الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها المستمعون الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً ومرحباً بكم إلى حلقة هذا اليوم في برنامجكم المباشر معكم على الهواء.
هذه تحايا عطرة أنقلها لكم من فريق العمل المشارك في هذه الحلقة: من تنسيق إذاعة القرآن الكريم للزملاء جمعان بن ناصر الجمعان و أحمد الرسي وأستديو الإذاعة في التنفيذ على الهواء الأستاذ صالح بن علي القصيري ، الإشراف الهندسي سعود بن إبراهيم الجربوع ، الصيانة سعد البيشي و منصور الطلحة ، في المراقبة الرئيسة خالد بن إبراهيم الجربوع، بالتنفيذ على الهواء عبد الله بن الشويش الشويش ، وفي الإخراج إسماعيل بن محمد البهيجان، ومن المتابعة مدير إذاعة القرآن الكريم الأستاذ عبد الله بن محمد الدوسري، ولكم التحية من معد ومقدم هذه الحلقة محدثكم ناصر بن محمد الشيباني فأهلاً ومرحباً بكم.
أحبتنا الكرام! تمر بالمجتمعات المدنية جملة من المتغيرات والمستجدات على شتى الصُعد ومختلف النواحي، بعض هذه المستجدات تحرك نحوها المجالس بأحاديثها والصحف بأقوالها ومقالاتها، والأخبار بعناوينها، والناس باهتمامهم ومتابعتهم، وتُحدث ضجة كبيرة وتُثير أصداء واسعة. من هذه الأمور ما يسمى بالاكتتاب والمساهمة في الشركات أو حركة بيع وشراء الأسهم، فقد أحدثت هذه الحركة مؤخراً ضجة إعلامية على مستويات كبيرة، وما ذاك إلا نتيجة مغريات عدة وراء السعي نحو الربح السريع والمتاجرة الميسرة.
أمام هذا السعي نجد البعض يجهل أو يتجاهل كثيراً من الأحكام والضوابط الشرعية في باب المساهمة في هذه الشركات، وموضوع حلقتنا كما تعلمون حول الشركات المساهمة ما لها وما عليها، وضيفنا في الاستديو هو فضيلة الشيخ الدكتور: عبد الله بن ناصر السلمي - عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء.
باسمكم جميعاً نرحب بفضيلة الشيخ الدكتور عبد الله فأهلاً ومرحباً بكم.
الشيخ: حياكم الله.
المقدم: نكرر ترحيبنا بكم يا شيخ! وبالإخوة المستمعين معنا عبر تواصلهم بالمشاركات الهاتفية، أو عن طريق الفاكس، وهذه المشاركات التي تحمل إضافات أو أسئلة أو استفسارات حول المحاور التي سنتطرقها معكم يا شيخ عبد الله!
بداية كمدخل لهذه الحلقة يا شيخ عبد الله! ودنا أن نعرف الإخوة المستمعين المراد بالشركة المساهمة، ما هي الشركة المساهمة وما هي خصائصها؟ تفضل.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:
فالشركة المساهمة شركة حدثت بسبب التطورات الاقتصادية، وبسبب ما يحتاجه الناس في كل زمان ومكان، والشركة المساهمة لم تكن لها ذكر في كتب الفقهاء، وهي التي: يكون رأس مالها مقسماً إلى أجزاء متساوية القيمة، كل جزء منها يسمى سهماً قابلاً للتداول، ولا يكون كل شريك فيها مسئولاً إلا بمقدار حصته في رأس المال، وهي بهذا التعريف تكون من شركات الأموال التي لا تعتمد على العنصر الشخصي، وإنما تعتمد على ما يقدمه كل شريك من حصته في رأس المال دون النظر إلى شخصه، بخلاف شركات الأشخاص التي يُنظر فيها إلى الشخص الطبيعي مثل: شركات العنان وشركة المفاوضة وغيرها من الشركات التي ذكرها الفقهاء، فالعنصر الشخصي له أثر فيها؛ لأنك إذا نظرت إلى الشخص أصبح متضامناً لجميع ماله الذي له في هذه الشركة وغيرها من شركاته وأمواله، بخلاف الشركات المساهمة فإن العلاقة بينها وبين مساهميها إنما بقدر حصصهم من رأس المال.
بسبب التطور أصبح للشركة المساهمة قسمان:
القسم الأول: مسئوليتها المحدودة، ومعنى مسئوليتها المحدودة أن مسئولية الشريك في الشركة المساهمة تتحدد بقدر القيمة الاسمية لما يملكه من أسهم في رأس مال الشركة، فلا يُسأل الشريك عن خسائر الشركة إلا بمقدار الأسهم التي يملكها، وإفلاس الشركة لا يترتب عليه إفلاس الشركاء.
القسم الثاني: الشخصية الاعتبارية للشركة المساهمة بمعنى أن الشركة المساهمة لها شخصية يصنعها النظام، ويضفي عليها كثيراً من سمات وصفات الأشخاص الطبيعيين، فيجعل لها ذمة مالية صالحة بأن تكون لها التزامات وعليها حقوق، ويجعل لها اسماً وحياة قانونية وجنسية وموطناً، فتكون الشركة كأنها شخص من الأشخاص، فهي كيان مستقل لها علاقة بالمساهمين، ويقوم أعضاء مجلس الإدارة بالبيع والشراء وأنواع التعاقدات لها هي.
أولاً: أن رأس مالها مقسم إلى أجزاء متساوية.
ثانياً: المسئولية المحدودة للشركاء.
ثالثاً: أن اسمها لا يؤخذ من الشركاء أنفسهم بل يكون لها اسم خاص.
الشيخ: الشركة المساهمة بهذا الكيان والخصائص كما ذكرت غير مذكورة في كتب الفقهاء، فهي وليدة التطورات الاقتصادية، فغالب الشركات العملاقة لا تستطيع الحكومات ولا الأفراد إنشاءها، فجاءت فكرة هذه الشركة حتى تعمل بالمشاريع العملاقة كي يدخل فيها أعداد كبيرة لهم حقوق متساوية من أرباح وغيرها.
وقد حاول بعض الفقهاء والمعاصرين والباحثين في تكييف الشركة المساهمة على أنها شركة عنان أو عنان ومضاربة؛ لأن الشركة المساهمة يوجد فيها مساهمون دفعوا مالاً ليتجر آخرون بالمال، فالمساهمون منهم المال، والتجارة بالمال من غيرهم، وفيها أيضاً أعضاء مجلس الإدارة، وهم القائمون بالعمل، وقد نص نظام الشركات السعودي على أن مجلس الإدارة يجب أن يكون مساهماً فإذا كان يأخذ مكافآت نسبية من الربح كانت عناناً ومضاربة؛ لأن من أعضاء مجلس الإدارة عمل ومال، ومن المساهمين المال، فهي جمعت بين عنان ومضاربة، وإن قلنا: إن مجلس الإدارة يأخذ أجرة أو مكافأة ولا يكون مساهماً تكون حينئذٍ شركة عنان؛ لأن مجلس الإدارة حينئذٍ يعمل بالوكالة عن جميع الشركاء، والوكالة بالأجر جائزة، وبعضهم يخالف في ذلك، وأرى أنه لا داعي لأن نتكلف في التخريج الفقهي للشركة المساهمة؛ بل نقول: إن الشركة المساهمة من الشركات الجديدة في الفقه الإسلامي؛ لأن هذا أدعى للتخريج الفقهي وحتى لا نُلزم بالتزامات في شركة العنان لا توجد في الشركة المساهمة.
وإذا كان الشركاء يتساوون في الحقوق والالتزامات والربح في حصة مشاعة بينهم، وليس في هذه الشركة ربا ولا غرر ولا جهالة، وقائمة على التراضي فيما بينهما، فالأصل في العقود والشروط هو الصحة والجواز، وكون الشركاء لا يسألون إلا بمقدار حصصهم من رأس المال بخلاف شركة العنان فإن هذا اتفاق فيما بينهم فرضته المدنية المعاصرة، وقننه وضبطه وأصله النظام الذي يسير عليه الناس، فهذا اتفاق جائز و(المؤمنون على شروطهم)، والأصل في العقود والشروط الصحة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية .
لو سمحت لي يا شيخ ياسر ! كون المساهم يبيع حصته في السوق المالية مع أن السهم يمثل أحياناً نقوداً أو ديوناً على الشركة، فهذا لا بأس به؛ لأن بعض الناس شكك في الشركة المساهمة قال: لأن عند الشركة ديوناً ونقوداً فلا يجوز أصلاً تأسيس هذه الشركة.
وأرى أن هذه النقود الموجودة في الشركة إذا كانت الشركة تعمل العمل الذي أنشئت من أجله، فهذه النقود غير مقصودة فتدخل تبعاً، والقاعدة الشرعية تقول: يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً، وهذه القاعدة معتبرة في الشريعة بالمبدأ الذي وضعت لأجله، وقد جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من باع عبداً وله مال فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع )، فالنبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي جوز بيع العبد مع ماله بثمن نقدي ولم يراعِ في ذلك مسألة الصرف؛ لأن مع العبد مالاً ولم يقل: إذا كان المال الذي مع العبد كثيراً أو قليلاً أو ديناً أو عيناً؛ لأن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال.
وبعضهم شكك في الشركة المساهمة بأن قال: ليس لها أصل في الفقه الإسلامي حيث إن الناس لا يلتزمون إلا بما قدموا من أموال.
فنقول: الأصل في العقود الصحة فإذا دخل الناس في هذه الشركة على أنهم ملزمون فقط بأموالهم فكما قال ابن تيمية رحمه الله والأصل في هذا أنه لا يحرم على الناس من المعاملات التي يحتاجون إليها إلا ما دل الكتاب والسنة على تحريمه، كما لا يشرع لهم من العبادات التي يتقربون بها إلى الله إلا ما دل الكتاب والسنة على تشريعه، وقال أيضاً: الأصل في الشروط الصحة واللزوم إلا ما دل الدليل على خلافه.
ومما يدل أيضاً على أن الشركة المساهمة لها أصل في الفقه الإسلامي قضية التخارج بين الورثة، فالمرأة إذا أرادت أن تخرج من الورثة ولا تنتظر إلى التصفية فتطلب من الورثة أن يعطوها مبلغاً من المال، مع العلم أن الميراث فيه نقود وفيه عقار وعليه ديون وقع فهذا جائز، وقد جاء أن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأته تماضر بنت الأصبغ، فقضى عثمان رضي الله عنه أن لها ونسوة معها الميراث فتصالح الورثة مع تماضر فأعطوها جزءاً من مالها، وهذا يعتبر صلحاً وهو مخارجة، مع العلم أن ثمة في الميراث ديناً ونقوداً وغير ذلك، وهذا الحديث أخرجه البيهقي، وهذا يدل على أن التخارج أصل من أصول الشريعة، وهو يدل أيضاً على جواز الشركة المساهمة.
وعرفه بعضهم: بأنه صك يمثل رصيداً عينياً أو نقدياً في رأس مال الشركة قابل للتداول يعطي مالكه حقوقاً خاصة، فالسهم يطلق على معنيين:
الأول: نصيب الشريك في موجودات الشركة.
