إسلام ويب

أين هم الرجال؟للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الرجال هم الذين تنهض بهم الأمم وتحيا بهم الرسالات، وإن أكمل معاني الرجولة وأجلى صورها كانت في الجيل الأول الذي تربى على يد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن يقرأ في سيرهم يجد العجب العجاب والهمة العالية التي كانت تغلي في قلوبهم غليان الماء في القدر. وإن مشكلتنا في هذا العصر تتلخص في عدم وجود من يحتذي حذو أولئك الأبطال، وينهج نهجهم، ويسير على دربهم، ولن يرجع للأمة عزها إلا بذلك.
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] .. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فيا أيها المسلمون! اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.

    أحبتي الكرام! بعيداً بعيداً إلى ذاكرة التاريخ نقف مع زبر الأولين كي تحدثنا عن الأماجد الراحلين ففي دارٍ من دور المدينة المباركة جلس عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى جماعة من أصحابه، فقال لهم: (تمنّوا! فقال أحدهم: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة ذهباً فأنفقه في سبيل الله -فلم يعجب ذلك الفاروق عمر- ثم قال: تمنّوا! فقال رجل آخر: أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤاً وزبرجداً وجوهراً أنفقه في سبيل الله وأتصدق به، ثم قال: تمنّوا! فقالوا: ما ندري ما نقول يا أمير المؤمنين! فقال عمر الفاروق : ولكني أتمنى رجالاً أمثال أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة فأستعين بهم على إعلاء كلمة الله).

    رحم الله الملهم عمر، فلقد كان خبيراً بما تقوم به الحضارات الحقة، وتنهض به الرسالات الكبيرة، وتحيا به الأمم الهامدة.

    نعم. إن الأمم والرسالات تحتاج إلى المعادن المذخورة، والثروات المنشودة، ولكنها تحتاج قبل ذلك إلى الرءوس المفكرة التي تستغلها، والقلوب الصادقة التي ترعاها، والهمم العالية التي تنفذها، والأيدي الأمينة التي تحافظ عليها، إنها تحتاج إلى رجال.

    فالرجل بما تعنيه هذه الكلمة أعز من كل معدن نفيس، وأغلى من كل جوهر ثمين، ولذلك كان عزيزاً في دنيا الناس، حتى قال عليه الصلاة والسلام: ( الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة ) متفق عليه من حديث ابن عمر.

    نعم. أعد ما شئت من معامل السلاح والذخيرة، فلن تقتل الأسلحة إلا بالرجل الشهم المحارب، وصغ ما شئت من الأنظمة واللوائح فستظل حبراً على ورق ما لم تجد الرجل الذي ينفذها، وصغ ما شئت من مناهج للتعليم والتربية، فلن يغني المنهج إلا للرجل الذي يقدر مسئوليته، ويدرس بإخلاص تلامذته، وأنشئ ما شئت من جمعيات ومؤسسات خيرية، فلن تنجز مشروعاً إذا أنت حرمت الرجل الغيور، والمخلص الصدوق.. ذلك -أخيّ- ما يقوله الواقع بلا ريب.

    إن القوة ليست بحد السلاح بقدر ما هي في قلب الجندي المسلم، والعدل ليس بصدق المتداعيين بقدر ما هو في ضمير القاضي، والتربية ليست في صفحات الكتاب بقدر ما هي في روح العلم، وإنجاز المشاريع ليس في تكوين اللجان بقدر ما هو في حماسة القائمين عليها، فلله ما أحكم عمر حين لم يتمن فضة ولا ذهباً، ولا ديناراً ولا جوهراً، ولكنه تمنى رجالاً يقدرون المواقف، ويتعاملون بالعدل والعقل لا بحماس العواطف، يعملون بالسنة والكتاب ولا يحابون الناس ولا الطوائف.

    حاصر خالد بن الوليد رضي الله عنه الحيرة ، فطلب من أبي بكر الصديق مدداً، فما أمده إلا برجل واحد هو القعقاع بن عمرو التميمي وقال: (لا يهزم جيش فيه مثله) وكان يقول: (لصوت القعقاع في الجيش خير من ألف مقاتل) كما في كتب السير.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088572770

    عدد مرات الحفظ

    777405839