إسلام ويب

مسائل فقهية في النوازلللشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الواجب على العلماء تبيين حكم الله سبحانه وتعالى في كل نازلة بأدلته، وجعل مراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم مقصودهم الأعظم، مع مراعاة الأعراف والعوائد، مستبصرين بأقوال الأئمة الأعلام، مترفقين بالناس غاية الارتفاق.
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

    فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل اجتماعنا اجتماعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، وأن لا يجعل فينا ولا منا شقياً ولا محروماً.

    فأشكر جامع عثمان بن عفان على اهتمامهم بطلاب العلم، وتطبيقهم لوصية محمد صلى الله عليه وسلم، التي ذكرها ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، وقد رويت مرفوعة وموقوفة وإن كان الموقوف أصح ( أنه أوصى ابن مسعود بالاهتمام بطلاب العلم )، وأحسب أن جامع عثمان بن عفان له نصيب وافر من هذه الوصية.

    أما موضوعنا فهو مسائل فقهية في النوازل، وليس غرضنا أن نذكر المسائل التي نزلت بالمسلمين، وما أكثرها! نسأل الله أن يلطف بنا، ولا أن نذكر النوازل الفقهية، فقد اهتم بها الباحثون من طلبة العلم في رسائل الماجستير والدكتوراه في جميع أبواب الفقه وهي كثيرة، لكن غرضنا هنا أن نعرج على معنى النازلة، والواجب على طالب العلم في النازلة، والذي ينبغي أن يتحلى به الفقيه من حيث النظر في نفسه، ومن حيث النظر في واقع الأمر، وما هي التطبيقات الخاطئة التي يقع فيها الباحثون جراء نظرهم في المعاملات؟ وعدم فهمهم لمصطلحات الأئمة وتقعيدات المجتهدين في كتبهم والنظر في مصطلحاتهم.

    ولهذا يحسن بنا أن نعرف النازلة فنقول: النازلة تطلق في اللغة على المصيبة التي تنزل وتحل بالمسلمين، والشديدة من شدائد الدهر، ولهذا يقال: أخفها نازلة، وحادثة، ونائبة، فإن كانت شديدة، سميت: آبدة، وداهية، وباقعة، وإن كانت أشد، سميت: بائقة، وحاطمة، وفاقرة، وإن كانت أشد سميت: غاشية، وواقعة، وقارعة، وإن كانت أشد، سميت: حاقة، وطامة، وصاخة، فهذه هي المصائب التي تنزل بالناس، سواء في دنياهم أو في أخراهم، وأشدها: هي الصاخة، والطامة، والحاقة.

    أسباب عدم ذكر تعريف النازلة عند المتقدمين

    وأما النازلة في اصطلاح الفقهاء المتقدمين، فإنهم لم يذكروا للنازلة تعريفاً يخصها كما في تعريفاتهم للأبواب الفقهية المعروفة كالنجش، ومتلقي الركبان، ونحو ذلك من الأبواب الفقهية التي عرفها المتقدمون، فلم يكن للنازلة بهذا المصطلح اسم إلا عند ذكرهم في مشروعية القنوت للنازلة إذا نزلت بالمسلمين، كما قال صاحب المقنع: ولا يستحب القنوت إلا في الوتر، إلا أن ينزل بالمسلمين نازلة، وإن كان المعنى الشرعي عندهم لا يفارق ولا يخالف المعنى اللغوي.

    ولعل عدم ذكر تعريف النازلة عند المتقدمين يرجع إلى أمور:

    الأمر الأول: أن الفقهاء المتقدمين لم يكونوا مولعين بالتعاريف والحدود، كما هو شأن الأصوليين، فإذا كانت الكلمة معروفةً عند جمهورهم تداولاً وعملاً وتطبيقاً، فلا يكترثون لتعريفها، ولهذا نجد عامة المتقدمين رضوان الله تعالى عليهم لا يعرفون الشيء إلا بمرادفه، أو بالرسم كما يقول الأصوليون، فلا يعرفونه بالتعريف المنطقي الذي يقولون عنه: إنه لا بد أن يكون جامعاً مانعاً، فهذا المصطلح إنما هو من استعمال المناطقة، وقد تأثر علماء الأصول بهم؛ فجعلوا الحد هو غاية أمرهم، حتى إنك تجد بعض الباحثين والمدرسين يبالغ فيذكر في محاضرة أو محاضرتين أو ثمان محاضرات تعريفاً لشيء والمراد بهذا التعريف، وليس هذا من غرض المتقدمين رضوان الله تعالى عليهم، وطريقة المتقدمين في التعريف بالرسم أو بالمرادف هي طريقة الوحيين، حيث إن الشارع لا يعرف الشيء إلا بلازمه أو بمرادفه، واقرأ إن شئت في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود ( أن النبي صلى الله عليه وسلم عرف الكبر ببطر الحق وغمط الناس )، وهذا تعريف بلازمه الظاهر لكل أحد، كما تفسر ألفاظ القرآن والحديث بمرادفاتها، ولهذا قال الإمام الشاطبي رحمه الله: وعلى هذا النحو مر السلف الصالح في بث الشريعة للمؤالف والمخالف، ومن نظر في استدلالهم على إثبات الأحكام التكليفية، علم أنهم قصدوا أيسر الطرق وأقربها إلى عقول الطالبين، لكن من غير ترتيب متكلف، ولا نظم مؤلف، بل كانوا يرمون الكلام على عواهنه، ولا يبالون كيف وقع في ترتيبه، إذا كان قريب المأخذ سهل الملتمس.

    الأمر الثاني: أن الفقهاء المتقدمين لم يعولوا على تعريف النازلة؛ لكونهم استعملوا كلمات مرادفة لها، وهي تؤدي نفس الغرض عندهم مثل قولهم: الأقضية، أو المسائل، أو الأجوبة، ولعل استعمالهم لهذه المصطلحات أغنى عن ذكر كلمة النازلة، ولهذا تجد أن أكثر من اهتم بهذه المصطلحات من الأئمة هم: المالكية، فقد اهتموا بذلك حينما ذكروا كتاب الأقضية أو كتاب المسائل، أو كتاب الأجوبة، ومن براعتهم في اهتمامهم بذلك أن كتبوا أيضاً في النازلة، كما في كتاب القاضي عياض المسمى: مذاهب الحكام في نوازل الأحكام.

    الأمر الثالث: وهو مهم جداً: أن الذين كتبوا من الأئمة رحمهم الله في مسائل النازلة، لم يهتموا بالألفاظ والمباني، وإنما اهتموا بحقيقة الأمر والمعاني، فجعلوا غايتهم وكبير اهتمامهم هو في البحث عن نفس النازلة، والاهتمام بها من حيث التقعيد، ومن حيث النظر والاستدلال، ولهذا تجد أن أخطاء العلماء رحمهم الله فيما بينهم في المسائل أقل بكثير، بل نقول: إنه لا يوجد بينهم اختلاف على طريقة المتأخرين؛ لأنك تجد أن المسألة الواقعة في هذا الزمان من العلماء من يقول فيها بالحرمة ومنهم من يقول بالحل، والذي قال بالحل له تصور في المسألة يختلف جذرياً عن نظر من قال بالتحريم، والذي يقول بالتحريم له نظر يختلف جذرياً عن نظر من قال بالحل، وسوف نذكر أمثلة واقعية في تطبيقات المعاصرين على بعض المسائل، وتكلفهم جر كلام الفقهاء للواقعة التي يذكرونها.

    إذاً تعريف النازلة في اصطلاح المتأخرين هي: الوقائع والقضايا التي تنزل بالشخص أو بالأمة في مجال العبادات أو المعاملات ونحوها، والتي يبحث لها عن حكم شرعي، ولم يسبق فيها إلى نص أو اجتهاد، أو يتطلب فيها اجتهاد بسبب لوازمها أو بعض أحكامها، هذا من حيث تعريف النازلة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088518353

    عدد مرات الحفظ

    777079519