الثاني: الصك أو الورقة المكتوب فيها الحق المثبت للمساهم، ومع أن الجميع متفقون على أن الورقة المالية أعني بها السهم هي حصة مشاعة من مكونات الشركة، وهناك نظرة اقتصادية بحتة لا يعول عليها جعلت السهم عبارة عن صك يثبت حقاً مجرداً للمساهم في الشركة في الأرباح والتسويق فقط، ولا أجدني مضطراً للرد على هذا القول في تعريف السهم؛ لأن مآلاته تؤول إلى أشياء عظيمة من جواز تداول أسهم البنوك الربوية، مع العلم أنه بسبب ضغط الواقع، والاستماتة على تصحيح أخطاء الناس وجد لهذه الفكرة من يحييها ويحاول تكييفها، وأنا دائماً أقول إن المشكلة أن بعض الناس إذا وجد بعض الفوارق الشكلية يحاول يجعل لهذه الفوارق حكماً مختلفاً عن مثيلاتها.
أقول: ومع تطور المعاملات التجارية وقابلية التداول بالسهم والتسيير بسهولة، جعلت الكثير من التجار يبيع ويشتري في هذه الأسهم باعتبار قيمتها السوقية، بغض النظر عما تمثله هذه الأسهم في موجودات الشركة، فهم لا ينظرون إلى هذه الشركة أهي شركة تجارية أم صناعية أم عندها نقود أو غير ذلك؛ بل يبيع ويشتري وينظر إلى الفرق بين العرض والطلب، وبين سعر الشراء وسعر البيع فيبيع.
القول الأول: قالوا: إن الاعتبار بالأسهم على أنها عروض تجارة، ولا ينظر إلى ما تمثله هذه الأسهم من حصص في أموال الشركة، فالأسهم اتخذت للاتجار بها، فإن صاحبها يتجر فيها بالبيع والشراء، ويكسب منها كما يكسب كل تاجر من سلعته، وهذا مذهب قال به الشيخ جاد الحق مفتي مصر العربية في وقته وغيره من الباحثين الاقتصاديين. وقد استدلوا على ذلك بأن الأسهم أصبحت سلعاً تباع وتشترى، وصاحبها يكسب منها كما يكسب كل تاجر من سلعته، وقيمتها الحقيقية التي تقدر في الأسواق تختلف في البيع والشراء عن قيمتها الاسمية.
ومعنى هذا القول: أنه لا بأس بشراء الأسهم بالآجل، أو بالتفاضل، حتى لو كانت الشركة فيها نسبة من الربا كثرت أم قلت؛ لأن الإنسان لا علاقة له بإدارة الشركة.
وهذا القول فيه مآلات عظيمة كبيرة ربما لا يلتزم بها أصحاب هذا القول، والجواب على هذا القول أن يقال: كون السهم قابلاً للتداول لا يخرجه عن ماهيته وحقيقته الشرعية، فالنقود مثلاً: كالدولار والريال والجنيه والين واليورو أصبحت سلعاً تباع وتشترى، ومع ذلك لم يقل أحد من أهل العلم المعاصرين -وإن كان هناك خلاف- أن الدولار أو أن الريال يمثل عروضاً تجارية.
القول الثاني: أن السهم يمثل حصة مشاعة من صافي موجودات الشركة، وهذا ما ذهب إليه مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة في دورته الرابعة وكذا المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي.
واستدلوا على ذلك بأن صك السهم -وهي الورقة المالية- ما هي إلا مستند لإثبات حق المساهم فلا قيمة لها، يعني: لا قيمة لهذا الصك في نفسه، وإنما بما تمثله من موجودات الشركة، ثم إن ملكية الشركاء لأموال الشركة ملكية حقيقية، وليست حقاً مجرداً، فيحق لحامل الورقة أو السهم التصرف في حصته بيعاً وشراء وهبة وغير ذلك.
ويترتب على هذا الخلاف جواز بيع أسهم الشركات حديثة التأسيس؛ لأن الشركة إذا كانت حديثة التأسيس على القول بأن السهم عروض تجارة، لا ينظر إلى أن أكثرها نقود أو أكثرها موجودات؛ لأنه جعل السهم عروض تجارة مع أن أكثر الفقهاء المعاصرين وأكثر المجامع الفقهية على عدم جواز بيع أسهم الشركات حديثة التأسيس كما سوف نتطرق إليه إن شاء الله لاحقاً.
شيخ عبد الله ! الشركات المساهمة تختلف من حيث الغرض من إنشائها أو الغرض الذي تعمل فيه، من أعمال مباحة وأخرى محرمة، هل هذا التفريق له أثر من حيث الحكم الشرعي في تداول هذه الأسهم؟ بمعنى: ما حكم تداول أسهم الشركات؟ هل هناك حكم يطلق جملة على هذا الأمر أو أن هناك تفصيلاً بحسب نشاط الشركة؟
الشيخ: تحدثنا قبل هذا أن الأصل في إنشاء الشركة المساهمة الأصل الجواز وذكرنا أدلة ذلك، لكن يبقى الإشكال: ما هي الشركة المساهمة التي يجوز التداول فيها أو التي لا يجوز التداول فيها؟
أحب قبل البدء في هذه المسألة أن أحرر محل النزاع حتى يعلم المستمع الكريم أن ثمة إجماعاً من أهل العلم في بعض المسائل وبعضها فيها خلاف:
أولاً: لا أعلم خلافاً بين الفقهاء المعاصرين ممن يعتد بخلافه في حرمة أن المساهمة في الشركات التي نص عقدها التأسيسي على المتاجرة بالمحرمات والأنشطة، المحرمة وغرضها المتاجرة بالمحرم كالمتاجرة بالربا، وشركات التبغ، ولحوم الخنزير، وشركات الخمور، فلا يجوز الدخول في هذه الشركة ابتداء.
ثانياً: أن الاشتراك في تأسيس شركات يكون من غرضها أن تتعامل في جملة من المعاملات المحرمة، أو كان منصوصاً في نظامها على جواز ذلك أنه لا يجوز الدخول في تأسيس هذه الشركة.
ثالثاً: لا أعلم أحداً من العلماء المعاصرين له رأي مكتوب يرى جواز التعامل في مثل هذه الشركات المختلطة التي تتعامل بالربا قرضاً واقتراضاً، وإن كان غرضها الأساسي الإباحة، لم يقل أحد منهم، بالجواز من غير وضع ضوابط أو من غير وجوب إخراج نسبة المحرم من ماله بل كلهم يرون وجوب إخراج النسبة المحرمة أو التي يغلب على الظن حرمتها.
رابعاً: أن المسلم القادر على منع مزاولة الشركات لهذه الأنشطة المحرمة إما بالتصويت وإما بالتأثير في أعضاء مجلس الإدارة واجب، وأن ترك ذلك التأثير منه يعتبر محرماً؛ لأنه أعانهم على المحرم ولم ينكر المنكر في ذلك.
خامساً: أن أعضاء مجلس الإدارة الذين يعملون بالربا وأقروه وجعلوه عملاً سائراً معهم يعتبرون واقعين في الإثم والعدوان.
هذه الملاحظات أو هذه النقاط أرى أنها من الأهمية بمكان حتى نعرف أن ثمة إجماعاً من أهل العلم في بعض المسائل؛ لأن الواقع أن الذين يتعاملون في الشركات المختلطة يتعاملون فيها بحجة أن المشايخ أفتوا بها، والمشايخ لم يفتوا بها على سبيل العموم؛ بل أوجبوا الخروج منها، أو إخراج نسبة الربا إذا كانت معلومة: النصف أو الربع على حسب ما يختلفون فيه.
القسم الأول: الشركات التي غرضها الحرام، ونص عقدها التأسيسي على العقود المحرمة، فالدخول في هذه الشركة محرم بإجماع الفقهاء المعاصرين، مثل الدخول في البنوك التجارية -سواء كانت في الداخل أو في الخارج- التي تتعامل بالربا، ونص عقدها التأسيسي على الربا قرضاً أو اقتراضاً، القسم الثاني: الشركات التي نص عقدها التأسيسي على أنها تتعامل بالمباحات، وليس في تعاملاتها أنشطة محرمة بل كل أنشطتها مباحة ولا تتعامل بالربا قرضاً أو اقتراضاً، فهذه يجوز المشاركة في شراء أسهمها والمضاربة فيها ما لم تخالف بعد ذلك هذا الشرط.
القسم الثالث: وهو معترك أو محط النزاع بين العلماء المعاصرين، وهي الشركات التي نص عقدها التأسيسي على المتاجرة بالمباحات؛ ولكن لها تعاملات وأنشطة محرمة، وتتعامل بالربا قرضاً واقتراضاً.
هذه الشركات التي تسمى الشركات المختلطة وهي جميع الشركات غير ما استثني من القسم الأول والقسم الثاني اختلف العلماء المعاصرون والباحثون في حكمها، ولعلي أوجه الخلاف في هذا: أن بعضهم ذكر بعض الضوابط، وبعضهم ذكر بعض الاختلاف، والواقع أن كلها لا تخرج عن قولين مشهورين عند العلماء.
وقد وضع بعض المشايخ استبياناً للمشايخ في هذه البلاد المباركة أيهم يرى القول بالتحريم، أو القول بالإباحة فكانت نتيجة الاستبيان أن أكثر العلماء المعاصرين يرى عدم جواز الدخول في هذه الشركات.
والأدلة لهذا القول كثيرة الدليل الأول: أنهم نظروا إلى السهم، وأن السهم يعتبر حصة مشاعة من موجودات الشركة، وعلى هذا فقالوا: إن التحريم واضح لعموم الأدلة من الكتاب والسنة الدالة على تحريم الربا؛ لأن شراء أسهم الشركات التي تتعامل بالربا، مع علم المشتري بذلك يعني اشتراك المشتري بنفسه في التعامل بالربا؛ لأن السهم -كما مر- يمثل جزءاً شائعاً من رأس مال الشركة، والمساهم يملك حصة شائعة من موجودات الشركة، فكل ما تقترضه الشركة أو تقرضه بفائدة فللمساهم نصيب منه؛ لأن الذين يباشرون الإقراض والاقتراض بالفائدة يقومون بهذا العمل أصالة عن أنفسهم ونيابة عن المساهم، والتوكيل بعمل محرم لا يجوز، وهذا القول هو نص دليل المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي، بمعنى: أن المساهم شريك في الاستحقاق والتصرف، فالمساهم إما أن يكون راضياً عن تعامل أعضاء مجلس الإدارة في هذا التعامل الربوي، أو غير راضٍ، فإن كان راضياً فلا شك في حرمة ذلك، وإن كان غير راضٍ فليس أمامه إلا أمرين:
الأمر الأول: أن يمنع هذا التعامل.
الأمر الثاني: أن يتخلص من هذا السهم.
فإن كان يستطيع أن يمنع هذا التعامل فلا شك أن ذلك من المشروعات التي تناط بهذا الرجل، أما إذا كان لا يستطيع أن يمنعه إما لقلة أسهمه، أو أن تصويت الجمعية العمومية بالأغلبية على جواز هذا التعامل، فيجب عليه حينئذٍ أن يتخلص من هذا السهم؛ لأن أعضاء مجلس الإدارة حينما يتصرفون بموجودات الشركة، أو رأس مال الشركة فإنما يتصرفون بجزء من ماله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ) كما رواه مسلم في صحيحه، فالمساهم إن لم يكن قد أكل الربا فإنه لا يستطيع أن يتخلص من أن يؤكله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لعن الله آكل الربا وموكله )، فهو يؤكله؛ لأن الشركة تتمول بجزء من ماله بصفته شريكاً، فهو داخل في هذا الحديث، وإما أكلاً إما أن يعين على أكل غيره.
المقدم: إذاً نوصيه يا شيخ! بأن يخرج نسبة الربا من هذه الشركة؟
الشيخ: لا لا، هذا له وجه سوف نذكره إن شاء الله، لكن نحن نريد أن نبين رأي المشايخ الذين حرموا هذا التعامل.
الدليل الثاني: استدل الذين قالوا بأن الشركة المساهمة التي غرضها حلال لكنها ربما تقرض وتقترض بالربا، حرام فقالوا: إن إخراج نسبة الحرام لا يبيح شراء الأسهم ابتداء، ففرق بين من يتوب ويتخلص من هذا السهم فيبيع ويخرج نسبة الربا، وبين أن يدخل في هذه الشركة مع علمه أنها تقترض أو تقرض بالربا، فالكلام في الدخول في هذه الشركة ابتداء، فهم يقولون: إن محل العقد في شركة تتعامل بالربا قرضاً واقتراضاً، هو جزء من الربا.
وهذا العقد عند جماهير الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة يعتبرونه عقداً باطلاً، والحنفية يعتبرونه عقداً فاسداً، فكل عقد يترتب على المحرم فهو محرم، قالوا: فهذا يدل على أن دخول المساهم في الشركة المساهمة إذا كانت تقرض أو تقترض بالربا إبرام عقد محرم فهو عقد باطل. ثم قالوا: إذا كان غالب العلماء المعاصرين من الاقتصاديين وغيرهم، يفتون بأن بطاقات الائتمان -وهي بطاقة الديون- إذا كان فيها شرط ربوي، وهو في حالة تأخر العميل على السداد لمدة خمسين يوماً، أو خمسة وأربعين يوماً يؤخذ عليه فائدة ربوية، قالوا: لا يجوز الدخول في هذه البطاقة ابتداء، فهكذا يقال في الشركات المساهمة التي غالب تعاملها أو استقر التعامل العرفي على الربا.
ثم مسألة أخرى وهي أن إخراج نسبة الحرام من هذا السهم لا يكون هو التوبة؛ لأن الشخص المساهم حينما يساهم يستمر في هذه الشركة، والعلماء الذين أوجبوا التخلص قالوا: هو أن يتخلص من السهم حتى يبقى السهم طاهراً، أما أن يستمر في الشركة فليس هذا من شروط التوبة، فمن شروط التوبة: الإقلاع عن الذنب، وهو إذا استمر في الشركة فهو يستمر بهذا الجزء من المحرم، وهو نسبة الربا التي في هذا السهم.
الدليل الثالث: قالوا: إن أهل العلم اختلفوا في حكم مشاركة المسلم للذمي الذي يتولى مال المسلم، واختلفوا في تولي الذمي مال المسلم، أجمعوا على أن الذمي إذا كان يغلب على الظن تعامله بالربا في مال المسلم فإنه لا يجوز المشاركة معه؛ لأن الشركة فيها معنى الوكالة، فكأن المسلم أذن للذمي أن يرابي في ماله.
فإذا كان هذا في حق الذمي فالمسلم مع المسلم من باب أحرى وأولى يكون المنع والتحريم.
هذه هي أدلة العلماء القائلين بأن الدخول في الشركات المختلطة لا يجوز، وهي أدلة كما ترى فيها نوع وجاهة وقوة، حيث إنهم نظروا إلى السهم فاعتبروا صاحبه شريكاً في الاستحقاق أو التصرف، فكل تعامل من أعضاء مجلس الإدارة يكون المساهم شريكاً في هذا الأمر، هذا القول الأول.
على كلٍ: هذا رأي بعض العلماء المعاصرين من مشايخنا، وهو رأي بعض الهيئات الشرعية لبعض البنوك، كهيئة الراجحي، وهيئة البنك الإسلامي الأردني، وغيرهم من مشايخنا وعلمائنا.
وهذا القول ليس متفقاً عليه فيما بينهم، بل يختلفون بالنسبة التي يجوز الدخول بها في هذه الشركة من حيث القلة والكثرة، لكنهم يتفقون على جواز الدخول ابتداء، مع اختلافهم في نسبة الربا فبعضهم يذكر (خمسة وعشرين في المائة)، وبعضهم يذكر العنصر المحرم لا يتجاوز (خمسة في المائة)، وبعضهم يرى أن النسبة لا تتجاوز الثلث من القيمة السوقية أو القيمة الدفترية، وهذا فيه ما فيه؛ لأن معنى ذلك أن الشركة لو كان رأس مالها مثلاً: مليارين اكتتبت بمليار، واقترضت بمليار، وبعد تداولها أصبحت قيمتها السوقية خمسة مليارات، فإذا نظرنا إلى القرض الذي هو المليار وإلى رأس المال الحقيقي وهي القيمة الاسمية لرأينا أن القرض يشكل النصف، وإذا نظرنا إلى القرض بالقيمة السوقية رأيناه يمثل الخُمس، وهذا يدل على إشكال كبير كما سوف نأتي إليه إن شاء الله.
وقد استدل أصحاب هذا القول بقواعد شرعية، وتعليلات رأوا أنه يجوز أن يستدل بها على جواز الدخول في الشركات المختلطة إذا أخرج المسلم نسبة الربا التي فيها.
ويمكن أن يناقش هذا الاستدلال بأن يقال: إن هذه القاعدة صحيحة ومتداولة عند الفقهاء، ولها ما يثبتها من الأحاديث النبوية، غير أن الاستدلال بها في هذا الموطن وفي هذا الموضع محل تأمل؛ لأن هذه القاعدة تنزل على العقود الباتة، تنتهي هذه العقود بانتهاء إخراج النسبة المحرمة، أو بإبرام العقد، فيجوز حينئذٍ بعد إبرام العقد الشراء كما في مسألة العبد، أما ما نحن بصدده فيختلف عن ذلك؛ لأن المشاركة في شراء أسهم الشركات التي تتعامل بالربا فالمساهم يعتبر شريكاً، فما له يشترك في كل أعمال الشركة، ومنها القرض والاقتراض.
والمحظور في تملك العبد هو في البيع نفسه لا في العبد، المحظور في تملك العبد في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من باع عبداً وله مال )، المحظور في تملك العبد هو في البيع نفسه؛ لأن البيع تضمن محرماً أو تضمن نقوداً فيجب فيها الصرف، فلما كان الأصل هو العبد دخل هذا المال تبعاً، بينما في السهم يظل التحريم لازماً لملكية المساهم للسهم حتى بعد العقد، فالدخول في العقود المحرمة يبقى حتى بعد امتلاك السهم، ما لم يبعه، ويد المساهم يد شراكة، وهذا يجعل أن أخذ هذه القاعدة في الشركة المساهمة محل نظر وتأمل.
ثم إن هذه القاعدة وردت في مسائل يكون التبع فيها غير مقصود إما لقلته أو لشيء لا يؤبه له، وأين هذا من المليارات التي تستفيدها هذه الشركات من هذه العقود المحرمة.
ثم إن المشايخ والعلماء الذين جوزوا نسبة الربا جوزوها في دخول المساهم، فإذا أراد المساهم أن يدخل قالوا: انظر إلى أسهمها، وانظر إلى نسبة الربا فيها فإن كانت الثلث أو (الربع) فأقل فلا بأس؛ لكن لم ينظروا إلى أن هذه الشركة جلست سنين عددا وهي ترابي، وربما كان كثير من أصولها منشأه الربا، فينبغي إذا أرادوا أن يذكروا النسبة أن ينظروا إلى الأصول التي بُني عليها الربا، ولا أظنهم يستطيعون أن يبينوا هذا إلا بمحاسبة مالية دقيقة ومعقدة.
نعم قد لا تتيسر لأي أحد، ولا يستطيع أي أحد أن يضبطها؛ لأن هذا معناه: أنك تنظر إلى عمر الشركة من أولها إلى آخرها إلى يوم وقت الاكتتاب، وصف دقيق ومتابعة وهذا فيه ما فيه.
الدليل الثاني: الذين يقولون بجواز الدخول في الشركات المساهمة، استدلوا أيضاً بقاعدة: الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة، فقالوا: إن الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة، ولها مستند عند العلماء كما قال ابن تيمية رحمه الله: يجوز للحاجة ما لا يجوز بدونها، كما جاز بيع العرايا بالتمر، قالوا: ومن المعلوم أن ثمة حاجة للمسلمين في دخولهم في هذه الشركات؛ لأن الاستثمار في السوق قليل إلا هذه الشركات، وخيانة الناس في تعاملاتهم ربما يكون مانعاً من دخول كثير من الناس في هذه الشركات، فتكون هذه الشركات هي أحرى للناس في دخولهم فيها وهي حاجة ماسة، هكذا قالوا.
ويمكن أن نناقش هذا الدليل بأن يقال: إن أصحاب هذا -وهو بجواز الدخول في الشركات المختلطة- لم يأخذوا بهذه القاعدة على اطرادها؛ لأن كل ما جُوز للحاجة فإنه يُقدر بقدره، ولا يمكن أن تتعدى لتصبح تشريعاً عاماً للأغنياء وغيرهم، فالواقع أن الذين يدخلون في الشركات المختلطة ربما يكونون أصحاب رءوس أموال عظيمة كبيرة وأين الحاجة من هؤلاء!
ومن المعلوم أن وجود شركات مساهمة يكون لها أثرها في اقتصاد البلد واقتصاد الدول، لا شك في ذلك، ولكن التضخم بأن يدخل الناس في هذه الشركات، ويكون همهم وغالبهم هو النظر في العرض والطلب من غير أثر لهذه الشركة، سوف يؤدي إلى أن يترك الناس عمارة المشاريع التنموية، ويترك الناس كثيراً من المشاريع التي لها أثر في العائد المعنوي والعائد المالي؛ لأننا لو افترضنا يا شيخ ياسر! وقدرنا مقارنة بين شركة رأس مالها مائة مليون أياً كانت هذه الشركة شركة صناعية، أو شركة منتجات وغيرها، فهذه الشركة رأس مالها مائة مليون، كم فيها من الموظفين؟ وكم فيها من الذين يستفيدون منها سواء كانوا داخل هذه الشركة أم خارجها في السوق؟ سوف يتأثر فيها أناس وينتفعون بها، لكن ألف مليون أو ملياراً أو مليارين يملكها الشخص في محفظته ربما لا يكون لها أثر إلا لنفسه، فهو يبيع ويشتري. وهذا مما حدا لبعض الاقتصاديين وبعض الفقهاء الذين لهم ثقلهم أن يمنع ويحرم المضاربة بالأسهم بهذه الطريقة، والراجح -والله أعلم- جواز ذلك، وتعامل الناس السيء وعدم أخذهم بالضوابط والمؤيدات الشرعية لا يحول المسألة إلى أن تكون كلها محرمة.
المقدم: جيد، نستقبل هذا الاتصال من فضيلة الشيخ الدكتور سعد الخثلان عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وسيتحدث في موضوع الحلقة وهو الشركات المساهمة ما لها وما عليها، فليتفضل.
الشيخ سعد الخثلان: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فأولاً: أشكر إذاعة القرآن الكريم على طرح هذا الموضوع الذي يعتبر بحق حديث المجالس، وهو موضوع الساحة في الحقيقة، وأشكر فضيلة الدكتور عبد الله السلمي على هذا الطرح المتميز في الحقيقة.
ومداخلتي يمكن أن ألخصها في بعض النقاط، فأقول:
إن الشركات تنقسم إلى ثلاثة أقسام -كما أشار إلى هذا فضيلة الدكتور عبد الله-:
القسم الأول: شركات يكون العمل الذي تمارسه مباحاً، فهذا لا إشكال في جواز المساهمة فيها.
القسم الثاني: شركات يكون العمل الذي تمارسه محرماً كالخمر مثلاً ونحو ذلك، فهذه لا إشكال في أنه لا يجوز المساهمة فيها.
القسم الثالث: شركات مختلطة التي يكون أصل تأسيسها في المجالات المباحة كالزراعة أو الصناعة أو التجارة أو نحو ذلك، ولكنها تتعامل بالربا إقراضاً أو اقتراضاً، هل تجوز المساهمة فيها؟ وما حكم تداول الأسهم بها؟
هذا في الحقيقة موضع نزاع بين الفقهاء المعاصرين، ووصفها الدكتور عبد الله بأنه معترك، وهذا صحيح؛ لأن الخلاف في هذه المسألة خلاف قوي.
وفي المسألة رأيان مشهوران، فهناك من أجاز الدخول في هذه الشركات، ولكن بضوابط وبشروط منها التخلص من نسبة الربا بعد ذلك، على اختلاف بينهم في وضع الضابط لهذه النسبة، والقول الثاني -وهو في الحقيقة قول أكثر العلماء المعاصرين-: أنه لا يجوز الدخول في هذه الشركات مطلقاً، وهذا هو الذي قررته المجامع الفقهية: مجمع الرابطة، ومجمع الفقه الإسلامي الدولي، واللجنة الدائمة للبحوث الإسلامية؛ وذلك لأن المساهم في الحقيقة يملك حصة شائعة من الشركة، فجميع أعمال الشركة تُنسب للمساهم شاء أم أبى، إذا كانت الشركة تتعامل بالربا أو تتعامل بالمحرم، فمعنى ذلك أن المساهم تنسب إليه هذه الأعمال المحرمة، فإذا تعاملت الشركة بالربا فالمساهم في الحقيقة قد تعامل بالربا لكن بالوكالة؛ ولهذا فإن العلماء في مجمع الفقه الإسلامي لما أشاروا إلى هذه المسألة، وأنقل نص عبارة المجمع قالوا: لا يجوز لمسلم شراء أسهم الشركات والمصارف إذا كان في بعض معاملاتها ربا، وكان المشتري عالماً بذلك، وإذا اشترى شخص وهو لا يعلم أن الشركة تتعامل بالربا ثم علم فالواجب عليه الخروج منها، وأيضاً قال فقهاء المجمع: والتحريم في ذلك واضح؛ لعموم الأدلة من الكتاب والسنة في تحريم الربا؛ ولأن شراء أسهم الشركات التي تتعامل بالربا مع علم المشتري بذلك يعني: اشتراك المشتري نفسه في التعامل بالربا؛ لأن السهم يمثل جزءاً شائعاً من رأس مال الشركة، والمساهم يملك حصة شائعة في موجودات الشركة، فكل مال تقرضه الشركة بفائدة أو تقترضه بفائدة فللمساهم نصيب منه؛ لأن الذين يباشرون الإقراض والاقتراض بالفائدة يقومون بهذا العمل نيابة عنه، والتوكيل بعمل محرم لا يجوز، هذه عبارة قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي.
ويترتب على هذا القول المسألة التي يكثر التساؤل عنها هذه الأيام، وهي صناديق الاستثمار في الأسهم، فنقول: بناء على ترجيح هذا القول، فلا يجوز الدخول في صناديق الاستثمار بالأسهم؛ لأنها تتعامل مع هذه الشركات المختلطة، اللهم إلا إذا وجدت صناديق تختص بالتعامل مع الشركات النقية فلا بأس بها حينئذٍ، وهذه نقطة أود من الدكتور عبد الله أن يسلط عليها الضوء.
أيضاً هناك نقطة أخرى أودُّ أن يتكلم عنها فضيلة الدكتور عبد الله وهي نقطة أرى أنها في غاية الأهمية وهي: الشركات والبنوك حديثة التأسيس، ما حكم تداول أسهمها؟
أقول باختصار: إذا كانت موجودات الشركة أكبر من النصف، فهذه لا بأس بتداول أسهمها بيعاً وشراءً، ولكن إذا كانت النقود هي الأكثر، فحينئذٍ يكون تداول أسهم هذه الشركات والبنوك هو في الحقيقة من قبيل بيع النقد بالنقد مع التفاضل، وهذا وقوع في الربا الصريح؛ لهذا هذه المسألة في غاية الخطورة، وأتمنى من فضيلة الدكتور عبد الله أن يسلط الضوء على هاتين المسألتين نظراً لكثرة السؤال عنها.
بقي أن أشير إلى القول الثاني وهو الذي أشار إليه فضيلة الدكتور عبد الله وناقش أدلته أيضاً، والقائلون به علماء أفاضل وأجلاء، مع أني أؤيد فضيلة الدكتور عبد الله في ترجيح القول بعدم جواز الدخول في الشركات المختلطة إذا كانت تتعامل بالربا ولو بنسبة (واحد في المائة)، وأسأل الله عز وجل أن يغنينا بحلاله عن حرامه، وبفضله عمن سواه، وأن يرزقنا جميعاً الفقه في الدين، والتوفيق لما يحبه ويرضاه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المقدم: شكر الله للشيخ الدكتور سعد الخثلان عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بارك الله فيكم شيخ سعد.
نكمل ما توقفنا عنده، وهو الدليل الثاني لمن يرى الجواز وهو أن الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة.
ولهذا أذكر أن فتوى لبعض الهيئات الشرعية وهي فتوى مصطفى الزرقا رحمه الله، أول ما جاءت هذه المسألة كان له تحفظ في تحريم هذه الشركات، كما في المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي، وبين أنه يصعب علينا أن نقول: حرام في الشركات التي تحتاجها الأمة في البلاد الإسلامية مثل: شركة الكهرباء وشركة النقل، وشركات المياه، دون غيرها من الشركات التي فيها نوع من الأرباح كالبتروكنز أو البتروكيماويات وغير ذلك، فهذا الشيخ مصطفى الزرقا قدر الحاجة بهذا الأمر.
ثم نسأل: هل الذين جوزوا للحاجة، هل جوزوها في البلاد الإسلامية لحاجة الأمة لمثل هذا، أم أنهم جوزوها مطلقاً حتى في الذهاب في شراء أسهم الشركات الأوروبية، والشركات الغربية شرقية كانت أو غريبة؟ فالواقع أن الذين يقولون بجواز ذلك للحاجة لم يقدروا الحاجة بقدرها.
أيضاً هذه القاعدة التي ذكرها العلماء أن الحاجة تقدر بقدرها لم تُجعل على إطلاقها؛ بل العلماء الذين قالوا بها خصصوا ذلك بأدلة وجعلوا لها شروطاً، من ذلك أن العلماء قرروا أن ما يجوز للحاجة إنما يختص بما ورد فيه نص يجوزه أو تعامل؛ فإذا ورد نص شرعي يجوز هذا التعامل قالوا: إنه يجوز للحاجة كبيع العرايا، أو لم يرد فيه دليل شرعي بشأنه، فإذا لم يرد دليل شرعي بشأنه وهناك مثيلات لهذا المسألة، قالوا: يجوز للحاجة مثل كذا وكذا، أما ما ورد النص الشرعي بتحريم هذا التعامل، وهو المشاركة في نسبة الربا فإنه ليس من أهل العلم قال: إن ذلك يجوز للحاجة؛ لأن معنى ذلك أن المصلحة قُدمت على النص، ومعلوم أن وجود المصلحة مع معارضتها للنص تكون المصلحة هذه مصلحة ملغاة.
المقدم: تحدثنا معكم يا شيخ عبد الله ! حول الأدلة التي يستدلون بها على جواز المساهمة أو المشاركة في الشركات المختلطة، هل بقي من الأدلة شيء؟
الشيخ: بقي بعض القواعد التي لا تكاد تخرج عن القواعد السابقة منها:
قالوا: إن العلماء جوزوا التصرف في المال المختلط إذا كان الجزء الحرام أقل، وذكروا نقولات عن الأئمة من كلام ابن تيمية وغيره، وأنا أرى أن ثمة فرقاً بين المساهم الذي يعد شريكاً في موجودات الشركة وفي تعامل أعضاء مجلس الإدارة، وبين من يتعامل بشراء سلعة فيها نسبة من الحرام، ففرق كبير بين من يتعامل ومن يشارك، فيجوز أن نتعامل مع المرابي حتى لو كان ماله كله حراماً؛ لأن مالي مستقل وماله مستقل، فإذا اشتريت السلعة التي هي فيها نسبة من الحرام، وأنا أعلم أن نسبة الحرام فيها كذا وكذا، فيجب أن أخرج منها نسبة الحرام، وهذا هو معنى التوبة في ذلك. أما المشاركة فيكون مالي ومال المرابي مالاً واحداً، وهذا هو الفرق بين الأمرين، فإذا أخذنا بالقاعدة التي ذكروها أنه يجوز التصرف في المال المختلط، فأكثر أهل العلم -كما ذكر ابن تيمية - قالوا: إن من كان ماله مختلطاً بين الحلال والحرام، والحرام أكثر فإنه يجوز التعامل بماله مع الكراهة؛ لكن هل يقول الذين جوزوا الدخول في الشركات المختلطة: إن الشركات المختلطة إذا كانت نسبة الحرام أكثر، هل يقولون بجوازها بناء على المال المختلط؟ لا أراهم ولا أظنهم إن شاء الله يقولون بذلك، فهذا يدل على أن ثمة فرقاً بين المساهم الشريك وبين من يتعامل، فيجوز أن أتعامل أنا مع المرابي بيعاً وشراء فأشتري منه، ويشتري مني؛ لكن لا يكون مالي وماله مالاً واحداً يتصرف فيه بما يحلو له من ربا قلت نسبة الربا أو كثُرت.
نعم يجوز البيع والشراء مع المرابي بتعاملات إسلامية؛ فأبيع وأشتري مع المرابي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تبايع مع اليهود والنصارى، فلا شك في جواز التعامل، ولم يُنقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم -وحاشاه بأبي هو وأمي- أن يشارك اليهودي والنصراني الذي كان يتعامل بالربا.
أولاً: إن الذين قالوا بجواز الدخول في الشركات المختلطة، إذا كانت نسبة الربا الثلث أو الربع أو غير ذلك؛ لم يلاحظوا أن هذه الشركات ربما يكون من يوم نشأتها وهي تتعامل بالربا قرضاً أو اقتراضاً، فربما أنشأت منشآت وشيدت صروحاً ومباني كلها أصبحت من ضمن الأصول، وما نشأت إلا بالربا قرضاً أو اقتراضاً، فربما كانت هذه المنشآت أعظم من الثلث.
أصحاب القول الثاني لم ينظروا إلى يوم وقت دخول المساهم ووقت الاشتراك، فالموجودات التي أخذتها هذه الشركة المختلطة بالعقود الفاسدة يجب إخراجها من أصول الشركة عند الحساب، وأنى لهم ذلك، بمعنى: إذا نظرنا نسبة الاقتراض وقت الدخول لا تتجاوز الثلث، لكن ربما تكون قد جاوزتها في سنينها الماضية.
ثانياً: الذين ينظرون إلى هذه النسب من الشركات المختلطة، ويعتبرونها يسيرة، إنما كانت يسيرة لأن نسبة الفائدة العالمية قليلة وهي (2.7) أو (3%)، فلو فُرض أن نسبة الفائدة ارتفعت إلى (10%) كما هي في السابق فهل هذه الشركات سوف تترك هذه النسبة؟ الله أعلم بذلك، وواقع الحال يؤسف له.
ثالثاً: الذين جوزوا الدخول في هذه الشركات مع العلم أنها تقترض وتقرض بالربا، هذه المعاملات مقصودة للشركة، بدليل إصرار المجالس الإدارية عبر ما يسمى بقسم الاستثمار، كل ذلك سوف يتعامل به في مال المساهم المشارك، ومع ذلك جوزوا الدخول في هذه الشركات، ومن المعلوم أن هذا ليس بتبع -كما يقولون-: يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً، ومن المعلوم أيضاً أن أغلب البطاقات الائتمانية تشترط على حاملها في حال تأخره عن السداد أن يؤخذ عليه فائدة ربوية قلت أم كثرت، وجميع الهيئات الشرعية في البنوك حرمت الدخول فيها؛ لأنه يعتبر إقراراً من حامل البطاقة بالربا.
فالسؤال: أليس دخول المساهم الذي سوف يتعامل بماله -لأن ماله ومال غيره من الشركاء وأعضاء مجلس الإدارة يعد مالاً واحداً- أليس يعد إقراراً من المساهم بالربا؟ أرى أنه لا ثمة فرق بين الأمرين.
رابعاً: أن الذين جوزوا الدخول إذا كانت نسبة الفائدة والاقتراض يسيرة، إنما ينظرون القلة والكثرة لحال رأس مال الشركة نفسها لا إلى قلة المال المرابى به، فلو كان رأس مال الشركة مثلاً عشرة مليارات واقترضت مليارين فإن المليارين تعد يسير، مع العلم أن هذه النسبة -يعني المليارين- ربما لو اجتمعت عشرون شركة من الشركات المحلية لما بلغت هذا المبلغ الربوي، والعلماء الذين جوزوا اليسير من المحرم لكونه غير مقصود فلا يؤبه به فيما لو انفرد، لكن أين هذه النسبة من ملايين الريالات التي تدر على هذه الشركة من جراء العقود الربوية؟
ولهذا أرى كرأي شيخنا سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ، واللجنة الدائمة، والمجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي، ومجمع الفقه الإسلامي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي أنه لا يجوز الدخول ابتداء في هذه الشركة.
أما من علم بالحكم بعد ذلك فنقول: بع أسهمك وأخرج نسبة الربا منها، وهذا أسلم للمرء وأدعى لترك أعضاء مجلس الإدارة هذه النسبة. بعضهم يقول: إذا تركناها سوف يشتريها أناس، نقول: نعم، سوف يشتريها أناس، ولكن تداول السهم، ودخل أنا وأنت وفلان وعلان وسوف يكون تداول السهم حسب العرض والطلب قوياً، لكن إذا تركها أهل الخير وتركها من يخاف على نفسه، فسوف يكون تداول السهم قليلاً كما يوجد في كثير من الشركات التي يتركها الناس، وقد صار تداولها قليلاً.
وعلى هذا فإذا وجدت شركة طُرحت للاكتتاب فيها نسبة من الربا قلت أم كثرت، فيكون الخلاف فيها بين العلماء كما مر، فرأي شيخنا عبد العزيز بن باز ، واللجنة الدائمة، والمجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي، ومجمع الفقه الإسلامي أنه المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي لا يجوز الدخول ابتداء في هذه الشركة، سواء قلت نسبة الربا أم كثرت، وعلى القول الثاني يجوز مع وجوب إخراج نسبة الربا. ولم أعلم أحداً من أهل العلم قال بأنه لا بأس بعدم إخراج نسبة الربا، هذا الذي يظهر لي والله أعلم.
الشيخ: إذا كانت هذه الشركة التي تطرح للاكتتاب وهي جديدة فيها نسبة ربا، أو نص عقدها التأسيسي على الربا سواء كان بنكاً أو غير ذلك، إذا كان عقد التأسيس ينص على الربا، أو كان هناك فروع تتعامل بالربا، فعلى الرأي الأول لا يجوز الدخول فيها، وعلى الرأي الثاني: ينظر: إذا كان عقد التأسيسي نص على الحرام وعلى الربا، فلا يجوز، وأما إذا لم ينص على الحرام وكان التعامل على حسب ما يمليه الواقع، فهؤلاء يختلفون بحسب النسبة.
المقدم: وأيضاً على المرء أن يحتاط، فالبعض قد يغض الطرف، والواجب أن يحتاط في هذا الأمر بسؤال أهل الاختصاص وأهل العلم. أحسن الله إليكم.
الحمد لله الذي أحل الحلال، وحرم الحرام، وشرع الأحكام، والصلاة والسلام على خير الأنام القائل: ( الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام ) الحديث.
أيها الإخوة! لقد كثُر في هذه الأيام طرح أسهم الشركات المساهمة، وأصبح الناس يتسابقون عليها بشراهة عجيبة حتى إن كثيراً منهم لا يجد ما يساهم به، فيذهب ويستدين لأجل الدخول في هذه المساهمات، ولم يفكر في خطورة ثقل الدين، وأن المسلم ينبغي ألا يستدين إلا لحاجة ماسة.
أيها الإخوة! إن واقع كثير من الناس واقعٌ مؤلم فلم يصبح همه إلا جمع المال من غير سؤال عن حرام وحلال، كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنه في آخر الزمان لا يسأل المرء من أين أتاه المال من حلال أم من حرام.
أخي في الله! إذا أردت الدخول في المساهمات فلا بد من توفر ثلاثة شروط:
الأول: ألا تبيعها بأكثر مما اشتريتها به حتى تتأكد من دخول هذه الشركة في البيع والشراء وامتلاك الأشياء العينية.
الثاني: أن يتم التأكد بأن ما تشتريه هذه الشركة وتبيعه من الأمور الحلال.
الثالث: أن يتم التأكد بأن هذه الشركة لا تضع جزءاً من أموالها في بنك، وتأخذ عليه عوائد ربوية، فإذا توفرت هذه الشروط أصبحت المساهمة وتداولها سليماً.
إخوتي الفضلاء! إنني في هذه الكلمة المتواضعة أوجه نداءين:
أولهما: إلى أصحاب الشركات المساهمة بأن من حقهم شرعاً طرح المساهمات، فقد أباح الله ذلك، ولكن عليهم أن يتقوا الله، وأن تكون جميع تعاملاتهم موافقة لشرع الله، وأن يصدقوا فيما يقطعون من مواعيد مع عملائهم.
ثانيهما: إلى الإخوة المساهمين! أن يتقوا الله، ولا يدخلوا إلا من باب حلال، وأن يتجنبوا الحرام؛ لأنه ممحق للبركة ومانع لإجابة الدعاء، موجب لعذاب الله، كما أنصحهم ألا يخرجوا من أعمالهم من أجل تداول أسهم الشركات؛ لأن الوقت الذي يخرجون فيه يكون أجره محرماً.
أسأل الله بمنه وكرمه أن يجعل مالنا حلالاً وأن ننفقه في الحلال، وصلى الله على نبينا محمد، أخوكم أبو عبد الرحمن من محافظة المجمعة.
مداخلتي في نقطتين:
النقطة الأولى: تتعلق بالشركات التي أصل نشاطها المباح، وتقرض أو تقترض بالربا، هناك من يقول من أهل الاختصاص: أنه لا توجد شركة من الشركات المساهمة إلا وفيها عنصر من الحرام قل أو كثر، إن لم تكن تقرض أو تقترض بالربا بنفسها فلها استثمارات لأسهم شركات تقرض أو تقترض بالربا، إذا ثبت هذا وجوزنا المساهمة في الشركات التي يقال: إنها نقية وحالتها هذه، فما الذي منع المساهمة في شركات تقرض أو تقترض بالربا ونسبة الحرام فيها قليلة لا تكاد تذكر؟ فعلى هذا لا بد من ضابط يضبط المسألة، وإلا كان هذا تفريقاً بين متماثلين.
النقطة الثانية: وهذه ربما سيكون لها إشارة في كلام شيخنا الشيخ عبد الله ، وهي تداول أسهم الشركات التي غالب موجوداتها نقود، ما رأي الشيخ فيمن خرّج القول بالجواز على رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مسألة مد عجوة ودرهم بدرهمين وهي بيع ربوي بجنسه ومعه أو مع أحدهما من غير جنسه، حيث رأى شيخ الإسلام ابن تيمية أنه إذا كان الربوي الفرد أكثر من الربوي الذي معه من غير جنسه، فيجوز وإلا فلا؛ لأن هذه الشركات لا بد أن يكون معها موجودات من غير النقود، والذي سيشتري أسهم هذه الشركات سيشتريها بقيمتها السوقية، ولا شك أن كل الشركات الموجودة حالياً قيمتها السوقية أكثر من قيمتها الحقيقية، والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، أخوكم عبد الله السيد .
الجواب: قولنا الشركات النقية: هي الشركات التي لا يوجد فيها جهة استثمار تتعامل في الربا قرضاً أو اقتراضاً، أو يكون ثمة عنصر محرم؛ لأن تضع بعض أسهمها في البنوك أو غير ذلك، أما وجود بعض التعاملات التي وقعت اتفاقاً من غير قصد فهذا معفو عنه، وليس هذا من قسم الاستثمار، ولا يوجد لهذا العائد الاستثماري أثر في الميزانية أو في قوائمها المالية، وبالتالي نقول كما قال ابن قدامة رحمه الله في المغني: وما خفي أمره فلم يعلم فهو من قسم المباح، وكلمة نقية هذا نوع تجوز بمعنى أنه أحياناً إذا جاءت الشركة لتعطي موظفيها رواتب، أحياناً يكون الحساب على المكشوف فالبنك يصدر هذه الرواتب ويأخذ فائدة، هذه القضية أحياناً تقع اتفاقاً من غير قصد، كما أننا جوزنا لحامل البطاقة إذا لم يجد بديلاً إلا هذا الأمر وهو محتاج؛ لأنه يغلب على الظن أنه لا يتعامل، فهذا الذي نقصد به الشركة النقية.
وهذا فرق كبير بين الشركة التي تجعل من قسم استثمارها الحرام قرضاً أو اقتراضاً، وبين شركة لا تجعل قسم استثمار ولا عملها الحرام، فهذا فرق كبير، وإن كان ثمة تعامل فهذا ربما يفرضه الواقع، وهذا الذي يقال فيه: من اختلط ماله بحرام؛ لأنه بيع بات لا يستمر فيه، فهذا الذي أرى أنه الفرق بين الشركة النقية والشركة غير النقية.
الجواب: مسألة شراء الأسهم، بعض العلماء طرح شبهة وهي: أنه لا يجوز شراء الشركات المساهمة؛ لأن الذي يشتري السهم لا يعلم موجودات الشركة، ولا يعلم هذا السهم يُمثل أي شيء، وفي الحقيقة أن هذه الجهالة يسميها العلماء: جهالة نسبية، يمكن التحقق منها بأن يقرأ القوائم المالية لهذه الشركة، أو يسأل عن ذلك وهذا لا بأس به، ثم هب أن هذا الشرط يوجد فيه جهالة، فالعلماء قالوا بأنه يجوز بيع الشيء من غير أن يراه، ولا يعلم به، ويثبت للمشتري الخيار، وهذا هو قول أبي حنيفة رحمه الله، واختيار ابن تيمية خلافاً لمذهب مالك و أحمد و الشافعي فيجوز شراء الشيء من غير رؤية له، ولكن يثبت له الخيار، والواقع أن الإنسان إذا أبطل خياره سواء كان شرطاً أو عرفاً فإن (المسلمين على شروطهم).
الجواب: حقيقة أشكر السائلة على هذا التوجيه، وأنا بدوري في هذا المكان المبارك أرى أنه ضروري لأهل العلم وطلبة العلم أن يخاطبوا أعضاء مجلس الإدارة، وأن يخاطبوا الجمعية العامة، وهي التي بدورها تقر إدارة هذه الشركة من حيث القرض أو الاقتراض، ولا يكفي أن نقول: يجوز أو لا يجوز؛ بل نخاطب أعضاء مجلس الإدارة ونخاطب الجمعية العامة، ونقول: إنكم تبوءون بالإثم إذا لم تنكروا الحرام.
وبلغني أن بعض رجال الأعمال يملك أسهماً كبيرة وكثيرة في شركات تتعامل بالربا، وهو يقول: أنا لم أرض بالربا، إذا كنت لا ترضى بالربا فبما تملكه من حق التصويت يجب عليك أن تنكر.
وبلغني أن جمعية عامة اجتمعت فتكلم أحدهم وقال: أنا لا أريد الربا فغُيرت كثير من الشركات، وبعض التجار يشتري شركة تتعامل بالربا قرضاً واقتراضاً فيغير مجرى مسارها، وهذا بحد ذاته أجمع العلماء على جواز الدخول في مثله، إذا كان يغلب على ظنه أنه سوف يغير من الشركة، بل هذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقد تناقلت بعض وسائل الإعلام والصحف وغيرها رغبة بعض البنوك خاصة في الدول الأوروبية بأنها تأخذ الخيار الإسلامي بالتعامل مع البنوك؛ بسبب ما يسببه نظام الربا من أزمات حقيقية.
بلغني أن بعض المشايخ يقول: جاءني ناس من كبار أعضاء مجلس الإدارة قالوا: نحن نريد أن تكون شركاتنا نقية، وهذا سببه أن الناس -ولله الحمد- فيهم خير، حتى أعضاء مجلس الإدارة فيهم خير، وربما تعاملوا ظناً منهم أن ذلك مباح، فإذا وضحت لهم الصورة وبُين لهم الأمر فسوف يتركون هذا الأمر؛ لأن القاعدة سليمة ولله الحمد، والناس يريدون الخير.
الجواب: بلا شك أن أخذ القرض الربوي محرم ولا يجوز بإجماع أهل العلم، وعلى هذا فيجب عليه التوبة، فإذا استطاع أن يتخلص من هذا الربا فليفعل؛ لأنه سيبقى مؤجلاً عليه، فإن استطاع أن يقترض قرضاً مباحاً من بعض الإخوة فيسدد للبنك الربوي أو يأخذ عقد مرابحة للأمر بالشراء وهذا جائز ثم يعطيه البنك حتى يتخلص من هذا الربا، وحتى لا تزيد عليه الأرباح، فكلما استطاع الإنسان أن يتخلص من الحرام وجب عليه ذلك، أما إذا كان قد تعامل مع أحد البنوك بما يسمى بالتورق المنظم، وقد أفتاه بعض أهل العلم فأرى أن هذا لا بأس به، كما قال أبو العباس بن تيمية رحمه الله: ومن تعامل بمعاملة باجتهاد أو تأويل أو تقليد فما أخذه من هذا المال فهو جائز، والله أعلم.
الجواب: تداول أسهم الشركات -إذا قلنا: إن هذه الشركة مباحة- يختلف من حيث تداولها قبل طرحها للاكتتاب وبعد الاكتتاب، وقبل التخصيص وبعد التخصيص، وقبل الإذن بالتداول وبعد الإذن بالتداول.
أولاً: تداول أسهم الشركات قبل طرحها للاكتتاب لا بأس بشرائها، أو بالدخول في الاشتراك في أسهم الشركات التي قبل الاكتتاب بأن يوضع له شهادة وهي التي يسمونها شهادة الاكتتاب، ولا بأس أيضاً أن يُزاد في المبلغ لأجل زيادة الإصدار وما يترتب عليه، لكن إذا ملك الشخص هذا فيعتبر شريكاً؛ لأن رأس المال -مثلاً- مليار، فغطى المؤسسون خمسمائة مليون، والخمسمائة الثانية طرحوها للاكتتاب، وسوف يجمعونها من الناس، فلا بأس بأن يزاد ضمان الإصدار، لكن من أخذ هذا السهم قبل الاكتتاب وزيد عليه ضمان الإصدار لا يجوز بيعه بأكثر من ذلك؛ لأن هذا يعتبر نقداً بنقد إلا إذا باعه برأس المال؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب رباً إلا هاء وهاء، والورق بالورق رباً إلا هاء وهاء)، هذا قبل الاكتتاب، يعني: قبل الإذن بالاكتتاب، الشركات الآن كثيرة التي تطرح قبل إعلان هيئة السوق أن هذه سوف تطرح للاكتتاب فيتداول السهم، فأرى أن هذا لا يجوز؛ لأنه يعتبر مالاً بمال، لكن لا بأس بأن يدخل الشخص أول ما يدخل فيملك السهم بالقيمة الرسمية، ويزاد عليه قيمة الإصدار، أما أن يبيعه بعد ذلك فهذا لا يجوز؛ لأنه يعتبر مالاً بمال.
ثانياً: أما تداول أسهم الشركات بعد الاكتتاب وقبل التخصيص، مثل أن تكون الشركة طرحت ثلاثين مليون سهم، فيكتتب المساهمون، فبعضهم يبيع أسهمه قبل أن يخصصوا له، وهذا لا يجوز؛ لأن هذا يعتبر غرراً، وهو في حكم بيع ما لا يملك؛ لأنه إذا قال: أبيع لك عشرين سهماً ربما يحصل على عشرة، وسوف يضطر إلى أن يشتري هذا السهم من جهة أخرى، وهذا لا يجوز لأمرين:
الأول: لأنه من باب بيع ما لا يملك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( لا تبع ما ليس عندك ).
والثاني: لأنه غرر، ولا يقال: إنه يجوز بيعه سلماً؛ لأن السلم لا يكون فيما لا يضبط بالوصف؛ وهذا إلى الآن ما قُرر، والشركة قبل الاكتتاب لا تستطيع أن تصف هذا السهم بقيمته المعنوية.
ثالثاً: وهو الذي فيه الإشكال وهو: حكم تداول أسهم الشركات بعد التخصيص وقبل الإذن بالتداول، بمعنى أن تطرح شركة للاكتتاب فيصير لي مثلاً عشرون سهماً، أنا الآن خصصت لي الشركة عشرين سهماً، وهو موجود في محفظتي، الذي يحصل أن بعض الناس يبيع هذه الأسهم التي في محفظة البائع على شخص آخر قبل الإذن بالتداول، وأرى أن هذا لا يجوز من أوجه:
الوجه الأول: أن هذا مخالف للنظام، فالنظام يمنع أن يتداول السهم من قِبل الأفراد حتى يؤذن لهم سوق المال بالتداول.
الوجه الثاني: أن الشخص الذي خُصص له الأسهم في محفظته يملك الأسهم ولا شك، ولكنه سوف يبيعها على شخص آخر، والشخص الآخر سوف ينتظر إلى حين بيعها بالتداول ويربح فيها، وهذا لا يجوز أن يربح الإنسان ما لا يضمن؛ لأن الأسهم في محفظة البائع والمشتري سوف يشتريها، ويُبقي الأسهم في محفظة البائع، فإذا زيد فيها بعد التداول أمر البائع بأن يبيع، وهذا لم ينقل الأسهم من محفظة المشتري.
وقد صدر قرار في مجمع الفقه الإسلامي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي أنه لا يجوز بيع ما يملكه المرء حتى يُقبض، والقبض هو التخلية مع إمكان التصرف، فيُنظر هل يستطيع المشتري أن يتصرف بالأسهم تصرفاً ناقلاً عن الملكية بحيث ينقل إلى محفظته؟ الواقع أنه لا يستطيع، وبالتالي نقول: بيع الأسهم بعد التخصيص وقبل التداول لا يجوز؛ لأنه سوف يربح ما لم يضمن، إلا إذا اشتراها ثم باعها في السوق بسعرها الذي اشتراها، حتى لا يربح ما لم يضمن.
والواقع الذي يفعله الناس أنهم يشترون مثلاً بثلاثمائة ثم إذا زادت في السوق إلى سبعمائة أمر البائع ببيعها ثم يأخذ الأرباح فأخذه للأرباح وهي لم تدخل في ضمانه لا يجوز؛ لما جاء عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا بيع ما لم يُملك، ولا ربح ما لم يُضمن )، فدل ذلك على أن ثمة فرقاً بين الملك وبين الدخول في الضمان.
المقدم: شيخ عبد الله ! البعض أعطى كلمة لشخص قال: أبيعك بالمبلغ الفلاني، أو أنه قبض المبلغ مثلاً ثم بعد ذلك علم بالحكم والحديث.
الشيخ: العقود الفاسدة يجب أن تصحح، فإذا باع المرء بهذا الأمر يخبر المشتري بذلك أو يخبر البائع بذلك بأن هذه العقود لا تجوز فتغير.
رابعاً: تداول أسهم الشركات بعد التخصيص والإذن بالتداول، وهذا القسم يُفرق فيه بين شركة قائمة طرحت بعض أسهمها، وبين شركة تحت التأسيس، فإن كانت الشركة أصلها قائمة أي: كانت الشركة مغلقة ثم طرحت بعض أسهمها (ثلاثين في المائة) من أسهمها، أو (خمسين في المائة) فهذا إذا قلنا إنها شركة نقية لا تتعامل بالربا فلا بأس بتداول أسهمها من حين التداول.
أما النوع الثاني: وهو معترك النزاع وهو الشركة حديثة التأسيس.
جماهير العلماء المعاصرين بما فيهم مجمع الفقه الإسلامي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي، وأنا أحب أن تكون القرارات أو الفتاوى العصرية على رأي جماعي؛ لأن رأي الواحد أو الاثنين ربما ينظر بمنظر أو من جهة ويترك جهات أخرى كثيرة، فأرى أن قرارات المجامع الفقهية لها أثرها، ومعلوم أن الفتوى لا تموت بالتقادم فقرارات المجمع الفقهي الإسلامي في دورتها السابعة الآن لها أكثر من عشر سنين. هذه الفتوى ذهبت إلى أن الشركة إذا كانت أكثرها نقوداً وهي حديثة التأسيس لا يجوز بيع أسهمها.
قد يقول قائل: إن هناك عقد ترخيص وعندها فروع، نقول: عقد الترخيص لا يشكل إلا مائة مليون، ووجود الفروع لا يؤثر في عمل الشركة، ولا بد أن نعرف أن بيع أسهم الشركات حديثة التأسيس لا بد أن تعمل العمل الذي أنشئت لأجله، حتى يكون لهذا العمل قصد اعتباري للمساهم، ودليله قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من باع عبداً وله مال )، فالأصل حاصل والعقد حاصل على العبد ولم يحصل على المال، وكذلك الشركة حديثة التأسيس فإذا كان غالبها نقوداً، فنقول: العقد صار للمال، ولا يقال بمسألة مد عجوة، لأن مسألة مد عجوة في مسألة المفرد إذا كان مقصوداً، وإلا فحديث فضالة بن عبيد نص في المسألة: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن القلادة تُباع؟ قال: لا تُباع حتى تفصل أو حتى تنزع الذهب )، فهذا يدل على أن الإنسان إذا قصد الذهب فإنه لا يجوز.
قد يقول قائل: أنا لم أقصد المال، نقول: أنت وإن كنت لم تقصد المال لكن النقود ما زالت كثيرة، فإذا عملت الشركة العمل الذي أنشئت من أجله، بأن فتحت فروعاً واستقبلت العملاء واستثمرت أموالها فحينئذٍ نقول: لا يضر كثرة المال أو قلته؛ لأن الشركة قائمة، والله أعلم.
الجواب: البنك كما لا يخفى شركة مساهمة، مثلها مثل الشركات المساهمة الأخرى؛ لكن هذا عمله المصرفية وهذه عملها المنتجات وغير ذلك، وبالتالي ندخل في الخلاف السابق، فعلى قول سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز والمجمع الفقهي، فإذا كانت هذه الشركة أو هذا البنك الذي سوف يطرح في قوائمه المالية سندات تنموية أو استثمارات أو حسابات دائمة وغير ذلك، فهذا لا شك في حرمة ذلك في نظري وإن كانت المسألة مسألة خلاف في الشركات المختلطة. أما البنك إذا كان قد نص في عقده التأسيسي على القرض والاقتراض فأرى أن العلماء الذين جوزوا الدخول في الشركات المختلطة نصوا على أنه يشترط أن يكون عقد التأسيس لم ينص على الربا، وغالب البنوك التي تتعامل بالربا نص عقد التأسيس على القرض والاقتراض، والله أعلم.
الجواب: حقيقة أشكر السائل حينما يسأل؛ لأنه يريد أن ينقي أمواله، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على صدقه وطلب إخراج الحرام من ماله.
على كل أخي السائل! إذا كان الإنسان سوف يشتري من أسهم بنوك تتعامل بالربا، وقد نص عقدها التأسيسي على ذلك، فلا أعلم أحداً من الفقهاء المعاصرين قال بجواز ذلك، فهذا محرم. إنما الشأن في الشركات التي نص عقدها التأسيسي على أنها تتعامل بالمباح، ولكن ربما يكون بعض تعاملاتها أن تقرض أو تقترض بالربا.
الجواب: الشركات القابضة معناها: أن تكون هذه الشركات تملك شركات ولها مسئولية محدودة تحتها، أو يكون من ضمن أموالها شركات مساهمة، فهذه تسمى الشركة القابضة، ولا تسمى شركة قابضة في النظام إلا إذا كانت تملك مائة مليون، فالشركة القابضة هي الشركة التي يكون تحتها شركات إما مسئولية محدودة، أو شركة تضامن أو يكون بعض أسهمها أو بعض أموالها في شركات مساهمة، هذا هو معنى الشركة القابضة ويشترط أن تكون تملك مائة مليون فأكثر.
الجواب: أجمع أهل العلم على أن الربح ليس له حد محدود، والعقار يختلف على حسب العرض والطلب، والذي أحب أن أنبه الإخوة أنهم أحياناً يبالغون في ذكر الربح حتى يدخل المساهمون، وهذا يعتبر من الغش في الدعاية الإعلامية أو الإعلانية، وقد ذهب المالكية والحنابلة إلى أن الغش الكلامي يكون للمشتري الخيار، ولو أن هذا الأمر فُعل لما رأيت هذا الغش يحصل؛ لكن إذا أثبت الإنسان بناء على دراسة الجدوى الاقتصادية، فلا شيء يمنع من ذلك، والله أعلم.
الجواب: أحياناً ليس الأمر كما تقول؛ لأنه لا تستطيع الشركة المساهمة أن تخفي بعض الأشياء؛ لكن ربما تكون مجملة مثل مطلوبات، أو تكلفة إنتاج لا تصرح من أين جاءت هذه الأموال، وأحياناً تكون قروضاً طويلة الأجل، وكلمة (قروض طويلة الأجل) محتملة ربما تكون من تمويل إسلامي يعني مرابحة، أو تكون من قروض ربوية، فهي لا تفصح بناء على هذا، لكن تخفي بعض الأموال، هذا ربما يكون فيه صعوبة؛ لأن ثمة مراقبات من المحاسب القانوني، هذا الذي ينبغي أنه لا بد من إفصاح ما معنى طويلة الأجل، فمعنى قروض طويلة الأجل في الغالب تكون ربوية، ويمكن أن تكون إسلامية؛ لكن القروض قصيرة الأجل، أو حسابات مصرفية، أو حساب دائم، أو إيرادات بنكية فهذه الأسماء الغالب أنها تكون ربوية، والله أعلم.
الجواب: هذا الذي نقول به: أنه فرق بين ما يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً، أو يقال: المال المختلط وغيره في
حكم التعامل فيه، ففرق بين أن يدخل الشخص شريكاً في هذه الشركة، وبين أن يدخل كأجير؛ لأنه كأجير يعمل عملاً آخر، فلا بأس بالدخول في العمل في هذه الشركات، ولو كانت ضمن استثماراتها المحرمة إذا كان غرضها الأساسي الحلال، أما إذا كان غرضها الأساسي الحُرمة كالمصارف الربوية فلا أرى جواز الدخول في مثل هذا.
الجواب: المضاربة في الأسهم حقيقة دخل سُعارها على الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والصالح والطالح، حتى أصبح حديث الناس وشغلهم الشاغل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( كيف إذا فتحت عليكم فارس والروم؟ قال
والمشاهد أن كثيراً من الذين يتابعون الصالات ويدخلون فيها ربما يصابون بنوبات قلبية، وربما يصابون بحزن واكتئاب وانفصام في الشخصية، كما بلغنا وسمعنا من هذا الأمر الكثير.
والسبب في ذلك أرى أنه لا بد من سرعة إيجاد وسطاء يديرون أموال صغار المساهمين؛ لأن أكثر المساهمات إنما يأخذها كبار المساهمين بحيث يغري المساهم الصغير فيدخل مرة مرتين فيظن أنه قد ربح ثم يختم عليه بالخاتمة السيئة وهذا سببه؛ لأنه سوف يكون متعلقاً.
وأذكر أن أحد مشايخنا طلب منه أحد الإخوة أن يساهم، وهو شيخنا محمد بن صالح العثيمين ، فقال الشيخ: أمهلني غداً، فجاء هذا الرجل لأن يأخذ من الشيخ الشيك، فقال له الشيخ: تفضل، قال: يا شيخ! وش صار، قال الشيخ: والله ما ودي أساهم، قال: يا شيخ! والله مضمونة أشهد لك أن المساهمة هذه مضمونة جداً جداً جداً ولا إشكال. ثم بدأ يتكلم على ضمان هذا العرض، والشيخ عندما انتهى قال: والله ما همي أنها مضمونة أو غير مضمونة، ولكن أخشى أنها إذا ربحت تعلق قلبي بها، وهذه المسائل من أولي العزم ربما لا يستطيعها غالب الناس، والشارع الحكيم لا يكلف نفساً إلا وسعها.
الجواب: الصناديق الاستثمارية مثلها مثل الشركات المساهمة التي تحدثنا عنها، فهذه الصناديق الاستثمارية إن كانت مبنية على فتوى من هيئة رقابية شرعية لهم ثقلهم في فتواهم وأثرهم في واقعهم، ومحسوبون من أهل العلم الثقات فهؤلاء ربما يرون القول بالجواز إذا كانت نسبة الربا ثلث لا تتجاوز في القيمة السوقية أو القيمة الدفترية أيهما أعلى، وهذا هو القول الثاني كما مر معنا وذكرنا أن القول الأول أنه يحرم.
ومن المعلوم أن صناديق الاستثمار أصلها جائزة؛ لأنها أوعية استثمارية يتعامل فيها، فإذا كانت تتعامل بالشركات التي تتعامل قرضاً واقترضاً فهي مبنية على رأي من قال إنها تجوز مع إخراج نسبة الربا، ومن قال إنها لا تجوز، فهذا رأي القائلين بحرمة ذلك.
لكن الذي أحب أن أبينه أن السائل إذا رأى أن هذه الهيئة ممن يوثق بعلمهم فلا بأس بذلك، كما بين ذلك أهل العلم، قال ابن تيمية : ومن تعامل بمعاملة باجتهاد أو تأويل أو تقريب فما أخذوا من هذا المال فلا بأس. لكن أحب أن أبين أنه يجب عند القائلين بالجواز إخراج نسبة الربا، وهذا مما يخفى على كثير من الناس والورع وترك مثل هذه الأشياء أفضل، وهو رأي شيخنا عبد العزيز بن باز فقد صدرت فتوى في اللجنة الدائمة عن حكم الصناديق الاستثمارية فأفتوا بالمنع من ذلك، والمسألة مسألة اجتهاد واختلاف مما يسع فيها الخلاف، بل رحابة الخلاف في هذا الباب واسعة.
الجواب: هذه المسألة تسمى بيع المرابحة للآمر بالشراء، حيث إن هذا الشخص يأمر شخصاً أن يشتري هذه البضاعة ثم يبيعها عليه بالآجل بربح أعلى، وهذه المسألة جائزة بشروط:
الشرط الأول: أنه لا يجوز للبائع الثاني أن يبيع السلعة على هذا الشخص بالآجل حتى يملكها.
الشرط الثاني: حتى تدخل في ضمانه.
الشرط الثالث: أنه لا يجوز أن يوجد عقد ملزم قبل شراء هذا الشخص من المورد.
الشرط الرابع: ألا يكون حيلة إلى الربا بأن يبيعها عليه مرة ثانية أو يشتريها البائع مرة ثانية بسعر حال؛ لأن هذا يكون من بيع العينة، والله أعلم.
الجواب: هذه الشركات التي تختلف أنظار العلماء فيها إذا سأل شخص عالماً يثق بدينه وعلمه فأفتاه، فما ترتب على هذا المال من أرباح فإنه يجوز، أما إذا علم بعد ذلك قولاً آخر فإننا نقول: إن المال الذي أخذته جائز، ولكن لو تورعت وأخرجته، فهذا شيء آخر، وإذا كان لا يستطيع أن يخرج مثل أن تكون شركة طُرحت للاكتتاب وهو سأل عالماً فأفتاه بجواز ذلك، ثم علم بعد ذلك أن عنده نسبة من الربا فلا يستطيع أن يتخلص إلا بعد التداول فنقول حينئذٍ: إذا جاء التداول فبع، وأخرج نسبة الربا، وما أخذته من الربح فإنه جائز في ذلك؛ لأن الربح ليس كله محرماً، وهذا هو التخلص من الحرام.
الجواب: الإنسان إذا دخل في شركة ولم يعلم أنها تتعامل بالربا ظاناً أنها تتعامل بالحلال، ثم علم بعد سنين أنها تتعامل بالحرام نقول: السنون التي ذهبت جائز؛ لأن الإنسان دخل بجهالة، والجهالة في مثل هذا الباب تجوز كما بين ابن تيمية رحمه الله وهذا من التأويل، أما السنة الأخيرة بعد علمه بأنها تتعامل بالربا، فإنه على القول بأنه لا يجوز الدخول في الشركات التي تتعامل بالربا قرضاً واقتراضاً فيجب عليه أن يبيع هذا السهم ويخرج نسبة الربا، وعلى القول بأنه يجوز ينظر نسبة الربا التي فيها أياً كانت الثلث أو أقل فإنه يخرجها، والله أعلم.
الجواب: إذا كانت المرأة وضعت المال فيما يوضع في العادة ربحه فلا تضمن، أما إن وضعته فيما في العادة خسارته فإنها تضمن؛ لأن التصرف بالرعية منوط بالمصلحة، فإذا لم تفرط أو لم تتعد فإنها لا تضمن، مع العلم أن الوصية لا تستثمر كلها؛ بل يجب أن يُجعل فيها عقار شيء ثابت، أما أن تدخل في مشاركات مغامرة فأرى أنها لا تخلو من تقصير وضمان.
الجواب: وضع المال في البنوك يعتبر قرضاً وتسميته وديعة تسمية مصطلحية لا أثر لها في الخلاف، وليس هي بالوديعة التي يذكرها العلماء رحمهم الله؛ لأن من شرط الوديعة أن يكون المودع عنده أمين، ولا يجوز أن يتصرف فيها إلا بإذن، وهذا بخلاف ما تفعله البنوك، فالبنوك تعتبر المال الذي عندها قرضاً؛ لأن القرض هو عقد أخذ مال لمن يتجر به ويرد بدله، هذا هو معنى القرض، وبالتالي فإذا كان وضع المال عند البنوك يعتبر قرضاً فلا يجوز أخذ زيادة على ذلك من قِبل المقرض وهو العميل، وأيضاً أن البنك لو خسر فإنه يعتبر ضامناً للعملاء، والله أعلم.
الجواب: التعامل مع البنوك بلا شك أنها تحفظ قيمة العملة لدى البلد، وتستطيع الدولة أن تحفظ هذه التدخلات الخارجية، وبلا شك وجود بنوك في البلد لها أثرها؛ لكن الشأن في بعض التعاملات وبعض التجاوزات، أما مسألة الاستثمار في الأسهم كيف توضع؟ لا يمكن ضبطها إلا من قِبل البنوك؛ لأنك ترى التداول الذي ربما لا يوجد حتى في البلاد الغربية تبيع وتشتري وأنت في بيتك، فهذا مصداق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان في سند بعضه ضعف: ( يأتي آخر الزمان وتتقارب الأسواق )، وكان من طريف ما يذكر أن بعض شراح الحديث قال: تتقارب الأسواق يعني تكبر وتدخل البلدة؛ لأنها كانت بعيدة، والواقع أن تقارب الأسواق أنك تستطيع تشتري أسهم الشركات التي في أقصى الشرق وأقصى الغرب وأنت في غرفتك وبيتك، فهذا هو المقصد. وعلى كلٍ فالواجب على المرء أن يحتاط لهذا الأمر، والله أعلم.
الجواب: إذا كانت هذه التي سوف يشتريها البنك لك بما يسمى بالمعادن الخارجة عن البلاد، فقد صدر قرار المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي بتحريم التورق المنظم، وإن كانت المسألة فيها خلاف، لكني أرى أن هذا بناء على قرار المجمع الفقهي وأرى أنه أولى بالأخذ به، أما إذا كانت أسهماً مثل ما يسمى بسؤال السائل فلا بأس بنظام تقسيط وطني، وفيه فتوى هيئة شرعية في ذلك، لكني أرى بناء على القول الأول أنه تأمر الشركة بأن لا تشتري إلا أسهماً لا تتعامل بالربا قرضاً واقتراضاً، وهي ولله الحمد كثيرة تتعدى الثماني عشرة شركة.
الجواب: كلمة الشركة النقية هي أن ينظر الإنسان إلى قوائم الشركة المالية، فإذا نظر أنه ليس عندها قروض ربوية، ولم تقترض بالربا فيجعلها من ضمن النقية، وكلمة نقية كما قلت إن فيها تجوزاً، وإن كان الأصل أن الشركة إذا لم تعمل بالربا، ولم تقترض ولم يكن في قوائمها المالية شيء من ذلك، فالأصل الجواز، وإلا لزم أن نمنع كل ذلك، وهذا هو الذي يقال: التوسع مطلوب؛ لأنه لم يرد دليل من الكتاب والسنة على تحريم شيء من ذلك، وإن كانت بعض الشركات التي تسمى نقية ربما تعاملت بناء على التورق المختلف فيه، وأرى أن هذا في مثل هذا الخلاف لا بأس به؛ لأنه مثل: لو صلى حنبلي خلف مالكي لا يرى الوضوء من لحم الجزور فيقال: صل معه؛ لأنه يرى معتقداً جوازه، فهذا مثله، قيل لـأحمد رحمه الله: نصلي خلف من يأكل لحم الجزور؟ قال: أوه، ألا تصلي خلف سعيد بن المسيب و مالك بن أنس . فهذا يدل على أن كل من صلى أو كل من فعل أو كل من تعامل بما يعتقد حله لا بأس بذلك كما بين أهل العلم ذلك.
بالنسبة لنشر القوائم كان الناس في السابق ما يعرفونه يظنون أن كل الشركات يجوز التعامل معها، وإحياء مثل هذا الأمر أرى أنه من الأهمية بمكان، وأعضاء مجلس الإدارة فيهم خير وبركة، فإذا قيل لهم مثل هذا فإنهم سوف يسارعون، وقد كان في السابق ربما لهم أعذار مع أني أرى أنه ليس ثمة عذر. لكن كانوا يقولون: لا يوجد استثمارات إسلامية، والحمد لله الآن حتى البنوك التي ما زالت تتعامل بالربا قرضاً واقتراضاً فيها بعض الجهات التي أفتى بعض العلماء على أنه يجوز التعامل فيها.
وعلى كل فالتعامل مع أي شخص كان تعاملاً إسلامياً بناء على المرابحة إذا توافرت شروطها فلا بأس بذلك، والله أعلم.
الجواب: من دخل في تعامل حرام -حتى البنوك لو دخل الإنسان في شراء بنك وهو لا يعلم- ثم باعه وعلم بعد ذلك فقد قال الله تعالى: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ [البقرة:275]، فهذا يدل على جواز ذلك، وقد بين أبو العباس بن تيمية في ذلك، فنقول: اسكن عقارك واعلم أنه حلال أباحه الله لك.
الجواب: هذه المسألة وقع فيها خلاف، وهي حكم الاكتتاب باسم شخص آخر، فلا تخلو المسألة من حالات:
الحالة الأولى: أن يقول للشخص: كل سهم يحصل لك فلك به كذا، فهذا لا يجوز؛ لأنه بيع مجهول ولم يحصل، مثل بيع الحمل في البطن.
الحالة الثانية: وهو أن يقول: أدخل معك مشاركة؛ مني المال ومنك العمل، فهذا لا بأس به بشرط أن تكون النسبة معلومة مشاعة وليست من رأس المال.
الحالة الثالثة: وهو شراء الاسم، يقول كل اسم موجود أشتريه بكذا، الحقيقة أن هذا من ناحية نظرة الشرع أرى أن الاسم له حق، وله منفعة ويعتبر له قيمة مالية، وقد كان في السابق الاسم لا يعد شيئاً، أما الآن في التطورات الجديدة أصبح الاسم له شيء، له وزنه وله ثقله، فالإنسان حينما يتنازل لا يتنازل عن اسمه فقط، بل يتنازل عن منفعة تقديمه في هذا الأمر، فأرى أنه لا بأس بشرط أن تكون القيمة التي تطرح بقيمة المثل، فلا يضر المساهمين بأن يجعل لهم مائة وخمسين، والسهم يساوي ربما سبعمائة، أو يقول بعه بخمسمائة ثلاثمائة أربعمائة أو ستمائة بهذه الطريقة التي لا يتغابن الناس فيها بالعادة، هذا إذا سمح به النظام، وأرى أن النظام يمنع سواء كان مشاركة أو بيعاً؛ لأن نص النظام على أنه لا يجوز البيع، والمقصد بذلك أن الإنسان إذا كان ليس عنده مال فليوسع على الآخرين.
وعلى كل فالمسألة محتملة، والله أعلم.
المقدم: أحسن الله إليكم، وبارك فيكم! وفي علمكم يا شيخ عبد الله حقيقة لا يسعنا في ختام هذه الحلقة إلا أن نتوجه بالشكر الجزيل بعد شكر الله عز وجل لضيفنا فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء على ما أتحفنا به من شرح وبيان وإيضاح لموضوع حلقتنا في هذا اليوم في برنامجكم معكم على الهواء، حول الشركات المساهمة ما لها وما عليها.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعاً لكل خير، وأن ينفعنا جميعاً بما علمنا وسمعنا من فضيلة الشيخ.
أحبتنا الكرام! في ختام هذ الحلقة بعد شكرنا لضيفنا هذه تحايا عطرة أنقلها لكم من الزملاء في إذاعة القرآن الكريم من تنسيق الإذاعة الزملاء: بندر العجمي و جمعان الجمعان و أحمد الرسي ، استديو الإذاعة: صالح بن علي القصيري، الإشراف الهندسي: سعود بن إبراهيم الجربوع، الصيانة: سعد البيشي و منصور الطلحة ، في المراقبة الرئيسة: خالد بن إبراهيم الجربوع ، التنفيذ على الهواء: عبد الله بن الشويش الشويش ، وفي الإخراج إسماعيل بن محمد البهيجان ، ولكم التحية من معد ومقدم هذه الحلقة محدثكم ناصر بن محمد الشيباني ، حتى نلقاكم على خير نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر