شهر شعبان من الشهور الفاضلة التي يستحب الإكثار من الصوم فيها، ومن أفضل لياليه ليلة النصف من شعبان التي هي زمن لغفران الذنوب إلا صاحب شرك أو شحناء، ولا يعني هذا الفضل تخصيص هذه الليلة باحتفال أو عبادة خاصة بها.
فضيلة الصيام في شهر شعبان
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد على آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:
وأما ما جاء عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان كله )، فإن أهل العلم يقولون: إنه محمول على أن أم سلمة روت بما تظن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم، أو أن أم سلمة رضي الله عنها إنما أخذت بلغة العرب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان كله وتقصد إلا يوماً أو يومين.
وإذا ثبت هذا فإن استحباب صيام شعبان متأكد تأكيداً شديداً سواء صام المسلم أوله أو وسطه، ما دام أنه يقصد صيام شعبان.
ووجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى أنه لا يُتقدم رمضان بصوم يوم أو يومين، لكنه لو أراد أن يتقدم بأكثر من ذلك جاز له ذلك، كما أشار إلى ذلك الإمام الأثرم وغيره، وقد حاول بعضهم أن يقول: إن الحديث منسوخ. والصحيح أن الحديث ضعيف، وإذا ثبت هذا فإننا نقول للناس: يشرع لكم أن تصوموا شعبان، سواء ابتدأتم صيامه من أوله أو من وسطه أو من ثلثه أو من الثلث الأخير شريطة أن لا يكون ذلك قبل رمضان بيوم أو يومين؛ لأجل أن لا يدخل من رمضان ما ليس فيه، وإذا ثبت هذا فإن شعبان فيه فضيلة وهي: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه.
اختلاف أهل العلم في فضيلة ليلة النصف من شعبان
السؤال الذي يُطرح كثيراً: هل في ليلة النصف من شعبان فضيلة؟
أشار أبو العباس ابن تيمية رحمه الله في كتابه العظيم اقتضاء الصراط المستقيم إلى اختلاف أهل العلم في فضل ليلة النصف من شعبان؛ وذلك بناء على الأحاديث والآثار المروية في ذلك، فبعض أهل العلم صححها من المتأخرين والمتقدمين وكان مكحول رضي الله عنه ورحمه يبالغ في ذلك، ويراها فضيلة، بل إن بعضهم كان يرى أن أجر ليلة النصف من شعبان مثل أجر ليلة القدر، كما ذكر ذلك عبد الرزاق عن ابن أبي مليكة أنه حُدث أن زياداً المنقري النميري كان يقول: إن أجر صيام ليلة النصف من شعبان مثل صيام ليلة القدر، فقال ابن أبي مليكة: لو أني سمعت زياداً يقول ذلك وبيدي عصا لضربته. مما يدل على أن هذه مبالغة.
ولقد ذكر ابن وضاح في كتابه العظيم البدع عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم رضي الله عنه أنه قال: لم ندرك أحداً من علمائنا ولا فقهائنا يذكرون في ليلة النصف من شعبان فضيلة أو عملاً، ولم أدرك أحداً يقول بقول مكحول، وقال ابن أبي زيد : لم يكن فقهاؤنا يهتمون بها، يعني: من باب العبادة.
وقد قال أبو العباس ابن تيمية كلاماً فصلاً في هذا فقال: أما فضلها فقد اختلف فيه، والصحيح مذهب أحمد وغيره أن لها فضلاً. لكن هذا الفضل لا يجوز الاحتفال فيه، ولا تخصيصه بعبادة صيام أو قيام أو غيرها من العبادات، فكونها لها فضل لا يلزم أن يكون لها عبادة تخصها.
وعلى هذا فإننا نقول: إن ليلة النصف من شعبان فيها فضل بينها الحديث على أن الله يغفر فيها لعباده، لكن ليس فيها ما يدل على تخصيصها بعبادة كما أشار إلى ذلك أبو العباس ابن تيمية في كتابه الفذ اقتضاء الصراط المستقيم، وعليه فالاحتفال ليلة النصف من شعبان لا يجوز، وتخصيصها بعبادة لا يجوز؛ لأن كل عبادة خصصت بزمن أو مكان أو أشخاص فإنها من البدع الإضافية التي يشير إليها أهل العلم، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.