الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا ًوارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:
قال المؤلف رحمه الله: [ ويجب على من عدم الماء إذا دخل وقت الصلاة طلب الماء في رحله بأن يفتش في رحله ما يمكن أن يكون فيه، وفي قربه بأن ينظر خلفه وأمامه وعن يمينه وعن شماله، فإن رأى ما يشك معه في الماء قصده فاستبرأه، ويطلبه من رفيقه، فإن تيمم قبل طلبه لم يصح ما لم يتحقق عدمه ].
لكن إذا لم تتحقق من وجود الماء، فإن المؤلف يقول يجب على من عدم الماء إذا دخل الوقت أن يبحث؛ يعني: في كل وقت يبحث؛ لأنه لم يتحقق من عدم وجود الماء؛ لأنه مخاطب بالصلاة وبشروطها كلما دخل وقتها، كما أشار إلى ذلك الإمام الشافعي في الأم وكذلك الحنابلة.
قوله: (طلب الماء في رحله)، أحياناً الإنسان يكون رحله كثيراً أو ربما يكون عنده سيارة فيها تانكي عن يمين وعن شمال وتحت، وربما يكون عنده ماء وهو لا يعلم به، وربما قد ضرب الخيمة، فلا بد من البحث عن مثل هذا الشيء.
يقول: (طلبه في رحله بأن يفتش في رحله ما يمكن أن يكون فيه)، بعض الناس يقول: أذكر أن هناك جرة ماء تصلح للوضوء لكنه ما وجدها، ويغلب على ظنه أنها موجودة، فيجب عليه بعد دخول وقت كل صلاة أن يبحث عنها؛ لأنه لم يتحقق عدم وجود الماء، قال المؤلف: (يفتش في رحله ما يمكن أن يكون فيه، وفي قربه بأن ينظر وراءه، وأمامه، وعن يمينه وعن شماله)، كلما دخل وقت كل صلاة يبحث، هذا النظر لا بد أن يكون مبنياً على غلبة ظن، فإن رأى سراباً قد قدم فلا بد أن ينتظر، ولا يتيمم حتى يسأل صاحب القافلة أو صاحب السيارة: هل عندك ماء؟
أحياناً الإنسان يلتفت في الليل فلا يجد شيئاً لكنه في النهار يجد خضرة، يجد طيوراً، فهذه الطيور التي تحوم يغلب على الظن أنها تحوم على ماء، فلا بد أن يذهب إلى مثل هذه الطيور ما لم يخف خروج وقت الصلاة فإن خاف خروج الوقت فإنه حينئذٍ يتيمم؛ لأنه لو غلب على ظنه أنه لو وصل إلى مثل هذا المكان لخرج الوقت سواء كان خرج وقت الصلاة البتة أو خرج وقتها المختار، مثل: العصر، لو غلب على ظنه أنه لن يصل إلى مثل هذا إلا بعد غروب الشمس أو قريباً من الغروب فحينئذٍ نقول له: تيمم؛ لأن الصلاة في الوقت أفضل؛ وقد فعلت الطهارة، وهو التيمم بدلاً عن الماء.
يقول المؤلف: (فإن رأى ما يشك معه في الماء قصده فاستبرأه)، ومعنى (فاستبرأه) قطع الشك واستبرأ من عهدة الطلب؛ بحيث يكون قد طلب وبحث، فإن وجد خضرة ذهب فسأل، وإن وجد سيارة قدمت سألها، وإن أحس بوجود شجر بحث؛ لأنه أحياناً يكون الجو معكراً فأحياناً بين صلاة وصلاة تظهر بعض الأشجار فيبحث عنها ما لم يخف خروج وقت الصلاة، كما سيأتي في كلام المؤلف.
فإن بحثت فلم تجد، يقول المؤلف: (فإن تيمم قبل طلبه لم يصح)؛ يعني: إن تيمم قبل أن يطلبه بعد دخول كل وقت الصلاة لم يصح، (ما لم يتحقق عدمه)؛ يعني: ما لم يتحقق العدم، أما إن تحقق العدم بحيث علم أنه ليس هناك ماء، فهو يعلم المكان ويعلم أن رحله لم يأت بماء، فحينئذ لو تيمم من غير بحث بعد دخول وقت كل صلاة، فصلاته صحيحة؛ لأن يقينه هو عدم وجود الماء، فهو داخل في عموم قول الله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43].
هذا الطلب سواء كان طلبه في رحلك أو طلبه عن يمينك وشمالك، أو عن دلالة، كل هذه الأشياء مشروطة بما لم يخف خروج الوقت، ولو كان هذا الخروج للوقت المختار، فلو خشيت إذا بحثت عن الماء في المكان الذي تتوقعه كي تستبرئ خروج الوقت أو خرج وقت الاختيار جاز لك أن تصلي بتيمم، ولو غلب على ظنك وجود الماء.
ومثل ذلك -يا إخوان- لو أن مجموعة في مخيم طلبوا من شخص أن يذهب بهذه السيارة الوايت ليعبئها، وقد دخل وقت الظهر، وقال: سوف آتي بعد ساعتين ونصف أو ثلاث ساعات تقريباً، قريباً من خروج وقت صلاة الظهر أو بعدها بقليل، هل يلزمهم الانتظار حتى يأتي أم يصلون بتيمم في أول الوقت؟ عندنا ثلاثة أحوال: ينتظرونه ولو خرج الوقت، ينتظرونه ما لم يخافوا خروج الوقت المختار، أو لا ينتظرونه، والأقرب أنهم لا ينتظرونه؛ لأنه قد تحقق في حقهم عدم وجود الماء، والصلاة في أول الوقت أفضل من الصلاة في آخر الوقت، فكيف إذا كان يغلب على ظنهم أنه لا يأتي إلا بعد خروج الوقت، هذا هو الراجح، والله تبارك وتعالى أعلم، أنه إن خاف خروج وقت الاختيار أو وقت الصلاة استحب له أن يصلي في أول الوقت.
يقول المؤلف: (أو على ماله)، يخاف على ماله، يخاف لو انتقل من هذا المكان لطلب الماء أن يذهب بكل غنمه ولو تركها لخاف على هذا المال أن يسرق، فحينئذ يجوز له أن يتيمم ولا يبحث بعيد.
نكتفي بهذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر