الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل, وبعد:
إن شاء الله سوف ننتهي من كتاب الطهارة، ونشرع بإذن الله في كتاب الصلاة, وقد بقي علينا بعض المسائل في باب الحيض لعلنا ننهيها إن شاء الله.
المؤلف يقول: من المعلوم أنه ليس كل النساء اللاتي ابتلين بالاستحاضة يستمر الدم معهن؛ ولهذا قال: [فإن لم يخرج شيء لم يجب الوضوء], فإذا توضأت لصلاة الظهر وهي مستحاضة فلم يخرج شيء إلى وقت العصر أو قريب من وقت العصر, يقول: لم يجب عليها الوضوء؛ لأن الوضوء إنما شرع لأن الحدث كان مستمراً, فلما توضأت في الظهر ولم ينزل حدث فإنها باقية على طهارة الوضوء الشرعي الصحيح الذي لم يأت ما ينقضه؛ ولهذا قال: (فإن لم يخرج شيء لم يجب الوضوء) ثم قال: (فإن اعتيد انقطاعه زمناً يتسع للوضوء والصلاة تعين) يعني: إن اعتيد انقطاعه زمناً يتسع للوضوء والصلاة تعين, ما الذي تعين؟ يقول: (تعين؛ لأنه أمكن الإتيان فيها كاملة) يعني: تعين الوضوء للصلاة.
المسألة الثانية: بعض الناس يقول: أنا لا يأتيني سلس البول إلا إذا أحدثت, فإذا تبولت فيخرج بعد البول وبعد الوضوء بقدر عشر دقائق, أو بعد ربع ساعة, أو بعد نصف ساعة، هذا دائم مستمر معه, أنه يخرج بعد التبول، فهذه المسألة قلت فيها: إن من سلسه مؤقت فالأولى أن يحتاط فلا يتوضأ إلا في أول الوقت؛ حتى يعيد الوضوء مرة ثانية إن استطاع, فإن شق ذلك عليه أو كان في آخر الوقت فإنه يتوضأ لأداء الفريضة, فإن خرج البول بعد ذلك وهو يصلي فلا حرج, فإن جاء وقت العصر أمر بالوضوء, وهذا التقسيم أخذناه من قول المؤلف: (فإن لم يخرج شيء لم يجب الوضوء, وإن اعتيد انقطاعه زمناً يتسع للوضوء والصلاة تعين), فهذا اعتيد انقطاعه زمناً فيتعين في حقه الوضوء للصلاة الثانية، والذي خرج قبل ذلك لا يلزمه، ويكون سلس بوله مؤقتاً؛ لأنه بعد البول.
يقول المؤلف: [ومن يلحقه السلس قائماً صلى وجوباً قاعداً, أو راكعاً أو ساجداً يركع ويسجد], يعني: أنه يتوقى خروج البول ما استطاع، هذا المقصود, فإن كان يتبول لو صلى قائماً فإنه يقعد؛ لأنه صار في حكم المعذور، كما في الصحيحين من حديث عمران : ( صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً ), فهذا يتوقى شرطاً من شروط الصلاة وهو الطهارة, والقيام له بدل؛ لكن الطهارة ليس لها بدل, فلأجل هذا قال: (صلى وجوباً قاعداً أو راكعاً أو ساجداً يركع ويسجد).
وذهب جماهير أهل العلم -وهذا القول الثاني- إلى أن المستحاضة أحكامها كأحكام الطاهرات, وقد سئل ابن عباس رضي الله عنه عن إتيان المستحاضة قال: أليست تصلي؟ يعني: أي شيء بعد الصلاة, فقد روى أبو داود عن عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: إن حمنة بنت جحش كانت تستحاض وكان زوجها يغشاها, وأن أم حبيبة كانت تستحاض وكان زوجها يغشاها, فدل ذلك على أن هذا شيء كان موجوداً في عهد الصحابة رضي الله عنهم، ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك, ثم إن جميع النساء اللاتي أخبرن النبي صلى الله عليه وسلم أنهن كن يستحضن فأخبر أن ذلك عرق، ويأمرنهن بحرمة إتيان الزوج لهن, فدل ذلك على أن الراجح أنه لا بأس أن يأتي الزوج زوجته المستحاضة, إلا أن الحنابلة مع أنهم يقولون: لا توطأ, خففوا في ذلك فقالوا: لو وطئ فلا كفارة؛ لأن الكفارة جاءت في الحيض, ولكن الراجح -كما قلت- أنه لا بأس بإتيان المستحاضة، وهذا هو قول أكثر أهل العلم رضي الله عنهم.
ثم إنهم استدلوا بدليل الأقرب أن الدليل على المذهب لا على الجمهور وهو: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222], ولم يقل: فاعتزلوا النساء في الأذى, فدل على أن الاعتزال إنما يكون في الحيض لا في غيره, والله أعلم.
القسم الأول: أن تغتسل لكل صلاة, فنقول: هذا مباح؛ لكنها إن اغتسلت يجب عليها أن تتوضأ؛ لأن هذا الاغتسال لا يرفع الحدث الأكبر؛ ولهذا أوجبنا عليها أن تتوضأ.
القسم الثاني: ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم به حمنة بنت جحش كما روى ذلك الترمذي ونقل عن البخاري وأحمد وتصحيحهما لهذا الحديث, وإن كان في سنده عبد الله بن محمد بن عقيل , وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فإن استطعت ), وفي رواية: ( فإن قدرتِ أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر وتغتسلين وتصلين جميعاً, وتؤخري المغرب وتعجلي العشاء وتغتسلين وتصلين جميعاً فهذا أحب إلي ), هذا كلام من لا ينطق عن الهوى, فهذا يدل على استحباب الاغتسال في هذه الحالة.
إذاً: الاغتسال له حكمان في حق المستحاضة: مباح, ومستحب, مباح لكل صلاة, ومستحب إذا أخرت الظهر كما بين ذلك محمد صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.
النفاس: من باب النون والفاء والسين نوع من التنفس والخروج؛ وهو دم يرخيه الرحم للولادة وبعدها, وهو بقية الدم الذي احتبس في مدة الحمل لأجل الحمل, كما عرف ذلك الحنابلة, ثم بينوا أن أصل هذه الكلمة من النفس؛ وهو الخروج من الجوف, أو من نفس الله كربته, أي: فرجها.
الحنابلة يرون أن مدة النفاس تبدأ من حين الوضع, والدم الذي يأتيها قبل الوضع بيوم أو يومين ومعه أعراض النفاس يكون الدم نفاساً لكنه لا يحسب من مدته.
وذهب الجمهور إلى أن هذا الدم وليس نفاساً, وسوف نتحدث عن هذا إن شاء الله قريباً ونذكر القول الراجح؛ لكن الذي يهمنا في هذا هو أنهم قالوا: إن أكثر مدة النفاس أربعون يوماً؛ وذلك لما روى الإمام أحمد و أبو داود و الترمذي وغيرهم من حديث أبي سهل عن مسة الأزدية عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ( كانت النفساء تجلس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً ), هذا الحديث في سنده مسة الأزدية لم يرو عنها غير أبو سهل ؛ ولهذا قال الدارقطني : مسة لا تقوم بمثلها حجة, وقال البخاري رحمه الله: لا نعرفه إلا من حديث أبي سهل , وإذا قال العلماء عن حديث: لا نعرفه إلا من حديث كذا وسكتوا فهذا إشعار بتضعيفهم لهذا الحديث؛ لكن لا يلزم إلا إذا عقبوا بعد ذلك كلاماً بصحته, كما يقولون: لا نعلم أحاديث: ( إنما الأعمال بالنيات ) يروى إلا من طريق علقمة وهو حديث صحيح, حينئذ يكون تصحيحاً لهذا الحديث, على هذا فكتاب الطبراني في الكبير وكذلك في الصغير والأوسط يذكر هذا, فيقول: لا نعلمه إلا من حديث كذا تفرد به كذا, فهذا نوع تضعيف من قبل الطبراني , وإذا جاء في حديث رواه الطبراني وحده ولم يروه أحد في الكتب الستة أو التسعة فاعلم أن الغالب أنه ضعيف, كما أشار إلى ذلك الدارقطني وكما أشار إلى ذلك الطبراني والإمام ابن رجب في شرح العلل.
وذهب الشافعية إلى أن مدة النفاس ستون يوماً, والذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلم أن الغالب في النفاس أربعون يوماً, حكمنا ذلك بغالب عادة النساء, كما قال صلى الله عليه وسلم: (تحيض ستاً أو سبعاً في علم الله كما تحيض النساء).
ولكن لو تعدى الأربعين نظرت فإن وافق الدم عادتها, أو صار فيه أمارة من أمارة الحيض صار حيضاً, وإن لم يوافق عادة الحيض نظرنا, فإن كان من ضمن نسائها من تجلس بعد الأربعين ومعنى من ضمن نسائها أي: قريباتها -فإنها تجلسه؛ لأننا علمنا أن من نسائها من تجلس أكثر من أربعين ويتكرر, فإن لم يكن من نسائها من تتعدى الأربعين فالأصل أن ذلك ليس بنفاس, ما لم يتكرر, كيف يتكرر؟ يعني: إذا جاء الولد الثاني استمر معها مثلما يستمر, وحينئذ نقول: إن نفاسها على ما ينقطع بها دمها في المرة الثانية.
وقلنا: إن الراجح أن التكرار يثبت بمرتين كما هو مذهب الجمهور خلافاً للحنابلة الذين اشترطوا ثلاثة.
فالخلاصة: إذا زادت على أربعين يوماً فعلى ثلاث حالات:
الحالة الأولى: إن وافق هذا الدم عادتها -عادة الحيض- فإنها تعتد على أنه حيض.
الحالة الثانية: إن لم يوافق عادة وكان من ضمن نسائها من تجلس أكثر من الأربعين فإنها تتربص به حتى ينقطع.
الحالة الثالثة: إذا لم يكن من نسائها من تتعدى الأربعين فإننا نقول: الأصل أنه مشكوك فيه, بمعنى: أن الأصل الطهارة ما لم تكرر مرة ثانية فهذه تكون عادتها على ما ينقطع به دمها ما لم تكن مستحاضة، والله أعلم.
ودم الحيض قريب من دم النفاس؛ لكن أحياناً يكون في آخر دم النفاس فيه نوع من الحمرة، فيأتي دم أسود ثخين, فهذا علامة أنه حيض، خاصة إذا كانت تميز أو لها عادة فوافق عادتها، والله أعلم.
الحال الأول: أن يخرج منها قبل الوضع بزمن وليس ثمة أمارة, فهذا هو الذي فيه خلاف, هل الحامل تحيض أم لا؟ وقلنا: الراجح مذهب الحنابلة أنها لا تحيض.
الحال الثاني: أن يكون هذا الدم قبل الوضع بيوم أو يومين أو ثلاثة وبه أمارة الطلق, فهذا الراجح خلافاً لجمهور أهل العلم أنه نفاس, والراجح خلافاً للحنابلة أنها تعتد به من مدة النفاس؛ لأنه دم يرخيه الرحم وهذا موجود, فكما أنهم قالوا: إذا خرج رأس الطفل مع الدم يحسب من مدته فلا فرق بين أن يخرج معه أو أن يخرج قريباً, إذا علمنا أن هذا الدم هو الدم الذي يرخيه الرحم لأجل الولد, وعلى هذا فالدم الذي يخرج قبل الحيض بيوم أو يومين مع أمارة الراجح على مذهب الحنابلة أنه نفاس, والراجح خلافاً للحنابلة أنه يحسب من مدته, وهذه هي الرواية الأخرى عند الحنابلة, رجحها الشيخ عبد الرحمن بن سعدي وشيخنا محمد بن عثيمين .
الحال الثالث: أن يخرج مع خروج بعض الطفل وبعده, فالراجح أنه نفاس خلافاً لأصحاب المذاهب.
يقول المؤلف: (ولا تنقص به), يعني: لا تنقص به عدد الأربعين إلا من حين الوضع والراجح خلاف ذلك.
معنى هذه المسألة أن المرأة أحياناً تسقط جنينها, وهذا الجنين إما أن يكون قد تخلق أو لم يتخلق بعد, فإن تخلق هذا الجنين -سواء كان هذا التخلق تخلقاً كاملاً أو تخلقاً ليس بكامل- فإن الحنابلة والشافعية يقولون: إنه إن تخلق فإن الدم الذي يخرج من الحامل إن سقطت يكون نفاساً, وإن لم يتخلق فإنه ليس بنفاس, والتخلق من عدمه يكون بعد الثمانين يوماً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعون يوماً نطفة, ثم يكون علقة مثل ذلك ), فهذه ثمانون يوماً, ( ثم يكون مضغة مثل ذلك ), تكون مائة وعشرين يوماً, إذا شرع الجنين في المرحلة الثالثة وهي المضغة فقد بين الله سبحانه وتعالى أن المضغة تكون مخلقة وغير مخلقة, إذاً: التخليق يكون في الثمانين, وعلى هذا فإن ظهر تخطيط رأس, أو تخطيط يد, أو تخطيط رجل فإنه والحالة هذه يكون الدم نفاساً.
وبعض النساء لا يعلمن بذلك, يذهبن إلى المستشفى ويأخذن عملية تنظيف ولا تعلم, وخاصة مع وجود ممرضات لا يبالين بذلك, فنقول لهن: إن كانت مدة الحمل ثمانين يوماً فهذا نفاس والله أعلم, وإن كان أقل من ذلك كشهر ونصف أو شهرين فإنها لا تعتد به والله أعلم؛ لكن الغالب أننا نأمرهن أن ينظرن إلى هذه القطعة؛ لأن أحياناً المرأة تخطئ في العدد, والله أعلم.
وعلى هذا فإن كان قد تخلق فإنها تجلس مدة النفاس ويحرم على زوجها أن يأتيها ولا يجوز لها أن تصلي, وإن لم يكن قد تخلق فهذا الدم دم فساد تتوضأ لكل صلاة, ويجوز لزوجها أن يأتيها على الراجح خلافاً للمذهب.
إن جاوز الدم -دم الاستحاضة- أكثر من أربعين -على مذهب الحنابلة- فإن صادفت هذه الزيادة عادة حيضها بشرط أنه لم يزد عن عادة حيضها, ولنجعلها: ستاً أو سبعاً, والنفاس أربعون, فزاد عن الأربعين إلى ست, فكان الدم ستة وأربعين يوماً. يقول المؤلف: (فإن صادف عادة حيضها ولم يزد ) هذه الحالة الأولى, (أو زاد وتكرر) يعني: أنها لا تعتبر بما زاد عن عادتها على أنه حيض ما لم يتكرر ثلاثاً, يعني: ما لم يأتيها ثلاثة أولاد, حتى نعلم أنها عادة, (فحيض إن لم يجاوز أكثره), معنى (إن لم يجاوز أكثره) يعني: إن زاد عن عادة حيضها زيادة تكون أكثر من مدة الحيض وهي أكثر من خمسة عشر يوماً, فإننا لا نعتبر بهذه الزيادة, فتكون الزيادة استحاضة ولو تكررت؛ لأن ما زاد عن مدة أكثر الحيض -وهي خمسة عشر يوماً- لا تعتبره ولو تكرر، فتكون عادتها الحقيقة ستة أيام، ثم الولادة التي بعدها تكرر فيها أكثر من خمسة عشر يوماً, فما زاد عن خمسة عشر يوماً دل على أن هذه الزيادة مرض وهو الاستحاضة ولا تعتبر به, هذا مذهب الحنابلة والراجح كما قلنا في تقسيم ذلك.
يقول المؤلف: [ ولا يدخل حيض واستحاضة في مدة النفاس ]. يعني: أن مدة النفاس وهي الأربعون يوماً لا تدخل فيها مدة الحيض وكذلك الاستحاضة؛ لأن النفاس شيء يتنفس به الرحم من إخراج الولد، والحيض شيء آخر، وكذلك الاستحاضة.
أحياناً المرأة النفاس بعد خمسة وعشرين يوماً ينقطع عنها الدم جفافاً تاماً, وإن لم تنزل القصة البيضاء, بحيث لو وضعت القرص في القطن رجعت كما هي, كبار السن من العجائز تقول: هذه الطهر الكاذب, لا تبالين به, والغالب أن المرأة إذا طهرت بعد خمسة وعشرين يوماً أو بعد خمسة وثلاثين يوماً يأتيها الدم بعد الطهر في ستة أيام أو سبعة أيام أو ثمانية أيام؛ لأجل هذا كانوا يقولون: هذا الطهر الكاذب, والراجح وهو قول عامة أهل العلم: أن الطهر قبل مدة النفاس يكون طهراً صحيحاً، يجب على المرأة أن تغتسل وأن تصلي وأن تصوم, إلا أن الحنابلة قالوا: يكره وطؤها؛ لما روى الدارمي عن يونس بن عبيد عن الحسن البصري عن عثمان بن أبي العاص : ( أنه كان لا يقرب من نسائه إذا طهرن قبل الأربعين ), وهذا الحديث حديث حسن, والحسن البصري وإن كان تدليسه تدليس مرسل الخفي, وهذا الحسن قد سمعه من عثمان بن أبي العاص خلافاً لما ذكره الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير؛ وذلك لأن الحسن سمع من عثمان قال حماد بن زيد : سمعت الحسن يقول: ما رأيت أحداً أفضل من عثمان بن أبي العاص , وهذا دليل على أنه رآه وسمع منه.
الثاني: أن أكثر الرواة عن عثمان هو الحسن وكان يسمى راوية عثمان , فقد روى -كما ذكر صاحب أسد الغابة- عن عثمان وأكثر, ومن المستحيل أن يروي الراوي عن أكثر الرواة ولم يسمع منه, وهذه الكراهة حكم شرعي لا تثبت إلا بدليل شرعي, وهو وإن كان عثمان رضي الله عنه يعتزل -يعني: عثمان بن أبي العاص - لكن هذا ليس دليلاً على التحريم, ولا على الكراهة إلا كراهة نفسية, ولهذا فالراجح أنه يجوز لزوجها أن يطأها, والله أعلم.
طيب, لماذا قلنا: إن المرأة النفاس إن طهرت قبل الأربعين تعتبر طاهرة؟
قال الحنابلة: كما أننا قلنا: إن المرأة الحائض التي لها عادة مثلاً ستة أيام فطهرت بعد أربعة أيام تعتبر في اليومين الآخرين طاهرة, فكذلك هنا, ونقول أيضا: إن الله علق أحكام الحيض على وجوده, وأحكام النفاس على وجوده, فإذا وجد دم النفاس فإنها تعتبر نفاساً, وإذا ارتفع, ارتفع حكم النفاس والله أعلم؛ ولهذا الراجح أن لزوجها أن يأتيها وإن كان الأولى تركه؛ اقتداء بالصحابي ولكن الكراهة شيء, والأولوية شيء آخر.
قال المؤلف رحمه الله: [ قال أحمد : ما يعجبني أن يأتيها زوجها على حديث عثمان بن أبي العاص ]، وهذا جيد من أحمد رحمه الله ورضي عنه أنه لا يعجبه؛ لكن عدم إعجاب المفتي لا يدل على الكراهة.
قال المؤلف: [ ولأنه لا تأمن عود الدم في زمن الوطء ], نقول: أرأيتم لو أن الحائض عادتها عشرة أيام طهرت بعد الحمل, أتأمرونها أن تغتسل وتصلي؟ قالوا: نعم, قلنا: أوتأمرونها أن يأتيها زوجها؟ قالوا: لا بأس, قلنا: فما الفرق بين الحائض والنفساء علماً بأن الحائض لا تأمن أن يعود عليها الحيض؟ فكذلك النفاس؛ ولهذا فالراجح أن ذلك لا بأس به.
يقول المؤلف: [ وتقضي الواجب من صوم ونحوه احتياطاً، ولوجوبه يقيناً، ولا تقضي الصلاة كما تقدم ], ولكن الراجح أنه ليس دماً مشكوكاً فيه، وعلى هذا فصومها صحيح.
ولعلنا نقف عند هذا، والله تبارك وتعالى أعلم, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر