بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.
تقديم الرجل اليسرى عند دخول الخلاء واليمنى عند الخروج
الاعتماد على الرجل اليسرى حال الجلوس لقضاء الحاجة
قال المؤلف رحمه الله: [ ويستحب له اعتماده على رجله اليسرى حال جلوسه لقضاء الحاجة، لما روى
الطبراني في المعجم و
البيهقي عن
سراقة بن مالك : (
أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتكئ على اليسرى، وأن ننصب اليمنى ) ].
هذا الحديث كما قال المؤلف: رواه الطبراني و البيهقي ، وفي سنده محمد بن عبد الرحمن المدلجي عن رجل من بني مدلج عن أبيه عن سراقة بن مالك بن جعشم. وهذا حديث ضعيف لا يعول عليه، فإن فيه ثلاثة مجاهيل وهم: محمد بن عبد الرحمن المدلجي ورجل مبهم، وأبوه أيضاً من المجاهيل، فالحديث ضعيف، وصورة هذه الجلسة أن ينصب اليمنى، ويعتمد على اليسرى، يعني: اليمنى يبعدها عن اليسرى، وينصبها ويجعل أصابع رجله اليمنى على الأرض، ويجعل اتكاؤه كله على اليسرى، خلاف ما يظنه بعض الناس أنه يمد رجله اليمنى، لا، هو يبعد اليمنى قليلاً ويتكئ على اليسرى، وينصب اليمنى على أصابعه.
يقول العلماء: إن هذه الصورة، ذكر الأطباء أنها أنفع من حيث استطلاق الوكاء وإخراج فضلات البطن، هكذا قالوا.
والذي يظهر والله أعلم أن هذه الجلسة ليست بأنفع طبياً من غيرها؛ فالجلوس لقضاء الحاجة من غير اتكاء على الركبتين أنفع، وأسمح للبدن بإخراج الفضلات، والغالب أن الأحاديث الضعيفة لا يعول عليها، والله أعلم.
الابتعاد عن مرأى الناس حال قضاء الحاجة
الاستتار حال قضاء الحاجة
والسنة الثانية، وهي التي أشار إليها المؤلف إلى أنه يستحب الاستتار فقال رحمه الله: [ ويستحب استتاره لحديث
أبي هريرة قال: (
من أتى الغائط فليستتر ) رواه
أبو داود ].
هذا الحديث الذي ذكره المؤلف أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد قضاء الحاجة استتر حديث ضعيف، في سنده حصين الحبراني، وهو مجهول لا يعرف، وأحسن منه حديث عبد الله بن جعفر ، كما في صحيح مسلم قال عبد الله بن جعفر : ( وكان صلى الله عليه وسلم أحب ما استتر لقضاء حاجته هدف أو حائش نخل ) (وحائش نخل) أي: الشجر الملتف الذي ليس له ظل ينفع، وهذا يدل على استحباب الاستتار من الناس، والاستتار هنا له معنيان، أو فائدتان:
الفائدة الأولى: هو أن الإنسان يحفظ عورته، كما في حديث معاوية بن قرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك ).
الفائدة الثانية: حسن الأدب مع الناس؛ لأن النظر في مثل هذه الحالة فيها نوع من التقزز والاشمئزاز، وكان من أدبه عليه الصلاة والسلام الابتعاد عن مثل ذلك، من هنا تعرف جفاء بعض الرجال حينما ظنوا لأنهم رجال لا مانع أن يقضوا حوائجهم حتى مع مرأى الناس في طرقاتهم، وهم يسيرون في الشوارع، وكان الأجدر بهم أن يبتعدوا حتى لا يراهم أحد.
ارتياد مكان رخو وليّن لقضاء الحاجة فيه
قال المؤلف رحمه الله: [ وارتياده لبوله مكاناً رخواً بتثليث الراء ليناً هشاً ].
يجوز (رخواً) بفتح الراء أو بكسرها (رخواً)، أو بضمها (رخواً)، كما قال المؤلف: بتثليث الراء.
قال المؤلف رحمه الله: [ لحديث: ( إذا بال أحدكم فليرتد لبوله ) رواه أحمد وغيره، وفي التبصرة: ( ويقصد مكاناً علواً لينحدر عنه البول، فإن لم يجد مكاناً رخواً ألصق ذكره ليأمن من رشاش البول ) ].
المؤلف هنا ذكر أنه يستحب أن يرتاد لبوله مكاناً رخواً، واستدل على ذلك بما عند الإمام أحمد وغيره من حديث أبي موسى أنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فأراد أن يبول، فأتى دمثاً في أصل الجدار فبال، ثم قال: ( إذا بال أحدكم فليرتد لبوله )، وهذا الحديث لا يفرح به؛ فإن في إسناده رجل مجهول، أو مبهم، حيث أنه يرويه أبو التياح عن رجل أسود عن أبي موسى ، فالحديث ضعيف، ولا شك أن المسلم مأمور أن يبتعد، وأن يتنزه من البول؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم حينما مر على قبرين يعذبان، فقال: ( إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستنزه من بوله )، ومن لم يحتط لبوله حتى لا يصيبه من رشاش البول فإنه لم يتنزه منه، ولهذا كان الارتياد للمكان الرخو من باب تحصيل الواجب أو المستحب؛ فالواجب هو الذي يتيقن معه وصول البول إليه، والمستحب هو الذي يحتاط لنفسه وإن كان لا يصله إلا نادراً أو ظناً، ليس بغالب، وعلى هذا فعلى الاستحباب ما هو الدليل؟ حديث ابن عباس .
يقول المؤلف: (ويقصد مكاناً علواً)، وهذا كله من التنزه، يعني: أنه لا يتبول بحيث إذا بال نزل على رجليه وثيابه، بل يجعل انحداره عنه بين يديه.
يقول المؤلف: (فإن لم يجد مكاناً رخواً ألصق ذكره ليأمن بذلك من رشاش البول)، وهذه الصورة ليس على إطلاقها، لكننا نقول: الأصل أن المسلم مأمور أن يتنزه من بوله، وأن يفعل ما يأمن من عدم وصول شيء من ذلك.
سلت الذكر بعد الفراغ من قضاء الحاجة
قال المؤلف رحمه الله: [ ويستحب مسحه أي: أن يمسح بيده اليسرى إذا فرغ من بوله من أصل ذكره، أي: من حلقة دبره فيضع إصبعه الوسطى تحت الذكر والإبهام فوقه ويمر بهما إلى رأسه، أي: رأس الذكر ثلاثاً؛ لئلا يبقى من البول فيه شيء ويستحب نتره بالمثناة ثلاثاً، أي: نتر ذكره ثلاثاً ].
المؤلف هنا ذكر مسألة، وهي مسألة عامة ما يصيب الموسوسين فيها، ومع الأسف الشديد غالب من يبتلى بسلس البول هو أن يكون له عادة سيئة في مثل هذا، وهو أنه إذا تبول ظن المؤلف أنه يجب أن يحتاط أن يزيل، وأن يتيقن بإزالة البول الذي ربما يكون قد احتقن في أصل الذكر، فكان المؤلف يظن أنه مأمور أن يسلت ذكره بحيث يعصره حتى يخرج ما كان داخل الذكر، ولهذا قال بمسحه، يقول: يجعل إصبعه الوسطى تحت الذكر، وإبهامه فوق، ثم يمرر يده، وهذه الصورة يسميها بعضهم مثل عصر الذكر، ولا شك أن عصر الذكر، أو مسح الذكر من غير إبقائه على حالته يضر بالذكر، ويضر بالمرض وهو مرض سلس البول؛ لأنه كما قيل: الذكر مثل ثدي الحيوان، إن ترك قر، وإن حلب در، وهذا مثله، ولهذا عامة بل كل من يسألني في مثل هذا، أسأله: هل كنت تصنع ذلك؟ فيقول: نعم، فآمره أن يترك هذه العادة، وبإذن الله مدة شهر أو شهرين يرجع كما هو، لماذا؟ لأنها عضلة هذه العضلة استرخت وصارت رخوة بسبب هذا الفعل، والدليل الذي جعل المؤلف يقول بهذا، هو ما رواه عيسى بن يزداد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاثاً )، وهذا الحديث يقول النووي : اتفقوا على ضعفه، بل حكم ابن تيمية رحمه الله على أن ذلك بدعة.
وذكر ابن القيم رحمه الله عشر صور يفعلها الموسوسون كما في كتابه العظيم (إغاثة اللهفان) من النحنحة والقيام والقعود والعصر، والنتر، والمسح، والخضخضة، والهزهزة، وكل ذلك من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد : ( سيكون في آخر أمتي أقوام يعتدون في الطهور والدعاء )، وهذا من الاعتداء في الطهور، وعلى هذا فقول المؤلف: يستحب ليس بصحيح، بل هو غير مشروع، وإلى البدعة أقرب، وهو ضرر على البدن.
قال المؤلف رحمه الله: [ ليستخرج بقية البول منه لحديث: ( إذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاثاً ) رواه أحمد وغيره ].
وهذا الحديث كما قلت: في سنده عيسى بن يزداد عن أبيه، وعيسى وأبوه مجهولان، وقد قال النووي : اتفقوا على أن الحديث ضعيف، لعلنا نقف هنا، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.