إسلام ويب

العبادة زمن الفتنللشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الله سبحانه وتعالى جعل للنصر أسباباً، فعلى أمة الإسلام أن تأخذ بها ولا تتركها، وعلى المسلمين إذا أقبلت الفتن واشتدت المحن أن ينبذوا الخلاف وأن يتعاونوا ويجتمعوا، وأن يأخذوا بكل أمر يعصم الله سبحانه به من الفتن والزيغ، وألا يتعجلوا في الفتن بل يترفقوا ويتأنوا ليعصمهم الله من شرها.
    إن الحمد لله نحمده ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

    فإن أمة الإسلام إنما أصابها ما أصابها من الهزائم والذل بسبب تخليها عن أسباب النصر، وقد تأخذ الأمة بأسباب النصر لكن النصر يتأخر عنها لأسباب يريدها الله تعالى، فإن المحق الذي لا يقصر في علمه يؤمر بالصبر فإذا لم يصبر، فقد ترك المأمور، وقد يتأخر النصر؛ لأن الأمة لم تأخذ بعد بأسباب النصر كاملة، فللنصر أسباب للهزيمة أسباب، فإذا أراد المسلمون جماعات وفرادى أن ينتصروا على عدوهم، وأن يمكن لهم في الأرض، فإنه يجب عليهم أن يأخذوا بأسباب النصر، كما أخذ بها الصحابة رضي الله عنهم، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    وأعظم أسباب النصر هو إقامة الصلاة في المساجد، وإيتاء الزكاة، وأداء الواجبات، وترك المحرمات، والرجوع كلياً إلى رب الأرض والسماوات، فحينها ينزل النصر ويولون الدبر، ولقد بين أسباب النصر أحد جواسيس الروم الذين أرسلهم القبقلار القائد الرومي عند قدومه لفتح بلاد الشام، فقد قال هذا الجاسوس عند عودته للقبقلار واصفاً له حال جيش المسلمين بالليل رهباناً، وبالنهار فرساناً، لو سرق ابن ملكهم قطعوا يده، ولو زنى رجم لإقامة الحق فيهم، فقال له القبقلار : لئن كنت صدقتني لبطن الأرض خير من لقاء هؤلاء على ظهرها.

    ولقد بين أسباب النصر أيضاً أحد جواسيس الروم الذين أرسلهم بطريق دمشق، وذلك عند قدوم جيش المسلمين ناحية الأردن، فقال الجاسوس للبطريق: جئتك من عند رجال دقاق، يركبون خيولاً عتاقاً، أما الليل فرهبان، وأما النهار ففرسان، لو حدثت جليسك حديثاً ما فهمه عنك لما علا من أصواتهم بالقرآن والذكر، فالتفت بطريق دمشق إلى أصحابه فقال: أتاكم منهم -يعني: من المسلمين- ما لا طاقة لكم به.

    ولقد كان الصحابة رضي الله عنهم في العهد المكي إبان ظهور الدين وإعلانه على صناديد قريش يعيشون ألوان التعذيب والإهانة، والضرب والإبادة، ويعدهم صلى الله عليه وسلم بالفرج، فلما ضجروا جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة في ظل الكعبة، فقالوا: ( ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا يا رسول الله! فنظر إليهم عليه الصلاة والسلام وقال: قد كان فيمن كان قبلكم يؤخذ الرجل، فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون ).

    قال العلامة ابن القيم رحمه الله في كتاب الفوائد: يا مخنث العزم أين أنت، والطريق تعب فيه آدم، وناح لأجله نوح، ورمي في النار الخليل، وأضجع للذبح إسماعيل، وبيع يوسف بثمن بخس دراهم معدودة، ولبث في السجن بضع سنين، ونشر بالمنشار زكريا، وذبح السيد الحصور يحيى، وقاسى الضر أيوب، وزاد على المقدار بكاء داود، وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد صلى الله عليه وسلم، بينما تزهو أنت باللهو واللعب.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088572769

    عدد مرات الحفظ

    777405839