الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل, وبعد:
قال المؤلف رحمه الله: [ باب مسح الخفين وغيرهما من الحوائل. وهو رخصة وأفضل من غسل ويرفع الحدث, ولا يسن أن يلبس ليمسح ].
هذان السطران فيهما مسائل عدة, أول هذه المسائل أن المؤلف ذكر الخفين, والخفان على الصحيح كما سيأتي يطلق في هذا الباب على الساتر للكعبين ممن هو قائم بنفسه, من جلد ونحوه, والمؤلف قال: (باب المسح على الخفين), والشارح قال: (وغيرهما من الحوائل), كالجوارب والجرموقين والعمامة والخمار والعصائب واللفائف, ولهذا عبر بعض الفقهاء بباب مسح الحائل؛ ليشمل الجميع, ولعل هذا التعبير أولى, لكن من عادة الفقهاء أنهم يذكرون في الأبواب الباب الأهم, وإن دخل بعض الأبواب أو بعض الفصول على سبيل التبع، فهذه طريقتهم رحمهم الله.
الحديث الآخر حديث أبي بكرة ، رواه ابن ماجه ، وفي سنده المهاجر بن مخلد وهو ضعيف, والثالث حديث خزيمة بن ثابت عند أحمد وفيه انقطاع, وذهب أحمد في رواية -وهو قول بعض السلف- على أن المسح ليس برخصة بل هو عزيمة, فله عزيمة أن يغسل رجليه, وله عزيمة أن يمسح على خفيه, وثمرة الخلاف بينهما، أنه إذا قلنا: إنه رخصة فليس للمسافر سفر معصية أن يترخص، على خلاف ذلك، وكذلك الذهاب إلى معصية وهو مقيم لا تستباح هذه الرخصة به؛ لأنهم يقولون: إن السفر المباح يجوز معه فعل الرخص, وإذا كان مسافراً سفر معصية يحرم عليه أن يفعل هذه الرخصة؛ لأن الرخص لا تستباح بالمعاصي.
والذي يظهر -والله أعلم- أن المسح على الخفين من العزائم, ومعنى العزيمة هو أن فعلها إذا توفرت من الدين, ولهذا كانت شعاراً بين أهل السنة وبين أهل البدع, بل إن بعض العلماء يذكر هذا الباب في كتاب العقائد, ثم إن الأحاديث الواردة بلفظ (رخص) كلها ضعيفة.
وما هي الرخصة؟
في اللغة: السهولة واليسر، وفي الاصطلاح أحسن تعريف وأسهل تعريف: هو ما شرع من الأحكام لعذر مع قيام السبب المحرم, هذا تعريف الآمدي صاحب (الإحكام), ويقول صاحب شرح الكوكب: ما ثبت على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح.
وإذا كان الأمر كذلك فكيف تكون الرخصة: أفضل من العزيمة أم لا؟ كيف تكون الرخصة التي ثبتت على خلاف دليل شرعي بمعارض راجح, والذي ثبت أو شرع من الأحكام لعذر مع قيام السبب المحرم؟ لو كان الأمر كذلك لما كانت الرخصة هي الأصل؛ لأن الأصل العزيمة, فكيف تكون الرخصة هي الأصل, فهذا يدل على أن المسح على الخفين عزيمة, هذا واحد.
الثاني اختلف العلماء في مسألة أيهما أفضل أن يمسح على رجليه أو يغسل؟ على ثلاثة أقوال: أحسنها خلاف المذهب, وهو اختيار أبي العباس بن تيمية رحمه الله, وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليتكلف, فإنما كان ينظر إلى حال قدمه حال أداء الوضوء, فإن كانت قدماه مكشوفتين غسل, وإن كانت قدماه فيهما الخف فإنه يمسح.
إذاً الراجح أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليتكلف اللبس ليمسح, أو يتكلف النزع ليغسل, بل كان عليه الصلاة والسلام متى ما شرع في الوضوء نظر إلى حاله حال أداء الوضوء فإذا كان لابساً الخف مسح وإلا غسل, هذا الذي يظهر والله أعلم, وللعلماء كلام في هذا الباب كثير, لكن هذا هو الأظهر والله أعلم, وعلى هذا أيهما أفضل المسح أم الغسل؟
على حسب الحال, وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتكلف أي الحالين، بل إذا كانت قدماه مكشوفتين غسل, وإن كانت قدماه قد لبس فيهما الخف مسح.
والحنابلة رحمهم الله ذكروا سبب أفضلية المسح لأحاديث؛ أحسنها حديث ابن عباس ، وسنده صحيح, وحديث ابن عمر أيضاً، وسنده صحيح: ( إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يجب أن تؤتى عزائمه ), هل هذا فيه دلالة على أن الرخصة في المسح أفضل؟
ليس فيه دلالة على أن فعل المسح على الخفين أفضل؛ لأن الحديث فيه دلالة على أن يحب فعل العزيمة ويحب فعل الرخصة, فليس هذا أفضل من الآخر, وأما حديث صفوان بن عسال كما عند النسائي والترمذي : ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا في سفر ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن, ولكن من بول وغائط وجنابة ), وهذا ليس فيه دلالة؛ لأنه ليس المقصود النزع أو عدمه لأجل المسح, ولكن المعنى: (رخص لنا ألا ننزع), يعني: يجوز لك ألا تنزع, وليس في هذه دلالة الأفضلية, وأما لفظ (أمرنا), يعني: أمرنا على سبيل التشريع، لا على سبيل الفرضية, والله أعلم.
ذهب جمهور الفقهاء خلافاً لـمالك ، وهو مذهب الأئمة الثلاثة: أبي حنيفة والشافعي وأحمد , وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه, فقد روى عبد الرزاق بسند صحيح أن سعد بن أبي وقاص وابن عمر اختلفا في المسح على الخفين, فأتيا عمر ، فقال عمر رضي الله عنه: يمسح عليهما إلى مثل ساعته من يومه وليلته.
وأنا ذكرت عمر لمعنى سوف تعرفونه إن شاء الله, فالأفضل والأقرب أن مدة المسح مؤقتة, للمقيم يوم وليلة, وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن, يعني أن للمقيم أربعة وعشرين ساعة, والمسافر له اثنتان وسبعون ساعة, متى ما جاء الوقت الذي مسح عليه من اليوم التالي فإن مدة المسح تكون قد انتهت.
والأدلة في هذا الباب كثيرة: منها حديث علي رضي الله عنه في صحيح مسلم عن شريح بن هانئ قال: أتيت عائشة رضي الله عنها أسألها عن المسح على الخفين، فقالت: ائتي ابن أبي طالب ؛ فإنه كان كثير السفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأتيته فسألته فقال: ( جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، ويوماً وليلة للقيم ).
وذهب أبو العباس بن تيمية رحمه الله إلى أن المسح على الخفين يكون مؤقتاً، للمسافر ثلاثة أيام بلياليهن, إلا في حال العذر، كالبرد الشديد والخوف, فإنه يقول: فإنه في هذه الحالة يكون الخفان كالجبيرة, فعلى هذا فالأصل هو التوقيت إلا في حال الضرورة والمشقة.
استدل أبو العباس بن تيمية على هذا بالحديث الذي رواه الدارقطني و الطحاوي من حديث عقبة بن عامر قال: خرجت إلى عمر من الشام يوم الجمعة، ووصلت المدينة يوم الجمعة, يقول: وعليَّ خفان مجرمقانيان، فقال لي عمر : منذ كم لم تنزع خفيك؟ قلت: من الجمعة، وهذه الجمعة, -يعني: أسبوع- فقال: أصبت, وفي رواية: أصبت السنة, هذا الحديث صححه الدارقطني , إلا أنه قال: إن رواية (أصبت السنة) شاذة, وسبب الشذوذ مخالفتها لأكثر الأحاديث الدالة على التوقيت.
الثاني: أن الرواية الصحيحة عن عمر أنه يرى التوقيت كما صح عنه أنه قال: يمسح من ساعته إلى ساعته من الأمس، مع يومه وليلته.
والذي يظهر -والله أعلم- أن هذه المسألة فيها إشكال كبير, والذي يظهر أن الأصل هو التوقيت، خلافاً لـأبي العباس بن تيمية رحمه الله, بل إن أحمد كما نقل ذلك عنه أبو داود ، قال : سأل أحمد عن المسافر، فقال: يمسح ثلاثة أيام، والمقيم يوماً وليلة. قال: يا أبا عبد الله ! ما ترى في من تدين بحديث عقبة بن عامر -تدين أي: أخذ- قال: أعاد ما مسح زيادة على ثلاثة أيام ولياليهن, يعني: أعاد الصلاة, قال يا أبا عبد الله! أشيء يحتاط له أم هو واجب؟ -يقصد الإعادة-, قال: نأخذ بما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ونترك فعل عقبة . هذا يدل على أن عمر رضي الله عنه إما أن يقال: إن قوله: أصبت أنه رجح اجتهاده, بمعنى لو أن الشيخ محمد اختار قولاً, وهذا القول له حظ من النظر فقيل له: أصبت, فلا يلزم أن يكون قد وافقه على ذلك؛ لأنه رأى أن كلا القولين محتمل, مما يدل على هذا أن عمر رضي الله عنه قال: يمسح يوماً وليلة. هذا واحد.
الثاني: أنه يحتمل -وهذا بعيد- أن عقبة بن عامر كان خائفاً, لكن الظاهر أن عقبة كان مبشراً، و ابن تيمية رحمه الله يقول: وقد مر علي ذلك، فإنه أحياناً يشق الوقوف عن الرفقة، فيتضرر الإنسان في ذلك, وأنا أسأل: أليست الرفقة تقف معك لتصلي, أليست الرفقة تقف معك لتتوضأ, أليست الرفقة تقف معك لتفعل السنة في الوضوء, إذا كانت الرفقة تفعل معي كل هذا يبعد ألا تقف معي وأنا أنزع الخفين, وأغسل رجلي, ويستطيع الإنسان أنه ينزع خفيه وهو قبل أن يصل إلى مكان الغسل.
فأرى -والله أعلم- أنه لا يجوز ترك التوقيت إلا إذا كان في حال خوف, فتكون حينئذ كالجبيرة, مثل وقت الحرب للذين يلبسون الموق، هذا في حال الحرب، فإن الوقوف للنزع وغيره ربما ضر, خاصة إذا كان على البرج يراقب الطائرات, أو على دبابته يحمي ثغور الإسلام وأهل الإسلام, فإنه والحالة هذه لا بأس؛ لأنها تكون حينئذ كالجبيرة, فهو أفضل من أن يتيمم، والحنابلة يرون أنه يتيمم, والأقرب أن المسح أولى من التيمم كما سوف يمر معنا.
وقوله: (ولمسافر سفراً يبيح القصر), يعني: أن سفره أربعة برد فأكثر, فإن هناك سفراً قصيراً وهو أقل من أربعة برد، لا يباح له القصر, وأما الذي يباح له القصر -وهو مذهب الجمهور كما سوف يأتي بيانه- هو أن يقطع مسافة أربعة برد, وهذا هو الراجح والله أعلم, على أنه لا بد فيه من قطع المسافة.
وأما قول أبي العباس بن تيمية رحمه الله في مسألة العرف فهذا لا ينضبط, فالصحابة رضي الله عنهم كـابن عباس وابن عمر جعلوا له حداً؛ لأنه لا يصلح للعامة إلا هو، كما سيأتي بيانه مفصلاً.
يقول المؤلف: (ويخلع عند انقضاء المدة), أفادنا المؤلف بهذا أمرين:
الأمر الأول: أنه بمجرد انتهاء المدة لا يجوز له أن يمسح, بل يجب عليه أن يخلع؛ ليغسل.
الثاني: أن الطهارة تنتقض بمجرد انتهاء المدة, وهذا مذهب الحنابلة, قالوا: لأن المسح على الخفين إنما جوز بمدة, فإذا انتهت هذه المدة انتهى ما يتعلق بها من أحكام, كما أن السفر علق بحالة, وهي حالة الرجوع, مدة حالة الرجوع, فإذا انتهت حالة الرجوع انتهى أحكامها, فدل ذلك على أن المسح إذا انتهت مدته انتهى ما تعلق به من أحكام, وهذا القول فيه قوة, وفيه احتياط.
وذهب أبو حنيفة وسفيان الثوري ، وهو اختيار أبي العباس بن تيمية رحمه الله، وهو رواية عند الإمام أحمد ، إلى أن الطهارة ثبتت بمقتضى دليل شرعي؛ وهو جواز المسح, فلا تنتقض إلا بدليلٍ شرعي, ولم يثبت دليل شرعي على ذلك, وهذا القول فيه قوة, إلا أن الأحوط هو مذهب الحنابلة.
وابن تيمية يستدل على هذا بما رواه البيهقي عن علي بن أبي طالب أنه مسح على خفيه ونزعهما ثم صلى, وهذا يكثر الاستدلال به عند بعض المشايخ وطلاب العلم, والبيهقي رحمه الله وغيره أشار أيضاً إلى أن علياً لم يكن يمسح على الخفين, إنما مسح على النعلين, ونزعهما ثم صلى, والسؤال: هل يرى الذين يرون أن النزع لا ينقض الوضوء، هل يرون المسح على النعلين؟ لا, فمعنى أنه مسح على النعلين -كما قال ابن حجر - هو أنه يرش، ثم يرش حتى يبلغ الغسل, وحينئذ لو نزعها لا حرج؛ لأنه قد غسل قدميه, فليس في هذا دلالة على ما ذهبوا إليه, وإن كان من حيث النظر قوي أيضاً, وهذه من المسائل التي لم يتبين لي فيها الراجح, فمذهب الحنابلة قوي, ومذهب ابن تيمية أيضاً قوي والله أعلم.
يقول المؤلف: (فإن خاف أو تضرر رفيقه بانتظاره تيمم), تيمم عن المسح, يعني: فيتيمم لرجليه، ويتوضأ للباقي, وهذه مسألة: إذا عجز عن استعمال الماء في بعض أعضائه, فإن الحنابلة يقولون: يجمع بين الوضوء والتيمم, فيتيمم لما لم يصبه الماء, ويتوضأ للباقي كما سيأتي بيانه، وهو مذهب الشافعية.
ويرى ابن تيمية -وهو أحد الوجهين للأصحاب- أنه إذا عجز أو خاف، مثل: حالة الضرورة، أو حالة البرد الشديد الذي يخاف على رجله من الفساد فإنها تكون كحكم الجبيرة, فإنه يمسح، وهذا أظهر, فإن مسح الرجلين أولى من التيمم, لكن هذا في حالة ضرورة، مثل الذين يذهبون إلى سيبيريا، فإن مجرد إخراج أرجلهم مدة من الوقت ربما تضرروا، وربما هلكت الرجل أو ماتت.
المؤلف شرع في مدة المسح فقالوا: مدة المسح من أول حدث بعد لبس, يعني: لو أنه توضأ وغسل رجليه ولبس الخفين, ثم بعد ذلك أحدث, يقول: (تبدأ مدة المسح من حدث بعد لبس), قالوا: لأن ابتداء المسح وما يتعلق به من أحكام يُبدأ من أول الحدث, فأقيم بدايته مقام فعله, قالوا: لأن بداية المسح وحكم المسح وما يتعلق به من أحكام يبدأ من أول حدث بعد لبس؛ لأنه لو مسح قبل الحدث هل يتعلق به حكم؟ أصله طاهر, يعني: لو توضأ، وغسل رجليه، ولبس خفيه، وهو ما زال طاهراً، فحضرت الصلاة فتوضأ ومسح، هل يتعلق به حكم؟ لا؛ لأن أصله طاهر, فكان ذلك على سبيل تجديد الوضوء, فقالوا: لأن المسح وما يتعلق به من أحكام إنما يبدأ من أول حدث بعد لبس, فأقيم بدايته وشرعيته مقام فعله, هذا مذهب الجمهور.
والقول الآخر في المسألة: أن مدة المسح تبدأ من أول مسح بعد حدث, خلافاً للجمهور، وصورة المسألة: أنه لو غسل رجليه، ثم لبس الخفين أو الجوارب، ثم أحدث، على مذهب الجمهور تبدأ مدة المسح, فلو أحدث بعد صلاة العشاء ولم يتوضأ إلا الساعة الخامسة فجراً, فإن الحنابلة يرون أن مدة المسح تبدأ بعد صلاة العشاء, وعلى القول الراجح تبدأ من أول مسح بعد حدث، أي: الساعة الخامسة فجراً, وهذا هو الراجح؛ بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم علق جميع أحكام مدة المسح بمجرد الفعل، لا بمجرد بداية الأحكام، يقول صفوان بن عسال : ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نحن لبسنا خفافنا ومسحنا عليها ألا ننزع.. ), وبعضهم يرى أن هذه الرواية شاذة, وبدليل الأحاديث الدالة على المسح كقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن ) وغير ذلك من الأحاديث, وهذا هو الراجح. والله أعلم.
والقول الثاني في المسألة: أن المسح على مغصوب يصح مع الإثم, وكذلك على نجس يصح مع الإثم, فإن كان لعذر فإنه يصح خلافاً للحال ولو كانت نجسة؛ لأن الحنابلة يرون أنه يعيد، والأقرب عدم الإعادة, وإذا كان متعمداً فهي محل بحث طويل في مسألة اجتناب النجاسة, هل هي شرط في الصلاة أم هي واجبة مع الإثم؟ كما سيأتي تفصيله، وخلاف الجمهور مع مالك رحمه الله, وكلام الشوكاني في (السيل الجرار)، وكتاب النيل.
قال المؤلف رحمه الله: [ولو في ضرورة, ويتيمم معها لمستور مباح, فلا يجوز المسح على مغصوب ولا على حرير لرجل؛ لأن لبسه معصية، فلا تستباح فيه الرخصة].
يقول: (ولو في ضرورة) يعني: أن من لبس نجس العين لضرورة كخف أو عمامة أو جبيرة تيمم بدل الغسل كما مر معنا, والراجح والله أعلم أنه إذا كان لضرورة فإنه يصح المسح خلافاً للحنابلة.
وأما قول المؤلف: (فلا يجوز المسح على مغصوب، ولا حرير لرجل) الصحيح أن ذلك يصح مع الإثم كما قلنا في المغصوب؛ لأن الحرمة هنا بأمر خارج عن العبادة.
وأما قوله: (فلا تستباح به الرخص), قلنا: إن الراجح -والله أعلم- أن الشارع علق الحكم على مجرد اللبس, ولم يعلقه على مسألة الإباحة من عدمها, والاستدلال الوارد في ذلك ضعيف, وهذا هو مذهب أبي حنيفة واختيار ابن تيمية ، وهو مذهب ابن حزم ؛ أن سفر المعصية يباح به الرخص, خلافاً للجمهور.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر