إسلام ويب

برنامج يستفتونك - فضائل شعبانللشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لشهر شعبان فضل عظيم كما جاءت بذلك السنة المطهرة؛ ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يكثر من صيامه حتى إن بعض الصحابة ظن أنه صلى الله عليه وسلم صامه كله لكثرة صيامه فيه، ولمنتصف شهر شعبان فضيلة ومزية أيضاً إلا أنها لم تخصص بعبادة؛ ولذلك قال بعض أهل العلم: لا يلزم من وجود فضيلة تخصيص عبادة له.

    1.   

    فضل شهر شعبان وتخصيصه بالعبادة

    المقدم: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

    الإخوة والأخوات! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله إلى لقاءٍ متجدد من برنامجكم الفقهي الإفتائي المباشر يستفتونك.

    ضيفنا في هذا المساء صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي عضو هيئة التدريس في المعهد العالي للقضاء، والداعية الإسلامي المعروف، فباسمكم مشاهدي الكرام واسم الزملاء نرحب به أجمل ترحيب، أهلاً وسهلاً بك يا دكتور!

    الشيخ: حياك الله أخي العزيز عبد العزيز ! وحيا الله المشاهدين والمشاهدات.

    المقدم: الله يحييك ومشتاقين لك يا شيخ!

    الشيخ: حياك الله.

    المقدم: الله يرضى عليك.

    وأهلاً وسهلاً بكم ثانية، ونسعد بتواصلكم على الأرقام التي تظهر على الشاشة، أو عبر حساب البرنامج على التويتر.

    صاحب الفضيلة! حديثنا في هذه الحلقة عن شهر شعبان، ونحن الآن نستقبل شهر شعبان، نريد أن نقف مع فضل شهر شعبان، هل له يا شيخ! فضيلة ومزية على غيره من الشهور؟ هذا المحور الأول.

    ثم المحور الثاني عن ليلة النصف من شعبان أو يوم النصف من شعبان أيضاً، وإحياء هذه الليلة أو هذا اليوم بمزيد عبادة، هل له أصل في الشرع؟

    ونختم بالصيام بعد منتصف شهر شعبان حفظكم الله.

    الأحاديث الواردة في فضل صيام شهر شعبان

    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:

    فمن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يهتم في شهر شعبان ما لا يهتم في غيره؛ ولهذا روى النسائي والإمام أحمد من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أنه قال: ( يا رسول الله! رأيتك تكثر من صيام شعبان أكثر من صيامك من شهر رجب، قال صلى الله عليه وسلم: ذاك شهر بين رجب ورمضان، وهو شهر تغفل الناس عنه، وهو شهر أحب أن أصوم فيه، وهو شهر ترفع فيه الأعمال، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم )، فدل ذلك على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يهتم في شعبان بالصيام، ودل ذلك على أنه أفضل من صيام رجب؛ ولهذا قال أهل العلم: أفضل الصيام بعد رمضان شهران:

    أولهما: شهر الله المحرم، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم ).

    ثم يأتي بعد ذلك شهر شعبان؛ وذلك لقول عائشة رضي الله عنها، وكذلك ابن عباس : ( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر صياماً من شهر بعد رمضان من شهر شعبان، كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلاً )، وقد جاء في حديث أم سلمة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان كله ).

    وقد اختلف العلماء: هل يستحب صيام شعبان كله أم يفرد فيه بعض الأيام حتى لا يتشبه برمضان؟

    فذهب عبد الله بن المبارك وروي عن سفيان ، وروي عن أحمد أنه لا ينبغي له أن يصوم شهر شعبان كاملاً، وأما ما جاء في قول عائشة : ( كان يصوم شعبان إلا قليلاً ) فإن عبد الله بن المبارك أشار إلى أن العرب تقول: كان فلان يصوم شهراً كاملاً يقصدون بذلك إلا بعض الأيام؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان كله، أي: كان يصوم شعبان إلا قليلاً.

    وأما ما جاء عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان كله )، فإن أهل العلم يقولون: إنه محتمل على أن أم سلمة إنما روت بما تظن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم، أو أن أم سلمة رضي الله عنها إنما أخذت بلغة العرب أن النبي كان يصوم شعبان كله، وتقصد بذلك إلا يوماً أو يومين.

    إذا ثبت هذا فإن استحباب صيام شعبان متأكد تأكيداً شديداً سواء كان الإنسان يصوم أوله، أو يصوم وسطه ما دام أنه يقصد شعبان، وأما ما جاء في الحديث الذي رواه العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا )، فهذا الحديث حاول الإمام ابن حبان أن يصححه، وحاول أن يجمع، وكذلك الشيخ الألباني وقالوا: إن المقصود بذلك أن من كان يصوم أول شعبان، ثم جاء منتصف شعبان وهو يصوم فلا حرج أن يصوم؛ لأنه غير مخاطب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلاً.

    حكم الصيام في النصف الثاني من شعبان

    أما ابتداء الصيام فإنه لا ينبغي إذا انتصف شعبان أن يبتدئ الصيام، هذا قول، وهذا بناءً على تصحيحهم لحديث العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة ، والصحيح والله أعلم أن هذا الحديث ضعيف، وإن كان ظاهره الصحة؛ فإن العلاء من رجال مسلم ، لكن الإمام أحمد و ابن رجب و الأثرم و الطحاوي وغيرهم أشاروا إلى أن الحديث منكر، وأن الأحاديث الصحيحة تخالفه، وذلك لما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تقدموا رمضان بصيام يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه )، ووجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار أنه لا يتقدم بيوم أو يومين، لكنه لو أراد أن يتقدم بأكثر من ذلك لجاز له ذلك، كما أشار إلى ذلك الإمام الأثرم وغيره.

    وقد حاول البعض أن يقول: إن الحديث منسوخ، والصحيح أن الحديث ضعيف، إذا ثبت هذا، فإننا نقول للناس: يشرع لكم أن تصوموا شعبان، سواء ابتدأتم صيامه من أوله، أو من وسطه، أو من ثلثه، أو من الثلث الأخير شريطة ألا يكون ذلك قبل رمضان بيوم أو يومين؛ لأجل ألا يدخل في رمضان ما ليس فيه.

    إذا ثبت هذا فإن شعبان فيه فضيلة، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه.

    فضيلة ليلة النصف من شعبان

    والسؤال الذي يطرح كثيراً: هل في ليلة النصف من شعبان فضيلة؟

    أشار أبو العباس بن تيمية رحمه الله في كتابه العظيم اقتضاء الصراط المستقيم إلى اختلاف أهل العلم في فضل ليلة النصف من شعبان، وذلك بناءً على الأحاديث والآثار المروية في ذلك، فبعض أهل العلم من المتأخرين والمتقدمين صحح هذه الأحاديث، وكان مكحول رضي الله عنه ورحمه يبالغ في ذلك، وهو يراها فضيلة، بل إن بعضهم كان يرى أن أجر ليلة النصف من شعبان مثل أجر ليلة القدر، كما ذكر ذلك عبد الرزاق عن ابن أبي مليكة أنه حدث أن زياداً المنقري النميري كان يقول: إن أجر صيام ليلة النصف من شعبان مثل صيام ليلة القدر، فقال ابن أبي مليكة : لو أني سمعت زياداً يقول ذلك وبيدي عصا لضربته، مما يدل على أن هذه مبالغة.

    ولقد ذكر ابن الوضاح في كتابه العظيم البدع عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم رضي الله عنه أنه لم يدرك أحداً من علمائنا ولا فقهائنا يذكر في ليلة النصف من شعبان فضيلة أو عملاً، ولم يدرك أحداً يقول بقول مكحول ، وقال ابن أبي زيد : لم يكن فقهاؤنا يهتمون بها، يعني: من باب العبادة.

    وقد قال أبو العباس بن تيمية كلاماً فصلاً في هذا، قال: أما فضلها، فقد اختلف فيها، والصحيح كما هو مذهب أحمد وغيره أن ليلة النصف من شعبان لها فضل، لكن هذا الفضل لا يجوز الاحتفال فيه، ولا تخصيص عبادة فيها من صيام أو قيام أو غير ذلك من العبادات، فكونها لها فضل لا يلزم أن يكون لها عبادة تخصها؛ ولهذا فقد جاءت أحاديث في هذا الباب تدل على فضلها، من ذلك: ما جاء من حديث أبي بكر رضي الله عنه كما رواه البزار وغيره، وكذلك ابن ماجه من حديث أبي بكر رضي الله عنه يرويه القاسم بن محمد عن عمه أو أبيه عن أبي بكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله ليطلع ليلة النصف من شعبان، فيغفر لكل عبدٍ إلا لمشرك أو مشاحن )، وهذا الحديث وإن كان في سنده ضعف، وفيه عبد الملك بن عبد الملك أشار الإمام البخاري إلى أن فيه نظراً، وأشار الإمام البزار إلى أن فيه ضعفاً فقال: ولما رأيت أهل العلم يتداولونه ويذكرونه ويحتملونه ذكرته، فهذا يدل على أن هذا محتمل، ومما يدل على ذلك أن هذه اللفظة: ( إلا لمشرك أو مشاحن ) جاءت من طرق غير حديث أبي هريرة ، فمن ذلك حديث أبي موسى يرويه ابن ماجه وغيره من طريق مكحول عن مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فيغفر لكل عبدٍ إلا لمشرك أو مشاحن )، وإن كان في الحديث انقطاع؛ وذلك لأن مكحولاً لم يسمع من مالك بن يخامر ، ولكن الحديث يدل على أن له أصلاً، وقد جاء من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وفي سنده أيضاً ابن لهيعة .

    الأحاديث الواردة في ليلة النصف من شبعان

    أحاديث ليلة النصف من شعبان جاءت عن ثمانية من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منها:

    الحديث الأول: حديث عائشة ، وفي سنده الحجاج بن أرطاة ، وكذلك يحيى بن أبي كثير لم يسمع من عروة كما أشار إلى ذلك غير واحد من أهل العلم كـالترمذي و البخاري .

    الحديث الثاني: حديث أبي موسى وفي سنده أيضاً ضعف، فإن في سنده الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب لم يسمع من أبي موسى وكذلك فيه ابن لهيعة .

    الحديث الثالث: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وفي سنده ضعف.

    وكذلك حديث أبي بكر قد مر معنا، وحديث معاذ بن جبل وقد مر معنا، وكذلك حديث أبي ثعلبة وقد مر معنا، وحديث علي بن أبي طالب، وغير ذلك من الأحاديث الواردة.

    على هذا فإننا نقول: إن ليلة النصف من شعبان فيها فضل، لكن ليس فيها ما يدل على وجود تخصيص عبادة فيها كما أشار إلى ذلك أبو العباس بن تيمية في كتابه الفذ اقتضاء الصراط المستقيم، وعليه فالاحتفال بليلة النصف من شعبان لا يجوز، أو تخصيص عبادة فيها لا يجوز؛ لأن كل عبادة خصت بزمن أو مكان أو أشخاص فهي من البدع الإضافية التي يشير إليها أهل العلم، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    المقدم: أحسن الله إليكم يا شيخ! وجزاكم خيراً على هذا التوضيح المبارك، وبارك فيكم وفي علمكم.

    1.   

    الأسئلة

    الترخص برخص السفر لمن نوى الإقامة ثلاثة أشهر في البلد التي سافر إليها

    السؤال: شخص مسافر إلى الخارج، ومدة إقامته قرابة ثلاثة أشهر هل يترخص برخص السفر؟

    الجواب: هذا مبني على مسألة هل سفره فيه معصية أم لا؟ فإن كان سفره فيه معصية، فللعلماء فيها أقوال:

    القول الأول: ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الإنسان إذا سافر سفر معصية لأن يفعل المعاصي والعياذ بالله، فإنه لا يسوغ له أن يقصر الصلاة، ولا أن يتخفف بالرخص؛ لأن الرخص لا تناط بالمعاصي، كذا قال الجمهور.

    القول الثاني: هو مذهب أبي حنيفة واختيار أبي العباس بن تيمية ورواية عند الإمام أحمد ؛ قالوا: إن العبادات مبناها على وجود أسبابها وانتفاء موانعها، فمتى ما وجد السفر الذي يقصر لمثله الصلاة، فإنه يجوز له أن يقصر الصلاة، وعلى هذا فهذا هو الراجح والله أعلم؛ وذلك لأن الرخصة وإن شرعت، فإنما شرعت لوجود أسبابها، وليس من أسبابها أن الإنسان يعصي الله أو لا يعصي، وأما الاستدلال بقول الله تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ [البقرة:173] فإن الباغي الصحيح هو المتجاوز، والعادي هو الذي يأكل الميتة وعنده غيرها من المباحات، وكما أشار إلى ذلك أبو العباس بن تيمية رحمه الله، والراجح أنه له أن يقصر، لكن إذا كان يريد أن يجلس سبعة عشر يوماً فإنا نقول له: ينبغي أن تعلم أن الجماعة لا تسقط حضراً ولا سفراً؛ لذلك أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصلوا جماعة في صلاة الخوف، كما قال الله تعالى: وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ [النساء:102]، فلما وجبت صلاة الجماعة في صلاة الخوف دل ذلك على أن صلاة الجماعة واجبة لا تسقط إلا مع العجز وعدم الإدراك، أو وعدم الإمكان.

    وعلى هذا فتصلي جماعة، فإذا كنت أنت وزوجتك، فإنك وإياها جماعة، تصلي أنت وزوجتك خلفك، وإذا كان معك ابنك تصلي أنت وابنك عن يمينك، وزوجتك خلفك، وإذا كنت وحدك فإنك تصلي مع المسجد لأجل إدراك الجماعة، لا لوجوب الصلاة في المسجد في حق المسافر، فإن الراجح والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم أن الصلاة في المساجد واجبة، كما قال ابن مسعود : وقد رأيتنا، وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد علم نفاقه أو مريض. أما المسافر فيجوز أن يترك الصلاة في المسجد، لما روى مالك وغيره من حديث جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مسجد الخيف وكان حاجاً، فلما سلم إذا برجلين خلف الصف لم يصليا مع القوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عليّ بهما، فجيء بهما ترعد فرائصهما، فقال: ما منعكما أن تصليا معنا، أولستما بمسلمين؟! قالوا: صلينا في رحالنا، فقال: إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا تكن لكما نافلة )، وجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرهما على صلاتهما في رحالهما؛ لأنهما كانا مسافرين.

    وعلى هذا فالراجح أن الإنسان يجوز له أن يقصر الصلاة ما لم يجمع إقامة، كما كان عبد الله بن عمر يقصر الصلاة ما لم يجمع إقامة، ومعنى (يجمع إقامة) أن يكون هيئته كهيئة المقيم، فالطلبة الذين يدرسون مثلاً يكونون من أهل جدة يأتون إلى الرياض، ثم يأخذون شقة، ويستأجرون ويكون حالهم كحال المقيم، فهؤلاء يتمون.

    والطلبة المبتعثون الذين يذهبون إلى دراسة، وهم قد استوطنوا هذا البلد بمعنى أقاموا مثل إقامة من استوطن بأن يأخذوا شقة، ويشتروا سيارة، ويكون حالهم كحال المقيم وحال المستوطن، فإن هؤلاء الراجح والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم أنهم يتمون الصلاة، هذا هو قول عامة أهل العلم؛ بل هو رأي شيخ الإسلام أبي العباس بن تيمية رحمه الله؛ لأنه أشار إلى أنه ما لم يجمع إقامة، ومن المعلوم أن الطلبة الذين يذهبون ويجلسون سنة أو سنتين هؤلاء لا يقولون: غداً سوف نذهب، أو غداً سوف نرجع، ولكنهم أقاموا مثل إقامة من استوطنها، فهؤلاء قد أجمعوا إقامة، ومن أجمع إقامة فإنه يتم الصلاة، والله أعلم.

    بيع السلعة للبنوك التي قد تتعامل بالربا عند بيعها لآخرين

    السؤال: الأخ لبيب يقول: أنا صاحب معرض يشتري مني البنك السلعة ويبيعها للعميل بنسبة أرباح بين العميل والبنك، ولا علاقة لي بالمعاملة بينهم فهل علي إثم؟

    الجواب: بعض الدول العربية وغير العربية تقوم كما تزعم بمساعدة مواطنيها، وذلك عن طريق البنوك، حيث إن البنوك تقوم بشراء السلع، أو بشراء المباني والمساكن، ثم بيعها على عملائها، وتأخذ نسبة واحد بالمائة، يعني: كنسبة فائدة بسيطة جداً جداً، ليس من باب وجود معاملة، بيع وشراء لا، ولكن من باب القرض، وهذا بلا شك أنه الربا محرم، سواء كان بنسبة كبيرة أم قليلة، وأما من قال: إن ذلك لأجل الإدارة ولأجل الترتيب فنقول: إن كان لأجل الإدارة والترتيب والمتابعة فينبغي أن تقدر ذلك بقدرها، لا علاقة لها بكثرة المال، فإذا وجدت نسبة مقدرة في المال، وليست فعلية، فإن ذلك يدل على وجود شبهة الربا والعياذ بالله.

    وعلى هذا فإذا كانت البنوك صادقة بأنها لا ترابي فإنها تقول: خدمتي للعميل وطريقة متابعتي مقطوع بمبلغ كذا، أما أن ينظر هذا المبلغ إلى نفس المال الذي اقترضه من البنك فهذا هو المحرم، كما صدر في ذلك قرارات المجامع الفقهية، مثل مجمع الفقه المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، وأخبروا أن خدمات القروض إذا كانت خدمات فعلية لا علاقة لها بزيادة المال ونقصانه، فإن ذلك لا بأس به إذا كانت خدمة فعلية، وأما إذا كان ذلك مربوطاً بالمال زيادة ونقصاناً، فهذا لا يجوز، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    إذا ثبت هذا، فإننا نقول لهذا الشخص صاحب المعرض: إذا كان البنك قد أصدر لك شيكاً باسمه، أو أعطاك شيكاً كاملاً إلى هذا العميل، وأنت لم تعلم العلاقة بينهما، فإن كنت تجد حرجاً ألا تبيع، فهذا أفضل لك، ولكن الأقرب أن ذلك جائز؛ لأن هذا بيع وشراء، ولا علاقة لك أنت بالمعاملة إنما هي علاقة بين الطرفين، هذا هو الذي يظهر والله أعلم، وإن كان الأولى والأحوط بك أن تمتنع من ذلك، وتحاول أن تجد بيعاً آخر غير هذا العميل، ولو كان يجوز لك ذلك، وينظر في مثل هذه المسائل -وهي مسائل سد الذرائع- ينظر فيها من بلد إلى بلد، فبلد لا يوجد فيها بنك إسلامي مثل الجزائر ينبغي أن ينظر فيها من حيث التخفيف ما لا ينظر فيها إلى بلد مثل المملكة العربية السعودية، أو بعض دول الخليج، فإن البنوك الإسلامية فيها عامرة ومنتشرة، ويستطيع الإنسان أن يتخير منها بنكاً أو بنكين أو ثلاثة، أما مثل الجزائر فإن عدم وجود بنك إسلامي فيها يجعل الإنسان يخفف في مسألة البيع والشراء معهم، لا لأن الربا يجوز قليله كما يظن كثير من الناس، فإن الربا حرام كله، كما يقول أبو العباس بن تيمية يقول: والربا حرام كله، قليله وكثيره، ولا يجوز أن يسوغ، سواء كان لبناء المساكن أو غيره؛ لأن الضرورة تقدر بقدرها، ومن المعلوم أن من وجد سكناً بالإجارة ليس مضطراً إلى أن يشتري بالربا، ولكن الربا يجوز للضرورة مثل الميتة، فإذا اضطر مثلما يضطر للميتة كأن يأخذ رباً ليستر عورته، أو يأخذ رباً ليعالج خوف الهلكة، فمثل هذا هو الذي يخاف على نفسه الهلكة والعطب، وأما الذين يتفسحون أو يريدون مندوحة في ذلك أو بحبوحة من العيش فالربا حرام ولا يجوز، ولو أفتاك من أفتاك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( وإن أفتاك الناس وأفتوك ).

    توجيه لمن شعر أنه شق على زوجته باشتراطه عليها أن تكمل دراستها

    السؤال: شخص خطب فتاة واشترط شرطين: أولاً: أن تحفظ القرآن كاملاً، وثانياً: أن تكمل دراستها الجامعية، فوافقت على الشرط الأول، وهو حفظ القرآن، وأكرم به وأنعم، أما الشرط الثاني قالت بأنها لا تستطيع، لكنها وافقت على مضض، وهو الآن يحس بتأنيب ضميره كأنه شق عليها ما توجيهكم له؟

    الجواب: ( فاظفر بذات الدين تربت يداك ) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالأخت جزاها الله خيراً، إنما حفظت القرآن بتوجيهك وتشجيعك، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث سهل بن سعد الساعدي عندما قال له: ( التمس ولو خاتماً من حديد، قال: يا رسول الله! والله ما عندي ولا خاتماً من حديد، ولكن هذا إزاري أعطيها إياه، فضحك صلى الله عليه وسلم، وقال: ما تصنع بإزارك، إن لبسته لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء، فلما أراد أن ينصرف قال النبي صلى الله عليه وسلم: أتحفظ شيئاً من القرآن؟ قال: نعم أحفظ سورة كذا وكذا، قال: اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن )، فالرسول صلى الله عليه وسلم ملك وجعل المهر هو تعليمها، فأنت جزاك الله خيراً حينما حضيتها وشجعتها على أن تحفظ القرآن فاظفر بها، ولا تشق عليها، وإذا كان ضميرك يؤنبك، فنقول: الحمد لله اعقد عليها وتزوجها، والحمد لله، وإذا دخلت عليها ورأيت أن الجامعة التي تدرس فيها لا يوجد فيها اختلاط، فأنت تعينها على ذلك، فإن العلم شرف ومكانة، العلم بلا شك من أعظم الممدوح، والإنسان يثنى عليه، فيقال عالم، ويسب فيقال له: جاهل.

    المفاضلة بين مخالطة الناس واعتزالهم

    السؤال: الأخ فهد من السعودية يسأل يقول: في مثل هذه الظروف وهذه الأزمان التي نعيشها الآن هل الأفضل مخالطة الناس أم اعتزالهم؟

    الجواب: الأصل أن الله سبحانه وتعالى بعث أمة محمد لأجل أن يبينوا دين الله سبحانه وتعالى، فالإنسان يبين دين الله سواء كان بقوله أو بفعله أو بأخلاقه؛ ولهذا كما يقول ابن خلدون و ابن تيمية وغيرهم: الإنسان مدني بالطبع، فهو يخالط، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خير من الذي لا يخالطهم، ولا يصبر على أذاهم )، وهذا حديث شريف يبين أن الإنسان ينبغي له أن يتحمل لأواء الناس، ويصبر، عائشة أم المؤمنين قيل لها: ( هل كان صلى الله عليه وسلم يصلي جالساً؟ قالت: نعم، بعدما حطمه الناس )، والسؤال: كيف حطمه الناس؟ حطموه لأنه صلى الله عليه وسلم كان يبتهج للقائهم، وكان يواسيهم، ويدفع عنهم لأواءهم، ويزيل مسغبتهم، وكل هذا يدل على فضل هذا الأمر، وأنت ترى أن الأحاديث الواردة، وكذلك الآيات الدالة على عظم الإنفاق، وهذا لا يتأتى إلا مع مخالطة الناس، ومعرفة حاجاتهم، وأنت ترى أيضاً أن العالم والداعية الذي يكون سهلاً هيناً ليناً يخالط الناس ويعاشرهم، ويعرف همومهم ويواسيهم، ويكون معهم، يحبونه ويتأثرون به ما لا يتأثرون بغيره، وفرق بين من يعيش في أبراج عاجية لا يخالط الناس، ولا يرى حاجتهم وفاقتهم، وما يعيشون فيه من هم، فإن هذا ليس مثل الذي يعيش همهم ويعيش مسغبتهم، ويعيش فقرهم، ويعيش جوعهم، فهذا من العلماء هو العالم الرباني الذي يعلم صغار العلم قبل كباره، ويعلم الناس، ويرشدهم فهذا أثره كبير، وهذا هو الذي بين الشارع الحكيم فضله ومكانته عند الناس.

    ولهذا أقول لك أخي: إن الخلطة مع الناس هي أفضل إذا صبرت، وأما من خاف من الناس، وصار بمجرد خلطته مع الناس يضرونه، ويتأثر بمنكراتهم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوى متبعاً، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فأمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك )، وهذا في آخر الزمان، فالناس تحب الخير، تحب الكلمة الطيبة، الله سبحانه وتعالى يقول: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة:83] ما قال: وقولوا لأهل الإيمان، أو قولوا لأهل الخير، قال: قولوا للناس، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( اطرحوا لـعدي وسادة )، و عدي كان كافراً، وكل هذا يدل على أن الإنسان إذا كان بشوشاً هيناً يعرف منه الصدق واللين فإن الناس تحبه؛ ولهذا قال عبد الله بن سلام عندما دخل محمد صلى الله عليه وسلم المدينة: ( فلما رأيته عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب ).

    فالإنسان ينبغي له أن يكون صادقاً مع إخوانه يواسيهم، يعاشرهم، يبذل جاهه، عبد العزيز نعم قد لا يستطيع أن يبذل لهم من ماله، لكن لن يعدم الكلمة الطيبة.

    لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعد النطق إن لم يسعد الحال

    لا ينبغي للإنسان أن يتخوف أكثر من اللازم، يكتب لمن يهمه الأمر، يكتب تزكية إذا كانت لجهة خاصة، أما أن يخاف من نظرة فلان، أو قولة فلان، هذا لا يخدم أمة محمد عليه الصلاة والسلام، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول كما في الصحيحين من حديث أبي موسى رضي الله عنه: ( اشفعوا تؤجروا، وليقض الله على لسان نبيه ما شاء )، فالإنسان يشفع، وشيخنا عبد العزيز بن باز له قصب السبق بهذا الأمر، وقصصه في هذا كثيرة؛ ولذا حظي حظوة ومحبة من القاصي والداني، ومن الراعي والرعية، أسأل الله أن يتغمده بواسع فضله ورحمته إنه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير.

    الرد على من زعم أن شهادة المرأتين برجل انتقاص للمرأة

    السؤال: شهادة الرجل بشهادة امرأتين هناك من يقول بأن هذا انتقاص للمرأة، كيف نرد عليهم يا شيخ؟!

    الجواب: أولاً: يجب أن نعلم أن الله سبحانه وتعالى أعطى للرجل قدرة وقوة تليق ببدنه، وأعطى المرأة قوة وقدرة وواجبات تليق بقدرتها وبدنها، ومن المعلوم أن الغرب أنفسهم يعرفون أن عمل الرجل ليس مثل عمل المرأة، بل إن في بعض الدول العظمى كأمريكا وبريطانيا وغيرها يعطى الرجل راتباً أكثر من راتب المرأة؛ لأنهم يقولون: إن عمل الرجل في الجملة أكبر من عمل المرأة، مع أننا في بلادنا لا نفرق بين الرجل والمرأة، بل إن المرأة في بلادنا تحظى بمميزات أكثر من الرجل، فإن لها إجازة الأمومة، لها إجازة المحرمية، أو غير ذلك من الأشياء التي ربما لا توجد في أي بلد آخر، هذه نقطة.

    ثانياً: إن الله سبحانه وتعالى يوجب على العباد على حسب قدراتهم، فالإنسان القادر على الحفظ، والقادر على الإدراك، والقادر على العلم، يلزم بالعلم ما لا يلزم غيره؛ ولهذا أيضاً الإنسان القادر بماله يلزم بالأحكام الشرعية من النفقة والزكاة ما لا يلزم الفقير، والمسئول الذي أعطاه الله منصباً وجاهاً وقدرةً يؤمر بأشياء لا يؤمر فيها غيره، وكذلك الرجل حينما أعطاه الله سبحانه وتعالى قوة في بدنه، وقوة في عقله أكثر من المرأة، فجعل حق الرجل زيادة عن حق المرأة، وقد قال الله تعالى في بيان ذلك: أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى [البقرة:282] معنى ذلك أن المرأة قد تنسى، ونحن حينما نتحدث إنما ننظر إلى الأعم الأغلب، أو ننظر إلى القاعدة التي يسميها العلماء مطلق الشيء، وليس الشيء المطلق، حينما نقول: إن جنس الرجل أفضل من جنس المرأة ليس معنى ذلك أن النساء كلهن ليسن مثل الرجال، بل إن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها خير من قبائل من الرجال، و خديجة أفضل من كثير من الرجال، لكن حينما يذكر الشارع فضل الرجل على المرأة إنما ينظر للعموم، ولأجل ألا يترك الحكم لآحاد القضاة، فإن بعض القضاة قد يحابي فيقول: هذه المرأة أعقل من الرجل، فيعطيها شهادة واحدة، فقطع الشارع هذا الأمر الذي هو احتمال وجود التفاوت بين النساء، فجعل الحكم مستقراً على الأغلب، وهو أن شهادة رجل واحد تعدل شهادة امرأتين؛ لأجل ألا يقع الحكم بالتفريق للقاضي، أو للمجتهد الذي يقضي، فجعل الله سبحانه وتعالى ذلك حكماً عاماً ليبين للناس هذا الأمر الذي قد يختلف على حسب طبيعة كل واحد من الجنسين.

    ثالثاً: ينبغي ألا يكون قلب الإنسان -كما يقول ابن تيمية - مثل الإسفنجة، أي شبهة تأتي تخاف وتقول: كيف أقنع الغرب؟ يا أخي! لا يلزم، نحن حينما نقنع الغرب ليس لأجل أننا متهمون، وأننا في قفص الاتهام، نحن حينما نبين للغرب نبين لهم لعلمنا بأن الله سبحانه وتعالى ما شرع لأمة محمد إلا أفضل الشرائع، وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85].

    وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم : ( والذي نفسي بيده! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي جئت به إلا كان من أهل أو من أصحاب النار )، فالذي جاء به صلى الله عليه وسلم هو شريعة قائمة ثابتة، نعم الشرع ثلاثة، كما أشار ابن تيمية رحمه الله.

    القسم الأول: شرع مبدل، وهذا شرع محرف، ولا يجوز أن ينسب إلى دين الله سبحانه وتعالى، وإن نسبه من نسبه، فالاجتهادات التي ليس لها خطام ولا زمام، وليس لها أصل من الكتاب والسنة، وإنما هي من عند قائلها، هذا شرع مبدل، ولا يجوز أن ينسب إلى دين الله.

    القسم الثاني: شرع مؤول، ومعنى الشرع المؤول: هو أن العالم قد يجتهد بما يؤدي إليه اجتهاده على حسب النصوص الشرعية التي حفظها وتأملها، لكن ليس ثمة دليل نصي في هذه المسألة، وليس هناك إجماع قائم في هذه المسألة، فهذا يسميه العلماء شرع مؤول، فهذا لا يسوغ للإنسان أن يقول: دين الله وحكم الله فيها كذا، بل يقول: الحكم الشرعي الذي أتأمله، الحكم الشرعي الذي يتبين لي؛ لأن الإنسان لا يدري أيصيب حكم الله أم لا؟ كما ثبت في صحيح مسلم من حديث بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( وإذا أرادوك أن تنزلهم على حكم الله وحكم رسوله، فلا تنزلهم على حكم الله وحكم رسوله، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا؟ ولكن أنزلهم على حكمك وحكم أصحابك )، فهذا يدل على أن هذا يسمى شرعاً مؤولاً.

    القسم الثالث: الشرع المنصوص، وهو الذي جاء النص الشرعي بالحكم فيه، فهذا لا يجوز مخالفته، ولا يجوز تغييره، ولا يقال فيه: إن الأحكام تختلف فيه على حسب الزمان والمكان؛ لأن الأحكام التي تختلف على حسب الزمان والمكان ما كانت مبنية على أربع قواعد وهي: ما كانت مبنية على الأعراف، أو كانت مبنية على المصلحة، أو كانت مبنية على حسب سد الذرائع، أو كانت مبنية على حسب أحوال الناس وظروفهم، أما الدين الشرعي الذي ثبت به الكتاب والسنة، فإنه لا يتغير، ولا يتأثر على حسب الزمان والمكان، فلا يقال: إن بعض البلاد التي يكون فيها الليل قصير، نقول: أنتم لا تنامون كثيراً، يجوز لكم أن تصلوا الفجر الساعة التاسعة صباحاً؛ لأن ليلكم قصير؟ لا يقال هذا، ولو كان عندهم فيه مشقة؛ لأن دين الله لا يمكن أن يتبدل أو يتغير، كما قال أبو بكر رضي الله عنه لـعمر بن الخطاب : واعلم أن لله عبادة في الليل لا يقبلها في النهار، وأن لله عبادة في النهار لا يقبلها في الليل، والله أعلم.

    حكم الإجهاض للمرأة المريضة التي تتناول أدوية قد تضر وتشوه الجنين

    السؤال: خديجة من الجزائر حامل الآن تقريباً في الأربعين تقول: هي مريضة، وتتناول أدوية، يقول الأطباء: أنها يمكن أن تشوه الجنين، وتسأل عن حكم الإجهاض؟

    الجواب: أولاً يجب أن نعلم أن مسألة الإجهاض في الأربعين الأولى وقع فيها خلاف، فذهب الحنفية والحنابلة في المذهب عندهم على أنه يجوز للمرأة أن تشرب دواءً لإزالة نطفة، أو لإسقاط نطفة، والراجح هو مذهب الجمهور، وهو قرار المجمع الفقهي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي، وهو أنه لا يجوز للمرأة أن تسقط الجنين إلا لمصلحة شرعية، ومعنى المصلحة الشرعية مصلحة يقتضيها الشرع، مثل وجود تشوه يثبت طبياً أنه يضر الجنين، أو ربما المرأة تكون مغتصبة، أو أن المرأة ليس بينها وبين زوجها وئام ولا وفاق، وذلك ربما يكون فيه ضرر واختلاف وعدم مصلحة، وهذه يقدرها أهل العلم بقدرها، وإلا فالأصل أن المرأة لا يجوز لها أن تسقط الجنين خوفاً من عالته أو عدم تربيته، آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ ... [النساء:11].

    كذلك نقول: إذا ثبت عند الأطباء، طبيبين أو ثلاثة يقولون: إن وجود الجنين مضر بك، فإنه يجوز لك في الأربعين الأولى، وأما إذا لم يثبت طبياً فلا يجوز، والله أعلم.

    نصيحة لطالب العلم المبتدئ

    الشيخ: يا شيخ! الأخ إبراهيم من السعودية يريد منكم توجيهاً ونصيحةً لطالب العلم المبتدئ.

    الجواب: أبو حنيفة رحمه الله قيل له: ما علاج النسيان، وما الطريقة لحفظ العلم؟ فقال رضي الله عنه ورحمه: علاجه المزر، والمزر زيت، فتراكض الناس على سوق الكوفة يشترون المزر حتى ارتفع سعره، وتقرحت بطونهم، وكانوا يشربون ذلك، فسأل أبو حنيفة عن ذلك فقال: وما شأنهم؟ قالوا: إنك سئلت عن حفظ العلم، وكيف يكون؟ فقلت: المزر، فتكالب الناس على شراء ذلك المزر من الكوفة، فضحك رضي الله عنه ورحمه، وقال: إنما أردت ذلك أن يشري المزر فيضعه في السراج، فيسهر الليالي لطلب العلم.

    والإمام الزمخشري المعروف كان هو وصاحب له زمن الصبا يدرسون عند الشيخ، وتتلمذ على الجد والاجتهاد، إلا أن زميله أكب على الدنيا، وأقبل على التجارة، وصارت قراءته في العلم قليلة، وأما الزمخشري فإنه ضرب بحظ وافر، وأقبل على التفسير، وعلى البلاغة وغير ذلك حتى صار ميداناً وجهبذاً في هذا الباب، فاجتمعا في مجلس بعدما كبر كل واحد منهما، فكان الزمخشري يسأل فيجيب، حتى كأنه سيل عرمرم في علمه وبلاغته وأدبه واستشهاداته، فكان صاحبه ينظر إليه ويراه معجباً بهذا الطرح، وبهذا العلم الذي عنده، فلما انتهى المجلس التفت إليه، وقال: وددت لو أني بذلت كل ما أملك من مال لأحصل مثلما حصلت، فضحك الزمخشري وقال:

    أأبيت سهران الدجى وتبيته نوماً وتبغي بعد ذلك لحاقي!

    فأنا أقول للإخوة الذين يسألون دائماً عن طلب العلم: طلب العلم هو الجد والاجتهاد، وهو أهم شيء، أنا أعرف مشايخ كباراً تخرجوا من الجامعة من الأوائل، لكن انشغلوا وتركوا العلم، فأصبحوا مثل غيرهم، وأعرف أناساً تخرجوا من الجامعة بتقدير جيد، لكنهم بعد التخرج اجتهدوا وبذلوا وفتحوا الدروس، وشرحوا الكتب، وتأملوا النصوص، وحفظوا الأحاديث، وحفظوا القرآن فأصبحوا أئمة يشار إليهم بالبنان.

    مسألة المنهجية نعم لها أثر كبير، لكن المنهجية ليست بأكبر من الاهتمام بالعلم والتعلم، الإنسان إذا قرأ كتاباً وتأمله سوف يقوده بإذن الله إلى أن يقرأ كتاباً آخر.

    العلماء الذين قضوا نحبهم من هم؟ الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد بن عثيمين والشيخ الألباني والشيخ عبد الله بن جبرين هؤلاء أئمة كبار شهد لهم القاصي والداني بعلمهم، لكن تجد أن علم أو منهجية الشيخ عبد العزيز بن باز تختلف عن منهجية الشيخ محمد بن عثيمين وتختلف عن منهجية الشيخ الألباني، وتختلف عن منهجية الشيخ عبد الله بن جبرين .

    لكن هؤلاء الأربعة لو سألتهم سؤالاً، كل واحد منهم سيجيبك بدليله، وهذا هو الأصل، فالقضية يا إخوان ليست في المنهجية، نعم المنهجية تقدر بخمسة وثلاثين إلى أربعين بالمائة، وتعطى للطالب من أجل ألا يضيع وقته، لكن القضية الأهم هي الجد والاجتهاد.

    أخي لن تنال العلم إلا بستةٍ سأنبيك عن تفصيلها ببيان

    ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة وصحبة أستاذ وطول زمان

    لذلك ينبغي أن يعلم الإنسان أن الملهيات كثيرة خاصة في هذا الزمن، نعم قد يقال عن شخص إنه عالم لكثرة الردود والتعقبات، لكن ليس هذا هو العالم، العالم هو الذي إذا سئل عرف المسألة بدليلها، وعرف حجة المخالفين والرد عليها، كما قال الإمام الغزالي : لا يكون الإنسان عالماً حتى إذا سئل عما لا يعلم، فأجاب بمثل ما يعلم. هذا هو الأصل من حيث القياس، ومن حيث النظر، ومن حيث التخريج، وهذا لا يتأتى إلا بزمن طويل من الجد والاجتهاد، أما أن يظل إذا كان وقت الشتاء يذهب إلى البراري، ووقت الصيف يذهب إلى المصايف، فهذا يقال له:

    إذا كان يلهيك حر المصيف ويبس الخريف وبرد الشتا

    ويلهيك حسن زمان الربيع فأخذك للعلم قل لي: متى؟

    حكم قصر الصلاة للعاملين خارج ديارهم مسافة قصر الصلاة

    السؤال: الأخ عبد السلام من الجزائر يعمل في مجال البترول، وعمله في الصحراء، وهو يعمل شهراً دون شهر، يسأل هنا ويقول: هل يقصر الصلاة؟ مع العلم أن الدولة جهزت لهم مساكن، ومسجداً أيضاً، في مقر عملهم؟

    الجواب: هذا الأخ عبد السلام لا يأخذ إجازة، لأن عمله شفتات كما يقولون، شهر دون شهر، فهذا عمله مثل عمل البريد، مثل الذي يأخذ تاكسي ويذهب مرة من الرياض إلى جدة، ومن جدة إلى كذا، أو في لبنان من صيدا إلى طرابلس، ومن طرابلس إلى بيروت، هؤلاء الذين حياتهم كلها بهذه الطريقة الأقرب -والله أعلم- أنهم لا يقصرون؛ لأنهم ليس لهم بلد ثابت، ومثل ذلك الذي كل حياته يداوم مسافة قصر كأن يكون عمله مسافة مائة كيلو متر كل يوم، هذا يشتغل ولا يريد النقل، ومرتاح بهذا الأمر، الذي يظهر -والله أعلم- أن من كانت حاله بهذه الطريقة أنه لا يقصر الصلاة، وعلى هذا فهؤلاء الذين يكونون شهراً في بلد وشهراً في بلد وهم في حكم المستوطنين فأرى أنهم لا يقصرون، وإنما يتمون، ويكون حالهم كحال المقيمين، بدليل أنهم يصلون الجمعة، ولو كانوا مسافرين لما جاز لهم أن يصلوا الجمعة، والله أعلم.

    الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أثناء خطبة الجمعة

    السؤال: يوسف من السعودية يقول: إذا كان الإمام يخطب يوم الجمعة، وذكر اسم النبي عليه الصلاة والسلام فهل يصلي عليه؟

    الجواب: نعم، لا بأس بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا دعاء، وليس مخاطبة بشر، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا قلت لأخيك: أنصت والإمام يخطب، فقد لغوت )، وهذا من باب مخاطبة البشر، وأنت إذا دعوت لنبيك صلى الله عليه وسلم فإنما تؤمن وتقول: آمين، وقد كان الخلفاء يدعون ويؤمن من خلفهم، فدل ذلك على أن التأمين والصلاة دعاء، فلا حرج في ذلك، والله أعلم.

    سد الفراغ بين صفوف المصلين في الصلاة

    السؤال: سؤاله الثاني يقول: عند تسوية الإمام للصفوف، هل لا بد من سد الفرج؟

    الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( سدوا الفرج )، وقال صلى الله عليه وسلم: ( عباد الله لتسوّن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم )، كما ثبت في الصحيحين من حديث النعمان بن بشير ، والذي يظهر لي والله أعلم، أن تسوية الصفوف تنقسم إلى قسمين:

    القسم الأول: تسوية الصفوف كما تسوى القداح، ليس فيها ميلان وغيره، وهذا من باب التراص، وأن يحاذي بين المناكب والأقدام، فالأقرب في هذا والله أعلم هو مذهب جمهور أهل العلم وهو أنه سنة، خلافاً لبعض أهل الظاهر الذين يقولون بالوجوب.

    القسم الثاني: تسوية الصفوف لأجل ألا يكون بينها فرج، ولأجل ألا يكون فيها ميلان بحيث لا يظن أنها صلاة، فهذا الراجح -والله أعلم- أنه واجب، بمعنى: أنه يجب سد الفرج، ويجب تسوية الصف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في حديث النعمان بن بشير : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا كما يسوي القداح، فلما عقل الناس عنه فأراد أن يصلي التفت فإذا رجل قد تقدم بصدره، فقال: عباد الله! لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم )، وهذا الدعاء لا يتأتى إلا لترك واجب.

    وعلى هذا فإن الذين لا يبالون كيف يصلون ولا يسوون الصفوف خاصة في الحج ربما يقعون في الوعيد العظيم، أما التسوية التي يقصد بها التكملة وإقامة الصف، فإن ذلك مستحب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة )، وفي رواية: ( فإن تسوية الصف من إقامة الصلاة )، والله أعلم.

    لو كانت هناك مسافة يسيرة بين أقدام المأمومين فلا حرج إن شاء الله، لكنه ترك سنة.

    وهناك مسألة ثانية وهي أن بعض الإخوة هداهم الله سمع حديث أنس قال: ( ولقد رأيتنا إن أحدنا ليلصق عقبه بعقب صاحبه ) وفي رواية: ( ركبته بركبة صاحبه )، وهذا ليس على ظاهره كما أشار إليه الإمام ابن حجر رحمه الله؛ لأن الإنسان لو أراد أن يلصق منكبه بمنكب صاحبه قد يستطيع، لكن عقبه بعقب صاحبه، لا بد أن تميل الأرجل، والسنة هي استقبال القبلة بالأرجل، كذلك الركب كيف تجعل الركبة تتراص مع الأخرى، إلا أن ينشغل الإنسان بحيث لا يشعر بما يقرأ، ولا يشعر ما يقول الإمام، فهذا ليس من السنة في شيء، والأصل أن الإنسان يخشع في صلاته، لكن لا يجعل هناك فرجاً، والله أعلم.

    الفريضة قبل الأذان لمن أراد النوم وخشي فوات الصلاة

    السؤال: هل تجوز الصلاة قبل الأذان إذا كنت أريد النوم، وأعلم بأني لن أصحو؟

    الجواب: قبل الأذان بإجماع العلماء لا يصح أن يصلي الإنسان الفريضة قبل دخول وقتها، والله أعلم، لكن ينظر فيه إذا كان معذوراً فيجمع إذا كانت الصلاة يجمع لها، أما ما لا يجمع لها فإنه لا يسوغ، كصلاة الفجر، أو صلاة العشاء، أو صلاة العصر؛ لانتهاء وقت الأولى، فهذا لا يجوز أن يصليها قبل وقتها، وقد قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مريم:59]، قال: هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها، قالوا: إنا لنرى أن معنى ذلك لأنهم يتركونها، قال: الترك هو الكفر، والله أعلم.

    ركعتي تحية المسجد ودخولها ضمن السنة الراتبة لمن دخل المسجد

    السؤال: الأخ أحمد يقول: عند دخول المسجد ما الأفضل أن آتي بركعتين تحية المسجد، أم بالسنة الراتبة؟

    الجواب: نحن نقول: إن المقصود أن تشغل بقعة في المسجد لأجل العبادة، فإذا دخل الإنسان المسجد، وقصد صلاة الركعتين لأجل دخول المسجد والسنة الراتبة، كفته هذه عن تلك، فدل ذلك على أن السنة لدخول المسجد سنن مطلقة يكفيها صلاة الفرض، أو السنة الراتبة، والله أعلم.

    المقدم: أحسن الله إليكم! وجزاكم خيراً.

    مشاهدينا الكرام! بنهاية هذه الإجابة تنتهي هذه الحلقة بشكر لا يحده حد لصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الله بن ناصر السلمي عضو هيئة التدريس في المعهد العالي للقضاء، والداعية الإسلامي المعروف، شكر الله لكم يا شيخ!

    الشيخ: شكر الله لك معالي الشيخ عبد العزيز لكني أرى أن كلمة (شكر لا يحده حد) لا تكون لبشر، إنما هي لله جل جلاله وجزاك الله خيراً.

    المقدم: سبحانه، ونحن نشكرك يا شيخ شكراً جزيلاً، وشكراً لكم أنتم مشاهدي الكرام، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767952901