بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم إنا نعوذ بك أن نضل أو نُضل، أو نزل أو نُزل، أو نظلم أو نُظلم، أو نجهل أو يجهل علينا، اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وارزقنا علماً وعملاً يا كريم! وبعد:
صفة الإقامة
فقد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهي أي: الإقامة، إحدى عشرة جملة بلا تثنية، وتباح تثنيتها، يحدرها أي: يسرع فيها، ويقف على كل جملة كالأذان، ويقيم من أذن استحباباً، فلو سبق المؤذن بالأذان فأراد المؤذن أن يقيم، فقال
أحمد : لو أعاد الأذان كما صنع
أبو محذورة فإن أقام من غير إعادة فلا بأس قاله في المبدع].
قول المؤلف: (وهي أي: الإقامة، إحدى عشرة جملة بلا تثنية)، هذا هو مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وهو مذهب الشافعي و مالك إلا أن مالكاً يقول: (الله أكبر) مرة، (وقد قامت الصلاة) مرة، والباقي مثل أذان بلال ، على خلاف عند مالك بأن النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أنس : ( أمر بلالاً أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة )، حيث قال مالك : وتر الإقامة معناه: أن يقول: الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، الله أكبر، لا إله إلا الله، هذا هو مذهب مالك ، والشافعي اختار كما مر معنا إقامة بلال وكذلك الإمام أحمد .
وقلنا: إن الراجح أن العبادات الواردة على وجوه متنوعة الأفضل فعل هذه تارة، وفعل هذه تارة، وذكرنا فائدة تنويع العبادات الواردة على وجوه متنوعة، وإن كان الأولى والأخلق لطالب العلم ألا يذكر المسائل المشوشة على الناس، كما قال أبو العباس بن تيمية رحمه الله: والواجب أمر العامة بالمسائل المجملة، ولا ينبغي الدخول معهم في التفصيل؛ لأن التفصيل في بعض المواطن يثير فتنة، هذا كلام أبي العباس ابن تيمية رحمه الله في الجملة.
وذكرنا معنى هذا أنه إذا كانوا جماعة في بر أو رحلة فلا بأس أن يطبقوا السنة في مثل إقامة أبي محذورة ، لكن إذا اعتاد بلد على أذان معين كأذان بلال أو أذان أبي محذورة فلا ينبغي أن يخالفهم في ذلك؛ لأن الناس لا تتحمل قلوبهم لمثل هذا الاختلاف؛ لأنهم يرون أن مثل هذا شعيرة من شعائر العبادات، وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة.
قول المؤلف: (وتباح تثنيتها) يعني أن يقول: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، جملتين جملتين، ومر معنا أن هذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في شيء، وعلى هذا فمتى فعلها المؤذن بأي طريقة كانت جاز ذلك، إلا أن الإقامة كما قال المؤلف: (يحدرها) تختلف عن الأذان؛ لأن الإقامة المقصود بها يختلف عن مقصود الأذان، فالأذان هو الدعاء والنداء إلى الصلاة، فناسب رفع الصوت، وناسب أن يذكرها في مكان عال، أما الإقامة: هي إعلام الحاضرين بالشروع في الصلاة، ولا مانع أن يعلم من خارج المسجد، لما جاء في صحيح البخاري وغيره، أن ابن عمر رضي الله عنه قال: ( كنا إذا سمعنا الإقامة، والعشاء حاضر قدمنا العشاء )، وهذا يدل على أنهم كانوا يسمعون الإقامة أحياناً، ولعل هذا دليل على من قال بجواز الإقامة بالميكرفون؛ لأنهم كانوا يسمعون، خاصة إذا قلنا أن من العلماء من كان يرى أن الإقامة تكون في موطن الأذان، كما سوف يأتي بيانه إن شاء الله، وعلى هذا فيحدرها أي: يسرع فيها، ويقف عند كل جملة كالأذان.
استحباب الإقامة من المؤذن
قال المؤلف رحمه الله: (ويقيم من أذن) هذا على سبيل الاستحباب، أن من أذن هو الذي يقيم، دليل ذلك أن الغالب إذا أذن
بلال فهو الذي يقيم، وإذا أذن
أبو محذورة فهو الذي يقيم، وكذلك
ابن أم مكتوم ، ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين من أذن وبين من يقيم، وأما ما جاء عند
الترمذي وغيره من حديث
زياد بن الحارث الصدائي : (
أن بلالاًتأخر عن الأذان فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤذن فأذن، فلما حضرت الصلاة فأراد بلال أن يقيم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أخا صداء قد أذن، ومن أذن فهو يقيم)، فهذا الحديث دليل على مشروعية أن من أذن فهو يقيم، إلا أن مثل هذا الحديث لا يفرح به، حيث إن في سنده
عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي ، وهذا يكاد يتفق الأئمة على ضعفه، وعلى هذا فلا يفرح به.
قال المؤلف رحمه الله: (فلو سبق المؤذن بالأذان)، نقول: إنه لا ينبغي أن يتقدم الناس بين يدي المؤذن؛ لأن من الناس أحياناً من يكون في المسجد، فمتى جاء وقت الأذان تجد أنهم يتسارعون، وربما يتسابقون في الأذان، وهذا نوع افتيات في حق المؤذن الذي جعل راتباً ورضيه جماعة المسجد، وربما وضعه من ولي أمر المسلمين، فمثل هذا العمل نوع من الافتيات، لكن إذا تأخر واعتاد الجماعة أنه إذا تأخر يؤذن أحدهم فلا حرج في ذلك، ولكنه لو جاء فوجد مؤذناً قد أذن ولم يكن الوقت وقت فطر كالمغرب في رمضان، أو وقت إمساك كالفجر، فيجوز أن يؤذن المؤذن الراتب بعد ذلك؛ لأن حقه ما زال قائماً، كما صنع أبو محذورة كما ذكر ذلك الإمام أحمد، فإذا جاء المؤذن وقد أذن والوقت ما زال، ولم يتأخر إلا أربع دقائق أو خمس دقائق فلا حرج أن يؤذن هو مرة ثانية، ليبين حقه في ذلك، أما إن كان يسمح فلا يشرع له الأذان مرة ثانية؛ لأنه مر معنا أنه لا يشرع كما ذكر ابن تيمية رحمه الله أن يؤذن في المسجد مرتين، وقال ابن تيمية : إن هذه بدعة باتفاق العلماء، لكنه إذا جاء المؤذن فوجد أحدهم قد استبد بالأمر، ولم يأخذ برأيه فله أن يؤذن إذا لم يكن الوقت قد تأخر، كما صنع أبو محذورة ، وعلى هذا فمن يقيم؟ نقول: يقيم الثاني؛ لأن الأول صار مفتئتاً على حق المؤذن. وهذا له أصل، فقد يقول قائل: ما دليل الافتيات؟ نقول: قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم : ( ولا يتقدم أحد بين يدي صاحب البيت إلا بإذنه )، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن لصاحب البيت حقاً فلا يتقدمن عليه أحد، وعلى هذا لو جاء جماعة في بيت أحد فأرادوا أن يصلوا، فلا يقال هنا: أقرؤهم لكتاب الله؛ لأن هذا حق لصاحب المنزل، فهو الذي يتقدم أو يأذن، مثل لو أن للمسجد إماماً فجاء من هو أقرأ منه، فلا يتقدم الأقرأ؛ لأن حديث أبي مسعود البدري : ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله )، هذا في حال إذا لم يكن للمسجد إمام راتب، ولا للبيت جماعة في البيت فإن هذا يستثنى كما في الأحاديث الصحيحة.
قال المؤلف رحمه الله: (فإن أقام من غير إعادة)، فإن أقام يعني: الثاني (أقام من غير إعادة فلا بأس، قاله في المبدع).
نقول: لا بأس؛ لأن مخالفة السنة لا يلزم منها الكراهة؛ لأنه مستحب، ففرق بين الاستحباب وتركه، وفرق بين ترك الاستحباب والكراهة.
قال المؤلف رحمه الله: [في مكانه أي: يسن أن يقيم في مكان أذانه؟ إن سهل؛ لأنه أبلغ في الإعلام].
مكان الإقامة
قول المؤلف: (في مكانه) يعني: يستحب أن يقيم المؤذن في مكانه الذي أذن فيه؛ ولهذا قال: (إن سهل)، أما إن لم يكن سهلاً ذلك عليه مثل أن يكون في منارة يرقى عليها أو يرقى إليها فإن في ذلك حرجاً، ولربما فاتته تكبيرة الإحرام، ولربما فاتته الركعة أيضاً، فهذا يدل على أنه إن كان المكان قريباً مثلما يوجد الآن في هذه الأوقات فإنه أفضل وإلا فلا.
قال المؤلف رحمه الله: (لأنه أبلغ في الإعلام) لكن الأظهر أنه يؤذن في مكانه، فإن سمعه الناس ورفع صوته قليلاً فلا حرج في ذلك إن شاء الله.
الإمام أحمد رحمه الله عندما سئل: هل يقيم المؤذن في مكانه الذي أذن فيه، أم في المكان الذي هو فيه؟ قال: لم يبلغني شيء إلا قول النبي صلى الله عليه وسلم لـبلال : ( لا تسبقني بآمين )، وجه الدلالة قال العلماء: هذا حديث رواه أهل السنن قالوا: إن بلالاً كان يؤذن في المنارة ثم يأتي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ
غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ
[الفاتحة:7]، فيقول بلال : آمين، وكأنه يريد أن يوجد له مكاناً، أو أنهم يعرفون أنه إذا جاء أحد متأخراً، فتجده مثل حابس النفس يريد أن يتكلم فقال: ( لا تسبقني بآمين )، ولكن هذا الحديث في سنده كلام.
لكنا نقول: الذي يظهر -والله أعلم- أن المؤذن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يؤذن في مكانه الذي هو فيه، وليس في المكانه الذي أذن فيه، والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث جابر : ( ولا تقوموا حتى تروني )، وهذا يدل على أن بلالاً ما كان يؤذن إلا بعد أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان إذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم أقام، وربما كان النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، وهذا يدل على أن الإقامة كانت في المكان الذي كان المؤذن فيه وليس في المكان الذي أذن فيه، والله تبارك وتعالى أعلم.
إقامة الصلاة بإذن الإمام
الترتيب بين كلمات الأذان والإقامة
قال المؤلف رحمه الله: [ولا يصح الأذان إلا مرتباً كأركان الصلاة متوالياً عرفاً؛ لأنه لا يمكن المقصود منه إلا بذلك، فإن نكسه لم يعتد به. ولا تعتبر الموالاة بين الإقامة والصلاة إذا أقام عند إرادة الدخول فيها].
قول المؤلف: (ولا يصح الأذان إلا مرتباً)، يعني لا يصح أن يقول: الله أكبر الله أكبر، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، هذا باطل؛ لأن كل جملة يجب أن تكون متابعة بالجملة التي قبلها التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤذن لها، ومخالفة الترتيب يعد باطلاً في الأذان؛ لأن الأذان ذكر خاص يجب أن يقوله الإنسان بلفظه، ويستدل لذلك بالإجماع، ولعله يستدل لذلك بما ثبت في الصحيحين في قصة أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه إذا أراد أن يأوي إلى فراشه قال: ( قل: اللهم إني وجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا ملتجأ منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت )، ماذا قال أبو الدرداء ؟ قال: وبرسولك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا وبنبيك )، فبعض العلماء -كما ذكر ذلك ابن القيم في الوابل الصيب وغيره- يقولون: إن هذا دليل على أن أذكار الصباح والمساء، والأذكار الواردة ما يجوز للإنسان أن يغير ألفاظها، بل يذكرها كما ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، والمسألة محل بحث ليس هذا موطنها، لكن هذا ذكر خاص يجب على المسلم والمؤذن ألا يخالفه، ولهذا قال المؤلف: (لأنه لا يمكن المقصود منه إلا بذلك، فإن نكسه لم يعتد به)، والله أعلم.
الموالاة بين الإقامة والصلاة
قال المؤلف رحمه الله: (ولا تعتبر الموالاة بين الإقامة والصلاة إذا أقام عند إرادة الدخول فيها)، يعني: أنه إذا أقام المؤذن الصلاة ثم تأخر الإمام بالتكبير فإنه لا يلزم أن يعيد المؤذن الإقامة، فالإقامة إذا أقيمت لا يلزم الإعادة، ويستدل لذلك بما رواه
مسلم في صحيحه من حديث
أبي هريرة أنه قال: (
أقيمت الصلاة وقمنا فعدلنا الصفوف قبل أن يخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج، فلما أراد أن يكبر تذكر فرجع إلى بيته ثم جاء وإن رأسه ليقطر ماء )، فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم تأخر بين تكبيره في الصلاة والإقامة؛ ولهذا لا بأس بذلك ولا يلزم الإعادة، والله تبارك وتعالى أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: [ ويجوز الكلام بين الأذان وبعد الإقامة قبل الصلاة. ولا يصح الأذان إلا من واحد ذكر عدل، ولو ظاهراً، فلو أذن واحد بعضه وكمله آخر أو أذنت امرأة أو خنثى أو ظاهر الفسق لم يعتد به، ويصح الأذان ولو كان ملحناً أي: مطرباً به، أو كان ملحوناً لحناً لا يحيل المعنى، ويكرهان من ذي لثغة فاحشة وبطل إن أحيل المعنى، ويجزئ أذان من مميز لصحة صلاته كالبالغ ].
قول المؤلف: (ويجوز الكلام بين الأذان وبعد الإقامة قبل الصلاة)، وقد مر معنا شرح هذا سابقاً.
وقوله: (ولا يصح الأذان إلا من واحد ذكر عدل)، يعني: أنه لو أقام، أو لو أذنت امرأة لرجال لم يجزئ عن فرض الكفاية، ولهذا ذكر
ابن هبيرة رحمه الله أنهم أجمعوا على أن المرأة لو أذنت أمام الرجال لم يجزئ ذلك عن الواجب، ولكن لو أذنت بين نسائها فقد ذكرنا أن ذلك جائز بشرط عدم الاعتياد، لما روى
ابن المنذر في الأوسط أن
عائشة رضي الله عنها كانت تؤذن وتقيم، وهذا على سبيل بعض الأحايين، أما أن يكون دائماً فلا، والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: (عدل) وخرج بذلك الفاسق، والفاسق لا يصح أذانه؛ ولهذا قال ابن تيمية رحمه الله: إن الفاسق لا يصح أذانه على أنه فرض كفاية، يعني: لو أن بلداً ليس فيها إلا مؤذن واحد، فلا يؤذن الفاسق، بل قال ابن تيمية رحمه الله: إنه لا ينبغي أن يوظف الفاسق في الأذان؛ لأنه ربما أخل، ولم يحترم أوقات الصلوات، فربما أذن قبل الوقت أو بعده، فلأجل هذا منع ابن تيمية رحمه الله الفاسق أن يكون مؤذناً حيث قال: وأما ترتيب الفاسق مؤذناً فلا ينبغي قولاً واحداً، ومعنى الترتيب يعني جعله موظفاً إماماً راتباً.
قال المؤلف رحمه الله: (ولو ظاهراً)، يعني أن ظاهره سيما الخير.
قال المؤلف رحمه الله: (فلو أذن واحد بعضه وكمله آخر)، يعني مثلاً يؤذن شخص فيقول: الله أكبر الله أكبر أربع مرات، وأشهد أن لا إله إلا الله مرتين، وأشهد أن محمداً رسول الله مرتين، ثم يأتي شخص آخر فيكمل الأذان الباقي، نقول: إن هذا لا يصح بل لا بد أن يكمل الأذان واحد، فلو حصل للمؤذن الأول بعض الأشياء فلم يستطع إكماله، فإنه يأتي الثاني ويعيد من أول شيء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤذن بين يدي حضرته عليه الصلاة والسلام من غير اختلاف بين جمل الأذان من إمام واحد أو مؤذن واحد.
قال المؤلف رحمه الله: (أو أذنت امرأة أو خنثى أو ظاهر الفسق لم يعتد به)، معنى الاعتداد هنا: اعتداد في الفرض الكفائي، أما لو جاء شخص فاسق فأذن مع أن الحي أو البلد قد أذن فيه فهذا لا بأس به، لكن القصد ألا يوضع إماماً أو مؤذناً راتباً، الثاني: ألا يكون هو الذي يؤذن الأذان الذي يرفع الفرض الكفائي، وأما إذا أذن أذاناً استحباباً بأن تكون المساجد كثيرة فأذن أحدهم فلا حرج في ذلك إن شاء الله والله أعلم.
تلحين الأذان
قال المؤلف رحمه الله: (ويصح الأذان ولو كان ملحناً)، التلحين: هو التطريب، والتطريب: هو أن يكثر من الزيادة في المدود والإمالة، ولكن روى
البيهقي أن مؤذناً أذن بين يدي أمير المؤمنين
عمر بن عبد العزيز وكان يطرب في أذانه فقال: إما أن تؤذن أذاناً سمحاً وإلا فاعتزلنا، فكره
عمر بن عبد العزيز أن يطرب المؤذن في أذانه، وهذه المسألة مسألة نسبية، ولكنا نقول في الجملة: لا ينبغي كثرة الإمالات بحيث تخالف مقصود الأذان.
قال المؤلف رحمه الله: (أو كان ملحوناً لحناً لا يحيل المعنى)، مثل أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، هذا لحن أليس كذلك؟ والصحيح أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله إدغاماً، أو يقول: أشهد أن محمدٌ رسول الله هذا خطأ ولحن لكنه لا يحيل المعنى.
أذان الأثلغ
قال المؤلف رحمه الله: (ويكرهان من ذي لثغة فاحشة)؛ لأن ذا اللثغة سوف يكون أذانه فيه لحن أو فيه ربما إحالة للمعنى، والألثغ: هو الذي يبدل الراء غيناً أو يبدل الراء لاماً، فيقول: اللحمن اللحيم، فهذا نوع من اللثغة.
قال المؤلف رحمه الله: (وبطل إن أحيل المعنى)؛ لأنه إذا أحال المعنى لم يحصل المقصود، وصارت الجملة المأمور بها بسبب إحالة المعنى كأنها جملة أخرى، فكأنه قال بدل التكبير التهليل، أو بدل التكبير التسبيح، ومن المعلوم أن التسبيح ليس في الأذان، فهذا هو المقصود، والله أعلم.
أذان الصبي المميز
قال المؤلف رحمه الله: (ويجزئ أذان من مميز لصحة صلاته كالبالغ)، نقول: إن أذان المميز يصح، وهذا قول عامة أهل العلم، وحكى
ابن هبيرة الإجماع على ذلك، وهذا من حيث حصول الاستحباب، كما روى
ابن المنذر أن
عبد الله بن أبي بكر قال: كان عمومتي يأمروني أن أؤذن وأنا صغير لم أحتلم، و
أنس بن مالك شاهد فلم ينكر ذلك.
أما أن يكون المؤذن صبياً مميزاً للأذان الكفائي للبلد فلا، كما ذكر ذلك أبو العباس بن تيمية رحمه الله، ولهذا قال: والأشبه أن الأذان الذي يسقط الفرض عن أهل القرية ويعتمد في وقت الصلاة والصيام لا يجوز أن يباشره صبي قولاً وحداً، ولا يسقط الفرض ولا يعتد به.
أما على سبيل الاستحباب مثل أن يكون أحد المساجد أذن فيه الصبي فلا حرج إن شاء الله.
الفصل بين جمل الأذان بسكوت أو كلام
قال المؤلف رحمه الله: [ويبطلهما أي: الأذان والإقامة فصل كثير بسكوت أو كلام ولو مباحاً، وكلام يسير محرم كقذف وكره اليسير غيره].
قول المؤلف: (ويبطلهما أي: الأذان والإقامة، فصل كثير بسكوت)، أي: سكوت طويل بين التكبير مثلاً وبين الشهادتين، وهذه الإطالة إطالة عرفية بحيث أن المؤذن لو أكمل لرأى السامع أن إكماله لا علاقة له بالسابق، وهذه الإطالة إطالة عرفية تقدر بقدرها؛ لأن سكوته بحيث يطول الفصل كأنه كلام أجنبي.
قال المؤلف رحمه الله: (أو كلام ولو مباحاً)، مثل أن يقول: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، ثم يجلس فيتحدث مع صاحبه أو زميله، ولو كان هذا الكلام مباحاً مثل أن يتحدث عن ميكرفونات المسجد أو لوحات المسجد أو غير ذلك، فهذا يبطل الأذان، إذا كان الكلام طويلاً مباحاً، أما لو كان الكلام قصيراً ولكنه محرم، فإن المؤلف يقول: يبطل الأذان ولو كان يسيراً كالقذف أو الغيبة مثل المؤذن يقول: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، ثم يلتفت على صاحبه ويتحرك بكلمة أو بفعل ليضحك القوم وهو يغتاب أحد زملائه الذين لم يكونوا حاضرين، وهذا يوجد كثير، فعلى كلام المؤلف أن ذلك يبطل الأذان، ومن ذلك أيضاً مثلاً لو أذن ثم التفت إلى من معه فقذفه، أو نمَّ فقال: إن فلاناً تكلم فيك، وقال فيك كذا وكذا وكذا ثم أكمل، فيقول المؤلف: إذا كان كلاماً محرماً فيبطل الأذان، ولكنا نقول: إن الذي يظهر -والله أعلم- أنه إذا كان الفصل يسيراً جداً، ولم يرفع صوته بالكلام المحرم مثل رفع الأذان فإنه محرم فعله ولكن الأذان صحيح، والله تبارك وتعالى أعلم؛ لأن الكلام المحرم والكلام المباح كله فصل بين الجملتين فإذا جاز فصل المباح جاز فصل المحرم؛ لأن حرمته ليس لأجل الأذان، والله أعلم.
ولهذا الصحيح أن الأذان صحيح، ولكنه مع الإثم.
تقديم الأذان وتأخيره
رفع الصوت بالأذان