إسلام ويب

الروض المربع - كتاب الصلاة [5]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • رفع الصوت بالأذان من شعائر الإسلام العظيمة، ويكفي في ذلك أن يصل الأذان إلى عامة البلد، ويقاتل أهل بلد بتركه، ولا يشرع أكثر من مؤذن في مسجد واحد وفي وقت واحد، ويكفي مؤذن واحد يكون صيتاً، عدلاً، عارفاً بالوقت، أميناً، وتصح الصلاة بدون أذان وإقامة مع التحريم، ويجوز أخذ الأجرة عليهما على الراجح من أقوال أهل العلم.

    1.   

    تابع الأذان والإقامة

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

    فقد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ يقاتل أهل بلد تركوها، أي: الأذان والإقامة فيقاتلهم الإمام أو نائبه؛ لأنهما من شعائر الإسلام الظاهرة، وإذا قام بهما من يحصل به الإعلام غالباً أجزأ عن الكل ].

    من المعلوم أن كل شعيرة من شعائر الإسلام إذا منع أهل بلد أداءها فإنه يجب على الإمام الأعظم أن يقاتلهم؛ لأجل إقامتها؛ لأنها من شعائر الإسلام الظاهرة، فالأذان والإقامة من شعائر الإسلام الظاهرة، والمؤلف يقول: (فيقاتلهم)، لأن ثمة فرقاً بين القتل والمقاتلة، فالمقاتلة لا يتابع مدبرهم ولا يُجهز على جريحهم؛ فليس المقصود هو القتل المعين، إنما المقصود تأديبهم وإعادتهم إلى ما عليه أهل الإسلام، فعلى هذا يقاتلون، فإن جُرح منهم أحد فلا يُجهز عليه، ولا يُتبع مدبرهم، لكن المقصود هو إظهار هذه الشعيرة وتعظيمها في نفوس أهل الإسلام.

    وهذا القول أعني: يقاتل أهل البلد حتى ولو قلنا بأنها فرض كفاية أو سنة، لكن بعض الفقهاء يقول: إذا قلنا: إنها سنة فلا يقاتل أهل البلد، أما إذا قلنا: إنها فرض كفاية فيقاتل أهل البلد، فعلى هذا فالمقاتلة هنا هي قول من قال بفرض الكفاية، ومن قال: إنها سنة على قول. وأما من قال: إنها سنة، فمنهم من يقول: يقاتلون؛ لأنها شعيرة، ومنهم من يقول: لا يقاتلون؛ لأنها سنة، والذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلم أن إظهار الأذان والإقامة مقصود بهما وجود الإسلام في هذا البلد وتحكيم شرعه، فإذا وجد التحكيم والشرع فلا يلزم المقاتلة؛ لحديث أنس كما في الصحيحين: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أغار على قوم كان يُغير إذا طلع الفجر، فإن سمع أذاناً أمسك وإلا أغار)، فقوله: (أمسك وإلا أغار)، دليل على أن الأذان نوع من التزام هذا البلد بالإسلام، ولا يُعلم ذلك إلا بالأذان؛ لأنه كان يريد أن يغير عليهم لأنهم لم يكونوا مسلمين، فإذا ظهر الإسلام في هذا البلد فلا يلزم المقاتلة، لأن إيجاب المقاتلة مع إظهار الإسلام وأحكامه محل يحتاج معه إلى دليل، والله أعلم.

    الأذان المجزئ في البلد

    قال المؤلف رحمه الله: (وإذا قام بهما من يحصل به الإعلام غالباً أجزأ عن الكل)، يعني: لو أنه يؤذن في وسط البلد مسجد واحد أو مسجدان، أو مسجد في طرف الشرق ومسجد في طرف الغرب، ومسجد في الشرقي والجنوبي والوسط، واكتفى الناس بذلك فلا حرج أيضاً، فالقصد أن يحصل به الاكتفاء، فإذا لم يحصل فلا بد من حصوله ولو زاد، والله أعلم.

    والمؤلف ذكر صوراً إذا كان البلد قريباً، أما مثل بلادنا هنا فالحي الواحد ربما يكون أكبر من بعض المدن في عهد السلف، فلو نظرنا إلى بعض أحياء مدينة الرياض هي أكبر من مدن أخرى في بعض دول الخليج، وبعض الأحياء في الدول العربية كبيرة جداً جداً، فالقضية هي أن المؤلف يذكر صوراً كانت تتناسب مع الواقع الذي يعيشه رحمه الله، ولهذا يقول: (وإن كان واحداً وإلا زيد بقدر الحاجة) فالآن مثلاً في الرياض في منطقة حي الفلاح هل يكفي أذان واحد؟ لا، ما يكفي؛ لأنه لا يحصل به إعلام كل الحي، أو حي الوادي أو حي الفلاح أو حي الازدهار، ما يكفي واحد، ولو طبقنا بعض المسائل الفقهية الموجودة يقولون: ولا يقام لصلاة الجمعة إلا في مسجد واحد إلا بقدر الحاجة، لو طبقنا هذا في الرياض لما كفى، ولصلت العالم في الشوارع، ولوجدوا مشقة في الصلاة.

    تعدد المؤذنين

    قال المؤلف رحمه الله: [ وإن كان واحداً وإلا زيد بقدر الحاجة كل واحد في جانب أو دفعة واحدة بمكان واحد ].

    قوله: (أو دفعة واحدة في مكان واحد) كان في السابق يؤذن المؤذن على المنارة، ويؤذن البعض في باحة المسجد، ثم إذا جاء وقت الإقامة أقام شخص، هذا يوجد في بعض أهل الشام وأهل مصر، وقد أنكر أبو العباس بن تيمية هذا الأمر وقال: إن هذا لم يكن معروفاً عند السلف، فليس أذان هؤلاء مشروعاً باتفاق الأئمة بل هو بدعة منكرة. يقول ابن تيمية : فليس أذان هؤلاء في مكان واحد، وفي مسجد واحد بمشروع عند الأئمة بل هو بدعة منكرة، ولا شك أن قول أبي العباس بن تيمية واضح في بدعية ذلك.

    فلو قلنا: في مسجد واحد يؤذن له أذانان فهذا بدعة، فيصح أذانان في صلاة الفجر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم ) أما غير ذلك فلا، وكلما ابتعد الناس عن عهد النبوة كلما أحدثوا في دين الله ما استحسنتها عقولهم، ولو كان الدين بالرأي لكان محمد صلى الله عليه وسلم لم يُبعث بما بعثه الله سبحانه وتعالى، لكن الله أراد لمحمد صلى الله عليه وسلم وأراد لهذه الأمة الخيرية العظيمة، بأن لا نقتدي إلا بما فعله محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، ولهذا قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي).

    وهذا فيه فائدة وهو أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وسنة الخلفاء المهديين من بعدي) دليل على أنه يمكن أن يأتي الأئمة الفضلاء من الصحابة الكبار كـأبي بكر و عمر و عثمان و علي أن يأتوا بما لم يأت به النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يخالف نصاً شرعياً بل الأدلة العامة تؤيده، فوقف هذا الأمر على الأئمة الأربعة؛ لأن اجتهاد الواحد من غير نكير إجماع عندهم، ولهذا قال ابن تيمية رحمه الله: وكل أمر فُعل في عهد الخلفاء الراشدين ولم يُنكر فليس ببدعة، فهذه قاعدة! لأنهم كانوا في فهم السنة أحرى، وفي اتباع النص أخلق، رضي الله عنهم أجمعين، فإذا جاء من بعدهم، وقد اختلف الناس وتفرقوا واجتهدوا، فبأي عقل يحكم كما قال الإمام مالك ، فليت شعري بأي عقل يوزن الكتاب والسنة.

    الأحق بالإقامة عند وجود مؤذنين

    قال المؤلف رحمه الله: [ ويقيم أحدهما، وإن تشاحوا أقرع ].

    هذا بناء على أنه يؤذن في مكان واحد أكثر من مؤذن ولا يشرع.

    قوله: (ويقيم أحدهما) يعني: أحد المؤذنين إذا أذنا في وقت واحد، وقلنا: إن هذا ليس بمشروع، بل روى أبو داود رضي الله عنه أن المؤذن بدأ ينادي الناس بعد الأذان، فيقول: الصلاة، حي على الصلاة، الصلاة يا أمير المؤمنين! فكان ابن عمر رضي الله عنه في المسجد، فجاء المؤذن بعد الأذان فنادى: الصلاة يا أمير المؤمنين! فخرج رضي الله عنه من المسجد ويقول: أخرجتني البدعة، أخرجتني البدعة، أخرجتني البدعة. هذا الفعل من المؤذن في عهد الخلفاء الراشدين وجد من ينكر إذاً هذا هو غير المشروع، فالسبحة التي نحن نسميها السبحة معروفة، ووجدت في عهد الخلفاء الراشدين كان لـأبي هريرة ألف عقدة، وكان النساء يسبحن بالحصى، فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم إنما أرشدهم إلى ما هو أفضل فقال: ( اعقدن بالأنامل فإنهن مسئولات ومستنطقات ).

    و ابن مسعود حين دخل على أصحابه لم ينكر عليهم فعلهم في طريقة التسبيح، إنما أنكر عليهم في اجتماعهم ودورانهم بحيث يقول أحدهم: سبحان الله، فيقولون: سبحان الله، سبحان الله، فدل على أن السبحة ليست ببدعة؛ لأنها كانت موجودة في عهد الخلفاء الراشدين ولم يُنكر، وهذه قاعدة إذا ضبطها طالب العلم وتأنى فيها سلم من كثير من الأشياء التي يقال عنها: بدعة، وليست ببدعة، أو يقال عنها: مشروعة، وهي بدعة.

    الأولى بالإقامة عند حصول النزاع بين المؤذنين

    قال المؤلف رحمه الله: (وإن تشاحوا) يعني: تشاحوا في الأذان، أقرع الإمام أو المسئول أو جماعة المسجد أو باني المسجد ممن له سلطان في هذا المسجد بالقرعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة : ( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه )، وقد ذكر أهل السير أن في معركة القادسية تشاح الصحابة والتابعون في الأذان، فأقرع سعد بن أبي وقاص بينهم، فوقعت القرعة على أحدهم فأذن.

    ولأهمية الأذان كان بعض الصحابة وبعض التابعين يشترط على أصحابه في السفر أن يخدمهم وأن يؤذن لهم، وكان جرير بن عبد الله البجلي إذا سافر معه أصحابه يشترط عليهم الأذان، وهذه فائدة فبعض الإخوة إذا أراد أن يسافر يذهب أحدهم إلى مدير الرحلة يقول: أنا أريد أن أؤذن، فلا حرج في ذلك، بل هو أمر حسن.

    ثم إني أقول: إذا فعل الصحابة أمراً ولم يُنكر ولم يُتابعوه، فنقول: حسن ولا نقول: إنه سنة؛ لأن السنة ما ثبتت في الكتاب والسنة وإجماع الأمة، أما إذا فُعل في عهد الصحابة، وتابعوه، وأقروه صار إجماعاً فهو إلى الاستحباب حسن، وهذه طريقة أبي العباس بن تيمية رحمه الله، مثل القنوت في الوتر العام في غير رمضان لم يثبت، أو لم يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت، وحديث الحسن بن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه دعاءً يدعو به في القنوت زيادة (في القنوت) منكرة كما ذكر ذلك الدارقطني ، وأن أبا الحوراء لم يسمع من الحسن كما أشار إلى ذلك الدارقطني و ابن خزيمة ، وعلى هذا فنقول: إن قنت فحسن؛ لأن ابن مسعود كان يقنت، وإن ترك فحسن فإن من الصحابة من ترك، فأخذنا نحن بفعل الصحابة كلهم، وتصح.

    1.   

    الصلاة بدون أذان ولا إقامة

    قال المؤلف رحمه الله: [وتصح الصلاة بدونهما لكن يكره].

    هذا قول عامة أهل العلم على أن الصلاة تصح بدونهما، ولكن يُكره إلا عند ابن حزم رحمه الله فإنه أبطل الصلاة لمن ترك الإقامة، والراجح والله أعلم أن الصلاة تصح؛ لما جاء في صحيح مسلم : ( أن الأسود بن يزيد و علقمة رضي الله عنهما دخلا على ابن مسعود فقال: أصلى الناس خلفكم؟ قلنا: لا، قال: قوموا فأصلي بكم، قال: فصلينا معه، فأقامنا أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله، فصلى بنا من غير أذان ولا إقامة )، وهذا الحديث فيه مسائل كثيرة لكن نرجئها إن شاء الله في شروط الإمامة التي سوف يذكرها المؤلف، فالشاهد من الأثر: ( فصلى بنا من غير أذان ولا إقامة ).

    أما قوله: (لكن يُكره) الأقرب، والله تبارك وتعالى أعلم، أنهم إذا كانوا جماعة وتركوا الأذان، يعني: كانوا في سفر، ولا يسمع أذان، ولا يصل إلى قرية، فالأذان واجب في حقهم لهذه الجماعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث مالك بن الحويرث : ( إذا سافرتما فأذنا وأقيما )، وهذا أمر والأمر يقتضي الوجوب، وهذا فرض كفاية في حقهم، فإذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وإلا فقد أثموا.

    قال المؤلف رحمه الله: (لكن يُكره) الأقرب عدم الكراهة بل التحريم؛ لأن المؤلف حكم عليه بفرض كفاية، فإذا لم يقم به من يكفي فلا يقال: إنه يُكره، ويقال: يُكره إذا كان قد فُعل الكفائي، أما أن يقول: يُكره مطلقاً قام به من يكفي أم لا فهذا محل نظر، وعلى القول: بأن الإقامة فرض عين فإنه يحرم، ولو قام به من يكفي، وقد كنت قلت من قبل: إن القول بالإقامة للمنفرد واجبة وللجماعة هذا هو الأظهر والله أعلم، وإن كان في النفس منها شيء أعني: الإقامة إذا كانت للمنفرد، فقد تأملتها كثيراً فوجدت أن الإقامة نوع من النداء؛ لأن الإنسان يقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، وهو حاصل وحده، فلو كان جماعة لناسب أن يقال: إنه فرض عين في حق الجماعة، أما الواحد فلا؛ لأن لا معنى أن يقيم وهو ينادي نفسه. وقد تأملت هذه المسألة وقرأت فيها ولهذا أقول: الحقيقة أنا أتوقف في باب الإقامة هل هي فرض عين أم فرض كفاية؟ أما الأذان فهي واضحة عندي أنها فرض كفاية كما قلت سابقاً، وأما الإقامة فهي محل توقف عندي، الآن أقوله وأستغفر الله من الزلل والخطأ، والله يغفر نقصنا وتقصيرنا.

    1.   

    أخذ الأجرة على الأذان والإقامة

    قال المؤلف رحمه الله: [وتحرم أجرتهما أي: يحرم أخذ الأجرة على الأذان والإقامة؛ لأنهما قربة لفاعلهما، ولا أخذ رزق من بيت المال من مال الفيء لعدم متطوع بالأذان والإقامة ].

    ذهب أبو حنيفة والحنابلة في المشهور عنهم أنه يحرم أصل الأجرة على الأذان والإقامة، وهذه المسألة معروفة وهي أخذ الأجرة على القُرب، وهناك رسالة كتبها بعض الفضلاء الباحثين، وهي مطبوعة من طبعة كنوز إشبيليا في أخذ القُرب في الطاعات، والحنابلة يمنعون أخذ الأجرة على الأذان والإقامة، وكذا أبو حنيفة ، ويستدلون على ذلك بأدلة منها حديث يرويه الحسن البصري عن عثمان بن أبي العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً )، وقد ذكر الحافظ ابن حجر أن الحسن البصري لم يسمع من عثمان بن أبي العاص وقد قلت: إن الراجح أنه سمع.

    وقد ذكر الحافظ أبو عمر بن عبد البر في كتابه الاستيعاب، وكذلك ابن الأثير في أُسد الغابة أن أكثر من روى عن عثمان هو الحسن البصري ، فدل على أنه لا يكون راوياً له ومُكثراً له، بل قال حماد بن زيد عن أنس قال: ما رأيت أفضل من عثمان ، فهذا يدل على أنه رآه، يقول الحسن البصري : ما رأيت أفضل من عثمان يعني عثمان بن أبي العاص ، فالأقرب أن الحديث حسن، ولكنه لا يدل على حرمة أخذ الأجرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حث على ذلك فقال: ( واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً )، ولا شك أن الذي لا يأخذ أدعى لحرصه وإخلاصه.

    وذهب مالك و الشافعي إلى جواز أخذ الأجرة، وهذا الذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلم، وإن كان الأفضل عدم الأخذ، لكن الذي يظهر الجواز، فيجوز للإنسان أن يأخذ أجراً على القربة إذا كان فيها عمل، والعمل إما عمل حبس النفس، أو جُهد ووقت، فهذا نوع من العمل كالأذان والإقامة والقراءة في حق الرقاة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( وما يدريك أنها رقية؟ خذوها واضربوا لي منها بسهم )، أما قراءة القرآن فقط مثل الذي يُفعل من قراءة القرآن في الاحتفالات، ويُعطى عليها جائزة، أو قراءة القرآن في العزاء كما يفعل في بعض البلاد الإسلامية فهذه بدعة ولا يجوز أخذها؛ لعدم وجود العمل فيها بل هي للعبادة المحضة.

    وأما حديث عبادة بن الصامت كما روى أبو داود والإمام أحمد وغيرهما أنه قال: (علمت إنساناً آية في كتاب الله فأهدى إليّ قوساً، فلما أردت أخذه قلت: أستشير رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: إن شئت أن تأخذ سهماً أو قال: جمرة من النار فخذ، قال: فأرجعتها). فهذا الحديث ضعيف، في سنده بشر بن فضالة وفيه علتان أخريان، والأقرب والله أعلم جواز أخذ الأجرة على القُرب.

    والآن هذه المسألة الظاهر أنها منتفاة، يعني: لا تطبق، وأنا أستغرب من بعض الفضلاء جزاهم الله خيراً الذين يرجحون مذهب الحنابلة، وهم يدرسون في الجامعات، ويأخذون أجراً! فالموظف الآن في الدوائر الحكومية لا يأخذ رزقاً، الرزق معناه: أن يأخذ بقدر الكفاية مثل النفقة فيقال لفهد: كم أنت؟ قال: أنا وحدي، فيعطى نفقة وحده، فيقول: أنا وزوجتي، فيعطى نفقته ونفقة زوجته، ويقال: أنا وزوجتي وأربعة أولاد فيعطى ذلك، ولا يُنظر إلى كفاءته ولا إلى شهادته ولا إلى خبرته ولا إلى سنه.

    أما الآن فالعقود مع الدولة عقود إجارة، والدولة صارت كما يسميها العلماء: مجتمعاً مدنياً، فأصبحت له شخصية اعتبارية، تُبرم عقوداً مع الناس، ويتظلم الإنسان لأخطاء بعض نواب الإمام، ولهذا وجد ديوان المظالم، وله أن يشتكي، فهذه صارت شخصية غير الشخصية التي كانت في عهد الصحابة الذي يسمى رزقاً، والرزق معناه أن يُعطى بقدر حاجته، أو يُعطى مكافأة مقطوعة، أما الآن فالأستاذ المساعد ليس مثل المحاضر وليس مثل الأستاذ المشارك وليس مثل الأستاذ، فهو على خدماته وخبرته وعطائه يُبرم عقداً معه.

    وعلى هذا فأقول: إن هذه المسألة ليست واقعية إلا في صور معينة، ولهذا ينبغي أن يعيدوا النظر في مثل هذا، والذي يظهر، والله أعلم، أن العقود التي يبرمها الشخص مع الجهات الحكومية ليست رزقاً، وهذا لا إشكال فيه، إنما هي أجرة مثلها مثل الأجرة، ولهذا تجد أن راتبه يزيد، وربما يكون في بعض الجهات حوافز وغير ذلك. وأما الأئمة والمؤذنون فكذلك لأن لهم راتباً مقطوعاً ومخصصات مثل مخصصات الأجير.

    وقد يقول قائل: أنا أجير للدولة في الأذان والإمامة، فلو غاب مرة يوماً أو يومين فلا يلزم أن يتصدق، لأن بعض الإخوة إذا غاب ذهب يتصدق من باب الورع، جزاه الله خيراً لكنه لا يجب؛ لأنه لم يُعاقد معه على كل صلاة بقيمة، لكن أُبرم معه لتفرغه للإمامة، ولهذا لو أناب شخصاً أن يصلي معه، فلا يلزم أن يعطيه إلا إذا كان اتفاق سابق بينه وبين نائبه في ذلك.

    على كل حال نحن نقول: إن مسألة الأجرة على الأذان والإقامة الأفضل عدم الأخذ بحديث عثمان بن أبي العاص ، وأما أن يكون محرماً فلا؛ لأن الأدلة تعضد القول بالجواز، وهو قول مالك و الشافعي ورواية عند الإمام أحمد رحمة الله تعالى على الجميع، ويقول أبو العباس بن تيمية : تجوز للفقير وتحرم على الغني، والأقرب الجواز.

    ومن ذلك الذين يحجون عن الغير، فهذه أجرة ولكن لا ينبغي للإنسان أن يهيأ نفسه لمثل هذا العمل، وقد قال ابن تيمية : ومن حج ليأخذ ليس له في الآخرة من خلاق، ومن أخذ ليحج فجائز، يعني: هو حاجٌ حاج، ولكن إن وجد من يعطيه ليحج عنه أخذ وإلا فهو حاج عن نفسه، فهذا حسن لا بأس به، أما أن يقول: أنا لن أحج إلا أن يعطيني شخص فهذا لا يصح إلا إذا كان غير قادر على الحج أصلاً، ويقول: أنا أتمنى أحج، وإن أعطيت حجيت وإن لم أعط لا أحج لا لأني أريد المال فقط ولكني أريد الحج ولا أستطيع؛ لأن الحملات باهظة الثمن.

    قال المؤلف رحمه الله: (ولا أخذ رزق من بيت المال) أخذ الرزق من بيت المال جائز، وقد كان أبو بكر رضي الله عنه يأخذ رزقاً من بيت المال، وقد كان يُعطى ذبيحة أو نصف ذبيحة في الشهر مثلاً أو في بعض الأيام كما كان أهل السير يذكرون ذلك.

    قال المؤلف رحمه الله: [كأرزاق القضاة والغزاة].

    هذا في السابق، الغزاة يعطيهم عمر رضي الله عنه عطايا، أما الآن فالقضاة والغزاة وغيرهم بهم عقود مع بيت المال، والذي تولى أمر بيت المال وأموال بيت المال هو ولي أمر المسلمين.

    قال المؤلف رحمه الله: (لا رزق من بيت المال؛ لعدم متطوع) يعني: أنه إذا وجد متطوع لا يأخذ رزق من بيت المال فهو أفضل، وإن أخذ رزقاً فلا حرج، والله أعلم.

    1.   

    صفات المؤذن

    قال المؤلف رحمه الله: [ وسن أن يكون المؤذن صيتاً، أي: رفيع الصوت؛ لأنه أبلغ في الإعلام، زاد في المغني وغيره أن يكون حسن الصوت؛ لأنه أرق لسامعه ].

    قوله: (صيتاً) الصيت يعني: رفيع الصوت، لما ثبت عند البخاري من حديث عبد الرحمن بن أبي صعصعة المازني أن أبا سعيد رضي الله عنه قال: ( إني أراك تحب غنمك وباديتك، فإذا كنت في غنمك وباديتك فحضرت الصلاة فأذن، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس إلا شهد له يوم القيامة )، وفي رواية قال: أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء في الرواية الأخرى: ( إذا كنت في باديتك وغنمك فأردت أن تؤذن فارفع صوتك بالنداء؛ فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن )، فأمره برفع الصوت.

    قال المؤلف رحمه الله: (أن يكون حسن الصوت) لما جاء في حديث أبي داود و الترمذي من حديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اذهب فألقه على بلال فليؤذن فإنه أندى صوتاً منك)، ومعنى الندى: الصوت الطرب الحسن، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم عندما سمع أبا محذورة ، ورآه حسن الصوت أمره أن يؤذن، وقد كان يشعر شعراً ويُلحنه، فلما رأى حُسن صوته أمره عليه الصلاة والسلام أن يؤذن، فأرشده إلى ما هو أفضل فأذن، وكان شاباً صغيراً رضي الله عن الجميع.

    قال المؤلف رحمه الله: [ أميناً، أي: عدلاً مؤتمناً يرجع إليه في الصلاة وغيرها عالماً بالوقت ليتحراه فيؤذن في أوله ].

    لأنه يُعمل بقول المؤذن في دخول الوقت مع إمكان معرفته، لأننا نستطيع مثلاً أن نأخذ التقويم فننظر وقت الأذان، لكن مجرد أذان المؤذن نعتمد عليه، هذا هو مذهب عامة أهل العلم بل حكى أبو العباس بن تيمية أنه هو مذهب أحمد وسائر العلماء، وإذا كان الأمر كذلك وهو الاعتماد على قول المؤذن بدخول الوقت مع إمكان المعرفة، فلا بد أن يكون عدلاً، أما غير العدل فلا يوثق بقوله، والقاعدة في الشريعة أنه لا يُقبل في أحكام الشرع على النفس إلا العدل، ولهذا تجد أن الشاهد لا يُقبل إلا إذا كان عدلاً، وكذلك خبر الرواية لا يُقبل إلا إذا كان عدلاً، وعلى هذا فقس. والله أعلم.

    1.   

    الأحق بالأذان

    قال المؤلف رحمه الله: [ فإن تشاح فيه اثنان فأكثر قدم أفضلهما فيه، أي: فيما ذكر من الخصال ].

    قول المؤلف: (فإن تشاح فيه اثنان)، فيُقدم الذي يكون صيتاً حسن الصوت أميناً عدلاً عالماً بالوقت، لكن لو أن باني المسجد اختار أحدهم، هل له ذلك؟ الذي يظهر والله أعلم وقد ذكر الحافظ ابن رجب رحمه الله أن مثل هذا له اعتبار، وما زال يُفعل هذا الأمر في الأوقاف، فإن باني المسجد لو كتب للأوقاف فيكون ترشيحه أقرب من غيره، فهذا فيه نوع من تشجيع بناية المساجد، وهذا لا بأس به إن شاء الله، يعني: أنه يُقدم باني المسجد رأيه ولو كان أحدهما أحسن صوتاً من الآخر، خاصة أن وجود الميكرفونات هذه تذيب بعض الخلاف.

    والله أعلم، وبعضهم يقول: إن تشاحا أُقرع بينهما؛ لظاهر حديث أبي هريرة : (ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه)، ولكن نقول: ما يحصل التشاح إلا في التساوي، وعدم الأفضلية.

    قال المؤلف رحمه الله: [ ثم إن استووا فيها قدم أفضلهما في دينه وعقله؛ لحديث: (ليؤذن لكم خياركم) رواه أبو داود وغيره ].

    جاء في بعض الروايات أنه يُقدم الأكبر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وليؤذن لكم أكبركم) والمؤلف لم يذكرها هنا، ولهذا من الأفضليات أن يُقدم الكبير؛ لأن الكبير في الغالب أكثر تفرغاً من غيره، يعني: أكثر تهيئواً وتحرياً للوقت من غيره، ولأن خواطر المشاغل وغيره قليلة في حقه، فهذا أمر واقع للمشايخ فالشاب المؤذن عنده الأربعاء والخميس والجمعة إجازة، بخلاف كبير السن فإنك تجده دائماً في المسجد، بل إنه يشق عليه أن يتخلف يوماً واحداً أو صلاة واحدة، بخلاف الشاب فتجده في صلاة الظهر في وقت الدوام آخذين إجازة، والعصر كذلك، وليلة الخميس وأيام الخميس كذلك، فلأجل هذا يُقدم الكبير، وتقديم الكبير هنا إذا كان عاقلاً يجمع كلمة الجماعة، ويصلح الأمور فهذا أفضل.

    قال المؤلف رحمه الله: [ ثم إن استووا قدم من يختاره أكثر الجيران؛ لأن الأذان لإعلامهم، ثم إن تساووا في الكل فقرعة فأيهم خرجت له القرعة قدم ].

    هذه الأشياء من المعلوم أنه ليس فيها نص، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا محذورة أن يؤذن، وكان أبو محذورة شاباً، وفيه من هو أكبر منه وأكثر ديانة منه وأكثر عقلاً منه، فقدمه، فلا بأس أن يقدم باني المسجد أو الإمام من يختار سواء وجد التشاح أم لم يوجد، لكن إذا وجد التشاح وأراد الجماعة أن يذكروا مقاييس للتفضيل فلا حرج، منها: أن يكون صيتاً ندياً أميناً عدلاً كبيراً، لكن الذي يجب أن يكون متصفاً به المؤذن هو العدل والأمانة والعلم بالوقت والعقل؛ لأن المجنون لا يُقبل أذانه، فلا بد من وجود العدل والأمانة ومعرفة الوقت والعقل، ومعنى العقل هو ضد الجنون والسفه، أما البلوغ فالراجح أنه لا يشترط، لكن التمييز لا بد منه، والله أعلم.

    1.   

    صيغة الأذان

    قال المؤلف رحمه الله: [ وهو أي الأذان المختار خمس عشرة جملة؛ لأنه أذان بلال رضي الله عنه من غير ترجيع الشهادتين، فإن رجعهما فلا بأس ].

    المؤلف يقول: (وهو)، أي: أفضل الأذان أذان بلال ، أذان بلال خمس عشرة جملة، هذا مذهب الإمام أحمد رحمه الله أن أذان وإقامة بلال أفضل، وهو قول إسحاق ، وأومأ إليه ابن المنذر في كتابه الأوسط.

    وذهب الشافعي و مالك إلى أن أذان أبي محذورة أفضل، وأن الإقامة إقامة بلال ، إلا أن مالكاً يقول في أذان أبي محذورة : يُكبر مرتين يقول: الله أكبر الله أكبر فقط، والإقامة يقولها مرة: الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة؛ لحديث: ( والإقامة مرة مرة )، وفي رواية: ( ويوتر الإقامة )، هذا مذهب مالك ؛ لأنه وجد أهل المدينة على ذلك، وأذان أبي محذورة هو مثل أذان بلال إلا أن فيه زيادة الترجيع، والترجيع هو أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله مرتين سراً، وأشهد أن محمداً رسول الله مرتين سراً، ومعنى سراً أي: لا يرفع بها صوته يُسمع نفسه والذين هم قريبين منه، فيقول في الأذان: الله أكبر أربعاً ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، هذه تسمى ترجيع، ثم يرجع فيُعيد، فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله، يرفع بها صوته، هذا يسمى الترجيع، والباقي مثل أذان بلال .

    إذاً أذان بلال خمس عشرة جملة، وأذان أبي محذورة تسع عشرة جملة، ودليله رواية السنن: ( فعلمه الأذان تسع عشرة جملة )، والإقامة من غير ترجيع مثل أذان بلال ثلاث عشرة جملة.

    وزد عليها: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، فيصير خمس عشرة جملة، فإقامة أبي محذورة مثل إقامة بلال من غير التكبير مرتين، وزد عليه الإقامة مرتين، هذه هي إقامة أبي محذورة .

    والراجح والله تبارك وتعالى أعلم كما قال ابن تيمية : من تمام السنة أن يفعل هذا أحياناً وهذا أحياناً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا محذورة بكذا وأمر بلالاً بكذا.

    فإن قيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم أبا محذورة في فتح مكة قال أحمد : أرأيت حينما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة ألم يكن بلال يؤذن بأذانه؟! فكان آخر الأمرين أذان بلال ، ولكن الذي يظهر أنه كله سنة، لكن إذا كان أهل بلد قد تعودوا على أذان من الأذان المعروف فإننا نقول لأجل أن لا تضطرب نفوسهم ولا تتحمله: يؤذن بأذان بلال ، فالمساجد هذه مثل صلاة الجمعة أو الصلوات الأخرى، لا ينبغي للمؤذن أن يؤذن بأذان أبي محذورة إلا أن يقفل الميكرفون، ويؤذن بالترجيع ثم يرجع يفتحه إذا أراد أن يطبق السنة، حتى لا يقع في الناس اضطراب؛ لأن السنة تطبق في الجماعة إذا كانوا شباباً في استراحة أو في رحلة فلا بأس أن يطبقوا هذا الأذان، أما أن يشوشوا على الناس، فيقول ابن تيمية رحمه الله كلاماً جامعاً يقول: والواجب أمر العامة في الأشياء المجملة دون دخول معهم في التفصيل إلا ما دعت إليه الحاجة.

    أحياناً بعض طلاب العلم يفصل للعوام مسائل لا تتحملها عقولهم مثل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فيأتي بأشياء لا ينبغي أن تذكر إلا لمن أراد الاستزادة والحرص، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم لم يُبين بعض السنن في الصلاة؛ فربما لا تتحملها عقول الناس، ولكنه قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي).

    فمن أراد أن يستزيد في الطاعة وأن يزيد في تنقل الفضائل فليبحث عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وماذا قال للصحابة؟ فإرشاد العامة لبعض المسائل ربما يفهمونها بتكلف، مثل الوضوء عندما يضع سبابته في صماخ أذنيه، سئلت من قبل: هل يُدخل الماء في الأذن إذا أراد أن يمسح؟ فالعامي لا يفهم، فيُبالغ في هذا الأمر فيقع في المحظور، فمثل هذا ما ينبغي أن يذكر للعامة خاصة الذين هم حديثو عهدٍ بالهداية لا ينبغي أن يذكر لهم كل شيء.

    فبعض طلاب العلم وبعض الإخوة من حرصهم لأن يطبق الناس السنة يعطونهم أشياء غريبة، وربما لم يقل بها إلا نزر، وخُذ مثالاً على ذلك: وضع اليدين على الصدر فالمعروف أن أحاديث وضع اليدين على الصدر كلها ضعيفة عن مؤمل عن سفيان عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر ، و مؤمل سيء الحفظ فيها نكارة، وأكثر الرواة لم يذكروا وضع اليدين على الصدر، والذين صححوه صححوه بمرسل طاوس ، ومن المعلوم أن طاوس مراسيله ليست قوية، وأصح شيء في الباب هو حديث سهل بن سعد : ( كان الناس يؤمرون أن يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى )، وهذه لا يمكن أن تكون على الصدر بل فوق السُرة، وهذا قول علي بن أبي طالب وهو قول أكثر الأئمة، بل نقل ابن مفلح في الفروع إنكار أحمد وضع اليدين على الصدر؛ لأنها ليست هي الحالة الطبيعية، الحالة الطبيعية أن يقول الإنسان هكذا؛ يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى، أو يضع كفه اليمنى على كفه اليسرى، والرسغ والساعد هكذا، هذه هي الحالة الطبيعية، أما أن يقول الإنسان هكذا، فالعوام ما تتحمل نفوسهم، وإذا أراد أن يطبق ويأخذ بقول بعض المتأخرين من المشايخ فلا حرج، لكن عليه أن يعرف أن الأئمة الأربعة إذا قالوا: ويضع يده على الصدر يقصدون بذلك فوق السُرة، والله أعلم.

    نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الهداية والتوفيق والتسديد والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767974772