قال المؤلف رحمه الله: [وكره الإمام
أحمد بناء الحمام وبيعه وإجارته، وقال: من بنى حماماً للنساء ليس بعدل، وللرجل دخوله في سترة مع أمن الوقوع في محرم، ويحرم على المرأة بلا عذر].
حكم بناء وتأجير الحمامات
المؤلف أشار إلى أن الإمام
أحمد رحمه الله كره بناء الحمام، وتأمل أن الإمام
أحمد كره بناء الحمام وبيعه وإجارته، ولم ير هدمه؛ لأن هدمه إسراف، فهو نهى عن الابتداء ولم ينه عن الاستدامة، كما أشار إلى ذلك
أبو العباس بن تيمية ، لكن يُشكل على ذلك أنه نهى عن بيعه وإجارته، فإذا نهى عن بيعه وإجارته فيستعمل في غير الحمام.
وابن تيمية له كلام طويل في الحمامات، وقال: إن الإمام أحمد إنما كره بناء الحمام إذا كان في بلد لا يحتاج له، كأهل الحجاز، -هذا في وقتهم- إذ الغالب أنه لا يؤمن من وقوع المحظور، من كشف للعورات أو مسها، أما البلاد الباردة التي يحتاج الناس إليها، ولا يمكن لهم الاغتسال الواجب إلا بوجودها، فلم يكن أحمد ينهى عن ذلك؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
فعلى هذا فـأحمد رحمه الله إنما كره بناء الحمامات فيما لا يحتاج إليها، إنما هو من باب الترف والزيادة، وفيما لا يؤمن معه من وقوع المحظور، أما إن احتيج إلى ذلك أو أمن من فعل المحظور وكشف العورات فليس بمكروه، والله أعلم، وأشار ابن تيمية -وهذه مهمة جداً- إلى أنه إذا احتيج إلى مثل ذلك ولا يسلم معه من فعل المحظور أو من رؤيته فإنه يجوز، ويجوز استئجاره وتأجيره، وهذه قاعدة: أن الشيء إذا احتيج إليه، ولا يلزم بالضرورة أن تكون حاجة دينية، بل ولو حاجة شخصية، إذا احتيج ولو كان ربما معه مكروه لا ينفك غالباً، إن كان هذا المكروه أحياناً، والحاجة داعية لذلك، فيقال في قاعدة سد الذرائع وهو مذهب أحمد و مالك : أن ما ترجحت مصلحته أبيح وإن كان ثمة مفسدة.
عندنا الآن الإيجارات، التجار يقومون بتأجير الفلل والمنازل والعمارات، لو اشترطنا وقلنا لأصحاب الملك: يجب عليكم أن تمنعوا المستأجرين من المنكر؛ من الدش أو من التلفاز المحرم، في هذا مشقة عظيمة، وكأننا نقول لهم: لا يجوز لكم أن تبقوا الأموال عندكم؛ لأنه لا بد من وجود محظور غالباً، فإذا احتاج الناس إلى مثل ذلك، وابتلوا بمثل هذا جاز لهم، ويسوغ لكبير المال أو عظيمه ما لا يساغ لقليله، والمسألة تحتاج إلى بسط أكثر.
حكم دخول الحمام
يقول المؤلف: (وللرجل دخوله) يعني: دخول الحمام، (بسترة مع أمن الوقوع في محرم) يعني: إذا كان في أناس يقومون بدخول الحمام مع كشف للعورات فيحرم، إلا إذا كان هناك ضرورة، مثل أنه يريد أن يغتسل غسل الجنابة، وليس ثمة مكان إلا هذا فيجوز؛ لتعارض مأمور ومحظور، أما إذا كان على سبيل الترف، وكان ثمة محظور فيُمنع منه، هذا في حق الرجل.
أما المرأة فالمؤلف يقول: ( ويحرم على المرأة بلا عذر ) يعني: يحرم على المرأة أن تدخل الحمام إلا لعذر شرعي، والعذر الشرعي كما مر معنا مثل أن تطهر من حيض، أو نفاس، أو لغسل جنابة، وليس ثمة ما يمكن أن تغتسل به إلا بمثل هذا، فيجوز بشرط الستر والعفاف؛ لأن المرأة عورة، كما جاء عند الترمذي بسند جيد ( فإذا خرجت استشرفها الشيطان ).
نكون هنا قد انتهينا من باب الغسل، وندلف إلى باب التيمم.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.