وقوله: (ويحرم)، يعني: أنه ولو أداها في الوقت إلا أن تأخيره قريباً من الغروب يجعله واقعاً في الإثم، دليل ذلك ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أنس رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعاً، لا يذكر الله تعالى فيها إلا قليلاً)، وهذا دليل على التحريم، فلا يجوز للمسلم أن يؤخر الصلاة حتى يكون قريباً من الخروج.
وعلى هذا فلا يجوز لمن وجبت عليه الصلاة في الوقت ولم يكن محتاجاً أو مجوزاً له الجمع أن يصليها خارج الوقت وإلا وقع في الإثم بالإجماع، فمن كان عنده عذر دنيوي لا يحل له الجمع مثل أن يكون عنده وظيفة دائمة ولا يجد كلفة في الصلاة إلا كلفة الكسل، أو ينام عن الصلاة، ويقول: أنا معذور، أنا تعبان سوف أصليها خارج الوقت، فهذا واقع في الإثم، بل روى محمد بن نصر المروزي عن ابن مسعود أن من تعمد ترك الصلاة حتى خرج وقتها، أن ذلك يكفر، وهو قول إسحاق و ابن حزم وغير واحد من أهل العلم، وهو رأي شيخنا عبد العزيز بن باز ، وأما جمهور الصحابة وجمهور السلف فلا يرونه كافراً حتى يتركها تركاً مطلقاً كما سوف يأتي بيانه.
فلو أنه انقطع ثوبه فاشتغل بخياطته وهو يعلم أنه لن ينتهي إلا بعد خروج الوقت أو صلى عرياناً، فهذا يقول فيه الحنابلة المتأخرون لا بأس أن تؤخر الصلاة ولو خرج الوقت؛ لئلا تصلي عرياناً، ولو أنك وصلت إلى البئر وبدأت تشتغل في جدل حبل الدلو لخرج الوقت أو صليت من غير طهارة، فيقول لك: هنا لا بأس أن تؤخر الصلاة ولو خرج الوقت؛ لأنك مشتغل بشرطها وهو الطهارة.
واشترطوا لذلك: أن تُحصله قريباً فلو كان سيؤدي إلى تأخيرك الصلاة حتى عن وقت الثانية فقالوا: لا يجوز، فلو وصلت إلى البئر ولم تجد دلواً ولا حبلاً. فلو ذهبت إلى القرية الفلانية سوف يخرج الوقت، قالوا: لا يجوز لك أن تصلي خارج الوقت، صل في الوقت؛ لأن تحصيلك هنا سوف يتطلب تأخير الصلاة حتى ربما يخرج عن وقت الثانية.
ولو لم يكن عندك ثياب وبحثت تتطلب الثوب في قرية أخرى فأدى ذلك إلى تأخير الصلاة ليس عن الأولى ربما كان عن الثانية، فقالوا لك: لا تصل خارج الوقت بل في الوقت، لأنك لن تحصله قريباً، يقول أبو العباس بن تيمية : والذي قاله لم يقله أحمد ولا فقهاء الأصحاب، وإنما أخذه من بعض أصحاب الشافعي، ثم إنه ليس على ظاهره بالإجماع، فإنهم ذكروا صوراً متعددة، يعني: ليس مطلقاً بل ذكروا مثل ما ذكرنا، مثل العريان إذا انقطع ثوبه، ومثل الذي يأتي إلى البئر ولم يجد شيئاً، وأما على إطلاقه فلا، مثلاً لو جاء ولم يعرف القبلة، لكنه يعلم أن صاحبه في الطريق ومعه البوصلة، فيقولون: لا، فهم ذكروا صوراً معينة، ومع ذلك يقول ابن تيمية : فالراجح عند جماهير العلماء وهو المشهور من مذهب أحمد أنه لا يجوز أن يؤخر الصلاة ولو كان مشتغلاً بشرطها؛ لأن الله يقول: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103]، يعني مفروضاً.
وقد روى ابن جرير بسند صحيح من طريق الأوزاعي عن القاسم بن مخيمرة في قول الله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مريم:59]، قال: أضاعوها أن صلوها خارج مواقيتها وإلا لو تركوها لكفروا.
كذلك نقول: القائم إذا فرط، مثل أن يكون قد قام من نومه مبكراً وهو على جنابة وفرط وجلس حتى إذا كان قريباً من طلوع الشمس بدأ يبحث عن الماء فهل نقول له: اذهب إلى المسجد أيَّ مسجد وتوضأ؟ أو اذهب إلى القرية الفلانية وتوضأ؟ ولو خرج الوقت لأنك على جنابة؟ نقول: لا، جماهير أهل العلم يقولون: يجب عليك أن تصلي في الوقت ولو لم تغتسل بأن تيممت؛ لأن المحافظة على الوقت أولى من المحافظة على شرط الطهارة، إلا إذا قام الإنسان قبل خروج الوقت بقليل فإنه والحالة هذه يجوز له أن يشتغل بشرطها ولو خرج الوقت، لماذا؟ لأنه من حين قيامه دخل في حقه الوقت؛ لقول أنس كما في الصحيح: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك)، وقد حكى ذلك أبو العباس بن تيمية عن جماهير أهل العلم، فلو قام الإنسان من نومه وهو على جنابة قبل طلوع الشمس بسبع دقائق أو عشر دقائق وهو يعلم أنه لو فزع واغتسل سوف يخرج الوقت، نقول: لا حرج في ذلك؛ لأنك حينئذ معذور بالنوم، وقد رفع القلم عن ثلاثة، وقد ذكر منهم: النائم حتى يستيقظ، أما الذي يقوم مبكراً ويفرط ويجلس أو يقرأ كتاباً أو يتصفح الإنترنت ينتظر أخاه حتى يستيقظ، نقول: تأثم أنت حينئذ، فيجب عليك أن تصلي في الوقت.
والقول الثاني: قالوا: له أن يصليها خارج الوقت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في غزوة الخندق بعد ما غربت الشمس، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (شغلونا عن الصلاة الوسطى حشى الله قبورهم وأجوافهم ناراً )؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحب أن يؤخرها عن وقتها ولو كان حتى من عذر، فيفهم من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: جعلونا نؤخرها وإن كنا معذورين لكن هم السبب ( حشا الله أجوافهم وقبورهم ناراً )، وهذا القول قوي، وعلى هذا فتكون الآية: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا [البقرة:239]، مع تصور وإدراك شروط الصلاة وأركانها، وأما مع عدمه مثل الخوف والذعر، أو أنهم قد اشتغلوا بسد ثغر فإنهم يؤخرونها، والله تبارك وتعالى أعلم.
وعلى هذا فقول المؤلف: (فإن كان بعيداً عرفاً صلى)، يعني: لا يجوز له أن يؤخرها؛ لأنهم اشترطوا أن يُحصله قريباً، هذه ثلاث حالات.
وهنا سؤال: هل يلزم أن يعزم؟ مثلاً لو أذن الظهر، فقال بعضنا: دعونا نصلي، قلنا: نصلي بماذا؟ قال: نصلي بالتيمم، قلنا: صاحبنا سوف يأتي بالماء، نصف ساعة أو ساعة ونصف وسوف يأتي دعونا نؤخرها، وهذا وقت البرد، يعني: حتى لا يقول أحدنا: في الظهر يجوز التأخير لأجل الإبراد، لكن نحن نقول: وقت الشتاء، نقول: لا بأس أن نؤخرها ولو كان إلى قبل أذان العصر بربع ساعة، بشرط أن نعزم أننا سوف نفعلها، وأما أن نتهاون فيها من غير عزم فلا، وحكى بعضهم الإجماع وليس ثمة إجماع، فإن بعض الأصحاب كـمحفوظ الكلوذاني خالف في ذلك.
قوله: (ما لم يظن مانعاً) مثلاً: لو أن شخصاً حُكم عليه بالقصاص آخر وقت العصر فلا يجوز له أن يؤخرها وقد علم أنه سوف يُقتل عصراً؛ لأنه لا يعلم متى يُجر إلى القتل، فيجب عليه أن يصليها أول الوقت، ولا يكفي العزم على فعلها؛ لأنه ربما إذا أخرها لا يستطيع أن يفعلها.
ومثل ذلك لو أن متوضئاً عدم الماء ولا يظن أن يبقى وضوءه الآخر الوقت، فالمانع هو الحدث، لكن هذا مبني على أن التيمم مُبيح وليس رافعاً، وأيهما أفضل أن يصلي بوضوء مع احتقانه أو يصلي بالتيمم؟ فهذا شخص الآن حاقن وهو متوضئ، لو أحدث لن يجد الماء وسوف يصلي بتيمم؟ بعض الحنابلة يقولون: يصلي بالماء؛ لأن الصلاة بالماء أفضل من الصلاة بالتيمم.
وعلى الرواية الأخرى عن الإمام أحمد، وهي قول أبي حنيفة ، وقول ابن عمر : تجوز، لكن الأظهر أن ذلك لا ينبغي له، بل الأفضل أن يصلي بالتيمم؛ لأن الصلاة بالتيمم ليس فيه نهي ولا كراهة، والصلاة بالوضوء مع الاحتقان فيه نهي وكراهة، كما في الصحيحين من حديث عائشة : (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة وهو يدافعه الأخبثان).
وأما قوله: (ولم يأثم) فالمقصود أنه لو أخرها ظاناً حصول الشرط ثم مات، فموته هنا من غير تفريط ومن غير علم فلا يأثم حينئذٍ.
وعلى هذا: فمن نام بعد الأذان ودخول الوقت وظن أنه لن يقوم إلا بعد خروج الوقت فهو آثم في نومه، وأما إذا تيقن أنه لن يقوم إلا بعد خروج الوقت فإنه آثم بالإجماع، وقد اُختلف في كفره كما مر معنا، فنُقل عن ابن مسعود وهو قول إسحاق و ابن حزم : أنه يكفر، وجماهير أهل العلم كما حكى ذلك أبو العباس بن تيمية أنه لا يكفر، ولكنه وقع في كبيرة نعوذ بالله من الخذلان.
تارك الصلاة له أحوال:
الحالة الأولى: قال المؤلف: (ومن جحد وجوبها كفر)، ولا يكون الجحود إلا مع علم؛ لأنه مع عدم العلم لا يُسمى جحوداً كما قال تعالى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ [النمل:14]؛ لأن الصلاة ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع العلماء، وهذا يسميه العلماء من الإجماع الصريح، والآيات في هذا كثيرة، منها: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103]، فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مريم:59]، وروى ابن جرير بسند صحيح عن ابن مسعود أن الحسن بن سعد و القاسم بن عبد الرحمن قالا له: إن كنا لنرى أن تركها مطلقاً، قال: ذاك الكفر. يقول ابن مسعود في تركها: ذاك الكفر.
وقال تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11]، وغير ذلك من الآيات.
وأما السنة فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بين الرجل وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة)، وروى الإمام أحمد و النسائي من حديث بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) وغير ذلك من الأحاديث.
لكننا لا نحكم عليه بالكفر بعينه حتى ولو كان ممن لا يجهله، مثل أن يكون عاش في بلادنا وسمع الآيات والأحاديث، والعلماء رحمهم الله يفرقون بين الجحود والكسل، فإذا أقر قيل له هذه الآيات فإن جحدها وقال: حتى لو كانت هذه آيات ما يجب، الإنسان حر في دينه أنا مسلم لكن أنا حر ما أصلي ولا أرى وجوب الصلاة، قلنا: ما تقول في هذا الإجماع؟ قال: ولو أجمع العلماء، قلنا: ما تقول في هذه الآيات؟ قال: لا أقر بهذه الآيات؛ لأن للإنسان أن يُفسر القرآن كما شاء، نحن عرب نفهمه والصحابة رجال ونحن رجال، والعلماء رجال ونحن رجال. هذا الآن جاحد لوجوبها فهو يكفر.
وإن كان ممن يجهل، مثل: أن يكون ملحداً عربياً ثم أسلم وكان إسلامه فكرياً، اقتنع ببعض تصورات الدين فدخل، لكن لا يرى وجوب ولا ركنية الصلاة، ويرى أنها زيادة في الإيمان، ولكن الإيمان قول: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما زاد على ذلك فلا يجب! فيُبين له، لماذا؟ لأنه حديث عهد بشرك، بكفر، بإلحاد فيُبين له ذلك، والذي يُبين له لا بد أن يكون عالماً ممن يؤخذ عنه العلم، فإن ذلك أظهر للحجة فقد يكون الجاحد أعلم من ملقنه الحجة؛ لأنه لا يتصور صدق قوله، هذا إذا كان قريب عهد بكفر.
قوله: (لم يُحكم بكفره؛ لأنه معذور، فإن أصر) يعني: أصر بعد العلم والبيان وإزالة الحجة وإظهار المحجة، فإنه حينئذ يكفر، وحينئذ يجب على ولي أمر المسلمين أن يقيم عليه حد الردة، بمعنى: أنه يأمره بالصلاة، وأن يستتيبه فإن تاب وإلا قُتل ردة، والعياذ بالله، وهذا بإجماع أهل العلم.
الحالة الثانية: أن يترك الصلاة تهاوناً وكسلاً، فقد اختلف العلماء رحمهم الله في هذا الأمر، هل يكفر أم لا؟
كذلك ما رواه الترمذي و الحاكم من حديث عبد الله بن شقيق أنه قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة. ورواه الحاكم من قول أبي هريرة وإن كان في سنده ضعف.
وكذلك جاء عن إسحاق بن راهويه رحمه الله كما نقل ذلك عنه تلميذه محمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة، عندما قال: وقد حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن تارك الصلاة كافر، قال: وكان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا أن تارك الصلاة عمداً من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر.
أما مالك رحمه الله، فالمعروف عن مالك كما حكى أبو عمر بن عبد البر أنه لم يُحفظ عن مالك قول في هذه المسألة، وإن كان أصحابه يرون أن تارك الصلاة تهاوناً وكسلاً لا يكفر.
وأما الشافعي فإن نصه في الأم واضح أن تارك الصلاة تهاوناً وكسلاً لا يكفر.
أما الآيات: فإن الله يقول: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مريم:59]، روى ابن جرير الطبري من حديث المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن و الحسن بن سعد أنهما قالا لـابن مسعود رضي الله عنه: ما كنا نرى ذلك إلا على الترك، يعني: الترك المطلق، قال ابن مسعود : ذاك الكفر، وقال القاسم بن مخيمرة: لم يتركوا الصلاة، ولو تركوها لكفروا، ولكنهم أضاعوا المواقيت، وصلوا الصلاة لغير وقتها.
وكذلك قول الله تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11]، ولكن هذه الآية تُشكل عليها الزكاة، فإن الزكاة على الراجح لا يكفر تاركها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم : ( ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها زكاتها إلا إذا كان يوم القيامة كوي جبينه وظهره في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم يُنظر سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار)، فكونه لم يؤد الزكاة ويُرى سبيله دليل على أنه لم يكفر.
وأصح هذه الأحاديث: ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر )، ولو قيل: إن تركها جحوداً، لقلنا: إن هذا ليس في الصلاة فقط بل كل الفرائض.
وأما ما استدل به بعض العلماء من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ومن لم يحافظ عليهن لم تكن له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له)، فهذا ليس في تركها، ولكنه في المحافظة عليها كما جاء في الرواية : (ومن لم يحافظ عليهن).
وعلى هذا: فلا يجوز إطلاق أنه كافر بحجة أنه لم يصل، ولهذا حكى الزركشي رحمه الله بأنه إنما يُحكم بالكفر والقتل إذا دُعي إليها في وقتها وخوّف وهدّد فامتنع مصراً من غير عذر، يقول الزركشي: أما من تركها في وقتها، ولم يُدع إليها، أي: من قِبل السلطان، وقضاها فيما بعد، أو كان في نفسه قضاؤها، فلا نزاع في عدم تكفيره وقتله.
كما حكى ذلك الزركشي في شرحه على مختصر الخرقي .
وعلى هذا: فإذا رأيت قريبك لا يصلي، فلا يجوز أن تحكم عليه بالكفر.
ويخطئ بعضهم فإذا جاء الميراث قال: أنا لا آخذه، لماذا؟ لأنه كان كافراً.
ما يتعلق بالميراث والزوجة لا يجوز الحكم بكفره إلا قضاءً، قال ابن تيمية مستدلاً بذلك: لأنه في وقت الصحابة منافقون قد عُلم نفاقهم ويعلمهم صلى الله عليه وسلم ولم يأمر نساءهم بعدم اقترابهن من أزواجهن لأننا نحكم عليه بالظاهر ولم يُحكم عليه قضاءً، فلا بد من حكم القضاء، والله أعلم.
وعلى هذا: فبعض المنافقين نفاقاً اعتقادياً في زماننا لا يجوز أن نقول لنسائهم: لا يجوز وأن ذلك زنا، وغير ذلك من الأشياء التي لم يُحسب حسابها ولم يكن فيها من الفقه ما يكفي.
إذا ثبت هذا فإن بعض الفقهاء يفترضون صورة كما حكى ذلك أبو العباس بن تيمية قال: وقد فرض متأخرو الفقهاء مسألة يمتنع وقوعها، وهو أن المقر بوجوب الصلاة ودُعي إليها ثلاثاً فامتنع من أدائها مع تهديده بالقتل فقُتل، هل يُقتل كفراً أم فسقاً؟ على قولين، يقول ابن تيمية : وهذا الفرض باطل ممتنع ولا يقوله أحد قط، قصده لا يقوله أحد قط في بعض كلامه، إلا من تأثر بالإرجاء، وقد قال به بعض فقهاء الشافعية من المتأخرين، يقول ابن القيم رحمه الله: ومن العجب أن يقال لمن دُعي إلى الصلاة فامتنع، فعُرض عليه، ودُعي على رءوس الأشهاد، وهو يرى بارقة السيف ثم يمتنع ويقال: إنه مسلم!، هذا بعيد كل البعد.
وعلى هذا: فإذا كان قد تركها تهاوناً وكسلاً، ودعاه إمام أو نائبه فأصر على الترك، وهُدد وضاق وقت الثانية؛ لأنه ربما يكون معذوراً فيجمع بينهما، فإذا لم يصل حتى خرج وقت الثانية أو ضاق فإنه يستتيبه ثلاثاً فإن تاب وإلا قتل.
قال المؤلف رحمه الله: (لحديث: (أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما تفقدون الصلاة) )، فهذا الحديث رواه عبد الرزاق و النسائي و البيهقي في السنن الكبرى عن ابن مسعود موقوفاً بإسناد صحيح، أما المرفوع فهو حديث ضعيف.
قال المؤلف رحمه الله: [قال أحمد : كل شيء ذهب آخره لم يبق منه شيء فإن لم يُدع لفعلها لم يُحكم بكفره]، لماذا؟ [لاحتمال أنه تركها لعذر يعتقد سقوطها لمثله]، يعني: من العذر أنه يأخذ بقول الشافعي، أو بغير ذلك من المسائل، والقاعدة: أن ما حُكم بكفره من المسائل وفيه خلاف فإننا لا نحكم عليه ابتداء حتى تقام عليه الحجة وتظهر في حقه المحجة.
القول الأول: إذا ترك صلاة واحدة متعمداً حتى خرج وقتها؟ وهذه رواية عن الإمام أحمد ، وهو مذهب ابن مسعود ، وقول إسحاق بن راهويه و ابن حزم وهو قول شيخنا عبد العزيز بن باز .
القول الثاني: حتى يتركها تركاً مطلقاً، وأما أن يصلي أحياناً أو يتركها أحياناً فيقول ابن تيمية : فهذا حال غالب المسلمين اليوم، والراجح أنه لا يكفر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن لم يحافظ عليهن لم تكن له نوراً ولا نجاة ولا برهاناً يوم القيامة، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له)، وهذا هو الراجح والله تبارك وتعالى أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر