله وأبعده عن مقارفة المحرمات.

    نسأل الله سبحانه وتعالى أن يلهمنا التوفيق والتسديد، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، والله أعلم.

    المقدم: بهذه الإجابات الضافيات الكريمات النيرات نصل إلى ختام هذه الحلقة من حلقات برنامجكم الإفتائي المباشر يستفتونك، في الختام شكراً وعرفاناً كما في مبدأ هذا اللقاء للملك الديان جل في علاه، ثم شكراً وعرفاناً لشيخنا الجليل ضيف هذا اللقاء ضيف البرنامج صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الله بن ناصر السلمي أستاذ الفقه المقارن في المعهد العالي للقضاء شكر الله لك!

    الشيخ: حياك الله يا شيخ ناصر !

    المقدم: وهذه أرق تحية من فريق العمل ممن تظهر أسماؤهم بعد قليل، وكلهم يقولون لكم من صميم قلوبهم: إلى اللقاء إلى غدٍ، وأنتم على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767952854