الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، أما بعد:
فقد كنت قد ذكرت أن مذهب مالك أنه يؤذن أو يقيم الإقامة فرادى حتى التكبير، فأفادني بعض الإخوة جزاه الله خيراً! وذكر لي مقولات عن المالكية أن التكبير عن مالك مرتين فيضاف في موضعه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويسن جلوسه أي: المؤذن بعد أذان المغرب أو صلاة يسن تعجيلها قبل الإقامة يسيراً؛ لأن الأذان شرع للإعلام فسن تأخير الإقامة للإدراك، ومن جمع بين صلاتين لعذر أذن للأولى وأقام لكل منهما، سواء كان جمع تقديم أو تأخير، أو قضى فرائض فوائت أذن للأولى ثم أقام لكل فريضة من الأولى وما بعدها، وإن كانت الفائتة واحدة أذن لها وأقام، ثم إن خاف من رفع صوته به تلبيساً أسر وإلا جهر، فلو ترك الأذان لها فلا بأس].
قول المؤلف: (ويسن جلوسه أي: المؤذن بعد أذان المغرب أو صلاة يسن تعجيلها قبل الإقامة يسيراً)، قوله: (يسن جلوسه) في مثل هذا، فيه نظر؛ ذلك أن الاستحباب حكم شرعي، لا يثبت إلا بدليل شرعي، ولو قال المؤلف كما قال بعض الأصحاب ويسن سكوته بمقدار جلسة خفيفة حتى يميز بين الأذان والإقامة لكان في ذلك وجه، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم كما في حجة الوداع، كما في صحيح مسلم من حديث جابر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة أذن ثم أقام فصلى )، وعلى هذا فقول المؤلف: (ويسن جلوسه) إن كان قصد الجلوس المعروف، فيقال: لو قال المؤلف ويسن أن يفصل بين الأذان والإقامة مطلقاً، كي يطبق الناس سنة من السنن، فالظهر يسن قبلها أربع ركعات أو ركعتين لحديث عائشة أربع، وحديث ابن عمر ركعتين، والمغرب لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن المغفل : ( صلوا قبل المغرب ركعتين، صلوا قبل المغرب ركعتين، صلوا قبل المغرب ركعتين لمن شاء )، وحديث: ( بين كل أذانين صلاة )، فلو قال المؤلف: ويسن سكوت قدر ما يصلي مأموم ركعتين لكان أفضل، ويسن الفصل بين الأذان والإقامة قدر ما يصلي مأموم ركعتين لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( بين كل أذانين صلاة )، لكان أفضل.
قال المؤلف رحمه الله: (لأن الأذان شرع للإعلام فالسنة تأخير الإقامة للإدراك)، وهذا الفرق واضح أن الأذان غير الإقامة بدليل: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أذن بلال اضطجع، وكان إذا نام نفخ )، وهذا يدل على الفصل بين الأذان والإقامة.
الجمع لعذر كسفر
قال المؤلف رحمه الله: (ومن جمع بين صلاتين لعذر أذن للأولى وأقام لكل منهما، سواء كان جمع تقديم أو تأخير)، الذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلم وهو مذهب أكثر أهل العلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جمع بين الظهر والعصر، أو بين المغرب والعشاء جمع تقديم أو تأخير، كسفر أنه كان يؤذن للأولى ويقيم لكل صلاة؛ لما جاء في صحيح
مسلم من حديث
جابر : (
فأذن وأقام لكل صلاة )، وأما ما جاء في حديث
ابن عمر كما في الصحيحين : (
أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للأولى وأقام للأولى فقط )، فهذا كما يقول أهل العلم أنه وهم من
ابن عمر ولربما لم يسمع الإقامة الثانية لبعده في آخر الصف، وإلا فالمحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أقام لكل صلاة.
الأذان والإقامة لمن قضى فرائض الفوائت
قال المؤلف رحمه الله: (أو قضى فرائض فوائت أذن للأولى ثم أقام لكل فريضة)، هنا لو أن شخصاً نام عن صلاة الفجر والظهر ولم يقم إلا العصر، فالمشروع في حقه أن يؤذن أذاناً واحداً لجميع الصلوات الثلاث، ثم يصلي الفجر ثم الظهر ثم العصر بعد كل إقامة لكل صلاة، يقيم للفجر ثم يصلي، ثم يقيم للظهر ثم يصلي، ثم يقيم للعصر ثم يصلي، وهذا الحكم إذا كانوا جماعة، أو كان في بلد من غير رفع الصوت بحيث يشوش على الناس، فلو كانوا جماعة، جاءوا في استراحة فأحب أحدهم أن يؤذن فلا حرج أن يؤذن ليسمعهم، كما مر معنا أن رفع الصوت ركن إلا لمن حضر.
وعلى هذا فقول المؤلف: مطلقاً أنه يؤذن إذا جمع فائتة، لا بد أن يقال: إذا لم يحصل تشويش في ذلك؛ لأنه ربما يرفع صوته بالأذان فيظن الناس أن أذان المغرب قد دخل، أو أن عليه صلاة الظهر فصلاها في آخر وقت الظهر فأذن لها فيظن الناس أن وقت العصر قد دخل، فيقال: إن الأذان هنا إنما هو لتحقيق السنة وليس للدعاء والنداء إلى الصلاة عامة.
قال المؤلف رحمه الله: (وإن كانت الفائتة واحدة أذن لها وأقام) دليله ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي قتادة في قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في غزوة من الغزوات فقال: ( من يكلأ لنا الليل؟ قال بلال : أنا يا رسول الله! فنام الصحابة ورسول الله معهم، فنام بلال في آخر الوقت فلم يصحوا إلا والشمس على ظهورهم، فقال: ما هذا يا بلال ؟ فقال: أخذ بعيني الذي أخذ بعينك يا رسول الله قال: ارتحلوا فقال: إن هذا مكان حضرنا فيه شيطان، ثم انتقل فأمر بلالاً فأذن ثم أقام )، وعلى هذا فنقول لمن نام عن صلاة الفجر حتى خرج وقتها: يسن لك أن تنتقل من مكانك الذي نمت فيه عن الصلاة فتصلي في غرفة أخرى، أو في بقعة أخرى، هذه استحسنها بعض أهل العلم؛ نقول: لأن هذا مكان حضرنا فيه شيطان كما جاء في الصحيحين من حديث ابن مسعود أنه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم: ( رجل نام حتى أصبح )، ومعنى أصبح يعني: حتى طلع الصبح والشمس، فقال: ( ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه )، وقال بعضهم: إن الاستحباب إنما هو في الأمكنة التي يحضرها الناس، أما في البيوتات فلم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة أنهم انتقلوا من ذلك، والمسألة محل بحث، لكن نقول: لو انتقل على سبيل الاستحسان والاقتداء لم يكن ببعيد، والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: (ثم إن خاف من رفع صوته به تلبيساً أسر)، إن خاف أن يرفع صوته فيلبس على الناس فإنه يسر، والله أعلم.
ثم إني أقول: إن هذه السنة التي أشار إليها المؤلف تخفى على كثير من المسلمين حيث إنه إذا كان في بيته ففاتته الصلاة، فإنه يسن له أن يؤذن إذا كانوا مجموعة، خاصةً أهل البيت إذا كان هو وزوجته وأولاده قد ناموا عن الصلاة؛ فإنه يوقظهم ويؤذن في البيت، ثم إن الأذان طرد للشيطان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: ( إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين )، وهذه من القواعد في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان حتى يكون في الروحاء، حتى لا يسمع التأذين )، قال سليمان الأعمش : فسألته: كم بين الروحاء وبين مسجد رسول الله، قال: ستة وثلاثون ميلاً، تقريباً خمسين كيلو متراً، وفي رواية: ( وله حصاص )، بعضهم يفسر الحصاص مثل الضراط، وهذا يدل على ما رواه مالك عن زيد بن أسلم أنه إذا كان جلس في مكان أذن ليطرد الشيطان، والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: (فلو ترك الأذان لها فلا بأس)، نقول: نعم لا بأس، فلو دخل مسجداً قد صلي فيه كما يقول ابن قدامة : إن شاء أذن وأقام وإن شاء تركهما، ولكن لو قيل: إن كان قد جاء إلى مسجد قد أذن فيه فلا يؤذن إذا كان الوقت قريباً، أما إن جاءوا من سفر ودخلوا المسجد والناس قد صلوا فلا حرج أن يؤذن؛ بل يقال: يستحب في حقكم أن تؤذنوا إذا كنتم مجموعة.
قال المؤلف رحمه الله: [ ويسن لسامعه أي: لسامع المؤذن أو المقيم، ولو أن السامع امرأة أو سمعه ثانياً وثالثاً حيث سن متابعته سراً بمثل ما يقول، ولو في طواف أو قراءة، ويقضيها المصلي والمتخلي ].
متابعة المؤذن بالأذان
متابعة المؤذن بالإقامة
مشروعية تكرار المتابعة مع أكثر من مؤذن والإسرار بها
قال المؤلف رحمه الله: (ولو أن السامع امرأة)، يعني: أنه يستحب مطلقاً حتى لو كانت امرأة وهي لا يجب عليها أن تصلي في المسجد.
قال المؤلف رحمه الله: (أو سمعه ثانياً وثالثاً حيث سن)، اختلف العلماء هل الأصل في الأمر التكرار أم عدم التكرار؟ في ذلك خلاف، لكنهم قالوا في تحرير محل النزاع: إذا وجد سبب يقتضي التكرار شرع لوجود السبب لا لأصل الصيغة، صيغة العمل، قالوا: وهذا منه، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا )، فهذا سبب في التكرار وليس لأجل صيغة الأمر، وهذا الذي يظهر والله أعلم.
ولهذا يستحب للإنسان أن يتابع المؤذن، ولو أذن بعض الجوامع فتابع هذا حتى إذا انتهى تابع الثاني حتى إذا انتهى تابع الثالث، فإن في ذلك فضيلة؛ لأنه يصدق عليه أنه سمع المؤذن والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: (متابعته سراً بمثل ما يقول) يعني لا يجهر؛ لأن هذا ذكر، والأصل أن الإنسان يخفي عبادته كما قال الله تعالى:
إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ
[البقرة:271]، وقال صلى الله عليه وسلم كما عند أهل السنن من حديث عقبة : ( الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة ).
حكم متابعة المؤذن من هو في عبادة كالطواف والصلاة
متابعة المؤذن من المتخلي في الخلاء
قال المؤلف رحمه الله: (والمتخلي) أي: يقضي المتخلي؛ قالوا: لأن الأذان ذكر فلا يناسب أن يذكر الله حال الخلاء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث
ابن عمر : (
إني كرهت أن أذكر الله وأنا على غير طهر )، فلم يسلم على الرجل، وقد يقال: إن ثمة فرقاً بين حال التخلي يعني: حال قضاء الحاجة، وحال وجود المرء في الخلاء، فأما حال التخلي فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد على المسلم سلامه حتى انتهى من الخلاء وقال: (
إني كرهت أن أذكر الله على غير طهر )، وأما حال وجود المسلم في الخلاء، فإن الذي يظهر والله أعلم استحباب متابعته؛ لأن عندنا قاعدة: إذا تعارض المأمور والمحظور وكانا في درجة واحدة قدم المأمور، وإذا تعارض واجب ومحرم يقدم الواجب؛ لأن الواجب أقوى من المحرم، وإذا تعارض مستحب ومكروه يقدم المستحب، فالذكر في الخلاء مكروه، ومتابعة المؤذن مستحبة، وهما في درجة واحدة، فنقول: الأفضل متابعة المؤذن؛ ولأن المتابعة هنا يفوت محلها فهي من ذوات الأسباب، كما شرع للمصلي أن يصلي ركعتي المسجد، ولو كان في وقت نهي.
ما يقوله المتابع للأذان عند الحيعلة والتثويب
قال المؤلف رحمه الله: [وتسن حوقلته في الحيعلة أي: أن يقول السامع: لا حول ولا قوة إلا بالله، إذا قال المؤذن أو المقيم: حي على الصلاة حي على الفلاح]؛ وذلك لما جاء في صحيح
مسلم من حديث
عمر رضي الله عنه: (
ولا يقول: حي على الصلاة لا حول ولا قوة إلا بالله )، بل يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله فقط.
قال المؤلف رحمه الله: [وإذا قال: الصلاة خير من النوم ويسمى التثويب، قال السامع: صدقت وبررت].
قول المؤلف: (صدقت وبررت)، هذا هو المذهب عند الحنابلة، والراجح والله أعلم أن السامع يقول مثل ما يقول المؤذن، فيقول: الصلاة خير من النوم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( فقولوا مثل ما يقول )، ولا يخرج من هذا العموم إلا بدليل فخرج الحيعلتين لحديث عمر والله أعلم.
قول المتابع عند: قد قامت الصلاة
حكم متابعة المؤذن نفسه
قال المؤلف رحمه الله: [وكذا يستحب للمؤذن والمقيم إجابة أنفسهما للجمع بين ثواب الأذان والإجابة].
الحنابلة في القول الثاني يرون أن المؤذن يستحب له أن يجيب نفسه فيقول: الله أكبر، فيقول في نفسه: الله أكبر، وعلى هذا فقس، ولكن الذي يظهر والله أعلم هو عدم الاستحباب، كالداعي والسامع، فإن الداعي يدعو، والسامع يؤمن، فلا يناسب أن يقول الداعي: اللهم اهدنا فيمن هديت! آمين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا! آمين، لا يناسب، هذا له حق مشروع، وهذا له حق مشروع.
قال المؤلف رحمه الله: [ويسن قوله: أي قول المؤذن وسامعه بعد فراغه: اللهم، أصله يا الله، والميم بدل من يا، قاله
الخليل و
سيبويه . رب هذه الدعوة: بفتح الدال أي: دعوة الأذان، التامة: أي: الكاملة السالمة من نقص يتطرق إليها].
يعني أن الدعاء دعوة إلى الناس للصلاة، فالسامع والمؤذن يقولان: اللهم رب هذه الدعوة التامة، وهذا الدعاء مشروع في حق المؤذن وفي حق السامع.
حكم قول من سمع الأذان: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله
ما يقال بعد الانتهاء من الأذان
فإذا انتهى المؤذن من أذانه قالا جميعاً: اللهم رب هذه الدعوة التامة، التامة: معناها الكاملة من جميع النقص، ولأجل فضل هذا الأذان كان بعض الفضلاء إذا أراد أن يقرأ على معين أو على من به مس أذن فكان في ذلك طرد للشيطان، وهذا ينفع بإذن الله؛ إذ أن الرقية من باب العلاج والشفاء والتجربة، فإذا نفعت فالحمد لله، ولا يقال: إنه لا بد فيها من نص؛ لأن العلاج يعرف بالتجارب كما أشار إلى ذلك
ابن القيم وهو قول شيخنا
عبد العزيز بن باز .
قال المؤلف رحمه الله: [والصلاة القائمة التي ستقوم وتفعل بصفاتها].
هنا ينبغي للمسلم أن يستشعر حينما يدعو بهذا الدعاء أنها اشتملت على ذكر وعلى دعوة وعلى توحيد، وعلى انقياد، فإذا استشعر مثل هذا فهو متذلل عابد لله سبحانه وتعالى.
وقوله: (والصلاة القائمة) فهو يقول: إن هذه الصلاة التي سوف أصليها إنما هي لله سبحانه وتعالى، فهذا دعوة إلى الإخلاص قبل حصوله، وهذا يدل على الانقياد، والانقياد معناه: أنه ينقاد لفعل العبادة ولو لم يكن في وقتها وهو عازم على أن يفعلها مخلصاً لله تعالى.
قال المؤلف رحمه الله: [آت محمداً الوسيلة: منزلة في الجنة، والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته أي: الشفاعة العظمى في موقف القيامة؛ لأنه يحمده فيه الأولون والآخرون].
قول: (آت محمد الوسيلة والفضيلة)، الوسيلة: من أعلى منازل الجنة، كما أشار إلى ذلك أهل العلم؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( هي منزلة في الجنة وأرجو أن أكون أنا هو )، يعني: أعظم منزلة في الجنة. والفضيلة الذي يظهر والله أعلم أنها رتبة زائدة.
قال المؤلف رحمه الله: (وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته)، ما هو المقام المحمود؟ ذكر ابن جرير قال: ذهب أكثر أهل التأويل إلى أن المقام المحمود هو المقام الذي يبعثه الله سبحانه وتعالى للفصل والقضاء وهي الشفاعة العظمى، وقد جاء في ذلك أحاديث صحيحة منها ما رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله : ( ثم يبعثه الله المقام المحمود )، وكذلك في حديث كعب بن مالك عند الإمام أحمد رحمه الله وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( فأقول ما شاء الله أن أقول فذلك المقام المحمود )، وجاء أيضاً من حديث أبي هريرة عند ابن جرير الطبري ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن قول الله تعالى:
عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا
[الإسراء:79]، قال: هي الشفاعة )، فهذا تفسير القرآن بالسنة، وهذا قول عامة أهل العلم.
وقال مجاهد رضي الله عنه: إن المقام المحمود هو أن يقعد الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على عرشه، وأن يجلسه على عرش الرحمن، وهذا التفسير من مجاهد لم يقله أحد من الصحابة، ولم ينكره أحد من الصحابة كما أشار إلى ذلك ابن جرير الطبري ، وقد ذكر عبد الله بن أحمد في كتاب السنة، و الخلال في كتاب السنة، و عثمان بن سعيد الدارمي في رده على بشر المريسي أن جماعة من السلف ذهبوا إلى ما ذهب إليه مجاهد ؛ بل قال عبد الله ابن الإمام أحمد : إن من رده فهو مبتدع جهمي، والذي يظهر كما هو طريقة كثير من السلف كـابن جرير الطبري و عثمان بن سعيد الدارمي وبعض مشايخنا كشيخنا محمد وشيخنا عبد العزيز يقولون: إن صح فالحمد لله، وهذه طريقة السلف يعني: إنها إن ثبتت الأحاديث الصحيحة قلنا بها ولا نردها، فإن صحت فالحمد لله، فيكون المقام المحمود: هو الشفاعة العظمى، ولا مانع أن يكون أيضاً إقعاد أو إجلاس النبي صلى الله عليه وسلم على العرش، لكن ما نجزم إلا بدليل صحيح، فيمكن أن يكون ويمكن ألا يكون؛ لأن هذا من مجاهد وإن كان بعضهم يقول: مجاهد لم يقله لرأيه، لكننا هنا بهذه الطريقة طريقة السلف وهم لم ينكروا ذلك ولم يردوه، ولكنهم أوقفوا هذا إلى العلم، وهذا هو العلم الحق, أن الإنسان لا يقول إلا بعلم، وعلى هذا فنقول: هل المقام المحمود هو إقعاد الله نبيه صلى الله عليه وسلم على العرش؟ نقول: إن صح، والله أعلم.
ولكن أكثر السلف -وهذا هو الذي ثبت بالنص الشرعي- يقولون: إن المقام المحمود هو الشفاعة العظمى هذا من غير إنكار، بل أجمعت جميع طوائف المسلمين سنيهم وبدعيهم على أنه للنبي صلى الله عليه وسلم.
قال المؤلف رحمه الله: [ثم يدعو. ويحرم خروج من وجبت عليه الصلاة بعد الأذان في الوقت من مسجد بلا عذر أو نية رجوع].
مشروعية الدعاء بين الأذان والإقامة
حكم الخروج من المسجد بعد الأذان