إسلام ويب

برنامج يستفتونك - وقفات مع الدعاءللشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • رغب الإسلام في الدعاء والإكثار منه، وشرع لنا آداباً تكون سبباً في قبول الدعاء، منها: الاستجابة لأوامر الله، وإظهار الافتقار والفاقة إليه، وألا يخصص بدعائه طلب الدنيا، وأن يثني على الله قبل دعائه، وأن يدعو بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    وقفات مع آداب الدعاء

    المقدم: الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على رسوله وعبده, أما بعد:

    فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحيهلاً بكم إلى لقاء جديد من لقاءات برنامجكم الإفتائي المباشر يستفتونك, ها هو ذا يطل عليكم من جديد عبر شاشتكم الرسالة، مرحباً بكم وبأسئلتكم الثروة الثرية, شاكراً لكم في بداية هذا اللقاء وكل اللقاءات تجشمكم المتابعة والإصغاء, ومرحباً في الوقت ذاته باسمكم وباسم فريق العمل بضيف حلقات هذا البرنامج, صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الله بن ناصر السلمي أستاذ الفقه المقارن في المعهد العالي للقضاء في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, أهلاً بكم صاحب الفضيلة!

    الشيخ: حياك الله يا شيخ ناصر ! وحيا الله المشاهدين والمشاهدات.

    المقدم: إذاً: حيا الله شيخنا وحياكم الله أينما كنتم وحيثما حللتم, ونرحب باتصالاتكم وبمهاتفتكم, كما أرحب بتواصلكم عبر تويتر على وجه الخصوص للسرعة والاختصار فيه أيضاً.

    شيخي الكريم! مشاهدي ومشاهداتي هذا الشهر هو شهر الإنابة والإخبات والدعاء إلى الله جل وعلا, ما فتئ المسلمون يدعون الله عز وجل لقضاياهم العامة, ويدعونه أيضاً لقضاياهم الخاصة حتى يجد الواحد منهم والواحدة منهن تباطؤاً أو تخلفاً لإجابة الدعاء, فيقول القائل: دعوت دعوت فلم أر يستجب لي، فينحسر ويترك الدعاء, ترى هل من وقفات وإضاءات في هذا الخصوص، وفي هذا الموضوع بالذات، أحسن الله إليكم.

    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    من المعلوم أن رمضان هو شهر الدعاء, وما ذاك إلا لأن النسمات الربانية, والنفحات الإلهية تتنزل في رمضان ما لا تتنزل في غيره, ولا أدل على ذلك مما جاء عند الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة ), والله سبحانه وتعالى لا يعتق عبداً من عبيده من النار إلا لأنه قد عفا عنه وغفر له, وما ذاك أيضاً إلا لأن للعبد خصيصة تفضل الله سبحانه وتعالى بها عليه؛ ولهذا فإنه لم يشرك بالله تعالى؛ لأن الله يقول: ( يا ابن آدم! إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا, ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً, للقيتك بقرابها مغفرة ).

    الاستجابة لأوامر الله

    الله سبحانه وتعالى قد بين بعض آداب الدعاء, وبينها نبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم, ولعل من أعظم الآيات الدالة على ذلك, قول الرب جل جلاله: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي [البقرة:186], فكل من استجاب أوامر الله واجتنب نواهيه فإن إجابة الدعاء في حقه قريبة.

    الافتقار والفاقة والحاجة إلى الله سبحانه

    بعض الناس ربما يؤدي بعض آداب الدعاء, ولربما كان مسافراً ولم يأكل حراماً, ولم يتغذ بحرام، ومع ذلك ربما يجد نوع تأخير في الإجابة, ولعل من أسباب ذلك هو قلة الافتقار والفاقة والحاجة إلى الله سبحانه وتعالى, ولأجل هذه القضية لا بد أن نلقي الضوء على ما كان عليه سلف هذه الأمة, على ما كان عليه أنبياء الله عليهم السلام, فإن أنبياء الله كان عندهم من الانكسار في القلب والخنوع والخشوع لله تعالى ما ليس عند غيرهم؛ ولهذا كان أعظم القلوب قلب محمد صلى الله عليه وسلم, كما جاء ذلك عند الإمام أحمد : ( إن الله اطلع على قلوب العباد فلم ير قلباً أخنع له من قلب محمد صلى الله عليه وسلم ), ولذا اختاره لختم نبوته, فلأجل هذا ينبغي أن نعيد النظر في دعائنا.

    الله سبحانه وتعالى جعل من مسلمات الدعاء إجابة دعاء المضطر: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62], وإذا كان المضطر حتماً سوف يستجاب له، فإن ذلك إنما هو بسبب أنه قطع العلائق عن الخلائق واتصل بالخالق, وبهذا يكون العبد بإذن الله مستجاب الدعاء.

    هذا محمد صلى الله عليه وسلم الذي قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يقول ثلاثاً إذا هو أصبح, وثلاثاً إذا هو أمسى دعاءً فيه الافتقار واللجأ والانكسار والخنوع والخضوع لله تعالى، فكان يقول: ( يا حي يا قيوم! برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين, ولا إلى أحدٍ من خلقك ), هذا الافتقار الذي كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً إذا هو أصبح, وثلاثاً إذا هو أمسى, وينقطع عن العلائق ويتصل بالخالق, دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينكسر إلى ربه؛ ولذا استجاب الله دعاءه بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.

    وانظر إلى معركة بدر حيث وعده الله سبحانه وتعالى إحدى الحسنيين, يقول الله تعالى: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ [الأنفال:7], ثم يقوم النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً بأصحابه فيخبرهم أن الله تعالى وعده إحدى الحسنيين، ومع ذلك يجلس في العريش, ويرفع يديه ويتبتل إلى ربه ويبتهل إليه, ويستغيث، حتى رُئي رافعاً يديه، ورئي بياض إبطيه وحتى سقط رداءه من شدة اللجأ والخنوع والخضوع لله, فيأتي أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة ينظرون، فيأخذ رداء النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يضعه على كتفيه, ويضمه وراءه ويقول: ( يا رسول الله! بأبي أنت كفاك مناشدتك ربك، فإن الله منجز لك ما وعدك, فينزل الله قرآناً يتلى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [الأنفال:9] ).

    يا أخي! الله سبحانه وتعالى يحب انكسارك، يحب فقرك, يحب فاقتك, يحب أن تتضرع إليه, يحب أن تنكسر بين يديه, ولأجل هذا كان أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد؛ لأن فيه من حالة الخنوع والذل لله ما ليس في غير، ولأن فيه أنواع التوحيد الثلاثة، فسجوده ودعاؤه من توحيد الألوهية، وبمعرفته أن الله الذي يستجيب الدعاء إقرارٌ بتوحيد الربوبية؛ لأن الله هو الصمد، وهو الذي يعطي ويمنع، وهو الذي يرفع ويخفض، سبحان ربي جل جلاله وتقدست أسماؤه، وبدعائه بأسماء الله وصفاته فيه توحيد الأسماء والصفات؛ فلذلك كانت الإجابة في السجود لابد ولا محالة.

    ولأجل هذا نحن بحاجة إلى أننا إذا أردنا أن ندعوا ربنا أن نتضرع بين يديه, فهل مرة في هذا الشهر الكريم دعوت لنفسك, لا تقل: دعوت مع الإمام في القنوت, أكثر الناس يرون شهر رمضان شهر الدعاء, إذا صلوا مع الإمام ودعوا في سجودهم, وفي التشهد الأخير, أو إذا قنت الإمام, لكن أسألك: هل صليت لله تتضرع إليه وأنخت مطاياك بجانب عفوه وكرمه وجوده وإحسانه:

    الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب

    الله يحب أن العبد يتذلل له؛ لأن الله يقول: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر:15].

    ومما زادني شرفاً وتيها وكدت بأخمصي أطأ الثريا

    دخولي تحت قولك: يا عبادي! وأن صيرت أحمد لي نبيا

    الله سبحان وتعالى أمرك أن تسترجع له, وأن تعرف النعمة منه وإليه، ولو كان في أقل القليل, يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ليسترجع أحدكم ربه ولو في شسع نعله ) فإذا خرجت من المسجد وجدت نعليك قد قطعت سيورها فاسترجع، تجد أحدنا يقول: الحمد لله أشتري غيرها, لكن من الذي أنعم عليك لأجل أن تشتري, استرجع أولاً وقل: لا حول ولا قوة إلا بالله.

    وهكذا من الذي أنعم عليك لأجل أن تذهب إلى سيارتك أو بيتك وأنت ليس عندك شيء, هو الله وحده, الناس يركبون الطائرة فيحدث خلل في الطائرة, ثم يقول الكابتن: أنا لا أستطيع أن أتحرك, ثم تسقط لهم الكمامات, فيجدون لا ملجأ لهم إلا الله فينادون الله, فيستجيب الله دعاءهم, من الذي أجاب دعاءهم؟ هو الله سبحانه وتعالى.

    وإذا كان الكافر الذي يعبد غير الله إذا تضرع إليه, وأناخ واستجار واستغاث بالله جل جلاله وتقدست أسماؤه، فإن الله بكرمه وجوده وإحسانه وعطائه يستجيب دعاء هذا الكافر, فما بالك بالموحد الذي لم يضع جبهته إلا لله, ولم يحنِ جبينه إلا لله, ولم يدع إلا الله, فالله أكرم لهذا الموحد من الكافر, ومع ذلك يقول الله: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [العنكبوت:65], وهذا يدل على أنهم ينجون من الكرب؛ لأنهم أخلصوا الدعاء لله, فأنا أقول: دعوة لتصحيح المسار, ودعوة لتقويم العثار, أن نقبل على الله سبحانه وتعالى, وأن نعلم جازمين أن الله يحب فاقتنا ويحب انكسارنا, ويحب تضرعنا، كما جاء في الحديث: ( وينظر إليكم أزلين -يعني: حزينين- فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب ), هذا التضرع هذا الخنوع هو المهم.

    الإنسان ربما يصلي الليل, ربما يصوم النهار, لكن ليس عنده هذه الفاقة، وربما منّ بها على الله سبحانه وتعالى, وإذا رأى أحد الحليقين أو من يشرب الدخان، قال: أسأل الله أن يغفر له, كأن الله لا يغفر إلا لهذا الأمر, هذا الأمر فيه خطورة كبيرة؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: في قصة الرجلين الذي قال: ( والله لا يغفر الله لفلان, قال الله تعالى: من ذا الذي يتألى علي ألا أغفر لفلان؟ قد غفرت له وأحبطت عملك )؛ لأنه يمنّ على الله سبحانه وتعالى بطاعته كما قال الله: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ [الحجرات:17], فلأجل هذا نحن بحاجة إلى الانكسار بين يدي الله.

    والدعاء هو العبادة, ولماذا صار الدعاء هو العبادة؟ لأن العبد حينما يدعو, إنما يدعو صمداً تصمد له الحوائج, فهو صمد بمعنى أنه لا يغضب أن تسأله؛ لأنه قادر بعزته وجبروته وقدرته أن يعطي الخلائق ما يريدون كما في الحديث القدسي: ( لو أن أولكم وآخركم, وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك من ملكي شيئاً, إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ), فإذا كان كذلك فاسأل ربك, ولا تتوقع أن الله سبحانه وتعالى يستكثر أن يعطي عبده شيئاً من دنياه.

    ألا يخصص في دعائه طلب الدنيا فقط

    بعض الناس إذا أراد أن يدعو لا يدعو إلا في دنياه, ولا يدعو في آخرته, وقد ذم الله الذين لا يدعون ربهم إلا في دنياهم فقال: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ [البقرة:200], وأثنى على الذي يجمع بين الأمرين فقال: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201], ثم قال الله: أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ [البقرة:202], فمن تضرع إلى الله, وانكسر بين يديه وعرف فاقته وحاجته، فإن الله يعطيه خير الدنيا والآخرة, وتأملوا دعاء الصالحين المؤمنين, ذلك الرعيل الأول الذين قالوا: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [آل عمران:147], فكان جزاؤهم: فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ [آل عمران:148], ثم قال الله تعالى: فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ [آل عمران:174].

    المقدم: الله المستعان الحديث في شأن الدعاء صاحب الفضيلة، حقيقة في غاية الأهمية, لكن هل من وقفات مع بعض الأدعية التي وجه الله عز وجل بها نبيه في كتابه العزيز، ووجه بها الأمة، فإنه لا ينطق عن الهوى, وهذه الألفاظ التي أتت من الله عز وجل في كتابه وفي سنة نبيه هي من أجمل الألفاظ فلا داعي لأن تخترع شيئاً من عند نفسك, هل من تذكير للإخوة؟

    الإكثار من الثناء على الله

    الشيخ: يجب عندما يدعو الإنسان أن يكثر من الثناء على الله؛ لأن الثناء على الله أحب له من أن تسأله؛ لأن دعاء المسألة أن تقول: رب اغفر لي, اللهم أعطني, هذا دعاء فقط, لكن إذا أردت أن يستجيب الله دعائي، مثلاً: أن يحقق لي أمراً من الأمور، فأثني على الله وأنا أقصد أن يستجيب الله دعائي، فالله سبحانه وتعالى يعلم خلجات النفوس وخواطرها.

    مثال ذلك: انظر إلى هذا المثال العظيم ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة حينما يفصل الله بين الخلائق، وكل نبي من أولي العزم يقول: ( إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب مثله قبله, ولن يغضب بعده مثله, نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري, فيذهبون إلى آدم فيقول مثل ذلك, فيذهبون إلى نوح فيقول مثل ذلك, فيذهبون إلى إبراهيم فيقول مثل ذلك, فيذهبون إلى موسى فيقول مثل ذلك, ثم يذهبون إلى عيسى فيقول: اذهبوا إلى محمد فإن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر, فيأتون محمداً، فيقولون: يا محمد! ألا ترى ما نحن فيه, ألا ترى ما قد أصابنا, ألا تستشفع لنا عند ربك, قال: فأقول: أنا لها, أنا لها, فآتي فأقع تحت العرش فيلهمني ربي من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه لأحد بعدي, أو قال: لأحد قبلي, ثم قال: يا محمد! ارفع رأسك ), هذا كلام ربنا, ( ارفع رأسك, سل تعط, واشفع تشفع, فيقول: رب أمتي أمتي ), هذا الثناء الذي أثنى به النبي صلى الله عليه وسلم على الله سبحانه وتعالى قد رضي الله به وذهب غضب ربنا جل جلاله وتقدست أسماؤه, غضباً يليق بجلاله وعظمته, فيقول الله: ( يا محمد! سل تعط, واشفع تشفع )؛ ولأجل هذا فإن العبد بحاجة إلى أن يكثر من الثناء على الله سبحانه وتعالى.

    واليوم تجد أن الناس أحياناً يقبلون على الدعاء ابتداءً, وقد قال صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود و أحمد وغيرهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً جلس فدعا فقال: عجل هذا, ثم دعاه فقال: إذا جلس أحدكم فليثنِ على الله بما هو أهله, ثم ليصل علي ثم ليدع ), فهذا يدل على أن الثناء على الله سبحانه وتعالى من الأهمية بمكان.

    والثناء على الله سبحانه وتعالى يرضي ربنا, وقد قال ابن مسعود , وروي مرفوعاً ولا يصح: ( من شغله ذكر الله عن مسألته, أعطاه الله أكثر مما يعطي السائلين )؛ ولهذا كان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في عرفة وهو أفضل الدعاء: ( خير الدعاء دعاء يوم عرفة, وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير ).

    بعض الناس إذا أذنب يقول: ماذا أصنع؟ نقول: أكثر من الثناء على الله واستغفر, لكن أكثر من الثناء على سبحانه وتعالى؛ لأن الثناء على الله بإذن الله يذهب غضب الرب, وإذا كانت الصدقة تذهب غضب الرب, فإن الثناء على الله بما هو أهله يذهب غضب الرب؛ ولهذا كان في رمضان الثناء على الله من الأهمية بمكان, ولا أدل على ذلك من إقبال السلف والرعيل الأول على تلاوة كتاب الله، فإن ذلك من الثناء, فإن هذا نوع من الإقرار بالوحدانية والإقرار بالأسماء والصفات, والإقرار بأن الله يتكلم كلاماً يليق بجلاله وعظمته، فهذا نوع ثناء على الله سبحانه وتعالى.

    ومن الثناء على الله سبحانه وتعالى ما جاء عن الصحابة، وما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم, فمما جاء عن الصحابة كما كان عمر رضي الله عنه يقنت فيقول: اللهم إنا نستعينك ونستهديك, ونستغفرك ونتوب إليك, ونثني عليك الخير كله, نشكرك ولا نكفرك, ونخلع ونترك من يكفرك, اللهم إياك نعبد, ولك نصلي ونسجد, وإليك نسعى ونحفد, نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق.

    ومن الثناء على الله ما جاء في الصحيحين في حديث صلاة الليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: ( اللهم لك الحمد أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، أنت الحق وقولك حق, ولقاؤك حق, والنار حق, والجنة حق, والنبيون حق, اللهم لك أسلمنا... ), الحديث.

    ومن الثناء على الله سبحانه وتعالى ما جاء في الحديث، وإن كان في سنده بعض الكلام؛ والراجح أنه مرسل, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قصة ذهابه إلى الطائف: ( أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات, وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة, أن يحل بي غضبك, أو أن ينزل بي سخطك، لك العتبى حتى ترضى, ولا حول ولا قوة إلا بك ), والأحاديث في هذا كثيرة.

    الدعاء بما ورد

    المقدم: إذاً صاحب الفضيلة تلكم كانت نماذج للثناء على الله عز وجل, ثمة سؤال أختم به, ماذا عما ورد من مجمل الأدعية وأجملها وأروعها؟

    الشيخ: أولاً ينبغي للدعاة الذين يريدون أن يدعوا ربهم خاصة الأئمة جزاهم الله خيراً, أن يهتموا بالأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أعطي جوامع الكلم, فلرب دعاء يقوله النبي صلى الله عليه وسلم سطراً خير من دعاء يدعو به غير النبي صلى الله عليه وسلم بصفحة كاملة, والناس أحياناً لا يفقهون, يظنون أن حسن الدعاء بتحريك القلوب فقط، أو بالسجعات، وقد نهي عن التكلف في السجع.

    والرسول صلى الله عليه وسلم قد أعطي جوامع الكلم؛ ولهذا قال لـجويرية : ( ما زلت في المجلس الذي فارقتك منه؟ قالت: نعم, قال: لقد قلت بعدك كلمات, لو وزنت بما قلت لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه, ورضا نفسه، وزنة عرشه, ومداد كلماته ), هذه الأربع الكلمات خير مما قالت جويرية التي جلست من بعد صلاة الفجر حتى تعالى النهار, فهذا يدل على أن الإنسان ينبغي له أن يختار الأدعية الواردة؛ ولهذا كان الإمام أحمد عندما سأله بعض طلابه, فقال السائل: يا أبا عبد الله ! الرسول صلى الله عليه وسلم بم كان يدعو؟ قال: يدعو بما ورد, قال: أو لم يقل رسولنا صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن مسعود : ( ثم ليتخير من الدعاء ما شاء ), قال: ما شاء بما ورد, فهذا يدل على أن الإمام أحمد يحب أن يقتصر الإنسان في أدعيته على ما ورد, لكن لا مانع أن يدعو الإنسان بخيري الدنيا والآخرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل حينما رآه يثني على الله سبحانه وتعالى كما جاء عند أهل السنن من حديث أنس رضي الله عنه: ( فقال: اللهم لك الحمد أنت بديع السماوات والأرض يا منان! يا ذا الجلال والإكرام! ), ثم قال: ( ادع فثم الإجابة ), فهذا يدل على أن الإنسان له أن يدعو بخيري الدنيا والآخرة, لكن لا ينبغي أن يكثر من التفصيل؛ لأن بعض الناس أحياناً يدعو دعاء يريد به تحريك القلوب فيكثر من التفصيل في الدعاء, مثلما أذكر أن أحد الأئمة كان يدعو في قنوته فقال: اللهم ارحمنا إذا كفننا أهلونا, اللهم ارحمنا إذا هم غسلونا, اللهم ارحمنا إذا على أكتافهم حملونا, اللهم ارحمنا إذا وضعونا في قبورنا, فالناس بدءوا يبكون؛ لأنهم بدءوا يستشعرون هذه الحال.

    ومن الأخطاء في الدعاء أن يقول الداعي: يا ابن آدم! تذكر وأنت في القبر, فهذا الكلام باطل؛ لأنه كلام إنشائي، وليس له علاقة بالدعاء, وهذا يجعل الإنسان أحياناً وقت الدعاء يخطئ, فلا ينبغي التفصيل الدقيق ولو حرك قلوب الناس، وقد وجد من بعض تابعي التابعين من كان يبكي حتى بعضهم سمي شهيد القرآن من الصعق والدعاء, وهذا ليس من السنة, فالسنة خير وأحب، والله أعلم.

    1.   

    الأسئلة

    التبرع بالدم في نهار رمضان

    السؤال: أنور من ليبيا يقول: ما حكم التبرع بالدم في نهار رمضان؟

    الجواب: هذه المسألة مبنية على أن خروج الدم هل يبطل الصوم أم لا؟ والذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم أن خروج الدم لا يبطل الصوم, وهذا هو مذهب أنس بن مالك ، ومذهب ابن عمر ، ومذهب أبي سعيد الخدري كما روى ذلك غير واحد من أهل العلم, فقد روى الدارقطني موقوفاً على ابن مسعود أنه رخص في الحجامة للصائم, وروي أيضاً مرفوعاً ولا يصح, وقد جاء عند البخاري من حديث أنس أنه قيل له: ( أكنتم تكرهون الحجامة للصائم؟ قال: لا إلا من أجل الضعف ), وقد كان ابن عمر يحتجم وهو صائم, فلما بلغه حديث: ( أفطر الحاجم والمحجوم )، بدأ يحتجم ليلاً, ولكن لم يكن ليفطر ويقضي الأيام التي احتجم فيها.

    وأما ما جاء في الحديث الذي رواه أبو قلابة عن شداد بن أوس , وكذلك عن أبي قلابة عن ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أفطر الحاجم والمحجوم ), فهذا حديث صحيح, صححه الإمام أحمد والبخاري وعلي بن المديني , وغيرهم من الأئمة بعدهم, ولكن إذا صح الحديث هل معناه أن الإنسان يفطر؟ الذي يظهر -والله أعلم- أن الحديث ليس معناه أن يفطر؛ لأمور:

    أولاً: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفطر الحاجم والمحجوم), إذا أفطر المحجوم وهو الذي خرج منه الدم، فما بال الحاجم؟ والحاجم هو يمص بالقارورة الدم، ولا يلزم أن يبتلع الدم، حتى لو ابتلع الدم، فمن المعلوم أن الإنسان لا يفطر إلا إذا فعل ذلك عالماً ذاكراً مختاراً, فلو دخل الدم إلى جوفه وهو لم ينو دخوله فإنه لا يفطر؛ لأنه غير مختار؛ بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه).

    ثانياً: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على رجل يحتجم فقال: أفطر الحاجم والمحجوم ), وقد ذهب الإمام أحمد في رواية، و الشافعي وهو اختيار ابن تيمية إلى أن الإنسان لو أكل شيئاً يفطر وهو يظن أنه لا يفطر جهلاً منه، فإنه لا يفطر.

    ومن المعلوم أن الإنسان لا يفطر إلا بثلاثة شروط: أن يكون عالماً وضده الجهل, أن يكون مختاراً وضده الإكراه, أن يكون ذاكراً وضده النسيان, وإذا كان كذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم عندما خاطب هذا الرجل الذي لم يكن يعلم بالحكم بقوله: ( أفطر الحاجم والمحجوم ), لم يكن على ظاهره, وإذا كان الحاجم لا يفطر وهو قوله: ( أفطر الحاجم ), وهو ليس على ظاهره, فكذلك المحجوم ليس على ظاهره؛ لأنه لربما يحتاج؛ ولهذا جاء عند أبي داود وغيره -وأرى أن هذا من أحسن الأحاديث الدالة على عدم الفطر- عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال والحجامة للصائم ولم يحرمهما إبقاء على أصحابه ).

    فإذا كان كذلك فإن التبرع بالدم لا يبطل الصوم, ثم لو قلنا بأن الحجامة تفطر كما هو مذهب أحمد فإن الذي يظهر -والله أعلم- أن التحليل الذي يخرج من أنبوب أو أنبوبين أو ثلاثة ليس مثل الحجامة فكذلك هذا لا يفطر, والله أعلم.

    الوضوء والغسل فيمن استعملت الباروكة للعلاج

    السؤال: أحسن الله إليكم، أختي إسراء من العراق تقول: أنا عندي ثعلبة، يعني ليس عندي أي شعر, والدكتور قال: أنت قادرة على استخدام باروكة لا تخلع لمدة ثلاثة أشهر, وهي تغطي الشعر كله, يعني فروة الرأس كلها لا يوجد شعر، في هذه الحالة كيف يكون الوضوء, وكذلك الغسل من الجنابة أو الغسل من الحيض؟ وفي حال العمرة أو الحج كيف يكون التقصير؟

    الجواب: أولاً: يجب أن نعلم أن الوصل -أي: وصل الشعر بشعر آخر من حيوان أو من إنسان- لا يجوز, وهذا مذهب جماهير أهل العلم إلا من حاجة, ومما يدل على ذلك ما جاء من حديث جابر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يوصل الشعر ), وجاء في الصحيحين من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لعن الله الواصلة والمستوصلة ), والواصلة: هي التي تصل شعرها, أما إذا كانت المرأة مريضة, مثل من تستخدم المواد الكيميائية، فالذي يظهر -والله أعلم- أنه إذا تمعر شعرها يعني: تساقط أنه لا بأس أن تلبس الباروكة؛ لأن ذلك مرض، ومن المعلوم أن الصلع والثعلبة التي توجد في وسط الرأس هذا عيب في حق المرأة, وقد جاء عند الإمام أحمد من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( نهى عن الوصل والنمص إلا من داء ), أو قال: ( لعن الله الواصلة والمستوصلة, والواشمة والمستوشمة إلا من داء ), فقال أهل العلم: إن الإنسان إذا كان به داء فلا حرج أن يلبس مثل ذلك, والمرأة كما أشارت أن بها داء, وهذا لا بأس أن تلبس الباروكة, هذا أولاً.

    ثانياً: كيف تصنع في الوضوء؟ الجواب: إن كانت تستطيع أن تنزعها فإن الواجب في حقها أن تنزعها وتمسح على رأسها, وإن كانت ثابتة ولا تستطيع أن تنزعها إلا بعد أشهر كما أخبرت فالذي يظهر والله أعلم أن حكمها كحكم الجبيرة.

    لكن هل الجبيرة يشترط فيها أن تلبس على طهارة؟ ذهب الحنابلة إلى أن الجبيرة تلبس على طهارة, والقول الثاني وهو قول بعض الحنابلة واختيار أبي العباس بن تيمية أن الجبيرة لا يلزم لبسها على طهارة, وليس لها توقيت مثل توقيت المسح على الخفين, فعلى هذا إذا لبستها فإنها تمسح على الشعر الذي عليه ولا حرج إن شاء الله؛ لأنها صارت حكمها كحكم الباروكة.

    ثالثاً: بالنسبة للغسل, فإن الذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم أننا نقول مثل ذلك, فإذا كانت تستطيع أن تنزعها فإنها مأمورة أن تنزعها, وإذا كانت لا تستطيع أن تنزعها فإنها تصب على رأسها الماء؛ لأن الجبيرة لها أحوال متعددة: فإن كانت الجبيرة لا يضرها الغسل فيجب أن تغسل، وإن كان يضرها الغسل فإنها تنقتل إلى الأمر الثاني وهو المسح, وإن كان يضرها المسح فإنها حينئذٍ تنتقل إلى التيمم, فتتيمم بنية رفع الحدث عن العضو الذي وقعت عليه الجبيرة، ثم بعد ذلك تتوضأ كما هو مذهب الحنابلة والشافعية خلافاً لـمالك و أبي حنيفة .

    فإذا كان يضرها والطبيب يقول: يضر شعرك, أو بها داء في شعرها كقروح وغيره, فإنها ابتداءً تتيمم لرفع الحديث الأصغر أو الأكبر بنية رفع الحدث للعضو ثم بعد ذلك تتوضأ أو تغتسل.

    وأما العمرة فإنها إن كان رأسها أصلعاً ليس عليه شيء من الشعر؛ فإن العلماء رحمهم الله قالوا: إن الأصلع الذي ليس على رأسه شيء من الشعر يسقط في حقه الحلق أو التقصير والله أعلم, فإذا كان كذلك فإنه يسقط في حقها والله أعلم, أما إذا كان فيه شعرات ولكنها لا تستطيع؛ لأنها وضعت هذه الباروكة فالذي يظهر لي والله أعلم أنها يلزمها دم؛ لأنها تركت الحلق أو التقصير, وأما تقصير هذا فليس هو الأصل، وليس هو حقيقي، والله أعلم.

    وعلى هذا نقول للأخت: إذا كان في رأسها شعرات أو شعر ولكن لا تستطيع إزالته لأنها قد وضعت الباروكة والباروكة ثابتة فإنها تذبح دماً؛ لأنها تركت الواجب، فالحلق أو التقصير في حق المكلف واجب، فإذا تركه يجبره بدم، وأما إذا لم يكن على رأسها شيء فليس عليها شيء، والله أعلم.

    تواصل الفتيات مع الشباب بمدح وثناء غير لائق

    السؤال: السائلة الكريمة رمزت لاسمها برمز لا أذكره تقول: ما هو التوجيه للفتيات الكريمات, وكذا الشباب المشتركين في صفحات الإنترنت في ثناء الواحد منهم على ما تكتب أخته, أو الأخت على ما يكتب أخوها والمدح والثناء يكون بطريقة غير لائقة؟ وكذا المراسلات للمشايخ والدعاة بمدح غير لائق أيضاً؟

    الجواب: أولاً: من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكر المؤمنات القانتات فقال: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ [النور:23], فلا يسوغ لأحد أن يتهم أحداً برسالة, هذا مهم جداً سواء كان رجلاً أو امرأة, والأصل أن الإنسان بريء من أي تهمة, فبعض الناس حينما يقرأ رسالة امرأة إلى رجل, أو رسالة رجل إلى امرأة يقع في خلده التهمة وهذا لا يسوغ, قال الله: لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا [النور:12], فإذا كان لا يقع في خلده أنه يقع في الحرام، أو يقع في الشك في مثل ذلك، فينبغي له أن يحسن الظن مع إخوانه, فهذه مسلمة ينبغي ألا تغفل.

    ثانياً: الأخوات جزاهن الله خيراً أحياناً يكون عندهن عاطفة إيمانية جياشة ربما لا توجد عند بعض الشباب، فلربما أثر عليها كلام عالم أو كلام داعية, أو موقف داعية فأحبت أن تشكر، من باب ( من لا يشكر الناس لا يشكر الله ), فأرادت أن تشكر هذا, فأنا أحب أن يكون الشكر فيه نوع من عدم الإقبال الشديد كما يسميه العامة, والأولى أن يكون الشكر مثل: جزاكم الله خيراً على ما قدمتموه، لقد أحسنتم صنعاً في هذا الأمر وفقط, أما المبالغة في الثناء, أو إرسال بعض الأوجه التعبيرية وغير ذلك, فالأولى ترك مثل هذه الأشياء؛ لأنه من المعلوم أن الإنسان أحياناً ربما يأتيه الشيطان بكثرة الرسائل, حينما يراسل الرجل المرأة, والمرأة الرجل ويكثر من هذا الأمر فإن ذلك مدعاة إلى أن يقع في خلد كل واحد منهما ما لا يقع في أول رسالة، خاصة إذا كان ذلك على الخاص, فإن الخاص الأولى ألا يكون؛ لأن الشيء إذا كان عاماً يقرأه كل أحد فإنه أدعى إلى أن الإنسان يعف عن الكلام القبيح وغير ذلك.

    الإفطار في رمضان للمرأة الحامل

    السؤال: أحسن الله إليكم، الأخت أم محمد من الجزائر تقول: إنها حامل في الشهر الثاني ويشق عليها الصيام أحياناً في رمضان فتفطر فماذا عليها؟

    الجواب: الذي يظهر -والله أعلم- وهو مذهب مالك واختيار أبي العباس بن تيمية وهو رواية عند الإمام أحمد أن المرأة الحامل إذا شق عليها الصوم سواء لنفسها أو على ولدها, أو عليهما جميعاً؛ فإن لها أن تفطر وليس عليها إلا القضاء دون كفارة, والدليل على ذلك ما جاء عند الترمذي من حديث أنس بن مالك الكعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله وضع عن المسافر شرط الصوم والصلاة, والحامل والمرضع ), فجعل حكم الحامل والمرضع كحكم المسافر, فإذا كان هذا حالها وهي أنها يشق عليها الصوم, وربما تجلس كل اليوم في الفراش فلا بأس أن تفطر, ولو أفطرت أحياناً وأمسكت أحياناً لا حرج عليها, وحينئذ يلزمها القضاء فقط.

    العمل إذا انقطع عن النساء صوت الإمام في صلاة التراويح

    السؤال: أم أحمد من السعودية تسأل عن انقطاع صوت الإمام عن النساء فصلت كل واحدة لوحدها فما حكم عملنا هذا؟

    الجواب: ما صنعتن أصبتن فيه, وهو أنكن تكملن الصلاة كل واحدة وحدها.

    كيفية زكاة الراتب

    السؤال: تسأل أم أحمد أيضاً قالت: سمعنا أن الراتب عليه زكاة فما هي كيفية زكاة الراتب؟

    الجواب: إذا كان الإنسان راتبه مثلاً خمسة آلاف ريال، ويصرف ثلاثة آلاف ريال كل شهر, فيغلب على ظنه أنه لم يدور الحول على رواتبه؛ لأنه قد أكل الألفين الباقية, لكن الأفضل أنه يجعل له يوماً معيناً من السنة فيتصدق به.

    قصر صلاة المسافر إلى بلاد ليس له فيها مسكن

    السؤال: أم أحمد سؤالها الثالث عن الترخص في قصر الصلاة لمن سافر إلى بلاده ولم يكن له مسكن ولا هو مقيم فيها؟

    الجواب: العبرة ليست بالجنسية, العبرة بالاستيطان أو الإقامة, فإذا كانت المرأة التي تسأل هذه من أهل الأردن قد جلست في السعودية ويغلب على ظنهم أنهم لن يرجعوا إلى الأردن فإنهم يتمون في السعودية، ولهم أن يقصروا إذا لم يكن لهم بيت، وأما إذا كان لهم في الأردن بيت, أو لها غرفة أو لزوجها غرفة مع والده، وهو إنما جاء للسعودية لأجل عمل سنة أو سنتين أو ثلاث ثم يرجع إلى بلده, فإنه يتم في السعودية ويتم في الأردن.

    جماع المرأة في الدبر في رمضان

    السؤال: الأخت أم أحمد تقول: وقعنا في معصية الجماع في الدبر أنا وزوجي مرة, وقرأت أن فيها كفارة، فدرءاً للمفاسد قلت لزوجي: لازم نخرج الكفارة, فرأيت في هذا الشهر أن هناك أخاً لزوجي معسر وعنده بنت مريضة معاقة, فقلت له: نعالجها بنية الكفارة، حيث أنه كان يعالجها علاجاً طبيعياً على أمل أنها تمشي, فقلت لزوجي: خلاص نعطي الفلوس لها، وهي ما يقارب حوالي ألف وخمسمائة ريال, فهل تعتبر هذه كفارة أم لازم أخرج كفارة أخرى؟

    الجواب: نعم إن كان في النهار فإنه يجب عليكم الكفارة, والكفارة هي عتق رقبة عن كل واحد؛ لأنك راضية في هذا الأمر, فعتق رقبة عن كل واحد منكم, فإن لم يكن فإنكم تصومون شهرين متتابعين، فإن لم تستطيعوا لمرض ونحوه فإن كل واحد منكم يطعم ستين مسكيناً, وأنت سألت فقلت: أطعم ابتداءً؟ لا، لا يصح الإطعام، لا بد من التدرج, عتق رقبة, فإن لم يجد فصيام شهرين لكل واحد منكما, فإن لم يكن فإطعام ستين مسكيناً, والله أعلم.

    وأما إذا كان في الليل, ولكن في غير موضع الحرث، فإن ذلك لا يجوز، وليس عليها الكفارة، وإنما يتوبا ويستغفرا، وإذا أخرجوا مالاً فهو من باب: ( الصدقة تذهب غضب الرب جل وعلا ).

    الوسوسة من غير تلفظ

    السؤال: أسأل الله عز وجل أن يمن عليكم بالمغفرة، الهادي من ليبيا له سؤالان: الأول ما حكم الطلاق من غير التلفظ بل عبارة عن وسوسة؟

    الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين يقول: ( إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت بها أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به ), فإذا كان الإنسان يحدث نفسه فإنه لا يقع طلاقاً، وينبغي له أن ينفث على يساره ثلاثاً ويستعيذ بالله من شر هذا ولا يضره.

    التلفظ بالتسمية على الذبيحة

    السؤال: [ما حكم التسمية على الذبيحة؟]

    الجواب: هل التسمية واجبة, بحيث لو لم يسم تكون الذبيحة ميتة؟ الراجح والله أعلم أن التسمية واجبة مع الذكر وتسقط مع النسيان, وهو مذهب جمهور أهل العلم خلافاً لـأبي العباس بن تيمية رحمه الله, وإذا كان كذلك فيجب على الجزار أن يسمي عن كل واحدة، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    وقد يظن الظان ممن يشاهد هذا الجزار أنه لم يلفظها وهو لفظها، ولكن إذا كان جاهلاً أو ناسياً فإنه يعفى عن ذلك، والذبيحة صحيحة؛ وذلك لأن ترك التسمية من باب اجتناب المحظور, وليس من باب فعل المأمور خلافاً لـأبي العباس بن تيمية ، والله أعلم.

    وهل لابد أن أسمع الحاضرين تسميتي وتكبيري؟ لا، أهم شيء أنه يتلفظ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول: ( باسم الله ), ويقول الله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:121]؛ ولهذا لا يتأتى إلا بالقول، والله أعلم.

    المقدم: بهذه الإجابات الضافيات العجلات السريعات لأجل إتمام الإجابات نصل إلى ختم هذه الحلقة من برنامجكم يستفتونك, في ختامها الشكر لله جل وعلا, والدعاء له أن يهيئ لي ولكم لقاءات تترى مع صاحب الفضيلة ضيف حلقات هذا البرنامج الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي , أستاذ الفقه المقارن في المعهد العالي للقضاء, شكر الله لك.

    الشيخ: حياكم الله.

    المقدم: إذاً شكراً لشيخنا وهذه أرق تحايا من فريق العمل ننتظر أسماؤهم بعد قليل وكلهم يقولون من صميم قلوبهم: إلى غد قبل ساعة من الآن وأنتم على خير, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767953069