إسلام ويب

الروض المربع - كتاب الطهارة [37]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تختلف المرأة المستحاضة عن غيرها في أحكام الحيض، حيث إن المرأة المستحاضة إذا كان لها عادة في حيضها قبل الاستحاضة فإنها ترجع إلى عادتها، سواء كانت مميزة لدم الحيض من دم الاستحاضة أم لا، وأما إذا نسيت عادتها وكانت مميزة فإنها ترجع إلى تمييزها.

    1.   

    مجمل أحكام المستحاضة المعتادة والمتحيرة

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

    قال المؤلف رحمه الله: [تجلسه من أول كل مدة علم الحيض فيها وضاع موضعه، وإلا فمن أول كل هلالي كالعالمة بموضعه -أي: موضع الحيض- الناسية لعدده، فتجلس غالب الحيض في موضعه، وإن علمت المستحاضة عدده -أي: عدد أيام حيضها- ونسيت موضعه من الشهر، ولو كان موضعه من الشهر في نصفه جلستها -أي: جلست أيام عادتها- من أوله -أي: أول الوقت الذي كان الحيض يأتيها فيه- كمن -أي: كمبتدئة- لا عادة لها ولا تمييز، فتجلس من أول وقت ابتدائها على ما تقدم ].

    المؤلف رحمه الله حينما تحدث عن المستحاضة المبتدئة، وأنهى الحديث والكلام فيها شرع في المستحاضة المعتادة التي كان لها عادة أو تمييز، أو عادة وتمييز، أو التي نسيت عادتها ولا تمييز لها صالح يمكن أن يصار إليه، فجعل للمستحاضة المبتدئة ثلاثة أحوال، ثم جعل للمستحاضة المعتادة أربعة أحوال، فبين أن المستحاضة المعتادة لها أربعة أحوال:

    الحالة الأولى: المستحاضة التي تعلم عادتها فقط، يعني: ما تعرف إلا أن لها عادة، ومعنى لها عادة: يعني: تعلم أنها تحيض في أول الشهر، أو في وسط الشهر، أو في آخر الشهر ستة أيام، أو سبعة أيام، أو ثمانية أيام، هذه تعلم، وإذا قلنا: مستحاضة، فمعناه أن الدم متواصل معها، ولكنها تعلم عادتها أن أول الشهر كان يأتيها الدم قبل حصول استمرار الدم عندها، مثل أن كانت تعلم أن عندها عادة يأتيها دم الحيض قبل وجود المرض؛ وهو العرق الذي هو سبب الاستحاضة بسبعة أيام أو ثمانية أيام من أول الشهر أو في وسطه أو في آخره، فهذه نقول عنها: إن لها عادة.

    الحالة الثانية: قال المؤلف: (هي التي لها عادة وتمييز)، ومعنى التمييز: التي تعلم وتميز دمها، فإن رأت الدم الأسود الثخين ذا الرائحة الكريهة علمت أن حيضها قد جاء، وهو الذي يسميه ابن عباس : الدم البحراني، وإن رأت دماً أحمر خفيفاً لا رائحة فيه علمت أن ذلك ليس بالحيض الذي كان يأتيها قبل هذا المرض، وأن هذا هو الاستحاضة وهذه يسميها العلماء مميزة، التي عرفت دمها بمعنى أنها مميزة تمييزاً صالحاً، يعني تستطيع أن تميزه وهو دم أسود وعند الحنابلة لا تقل عن أقل الحيض وهو يوم وليلة، ولم يعبر أكثر الحيض وهو خمسة عشر يوماً، حينئذ عندها عادة وعندها تمييز، أيهما تقدم؟ المشهور من مذهب الحنابلة وهو مذهب أبي حنيفة خلافاً للشافعية والمالكية أن من لها عادة وتمييز تقدم العادة على التمييز، لما جاء في الصحيحين من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما ذلك عرق وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها، فإذا أدبرت الحيضة فاغتسلي وصلي -وفي رواية- فاغسلي عنك الدم وصلي )، فقدر النبي صلى الله عليه وسلم بالأيام، وهذا يصلح أن يكون للعادة لا التمييز، هذه الحالة الثانية.

    الحالة الثالثة: هي التي لها تمييز وليس لها عادة، تقول: أنا لا أعلم عادتي، ولكن أعلم تمييز الدم، فنقول: هل هذا التمييز تمييز صالح؟ والتمييز الصالح على مذهب الحنابلة المراد به أن يكون هذا الدم المميز لا يقل عن يوم وليلة، ولا يزيد عن خمسة عشر يوماً، فإن قالت: نعم، قلنا: إذاً اعتدي بالتمييز، فمتى جاءك هذا الدم المميز تربصتي بالحيض، ومتى فارقك وجب عليك أن تغتسلي وأن تصلي ثم تربصي لكل صلاة، كما سوف يأتي بيانه، وهذه الحالة الثلاثة.

    الحالة الرابعة: هي التي لا عادة لها ولا تمييز، تقول: أنا والله! لا أعلم، مجرد أن يأتيني الدم أترك الصلاة والصوم، ومتى حصل الجفاف ونزلت القصة البيضاء -وهو السائل الفضي الرقيق الذي يأتي عقب الجفاف- فإنني أغتسل وأصلي، ولا أفرق بين ثلاثة أيام، أو أربعة أيام، أو خمسة أيام، ولا أرى الدم، أضع الكرسف في مكان الدم، فإذا جف وحصل النقاء ونزلت القصة البيضاء؛ اغتسلت، ولا أميز وهذه هي الحالة الرابعة، التي يسميها العلماء -أي: المرأة التي لا عادة لها ولا تمييز- المتحيرة، والمتحيرة هنا متحيرة في إحدى ثلاث حالات:

    الأولى: إما متحيرة لا تعلم أو نسيت عدد أيام الحيض، ونسيت موضعه، يعني: وقته.

    الثانية: تعلم عدده لكنها نسيت موضعه ووقته.

    الثالثة: علمت موضعه ونسيت عدده، ومعنى العدد مثل أن تعلم أنها كانت تحيض ثلاثة أيام، أو أربعة أيام، أو خمسة أيام، لكن لا تعلم موضعها، فهي ليست مثل التي لها عادة بأن تعلم أنها كانت تحيض ثمانية أيام في أول الشهر، فهذه لا تعلم، وتقول: ثلاثة أيام، أو أربعة أيام لكني لا أعلم موضعها، إما أن يأتيني أول الشهر، وإما أن يأتيني وسط الشهر، وإما أن يأتيني آخر الشهر. فهذه نسيت العدد والموضع.

    الثانية من الحالة الرابعة: نسيت الموضع وعلمت العدد، قالت: أنا أعلم أنه يأتيني أربعة أيام، أو سبعة أيام، لكني لا أدري أين موضعه أهو أول الشهر، أو وسطه، أو آخره؟ أهو في العشر الأول، أو العشر الوسطى، أو العشر الأخيرة من الشهر؟ لا أدري، أو تقول: أنا أعلم أنه يأتيني في آخر الشهر، لكن لا أدري أهو في الخمسة عشر الأولى أو في خمسة وعشرين الأخيرة أم في آخر الشهر؟ وهو من خمس وعشرين إلى ثلاثين، هذه نسيت الموضع.

    الحالة الثالثة من الحالة الرابعة: نسيت العدد وعلمت الموضع، تقول: أنا أعلم أنه يأتيني من أول الشهر، لكني لا أدري كم، فهذه أربعة أحوال ذكرها الحنابلة رحمهم الله في المستحاضة المعتادة الذي كان لها عادة أو تمييز، ثم اختلط عليها الأمر.

    1.   

    تفصيل حالات المستحاضة وما يجب في كل حالة

    المستحاضة المعتادة المميزة وغير المميزة

    فإذا علمنا أن المستحاضة المعتادة لها أربع حالات فسوف نشرع في الحالة الأولى: وهي المستحاضة المعتادة فقط، وليس لها تمييز، وكذلك المستحاضة المعتادة التي لها تمييز، فهاتان حالتان: مستحاضة معتادة لا تمييز لها، ومستحاضة معتادة لها تمييز، فالعبرة في هاتين الحالتين هو أن تنظر إلى عادتها.

    قال المؤلف: ( المستحاضة المعتادة التي تعرف شهرها ووقت حيضها وطهرها منه، ولو كانت مميزةً تجلس عادتها)، جملة: (ولو كانت مميزة)، إشارة إلى الحالة الثانية، وهي المعتادة التي لها تمييز، وقوله: (المستحاضة المعتادة التي تعرف شهرها ووقت حيضها وطهرها منه)، إشارة إلى الحالة الأولى، وهي المستحاضة المعتادة فقط، فهاتان الحالتان حكمهما أنها تعتد بوقت عادتها، فإذا كانت تعلم عدد حيضها ووقته وشهره فالعبرة به، فإذا انتهت اغتسلت وصلت، ولو كان الدم بعد ذلك مستمراً؛ لأنها مستحاضة، ولكنها تتوضأ لوقت كل صلاة، أو تتوضأ لكل صلاة فريضة كما هو مذهب الشافعية، وسوف يأتي تفصيل ذلك إن شاء الله.

    ما الدليل على هذا؟ الدليل: ما جاء في الصحيحين من حديث عروة عن عائشة ( أن فاطمة بنت أبي حبيش أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إني أستحاض فلا أطهر، قال: ليس ذلك بحيض، وإنما ذلك عرق فدعي الصلاة -هذه رواية البخاري - قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها )، وفي رواية في الصحيحين: ( فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة والصوم، فإذا أدبرت الحيضة؛ فاغتسلي وصلي )، فقوله: ( فإذا أقبلت الحيضة ) اختلف العلماء في هذه الكلمة، لكن بجمع الطرق يدل على أن (أقبلت الحيضة) ليس هو التمييز، ولكن هو العادة.

    ولهذا قال الحافظ ابن حجر : فقوله صلى الله عليه وسلم: ( فإذا أقبلت الحيضة ) إشارة إلى أن من لها تمييزاً تذهب إلى التمييز، وهو مذهب الشافعي و مالك والراجح هو مذهب أبي حنيفة و أحمد ؛ لأن في رواية هشام عن عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فدعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضينها )، ومن المعلوم أن فاطمة بنت أبي حبيش أتت النبي صلى الله عليه وسلم مرة واحدة، ولا يمكن أن يقال: إن هذه القصة حصلت مرتين.

    فعلى هذا فالعبرة بالعادة، سواء كان لها تمييز أو لم يكن لها تمييز، فتجلسه ثم بعد ذلك تغتسل وجوباً وتتوضأ لكل صلاة وجوباً على الراجح، كما سوف يأتي بيانه.

    المستحاضة المميزة التي نسيت عادتها

    قال المؤلف رحمه الله: (ثم تغتسل بعدها وتصلي، وإن نسيتها)، هذه الحالة الثالثة: نسيت عادتها ولكن لها تمييز صالح، عملت بالتمييز الصالح، ما هو التمييز الصالح؟ هو ألا ينقص الدم الأسود ونحوه من صفات دم الحيض -أسود، ثخين، له رائحة كريهة، ونحو ذلك- عن يوم وليلة، ولم يزد عن خمسة عشر يوماً، ولو تنقل، ومعنى ولو تنقل يعني: ولو كان مرةً يأتي في أول الشهر، ومرةً يأتي في وسط الشهر، ومرةً يأتي في آخر الشهر، المهم أن لها تمييزاً، فإنها تعتبر وتعتد بتمييزها.

    ما دليل التمييز؟ الدليل هو إجماع أهل العلم على أن من لا عادة لها فإنها تعمل بالتمييز؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تحيضي في علم الله ستاً أو سبعاً كما تحيض النساء)، في حديث حمنة بنت جحش ، ومن المعلوم أن دم الحيض عند النساء معروف ومميز، ويختلف عن دم الاستحاضة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( إنما ذلك عرق )؛ لأن دم الاستحاضة ينزل من أدنى الرحم، ودم الحيض ينزل من قعر الرحم، وهذا أمر معروف.

    واستدل بعض العلماء على دم التمييز والاعتماد عليه -وهو مذهب ابن حزم والمالكية والشافعية؛ لأنهم صححوا هذا الحديث- بما رواه عروة عن فاطمة بنت أبي حبيش أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف)، فهذا الحديث صححه ابن حزم وغيره.

    والصحيح: أن هذا الحديث حديث ضعيف لعلتين:

    العلة الأولى: أن المحفوظ كما في الصحيحين عن عائشة عن فاطمة ، فـعروة لم يسمع من فاطمة ، فيكون فيه انقطاع.

    العلة الثانية: أن المعروف أن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين وغيرهما أنه أرجعها إلى العادة ولم يرجعها إلى التمييز، هذا هو الراجح كما مر.

    المستحاضة المتحيرة وأحوالها

    قال المؤلف رحمه الله: (فإن لم يكن لها تمييز صالح)، هذه الحالة الرابعة، وهي التي نسميها: المتحيرة، وهذه المتحيرة لها ثلاث أحوال.

    شرع المؤلف في بيان الحالة الأولى فقال: (فإن لم يكن لها تمييز صالح ونسيت عدده ووقته) هذه الحالة الأولى من المستحاضة المتحيرة، وحكمها أنها تجلس غالب الحيض، مر معك رعاك ربي أن غالب الحيض ست أو سبع أو ثمانٍ كما تحيض النساء، هل هذا الأمر بالتشهي أم بالاجتهاد؟

    بالاجتهاد، ومعنى الاجتهاد: هو أن تنظر إلى قريباتها، خالاتها، وعماتها، فإذا قلن: إننا نحيض سبعة أيام تجلس سبعاً، وإذا قلن: إننا نحيض أربعاً تجلس أربعة أيام، وعلى هذا فقس.

    الآن علمنا العدد وهو غالب الحيض من زميلاتها وقريباتها، وزميلاتها اللاتي في مثل سنها.

    وأما الوقت يقول المؤلف: (تجلسه من أول كل مدة علم الحيض فيها)، مثل أن تقول: أنا نسيت العدد، نقول: اجلسي غالب الحيض، فإذا قالت: ونسيت الوقت، قلنا: أتذكرين؟ فإذا قالت: والله! إني أذكر إنه يأتيني في أول الشهر، لكن ما أدري أأوله أو وسطه؟ نقول: ما هو اليقين؟ فإذا قالت: إنه في اليوم الخامس يقين، نقول: اعملي باليوم الخامس، واحسبي غالب الحيض سبعة أيام أو ستة أيام أو ثمانية، وهو ما أشار إليه المؤلف بقوله: (تجلسه من أول كل مدة علم الحيض فيها وضاع موضعه).

    وهذه المسألة أخذ بها الحنابلة بغلبة الظن؛ أي: بالتحري، وتركوا قاعدتهم، وهي الأخذ باليقين، فهنا مسألة اليقين أحياناً لا نعلمها، فربما علمنا بغلبة الظن ولم نعلم باليقين، وهذه من المسائل التي تبين لك الرواية الأخرى عند الحنابلة خلاف المشهور عندهم، وهي اختيار ابن تيمية ؛ أن العمل بغلبة الظن أولى من العمل باليقين، والمسألة بحاجة إلى بيان أكثر.

    هذه المرأة قالت: أنا أعلم أنه يأتيني في اليوم الخامس أو السادس أو السابع أو الثامن، نقول: تعمل بهذا الأمر، فإن لم تعلم شيئاً كأن قالت: أنا ما أدري، أنا أذكر أنه يأتيني قبل خمسة عشر، نقول: اجلسي من أول الشهر، يعني: من واحد، فإذا قالت الثانية: أنا ما أدري، أنا الذي أعلمه أنه يأتيني من آخر الشهر؛ لأني أذكر أنني في العشر الأواخر أكون غير طاهرة، لكن ما أدري أول العشر أو آخر العشر، نقول: عليك أن تعتدي بالعشر الأخيرة.

    فإذا قالت امرأة: أما أنا لا أدري ألبتة، قلنا: بقول المؤلف: (وإلا فمن أول كل هلال)، يعني: إذا كنت لا تعرفين شيئاً فإنك تعتدين بأول كل شهر هلالي، هذا -إن كنت لا تعلمين الموضع ألبتة، ولا تدركين هل هو من أول أو من وسطه أو من آخره، فهذه التي لا تعلم لها ثلاثة أحوال:

    الأولى: تقول: أنا أذكر أنه في اليوم الخامس أكون حائضاً، فنقول: اعملي باليوم الخامس.

    الثانية: تقول: أنا ما أدري، لكن أذكر أنه يأتيني في الخمسة عشر الأولى، نقول: اعتدي في أول الخمسة عشر الأولى، أو تقول: أنا أذكر أنه يأتيني في العشر الأواخر، نقول: اعتدي في أول العشر الأواخر. هذه الحالة الثانية.

    الثالثة: أن تقول: لا أدري، نقول: هل تذكرين أول حيض علم؟ فإذا قالت: لا، قلنا: أتذكرين أنه في أول الشهر أو وسطه أو آخره؟ فإذا قالت: لا، قلنا: اعتدي في أول كل هلالي، هذه الحالة الأولى من المتحيرة التي نسيت العدد والوقت.

    الحالة الثانية: قال المؤلف رحمه الله: (كالعادة بموضعه) وفي حاشية الروض مكتوب (كالعالمة) وفي طبعة الشيخ المشيقيح دار الوطن مكتوب (كالعادة بموضعه) والمعنى واحد؛ لأن قوله: (كالعادة بموضعه)، (وكالعالمة بموضعه)، الناسية لعدده، يريد أن يبين لك أن الحالة الثانية من الحالة الرابعة، وهي التي نسيت العدد دون الموضع، تقول: أنا لا أدري كم عدد الأيام، لكن الموضع أدركه تماماً، وهو أن اليوم الخامس من الشهر يأتيني دم، لكن لا أدري كم عدده، فنسألها: هل تميزين؟ فإذا قالت: لا أعلم، قلنا: تجلس في أول الموضع الذي علمته غالب الحيض، إذاً اعتبرنا لها أن تجلس حينما علمت الموضع، وحينما لم تعلم العدد تجلس غالب الحيض؛ كما تحيض النساء.

    الحالة الثالثة: وهي أن تنسى موضعه دون عدده؛ تعلم العدد لكن لا تعلم الموضع، وعدم علمها بالموضع يكون لها ثلاث حالات فتجلس متى علمت الحيض فيه، وإلا ففي أول هلالين كما مر.

    قال المؤلف في بيان الحالات الثلاث في الموضع: (وإن علمت المستحاضة عدده)، أي: عدد أيام حيضها، (ونسيت موضعه من الشهر، ولو كان موضعه من الشهر في نصفه جلستها، أي: جلست أيام عادتها من أوله)، من أول النصف، أي: أول الوقت الذي كان الحيض يأتيها فيه، يعني: أول النصف الأول، أو أول النصف الثاني، أو أول النصف الثالث، النصف الأول من واحد إلى عشرة، والنصف الوسط من عشرة إلى عشرين، والنصف الثالث من عشرين إلى ثلاثين.

    يقول المؤلف: (كمن لا عادة لها ولا تمييز)، أي: كمبتدئة لا عادة لها ولا تمييز، فتجلس من أول وقت ابتدائها على ما تقدم، حينما ذكرنا المستحاضة المبتدئة، وقلنا في حقها مثل ما قلنا هنا، تجلس موضعه، لكن في المبتدئة قلنا: لا بد أن يتكرر، أما هنا فلم نقله.

    1.   

    اختلال زمن الحيض والأحكام المترتبة على ذلك

    قال المؤلف رحمه الله: [ أو تقدمت، مثل أن تكون عادتها من أول الشهر فتراه في آخره، أو تأخرت عكس التي قبلها، فما تكرر من ذلك ثلاثاً فهو حيض، ولا تلتفت إلى ما خرج عن العادة قبل تكرره كدم المبتدئة الزائد على أقل الحيض، فتصوم فيه وتصلي قبل التكرار، وتغتسل عند انقطاعه ثانيا، فإذا تكرر ثلاثاً صار عادة، فتعيد ما صامته ونحوه من فرض ].

    الحنابلة يرون أن المبتدئة التي جاءها الدم تجلس أقل الحيض يوم وليلة على أنه حيض، ثم تغتسل وتصوم وتصلي، فإذا انقطع الدم ولم يعبر أكثر الحيض فإنها بعد ذلك تغتسل وتصلي، ثم إذا جاء الشهر الثاني؛ تصنع مثل ما صنعت في الشهر الأول، ثم الشهر الثالث تصنع ما صنعت في الشهر الثاني والأول، فإن تكررت عادتها؛ بأن انقطعت بثمانية أيام علمنا أن حيضها ثمانية أيام، فحينئذ كل يوم صامته من هذه الأيام الثلاثة بعد يوم وليلة يجب عليها أن تعيده.

    وبينا أن هذا القول هو من مفاريد الحنابلة، والمعروف عند الأئمة الأربعة على اعتبار رواية عند الإمام أحمد : أن هذا القول ضعيف، وقد قال ابن تيمية عن هذا القول: وهذا باطل من وجوه:

    الوجه الأول: أن الله يقول: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ [التوبة:115]، فليس في الشريعة شك مطلق، إنما يكون الشك في الإنسان نفسه، أما أن يكون الشك في الشرع فلا.

    الوجه الثاني: أن الله لم يأمرنا أن نصلي الصلاة مرتين، وأن نصوم مرتين؛ لحديث ابن عمر : ( إن الله لم يأمرنا أن نصلي الصلاة مرتين ). فهذا القول قول ضعيف، كما أشار إلى ذلك غير واحد من أهل العلم.

    والحنابلة هنا قالوا: ومن زادت عادتها، عادتها ثمانية أيام، لكن هذا الشهر صارت تسعة أيام، أو كانت عادتها أن يأتيها أول الشهر، يعني: في تاريخ واحد من أول الشهر يأتي الحيض، لكن في هذه المرة ما جاءها إلا في تاريخ أربعة، فيقول الحنابلة: تعتد فيما كان الحيض يأتيها، يعني: ثمانية أيام، فما زاد فيجب عليها أن تغتسل وتصلي وتصوم في الأيام الزائدة، فإن جاء الشهر الثاني على تسع فيجب عليها أن تعتد بثمان ثم تغتسل وتصلي، ثم اليوم التاسع تصوم، فإذا انتهى التاسع تغتسل وتصلي، فإذا جاء الشهر الثالث على نحو ذلك فيجب عليها أن تبقى في الثامن، ثم تغتسل وتصلي، فإذا زاد على التسع فتغتسل وتصلي، ثم إن علمنا أنه في هذه التسع صار حيضاً فحينئذ نقول: كل يوم صامته من التسع هذه من كل شهر وجب عليها أن تعيده كالمبتدئة، وقلنا: إن هذا القول قول ليس براجح.

    تقدم زمن الحيض عن وقته المعتاد

    قال المؤلف رحمه الله: (أو تقدمت)، تأخرت أو تقدمت، كان الحيض يأتيها من أول الشهر، لكن هذه المرة جاءها من خمس وعشرين، فعلى مذهب الحنابلة: لا تعتد به حتى يتكرر ثلاثاً، والراجح: أن الله يقول: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى [البقرة:222]، فعلق الله سبحانه وتعالى الحيض بوجوده، وأبطل أحكامه سبحانه بارتفاعه، فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة:222]، وعلى هذا فقول المؤلف: (أو تقدمت مثل أن تكون عادتها من أول الشهر)، مكتوب عندي: (فتارة في آخره) بعضهم يجعله سبق قلم، وبعضهم يقول: فتارةً، يعني: في شهر صار في آخره، هذا المراد، وبعضهم يقول: فتراه في آخره.

    على كل حال الخطب في هذا يسير، وإن كان الأفصح: فتراه في آخره.

    تأخر زمن الحيض عن وقته المعتاد

    قال المؤلف رحمه الله: (أو تأخرت، عكس التي قبلها)، يقول الحنابلة: فما تكرر من ذلك ثلاثاً في كل شهر؛ فهو حيض، وحينئذ يقول: (ولا تلتفت إلى ما خرج عن العادة)، التي هي ثمانية أيام في أول الشهر، فإن جاءها في وسط الشهر، وقد كان يأتيها في أول الشهر فلا تعتد به، فإذا كانت، طاهرة في أول الشهر، يقول: تعتد على أنه حيض؛ لأنه في زمن العادة.

    يقول الحنابلة: (ولا تلتفت إلى ما خرج عن العادة قبل تكرره، كدم المبتدئة الزائد على أقل الحيض) وأقله يوم وليلة، وما زاد فيجب عليها أن تغتسل وتصوم وتتوضأ لكل صلاة، كما هو حكمهم في المستحاضة، (فتصوم فيه وتصلي فيه قبل التَّكرار)، التِّكرار أفصح من التَّكرار، (وتغتسل عند انقطاعه ثانياً، فإذا تكرر ثلاثاً صار عادة فتعيد ما صامته ونحوه من فرض).

    [وما نقص عن العادة طهر] هم يقولون: ما نقص عن العادة فطهر، يعني: عادتها سبعة أيام، لكن في شهر ذي القعدة صار ستة أيام وطهرت، فيكون هذا اليوم السابع ما يحتاج إلى تكرار، فيكون طهراً، وهذا أمر بإجماع العلماء؛ لقوله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ [البقرة:222].

    فعلق الله سبحانه وتعالى برفع الحيض زوال أحكامه.

    نقصان زمن الحيض عن مدته المعتادة

    قال المؤلف رحمه الله: [فإذا تكرر ثلاثا صار عادة فتعيد ما صامته ونحوه من فرض، وما نقص عن العادة طهر، فإن كانت عادتها ستاً فانقطع لخمس اغتسلت عند انقطاعه وصلت؛ لأنها طاهرة، وما عاد فيها، أي في أيام عادتها كما لو كانت عشراً فرأت الدم ستاً ثم انقطع يومين ثم عاد في التاسع والعاشر].

    امرأة عادتها عشرة أيام فجاءها الحيض ستة أيام، ثم حصل النقاء والجفاف فتعتبر حينئذ طهرت، فيجب عليها أن تغتسل، فطهرت يومين، السابع والثامن طاهرة، ولكن لما جاء فجر التاسع نزل الدم، هذا الدم في وقت عادتها؛ لأن عادتها كانت عشراً، فحينئذ يقول الحنابلة: تعتبره حيضاً.

    لو أن عادتها عشر، فجلست العشر، ثم طهرت وبعد خمسة أيام أو يومين جاءها الدم، هل تعتد به عند الحنابلة؟ لا تعتد به؛ لأن هذا الدم جاءها بعد عادتها، ولم يعبر أقل الطهر وهو ثلاثة عشر يوماً كما سوف يأتي بيانه.

    نقف عند هذا، والله تبارك وتعالى أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767975380