إسلام ويب

الروض المربع - كتاب الطهارة [39]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تشترك النفساء مع الحائض في بعض الأحكام، منها: حرمة الوطء في الفرج، وكذا في العبادات كالصوم والصلاة والطواف والطلاق، ووجوب الغسل بعد انقطاع الدم، وقضاء الصوم دون الصلاة، وتختلف عنها في بعض الأحكام، منها: البلوغ والعدة وغيرها.

    1.   

    قضاء النفساء للواجبات التي عليها

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

    قال المؤلف رحمه الله: [وتقضي الواجب من صوم ونحوه احتياطاً ولوجوبه يقينا، ولا تقضي الصلاة كما تقدم، وهو -أي: النفاس- كالحيض فيما يحل كالاستمتاع بها دون الفرج وفيما يحرم به كالوطء في الفرج والصوم والصلاة والطواف، والطلاق بغير سؤالها على عوض، وفيما يجب به كالغسل والكفارة بالوطء فيه، وفيما يسقط به كوجوب الصلاة فلا تقضيها، غير العدة فإن المفارقة في الحياة تعتد بالحيض دون النفاس، وغير البلوغ فيثبت بالحيض دون النفاس؛ لحصول البلوغ بالإنزال السابق للحمل، ولا يحتسب بمدة النفاس على المولى بخلاف مدة الحيض].

    يقول المؤلف: (وتقضي الواجب)، يعني: أن النفساء تقضي الواجب، مما كان ثبت في ذمتها من صوم، مثلما لو كان نفاسها في رمضان فإنها تقضي، وهذا في المشكوك فيه، مثل الذي ذكرناه بالأمس، كأن تكون قد طهرت في خمس وعشرين يوماً، ثم استمر طهرها عشرة أيام، فهذه خمس وثلاثون يوماً، ثم جاءها الدم في الخامسة والثلاثين، الحنابلة يقولون: فمشكوك فيه، ومعنى المشكوك فيه عند الحنابلة أنها تتوضأ لكل صلاة، وتصوم وتصلي إلا أن الدم إذا انقطع فإنها تغتسل له، خوفاً من أن يكون الدم حيضاً، ثم تقضي الواجب مما صامته فقط ولا تقضي الصلاة، خشية أن تكون الأيام التي صامتها في هذا الدم المشكوك فيه أهو دم حيض أو دم نفاس.

    وهذه كما قلنا قاعدة عند الحنابلة، وقد ذكرنا رد هذه المسألة، وقلنا: إن جماهير أهل العلم يخالفون في ذلك، وهو اختيار ابن تيمية ، فإنه قال: فإن الله سبحانه وتعالى قال: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ [التوبة:115]، ولم يكن في شريعة الإسلام شيء غير ظاهر إنما يكون الشك في الإنسان نفسه، وأما أن يكون الشك في الشريعة فلا.

    الثاني: أنهم أوجبوا على العبد فعل العبادة مرتين، فأوجبوا على المرأة أن تصوم في الأيام المشكوك فيها، وأوجبوا عليها أيضاً أن تقضي هذه الأيام التي صامتها، ومن المعلوم أن الله سبحانه وتعالى لم يأمر بالصلاة مرتين كما جاء عند أبي داود من حديث ابن عمر : ( إن الله لم يأمرنا أن نصلي الصلاة مرتين )، وعلى هذا فقول الحنابلة رحمهم الله احتياطاً خطأ والاحتياط لا يكون مصادماً للنص، وهذه قاعدة يا إخوة! لأننا نلاحظ بعض الذين يفتون أحياناً يبالغون في الأخذ بالاحتياط، مما يؤدي إلى مخالفة نص معلوم؛ لأنكم تعلمون أن الأخذ بالاحتياط هو عدم ترجح أحد القولين، فيأخذ بالاحتياط في أحدهما، يعني: إذا قيل حرام أو حلال أخذ بالحرام احتياطاً، لكنه حينما يأخذ بهذا القول لا يعلم أنه ربما يصادم نصاً آخر أقوى منه، فالأخذ بالاحتياط لا يكون مصادماً لنص آخر، وعلى هذا فالراجح أن هذا الدم دم نفاس، وعليها أن تمسك عن الصلاة والصوم.

    1.   

    الأحكام المشتركة بين الحيض والنفاس

    الاشتراك فيما يحل ويحرم من الاستمتاع والوطء

    قال المؤلف رحمه الله: (وهو أي: النفاس كالحيض -أو كالحائض- فيما يحل) ويحرم.

    والرسول صلى الله عليه وسلم كان يسمي الحيض نفاساً؛ ولهذا قال في حديث عائشة حينما دخل عليها في الحج وهي تبكي: ( ما لك تبكين أنفست؟ )، فهو بأبي وأمي قد جعل الحيض نفاساً.

    وقد قالت أم سلمة كما في الصحيح: ( كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الخميلة إذ حضت فاستللت فلبست ثياب حيضتي، فقال: أنفست؟ قالت: نعم، فدعاني فاضطجعت معه في الخميلة )، وهذا يدل على أن الحيض يكون نفاساً، خلافاً لـابن حزم .

    وعلى هذا فكل ما حرم على الحائض فعله حرم على النفساء فعله، إلا في بعض المسائل استثناها المؤلف.

    وعليه أيضاً فيجوز للزوج أن يستمتع بالنفساء كما يستمتع بالحائض، بأن يجتب الوطء كما قال صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم من حديث أنس : ( اصنعوا كل شيء إلا النكاح )، وهي المباشرة بالوطء في الفرج.

    ثم قال المؤلف: (وفيما يحرم)؛ يعني أنه يحرم على الحائض أن يطأها زوجها في القبل، كذلك يحرم على الزوج أن يطأ زوجته النفساء في القبل، وأما الدبر فهو معلوم الحرمة للحائض وغير الحائض، كذلك يحرم على الحائض أن تصوم وأن تصلي، ويحرم على النفساء كذلك.

    الاشتراك في حكم الطلاق وصحة وقوعه

    يقول المؤلف: (والطلاق بغير سؤالها على عوض)، ما المراد بهذا (والطلاق بغير سؤالها على عوض)؟ أما الخلع فله أن يخالع زوجته ولو كانت حائضاً، كذلك ولو كانت نفساء؛ لأن الأصل في الخلع إنما هو لإزالة ضرر تراه الزوجة، والقاعدة الفقهية تقول: الضرر يزال بقدر الإمكان، وعلى هذا فلا بأس أن يخالع الزوج زوجته ولو كانت حائضا، بخلاف الطلاق؛ فإن الطلاق في الحيض محرم على الخلاف في صحة وقوعه من عدمه، والمعلوم عند عامة أهل العلم؛ بل حكى ابن المنذر و أبو عمر بن عبد البر أنه لم يقل به من أهل السنة إلا شذاذ، لأن هذا القول معروف عند بعض أهل الأهواء أنها لا تقع، والصحيح أنها تقع، كما سأل ابن عمر ، فقد روى نافع عن ابن عمر و سالم عن ابن عمر و يونس الباهلي عن ابن عمر كلهم يقولون عن ابن عمر أنه أوقعها، ولم يخالف في ذلك إلا محمد بن مسلم بن تدرس المكي فقد خالف في ذلك وأخطأ، غفر الله لنا وله.

    الاشتراك فيما يجب

    طيب يقول المؤلف: (وفيما يجب به) يعني: أنه إذا انقطع الحيض وجب الغسل، وكذلك إذا انقطع النفاس وجب الغسل، كذلك لو أن الزوج وطأ زوجته النفساء -عند الحنابلة- فإن فيه الكفارة، وكذلك الحيض، والراجح في حديث ابن عباس أنه موقوف، وقد رواه عن ابن عباس مقسم وعكرمة مولى بن عباس، وقد اختلف فيه على مقسم والأقرب -وهو قول أكثر الرواة- عن مقسم عن ابن عباس من قوله، (وقد كان الإمام أحمد رجح الرفع لكن أكثر أهل الحديث رجح الوقف، والله أعلم كما مر معنا.

    ولهذا كان عطاء بن أبي رباح بإسناد صحيح يقول: لا أعلم في وطء الحائض كفارة، وكان عطاء من أصحاب ابن عباس الملازمين له، فلو كان عنده خبر في هذا مرفوعاً لقال به.

    الاشتراك فيما يسقط كالصلاة

    يقول المؤلف: (وفيما يسقط كوجوب الصلاة فلا تقضيها)، معلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما فهمت ذلك عائشة ، وهو في الصحيحين من حديث معاذة العدوية قالت لـعائشة : ( ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت: أحرورية أنت؟ قالت: لا؛ ولكني أسأل، قالت: كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة )، وهذا دليل على أن الحائض لا تقضي الصلاة، وكذلك النفساء لا تقضي.

    1.   

    الأحكام المختلفة بين الحيض والنفاس

    يقول المؤلف: (غير العدة والبلوغ).

    الماتن -وهو صاحب الزاد- ذكر مسألتين، وأما صاحب الشرح فقد ذكر ثلاث مسائل استثنى فيها النفساء عن الحيض:

    الأمر الأول: العدة، فإن المفارقة زوجها وهي حائض تعتد بأيام حيضها، فإذا مات الرجل فإن المرأة تعتد أربعة أشهر وعشراً، محسوب فيها أيام الحيض، أما النفساء فبمجرد نفاسها بعد وفاة زوجها تكون انتهت عدتها؛ لحديث سبيعة الأسلمية، أما لو مات عنها زوجها وهي نفساء فإنها تعتد أربعة أشهر وعشراً، لكن لو أن زوجها قد توفي وهي حامل ثم وضعت جاز للزوج الثاني أن يتزوج ولو كانت في النفاس، وقال الزهري رضي الله عنه ورحمه: ما أرى بأساً أن تتزوج زوجاً آخر ولو كان ذلك في دمها، غير أنه لا يمسها حتى تطهر.

    ومن المسائل أيضاً قالوا: البلوغ فإن البنت إذا حاضت كان حيضها دلالة على بلوغها، لكن النفاس ليس كذلك؛ قالوا: لأن النفاس لا يكون دلالة على البلوغ؛ لأن البلوغ قد كان سابقاً فالمرأة لا تحمل إلا أن تكون قد بلغت؛ لأنها تبلغ بالإنزال، فلا يكون الحمل إلا بالإنزال والشهوة، فهذا هو مرادهم.

    ذكر المؤلف مسألة أخرى قال: (ولا يحتسب بمدة النفاس على المولي بخلاف مدة الحيض).

    يعني: لو أن الزوج حلف ألا يطأ زوجته، بأن قال: والله لا أمسها، أو قال: والله لا أمسها أربعة أشهر وعشراً أو خمسة أشهر، وقد أمر الله سبحانه وتعالى الذين يولون من نسائهم تربص أربعة أشهر، فإذا حلف ألا يمسها أربعة أشهر، أو ألا يمسها مطلقاً فيكون مولياً، لكنه لو حلف ألا يمس امرأته مطلقاً أو أكثر من أربعة أشهر وهي نفساء، فقال الحنابلة: إن هذه تعتد ولا تحسب النفاس؛ لأن أربعين يوماً -مدة النفاس- لا يجوز للزوج أصلاً أن يقربها فيها بخلاف الحيض فإن الحيض مدته تقصر غالباً؛ فلهذا استثني النفاس في المولي.

    وعلى هذا فلو أنه جاء زوجته يزورها وقد ولدت ثم صار بينه وبينها مشادة، فقال: والله لا أمسك أبداً، فإنه يجلس مدة النفاس أربعين يوماً ثم أربعة أشهر، ثم يقال له: إما أن تطأ، وإما أن تطلق.

    1.   

    نفاس من ولدت توأمين

    قال المؤلف رحمه الله: [وإن ولدت امرأة توأمين -أي: ولدين في بطن واحد- فأول النفاس وآخره من أولهما كالحمل الواحد، فلو كان بينهما أربعون يوما فأكثر فلا نفاس للثاني، ومن صارت نفساء بتعديها بضرب بطنها أو بشرب دواء لم تقض].

    طيب المؤلف ذكر مسألة فيمن ولدت توأمين.

    يقول المؤلف: (وإن ولدت امرأة توأمين- أي: ولدين- في بطن واحد) فما هو أول النفاس وما هو آخره؟ هل أول النفاس الأول وآخره الأول كما هو مذهب الحنابلة، أم أن أول النفاس الثاني وآخره الثاني كما يقول بعض الفقهاء، أم أن أول النفاس الأول وآخره الثاني كما هو مذهب الشافعي ؟

    الحنابلة قالوا: إن أول النفاس هو بالأول، وآخره هو بالأول؛ لأن الثاني إنما هو تبع للأول، والقاعدة أن التابع تابع، فلا يأخذ حكماً مستقلاً ولكن يأخذ حكماً تابعاً، قالوا: يأخذ حكم النفاس في وقت عدة الأول؛ لكنه إذا انتهى عدة الأول صار مستقلاً فلا يعول عليه؛ لأن التابع تابع، لكن الراجح أن النفاس دم ترخيه المرأة من رحمها بسبب الولد، فإذا كان الأمر كذلك؛ فإن النفاس يكون للأول ويكون للثاني.

    وعلى هذا فالراجح مذهب الشافعي ، بأن أول النفاس للأول وآخره للأول؛ لأن الثاني ليس تابعاً للأول بل هو ولد تام، والله تبارك وتعالى أعلم.

    فيكون أول النفاس للأول، وآخره للثاني، فهي تجلس أربعين يوماً للأول، فإن استمر فيها الدم ثم جاء الولد الثاني فتجلسه، والله تبارك وتعالى أعلم.

    أما إن كانت -مثلاً- على مذهب الحنابلة فلو كان بينهما أربعون يوماً لا تجلس للثاني، وعلى مذهب الشافعي تجلس، وإذا ولدت الأول في شهر واحد ثم بعد عشرين يوماً ولدت الثاني فإنها تجلس ستين يوماً، والله أعلم.

    1.   

    من نفست بتعديها

    قال المؤلف رحمه الله: (ومن صارت نفساء بتعديها بضرب بطنها أو بشرب دواء لم تقض).

    المرأة أحياناً تكون سبباً لإسقاط الجنين، ومن المعلوم أن من استعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه، فدم الحيض إذا نزل أو دم النفاس منع من الصلاة، فإذا ضربت المرأة بطنها أو شربت المرأة دواء لإنزال الحيض فهل تعاقب هاتان المرأتان بأن تؤمرا بقضاء الصلاة حيث أنهما امتنعتا من ذلك؟

    مثلاً امرأة لا تريد أن تحج مع زوجها، وألزمها زوجها بالحج فشربت دواء لإنزال دمها فالراجح -والله أعلم- أنها لا تقضي؛ لأنها إن كانت ضربت بطنها فعليها الكفارة، وأما الصلاة من عدمها فهو من باب خطاب الوضع لا من باب خطاب التكليف. أعيد المسألة.

    الآن مسألة أن الحائض تصلي أو لا تصلي هو من باب المانع، والمانع والصحة والشرط من أنواع خطاب الوضع الذي لا عبرة ولا علاقة للمكلف في فصوله بخلاف خطاب التكليف، فإن العبد مأمور أن يفعله؛ لأن خطاب التكليف هو خطاب الله المتعلق بفعل العبد، وأما خطاب الوضع فهو خطاب الله المتعلق بالاقتضاء يعني: أن مقتضي وجود هذا يقتضي وجود هذا، والله أعلم.

    ولسنا بحاجة إلى أن نقول: هل هو خطاب الله أو مفهوم خطاب الله؟ لا؛ بل يكفي أن نقول: خطاب الشارع أو خطاب الله، لكن بعض أهل العلم يقول: إن كلام الله ليس هو الذي أوجد هذا، ولكن المعنى المفهوم من هذا الخطاب هو الذي أشار؛ ولهذا بعضهم يزيد مفهوم خطاب الله أو دليل خطاب الله وغير ذلك من الألفاظ، وهذا كله لا حاجة إليه؛ لأننا قلنا مراراً وتكراراً أن السلف لا يوغلون في الألفاظ كإيغال متأخري الفقهاء الذين تأثروا بالمنطق ونحوه.

    وعلى هذا فالراجح أنها لا يلزمها القضاء؛ لكن أهل العلم لهم آراء في جواز شرب دواء لإنزال الحيض إن كانت تريد أن تستعجل في انتهاء عدتها فبعض الفقهاء منع من ذلك.

    نعم، ما أعرف أن أحداً من الفقهاء قال: تقضي، لكن الإشكال إذا كانت شربت دواءً لأجل أن تنهي عدتها من زوجها، فإن بعض الفقهاء منع من ذلك، ولكنه كما قال شريح : إن جاءت بامرأة من بطانة أهلها ممن يرضى دينه وأمانته وشهدت عليها بالحيض ثلاثاً وجب وإلا فلا.

    والله تبارك وتعالى أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767961292