الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم إنا نعوذ بك أن نضل أو نُضل، أو نزل أو نُزل، أو نظلم أو نُظلم، أو نجهل أو يجهل علينا، اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وارزقنا علماً وعملاً يا كريم! وبعد:
قول المؤلف: (وهي أي: الإقامة، إحدى عشرة جملة بلا تثنية)، هذا هو مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وهو مذهب الشافعي و مالك إلا أن مالكاً يقول: (الله أكبر) مرة، (وقد قامت الصلاة) مرة، والباقي مثل أذان بلال ، على خلاف عند مالك بأن النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أنس : ( أمر
وقلنا: إن الراجح أن العبادات الواردة على وجوه متنوعة الأفضل فعل هذه تارة، وفعل هذه تارة، وذكرنا فائدة تنويع العبادات الواردة على وجوه متنوعة، وإن كان الأولى والأخلق لطالب العلم ألا يذكر المسائل المشوشة على الناس، كما قال أبو العباس بن تيمية رحمه الله: والواجب أمر العامة بالمسائل المجملة، ولا ينبغي الدخول معهم في التفصيل؛ لأن التفصيل في بعض المواطن يثير فتنة، هذا كلام أبي العباس ابن تيمية رحمه الله في الجملة.
وذكرنا معنى هذا أنه إذا كانوا جماعة في بر أو رحلة فلا بأس أن يطبقوا السنة في مثل إقامة أبي محذورة ، لكن إذا اعتاد بلد على أذان معين كأذان بلال أو أذان أبي محذورة فلا ينبغي أن يخالفهم في ذلك؛ لأن الناس لا تتحمل قلوبهم لمثل هذا الاختلاف؛ لأنهم يرون أن مثل هذا شعيرة من شعائر العبادات، وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة.
قول المؤلف: (وتباح تثنيتها) يعني أن يقول: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، جملتين جملتين، ومر معنا أن هذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في شيء، وعلى هذا فمتى فعلها المؤذن بأي طريقة كانت جاز ذلك، إلا أن الإقامة كما قال المؤلف: (يحدرها) تختلف عن الأذان؛ لأن الإقامة المقصود بها يختلف عن مقصود الأذان، فالأذان هو الدعاء والنداء إلى الصلاة، فناسب رفع الصوت، وناسب أن يذكرها في مكان عال، أما الإقامة: هي إعلام الحاضرين بالشروع في الصلاة، ولا مانع أن يعلم من خارج المسجد، لما جاء في صحيح البخاري وغيره، أن ابن عمر رضي الله عنه قال: ( كنا إذا سمعنا الإقامة، والعشاء حاضر قدمنا العشاء )، وهذا يدل على أنهم كانوا يسمعون الإقامة أحياناً، ولعل هذا دليل على من قال بجواز الإقامة بالميكرفون؛ لأنهم كانوا يسمعون، خاصة إذا قلنا أن من العلماء من كان يرى أن الإقامة تكون في موطن الأذان، كما سوف يأتي بيانه إن شاء الله، وعلى هذا فيحدرها أي: يسرع فيها، ويقف عند كل جملة كالأذان.
قال المؤلف رحمه الله: (فلو سبق المؤذن بالأذان)، نقول: إنه لا ينبغي أن يتقدم الناس بين يدي المؤذن؛ لأن من الناس أحياناً من يكون في المسجد، فمتى جاء وقت الأذان تجد أنهم يتسارعون، وربما يتسابقون في الأذان، وهذا نوع افتيات في حق المؤذن الذي جعل راتباً ورضيه جماعة المسجد، وربما وضعه من ولي أمر المسلمين، فمثل هذا العمل نوع من الافتيات، لكن إذا تأخر واعتاد الجماعة أنه إذا تأخر يؤذن أحدهم فلا حرج في ذلك، ولكنه لو جاء فوجد مؤذناً قد أذن ولم يكن الوقت وقت فطر كالمغرب في رمضان، أو وقت إمساك كالفجر، فيجوز أن يؤذن المؤذن الراتب بعد ذلك؛ لأن حقه ما زال قائماً، كما صنع أبو محذورة كما ذكر ذلك الإمام أحمد، فإذا جاء المؤذن وقد أذن والوقت ما زال، ولم يتأخر إلا أربع دقائق أو خمس دقائق فلا حرج أن يؤذن هو مرة ثانية، ليبين حقه في ذلك، أما إن كان يسمح فلا يشرع له الأذان مرة ثانية؛ لأنه مر معنا أنه لا يشرع كما ذكر ابن تيمية رحمه الله أن يؤذن في المسجد مرتين، وقال ابن تيمية : إن هذه بدعة باتفاق العلماء، لكنه إذا جاء المؤذن فوجد أحدهم قد استبد بالأمر، ولم يأخذ برأيه فله أن يؤذن إذا لم يكن الوقت قد تأخر، كما صنع أبو محذورة ، وعلى هذا فمن يقيم؟ نقول: يقيم الثاني؛ لأن الأول صار مفتئتاً على حق المؤذن. وهذا له أصل، فقد يقول قائل: ما دليل الافتيات؟ نقول: قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم : ( ولا يتقدم أحد بين يدي صاحب البيت إلا بإذنه )، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن لصاحب البيت حقاً فلا يتقدمن عليه أحد، وعلى هذا لو جاء جماعة في بيت أحد فأرادوا أن يصلوا، فلا يقال هنا: أقرؤهم لكتاب الله؛ لأن هذا حق لصاحب المنزل، فهو الذي يتقدم أو يأذن، مثل لو أن للمسجد إماماً فجاء من هو أقرأ منه، فلا يتقدم الأقرأ؛ لأن حديث أبي مسعود البدري : ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله )، هذا في حال إذا لم يكن للمسجد إمام راتب، ولا للبيت جماعة في البيت فإن هذا يستثنى كما في الأحاديث الصحيحة.
قال المؤلف رحمه الله: (فإن أقام من غير إعادة)، فإن أقام يعني: الثاني (أقام من غير إعادة فلا بأس، قاله في المبدع).
نقول: لا بأس؛ لأن مخالفة السنة لا يلزم منها الكراهة؛ لأنه مستحب، ففرق بين الاستحباب وتركه، وفرق بين ترك الاستحباب والكراهة.
قال المؤلف رحمه الله: [في مكانه أي: يسن أن يقيم في مكان أذانه؟ إن سهل؛ لأنه أبلغ في الإعلام].
قال المؤلف رحمه الله: (لأنه أبلغ في الإعلام) لكن الأظهر أنه يؤذن في مكانه، فإن سمعه الناس ورفع صوته قليلاً فلا حرج في ذلك إن شاء الله.
الإمام أحمد رحمه الله عندما سئل: هل يقيم المؤذن في مكانه الذي أذن فيه، أم في المكان الذي هو فيه؟ قال: لم يبلغني شيء إلا قول النبي صلى الله عليه وسلم لـبلال : ( لا تسبقني بآمين )، وجه الدلالة قال العلماء: هذا حديث رواه أهل السنن قالوا: إن بلالاً كان يؤذن في المنارة ثم يأتي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، فيقول بلال : آمين، وكأنه يريد أن يوجد له مكاناً، أو أنهم يعرفون أنه إذا جاء أحد متأخراً، فتجده مثل حابس النفس يريد أن يتكلم فقال: ( لا تسبقني بآمين )، ولكن هذا الحديث في سنده كلام.
لكنا نقول: الذي يظهر -والله أعلم- أن المؤذن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يؤذن في مكانه الذي هو فيه، وليس في المكانه الذي أذن فيه، والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث جابر : ( ولا تقوموا حتى تروني )، وهذا يدل على أن بلالاً ما كان يؤذن إلا بعد أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان إذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم أقام، وربما كان النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، وهذا يدل على أن الإقامة كانت في المكان الذي كان المؤذن فيه وليس في المكان الذي أذن فيه، والله تبارك وتعالى أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: [فإن شق كأن أذن في منارة أو مكان بعيد عن المسجد أقام في المسجد لئلا يفوته بعض الصلاة، لكن لا يقيم إلا بإذن الإمام].
قول المؤلف: (لكن لا يقيم إلا بإذن الإمام) هذا جاء في حديث مرفوع، والصواب وقفه على علي بن أبي طالب كما روى ذلك البيهقي أنه قال: (المؤذن أملك بالأذان والإمام أملك بالإقامة، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين)، وهذا يدل على أن المؤذن لا يقيم إلا بإذن إمامه.
ومتى يقيم المؤذن؟ نقول: الحالة الأولى: إن كان الإمام في المسجد، فإنه يؤذن بإذنه، والحالة الثانية: إن لم يكن في المسجد، فإن السنة في حق الإمام أنه لا يأتي المسجد إلا وقت الإقامة؛ لقول جابر : ( وكان لا يقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم فإذا خرج أقام الصلاة )، هذا الذي يظهر، وعلى هذا فلو كان للإمام غرفة أمام المسجد أو غرفة يجلس فيها فإن في ذلك إن شاء الله تطبيقاً للسنة.
قول المؤلف: (ولا يصح الأذان إلا مرتباً)، يعني لا يصح أن يقول: الله أكبر الله أكبر، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، هذا باطل؛ لأن كل جملة يجب أن تكون متابعة بالجملة التي قبلها التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤذن لها، ومخالفة الترتيب يعد باطلاً في الأذان؛ لأن الأذان ذكر خاص يجب أن يقوله الإنسان بلفظه، ويستدل لذلك بالإجماع، ولعله يستدل لذلك بما ثبت في الصحيحين في قصة أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه إذا أراد أن يأوي إلى فراشه قال: ( قل: اللهم إني وجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا ملتجأ منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت )، ماذا قال أبو الدرداء ؟ قال: وبرسولك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا وبنبيك )، فبعض العلماء -كما ذكر ذلك ابن القيم في الوابل الصيب وغيره- يقولون: إن هذا دليل على أن أذكار الصباح والمساء، والأذكار الواردة ما يجوز للإنسان أن يغير ألفاظها، بل يذكرها كما ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، والمسألة محل بحث ليس هذا موطنها، لكن هذا ذكر خاص يجب على المسلم والمؤذن ألا يخالفه، ولهذا قال المؤلف: (لأنه لا يمكن المقصود منه إلا بذلك، فإن نكسه لم يعتد به)، والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: [ ويجوز الكلام بين الأذان وبعد الإقامة قبل الصلاة. ولا يصح الأذان إلا من واحد ذكر عدل، ولو ظاهراً، فلو أذن واحد بعضه وكمله آخر أو أذنت امرأة أو خنثى أو ظاهر الفسق لم يعتد به، ويصح الأذان ولو كان ملحناً أي: مطرباً به، أو كان ملحوناً لحناً لا يحيل المعنى، ويكرهان من ذي لثغة فاحشة وبطل إن أحيل المعنى، ويجزئ أذان من مميز لصحة صلاته كالبالغ ].
قول المؤلف: (ويجوز الكلام بين الأذان وبعد الإقامة قبل الصلاة)، وقد مر معنا شرح هذا سابقاً.
قال المؤلف رحمه الله: (عدل) وخرج بذلك الفاسق، والفاسق لا يصح أذانه؛ ولهذا قال ابن تيمية رحمه الله: إن الفاسق لا يصح أذانه على أنه فرض كفاية، يعني: لو أن بلداً ليس فيها إلا مؤذن واحد، فلا يؤذن الفاسق، بل قال ابن تيمية رحمه الله: إنه لا ينبغي أن يوظف الفاسق في الأذان؛ لأنه ربما أخل، ولم يحترم أوقات الصلوات، فربما أذن قبل الوقت أو بعده، فلأجل هذا منع ابن تيمية رحمه الله الفاسق أن يكون مؤذناً حيث قال: وأما ترتيب الفاسق مؤذناً فلا ينبغي قولاً واحداً، ومعنى الترتيب يعني جعله موظفاً إماماً راتباً.
قال المؤلف رحمه الله: (ولو ظاهراً)، يعني أن ظاهره سيما الخير.
قال المؤلف رحمه الله: (فلو أذن واحد بعضه وكمله آخر)، يعني مثلاً يؤذن شخص فيقول: الله أكبر الله أكبر أربع مرات، وأشهد أن لا إله إلا الله مرتين، وأشهد أن محمداً رسول الله مرتين، ثم يأتي شخص آخر فيكمل الأذان الباقي، نقول: إن هذا لا يصح بل لا بد أن يكمل الأذان واحد، فلو حصل للمؤذن الأول بعض الأشياء فلم يستطع إكماله، فإنه يأتي الثاني ويعيد من أول شيء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤذن بين يدي حضرته عليه الصلاة والسلام من غير اختلاف بين جمل الأذان من إمام واحد أو مؤذن واحد.
قال المؤلف رحمه الله: (أو أذنت امرأة أو خنثى أو ظاهر الفسق لم يعتد به)، معنى الاعتداد هنا: اعتداد في الفرض الكفائي، أما لو جاء شخص فاسق فأذن مع أن الحي أو البلد قد أذن فيه فهذا لا بأس به، لكن القصد ألا يوضع إماماً أو مؤذناً راتباً، الثاني: ألا يكون هو الذي يؤذن الأذان الذي يرفع الفرض الكفائي، وأما إذا أذن أذاناً استحباباً بأن تكون المساجد كثيرة فأذن أحدهم فلا حرج في ذلك إن شاء الله والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: (أو كان ملحوناً لحناً لا يحيل المعنى)، مثل أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، هذا لحن أليس كذلك؟ والصحيح أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله إدغاماً، أو يقول: أشهد أن محمدٌ رسول الله هذا خطأ ولحن لكنه لا يحيل المعنى.
قال المؤلف رحمه الله: (وبطل إن أحيل المعنى)؛ لأنه إذا أحال المعنى لم يحصل المقصود، وصارت الجملة المأمور بها بسبب إحالة المعنى كأنها جملة أخرى، فكأنه قال بدل التكبير التهليل، أو بدل التكبير التسبيح، ومن المعلوم أن التسبيح ليس في الأذان، فهذا هو المقصود، والله أعلم.
أما أن يكون المؤذن صبياً مميزاً للأذان الكفائي للبلد فلا، كما ذكر ذلك أبو العباس بن تيمية رحمه الله، ولهذا قال: والأشبه أن الأذان الذي يسقط الفرض عن أهل القرية ويعتمد في وقت الصلاة والصيام لا يجوز أن يباشره صبي قولاً وحداً، ولا يسقط الفرض ولا يعتد به.
أما على سبيل الاستحباب مثل أن يكون أحد المساجد أذن فيه الصبي فلا حرج إن شاء الله.
قول المؤلف: (ويبطلهما أي: الأذان والإقامة، فصل كثير بسكوت)، أي: سكوت طويل بين التكبير مثلاً وبين الشهادتين، وهذه الإطالة إطالة عرفية بحيث أن المؤذن لو أكمل لرأى السامع أن إكماله لا علاقة له بالسابق، وهذه الإطالة إطالة عرفية تقدر بقدرها؛ لأن سكوته بحيث يطول الفصل كأنه كلام أجنبي.
قال المؤلف رحمه الله: (أو كلام ولو مباحاً)، مثل أن يقول: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، ثم يجلس فيتحدث مع صاحبه أو زميله، ولو كان هذا الكلام مباحاً مثل أن يتحدث عن ميكرفونات المسجد أو لوحات المسجد أو غير ذلك، فهذا يبطل الأذان، إذا كان الكلام طويلاً مباحاً، أما لو كان الكلام قصيراً ولكنه محرم، فإن المؤلف يقول: يبطل الأذان ولو كان يسيراً كالقذف أو الغيبة مثل المؤذن يقول: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، ثم يلتفت على صاحبه ويتحرك بكلمة أو بفعل ليضحك القوم وهو يغتاب أحد زملائه الذين لم يكونوا حاضرين، وهذا يوجد كثير، فعلى كلام المؤلف أن ذلك يبطل الأذان، ومن ذلك أيضاً مثلاً لو أذن ثم التفت إلى من معه فقذفه، أو نمَّ فقال: إن فلاناً تكلم فيك، وقال فيك كذا وكذا وكذا ثم أكمل، فيقول المؤلف: إذا كان كلاماً محرماً فيبطل الأذان، ولكنا نقول: إن الذي يظهر -والله أعلم- أنه إذا كان الفصل يسيراً جداً، ولم يرفع صوته بالكلام المحرم مثل رفع الأذان فإنه محرم فعله ولكن الأذان صحيح، والله تبارك وتعالى أعلم؛ لأن الكلام المحرم والكلام المباح كله فصل بين الجملتين فإذا جاز فصل المباح جاز فصل المحرم؛ لأن حرمته ليس لأجل الأذان، والله أعلم.
ولهذا الصحيح أن الأذان صحيح، ولكنه مع الإثم.
قول المؤلف: (ويسن في أوله)، لو قال المؤلف: ويسن في أوله إلا إذا كانوا جماعة لكان أولى، لما روى البخاري و مسلم في صحيحيهما من حديث أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: ( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأراد المؤذن أن يؤذن فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أبرد أبرد، أو قال له: انتظر انتظر، وقال: إن شدة الحر من فيح جهنم، ثم أراد أن يؤذن، فقال: أبرد أبرد، ثم أراد أن يؤذن، فقال: أبرد أبرد، ثم أمره أن يؤذن يقول
قال المؤلف رحمه الله: (إلا لفجر فيصح بعد نصف الليل)، قوله (إلا لفجر) ظاهر كلام المؤلف أنه يصح أن يؤذن المؤذن قبل الوقت في صلاة الفجر، ولا يؤذن أذاناً آخر، وهذا محل نظر.
والذي يظهر والله أعلم أنه يجب أن يؤذن المؤذن في الوقت في الفجر وغيره، إلا أنه يجوز أن يؤذن أذاناً ثانياً للفجر قبل الوقت؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن
المسألة الثانية: يقول المؤلف: (بعد نصف الليل)، يعني: أنه لو أذن الأذان الأول بعد منتصف الليل، منتصف الليل الآن كم؟ اثنا عشر ونص تقريباً أو واحدة إلا ربع، فإذا أذن المؤذن بعد نصف الليل هل ينطبق عليه حديث: ( إن
قال المؤلف رحمه الله: [ويستحب لمن أذن قبل الفجر أن يكون معه من يؤذن في الوقت].
قول المؤلف: (أن يكون معه من يؤذن في الوقت)، الأقرب والله أعلم أن هذا على سبيل التأكيد ولو قيل بالوجوب إذا كان يؤدي رفع الكفائي، أما إذا كان بعض المساجد يؤذن قبل الفجر وينتهي وبعض المساجد تؤذن في الوقت فهذا قد فعل في البلد الواجب.
وعلى هذا فقوله: (ويستحب لمن أذن) إذا كان مسجد من مساجد البلد، والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: [وأن يتخذ ذلك عادة لئلا يغر الناس].
أن يتخذ عادة أي أنه إذا أذن قبل الفجر لا بد أن يؤذن عند دخول الوقت، وهذا على سبيل الوجوب لرفع الوجوب الكفائي الذي يسقط به الفرض، وأما إذا كان بعض المساجد مثل كبار السن يشق عليه الأذان إلا مرة واحدة فيؤذن قبل الوقت بثلث أو بنصف ساعة فلا حرج، إذا كانت بعض المساجد سوف تؤذن والله أعلم.
قول المؤلف: (ورفع الصوت بالأذان ركن)؛ لأن المقصود الأعظم في الأذان هو الدعاء والنداء إلى الصلاة، فإذا لم يرفع صوته لم يحصل المقصود من الأذان، ولهذا قال ابن عمر كما في الصحيحين: ( كان الناس يجتمعون فيتحينون للصلاة وليس ينادى بها أحد، فتكلموا يوماً في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوساً مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: بوقاً مثل بوق اليهود، فقال
نقف عند هذا والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر