إسلام ويب

الروض المربع - كتاب الصلاة [9]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لا تصح الصلاة إلا بتحقيق شروطها وأركانها، ومن شروطها دخول الوقت، والطهارة من الحدث، كما أنه يجب تحري الصلاة في أوقاتها، فوقت صلاة الظهر من زوال الشمس عن كبد السماء حتى يصير ظل الشيء مثله بعد فيء الزوال، ويستحب التبكير بالصلوات في أول أوقاتها إلا الظهر عند شدة الحر، فإنه يشرع الإبراد بها.

    1.   

    شروط الصلاة

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل, وبعد:

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب شروط الصلاة:

    الشرط: ما لا يوجد المشروط مع عدمه، ولا يلزم أن يوجد عند وجوده. شروطها أي: ما يجب لها قبلها، أي: تتقدم عليها وتسبقها إلا النية فالأفضل مقارنتها للتحريمة, ويجب استمرارها أي: الشروع فيها، وبهذا المعنى فارقت الأركان].

    تعريف الشرط

    المؤلف رحمه الله حينما بين أحكام الأذان، بين هنا أنه بعد الأذان إذا شرع المسلم في الذهاب إلى المسجد، أو عند حصول الصلاة، لا بد أن تتوافر فيه شروط الصلاة؛ لأن الشروط خارج الماهية, وشروط الصلاة داخلة في قاعدة الشرط, والشرط عرفه المؤلف بقوله: (ما لا يوجد المشروط مع عدمه، ولا يلزم أن يوجد المشروط عند وجوده), هذا هو تعريف الشرط.

    وللشرط تعاريف كثيرة, ومنها ما عرفه صاحب الموافقات: وصفاً ظاهراً منضبطاً مكملاً لمشروطه, يستلزم عدمه عدم الحكم, ولا يستلزم وجوده وجود الحكم.

    مثاله: الطهارة شرط لصحة الصلاة، هذا الشرط هو وصف ظاهر منضبط مكمل لمشروطه، وهي الصلاة, فيلزم من عدم الطهارة عدم الصلاة قطعاً؛ لكن لا يلزم من وجود الطهارة وجود الصلاة, فبعض العلماء يعرف الشرط فيقول: ما يلزم من عدمه العدم, ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته.

    ما معنى (عدم لذاته) أي: أحياناً يوجد الشرط ولا يلزم من وجوده وجود المشترط, مثاله: أتوضأ لكن ما يلزم أني أصلي.

    ولا يلزم عدم لذاته, أي: لذات الشرط, فأحياناً أتطهر وأصلي الظهر، لكن صلاتي هنا غير صحيحة, ولا علاقة لها بالشرط, إنما لها علاقة بشيء آخر، مثل أن يكون الوقت لم يدخل بعد, أو لوجود مانع آخر غير هذا الشرط, هذا هو تعريف الشرط.

    الفرق بين الشرط والركن

    والشرط يفارق الأركان بثلاثة وجوه, ذكر المؤلف منها واحداً:

    الفرق الأول: أن الشرط خارج ماهية العبادة, أو خارج ماهية الشيء, وأما الركن فهو جزء من العبادة. مثاله: الطهارة خارج ماهية الصلاة, بخلاف الركن مثل الركوع فإنه جزء من العبادة, لا يمكن تصور العبادة إلا بوجود الركن.

    الفرق الثاني: أن الشرط يجب استصحابه قبل الشيء إلى انتهائه, قبل العبادة إلى انتهائها, فالطهارة تحصل قبل الصلاة, ويجب بقاؤها حتى آخر الصلاة, بخلاف الركن, فإنه يبدأ بوجوب العبادة وينتهي بانتهاء العبادة.

    الفرق الثالث: يقولون: إن الشرط قبل الصلاة، والركن داخلها، وهذا الشرط هو مثل ما قلنا: ماهية العبادة وخارج الماهية, فالفروق إذاً: اثنان على الراجح.

    واستثنوا النية من الشروط قالوا: النية وإن كانت شرطاً إلا أنه يستحب وجودها مقارنة بالعبادة حتى انتهائها, هذا على سبيل الاستحباب, وإلا لو وجدت النية قبل العبادة صح ذلك؛ لأنه يجب استصحابها, هذا هو الفرق بين الركن والشرط, وقد ثبت في الشرط مثل ما ثبت في الركن, وهو أنه لا تصح العبادة إلا بوجوده, والركن لا تصح العبادة إلا بوجوده.

    لأجل هذا جعلت المالكية والشافعية والحنابلة أن الطهارة في الطواف شرط؛ لأن الطهارة خارج ماهية الطواف, ولكننا نقول على مذهب أبي حنيفة وهو الراجح: أن الطهارة ثبتت: ( افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت ), لكنه لم يثبت أنه لو لم توجد الطهارة لم يصح الطواف.

    كما أننا نقول: يجب أن تمس المصحف وأنت طاهر, لكن ما في دلالة على أنك لو قرأت القرآن ومسكت المصحف من غير طهارة لا تؤجر, فدل ذلك على أن الطهارة في الطواف الراجح أنها واجبة وليست بشرط، وليست بمستحبة.

    قال المؤلف رحمه الله: (شروطها, أي: شروط العبادة التي تجب قبل العبادة) وهي التي تتقدمها وتسبقها إلا النية، فإنه وإن جاز أن تسبق النية العبادة مع بقاء استصحاب أصلها، إلا أن الأفضل أن تكون مقارنة للعبادة؛ ولهذا قال المؤلف: (فالأفضل مقارنتها للتحريمة, ويجب استمرارها أي: الشروع فيها، وبهذا المعنى فارقت الأركان).

    اشتراط الإسلام والعقل والتمييز

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [منها أي: من شروط الصلاة، الإسلام والعقل والتمييز, وهذه شروط في كل عبادة إلا التمييز في الحج ويأتي؛ ولذلك لم يذكرها كثير من الأصحاب هنا, ومنها: الوقت، قال عمر : الصلاة لها وقت شرطه الله لها لا تصح إلا به، وهو حديث جبريل حين أم النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخمس ثم قال: ( يا محمد! هذا وقت الأنبياء من قبلك ), فالوقت سبب وجوب الصلاة؛ لأنها تضاف إليه وتتكرر بتكرره].

    قول المؤلف: (منها أي: من شروط الصلاة), ذكر المؤلف ثلاثة شروط: الإسلام, والعقل, والتمييز, وهذه الشروط الثلاثة لم يذكرها الماتن, لكن ذكرها الشارح, وكأن هذا أمر معلوم في كل عبادة, أن الإسلام والعقل والتمييز لا بد منها في كل عبادة, إلا الحج فإن التمييز لا يلزم, فيصح من الصبي ولو كان غير مميز؛ لما رواه مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي ركباً بالروحاء, فقال: من القوم؟ قالوا: المسلمون, فرفعت امرأة صبياً لها, فقالت: يا رسول الله! ألهذا حج؟ قال: نعم ولك أجر ), فالحج يصح من غير المميز, أهم شيء أنه لا يكون مجنوناً.

    وسائر العبادات لا بد فيها من توفر ثلاثة شروط, ولماذا أسقطها المؤلف, وقبله صاحب المقنع؟ أسقطها إما لأن هذه الشروط معلومة في كل عبادة, وإما أن تكون هذه الشروط الثلاثة شروطاً للنية التي يجب توفرها في العبادة, وليست شروطاً ابتدائية لهذه العبادة.

    فإذا قلنا: الإسلام العقل التمييز هذه يجب توفرها, لكن هذه الثلاثة داخلة في النية, فإذاً تكون هذه الثلاثة داخلة في النية وليست ابتدائية.

    قال المؤلف رحمه الله: (وهذه شروط في كل عبادة إلا التمييز في الحج ويأتي؛ ولذلك لم يذكرها كثير من الأصحاب هنا) لم يذكروها إما لمعرفتها ولأنها داخلة في كل عبادة, وإما أن تكون هذه الشروط داخلة في النية التي يجب توفرها؛ لكنها ليست شروطاً ابتدائية للصلاة, كالوقت والطهارة ونحو ذلك.

    قول التمييز: أن يكون مميزاً؛ لكن هل العبرة بالعمر وهو سبع سنين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: ( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين, واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين ), هل التمييز يحصل بسبع أم التمييز كما يقول النووي والحنابلة في قول: هو كل من فهم الخطاب ورد الجواب؟

    هذا خلاف بين العلماء, والأقرب -والله أعلم- أن التمييز: هو كل من يميز بين العبادة من غيرها, وليس المراد فهم الخطاب ورد الجواب؛ لأن هذا يحصل بثلاث وأربع سنين؛ لكن الذي يظهر والله أعلم هو كل من يعلم الفرق بين هذه العبادة من عدمها، ويحصل أحياناً بست سنوات, أو خمس سنوات ونصف, أو سبع سنين على حسبها.

    اشتراط دخول الوقت

    قال المؤلف رحمه الله: (الوقت), معنى كون الوقت شرطاً للصلاة أن العبادة لا تصح إلا بدخول الوقت, وليس معنى ذلك أنها لو خرج الوقت لا تصح العبادة, على القول الراجح وهو قول الأئمة الأربعة, ولكن المراد أن الوقت هنا لا تصح العبادة قبل وجوده, وأما لو تأخرت العبادة حتى خرج الوقت، فإن هذا غير مراد المؤلف، والله أعلم.

    ثم إن الوقت المذكور هنا -الذي ذكره المؤلف في شروط الصلاة- إنما هو شرط في الصلوات المفروضة المكتوبة, وإلا فإن التطوعات المطلقة لا يلزم منها وقت؛ ولهذا ذكر أبو العباس بن تيمية رحمه الله أن من العبادات ما لا تصح إلا بالوقت كالصلاة المفروضة, ومنها ما يصح في كل وقت كركعتي الطواف, والصلوات الفوائت, ومنها ما يصح في غير أوقات النهي كالصلوات النوافل, ومنها ما يكون لسبب كالكسوف والخسوف وصلاة دخول المسجد، وغير ذلك.

    وذكر المؤلف أثر عمر : (الصلاة لها وقت شرطه الله لها, لا تصح إلا به), لم نجد هذا الأثر. وأحسن منه أن أبا بكر رضي الله عنه قال لـعمر : واعلم أن لله صلاة بالنهار لا يقبلها بالليل, وصلاة بالليل لا يقبلها بالنهار. إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103].

    ثم ذكر حديث جبريل حين أم النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخمس ثم قال: ( يا محمد! هذا وقت الأنبياء من قبلك, والوقت فيما بين هذين الوقتين ), هذا الحديث ذكره المؤلف اختصاراً وذكر الشاهد منه, والحديث رواه الترمذي و أبو داود و النسائي و ابن ماجه و أحمد وغيرهم وكلهم من طريق عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة عن حكيم بن حكيم بن عباد , عن نافع بن جبير بن مطعم، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أمني جبريل عند البيت مرتين -ثم ذكر الصلوات كلها أول الوقت وذكر آخر الوقت ثم قال: يا محمد! هذا وقت الأنبياء من قبلك والوقت فيما بين هذين الوقتين ), وهذا الحديث في سنده عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة , وقد تكلم فيه الحفاظ, وأشد من تكلم فيه الإمام أحمد , فقد حكى أنه متروك, وبعضهم لينه، وذكر الحافظ أنه صدوق له أوهام, ولكن الحافظ ابن حجر قال: هذا حديث مشهور صحيح, وقد تابع عبد الرحمن بن الحارث عبد الله بن عمر العمري المكبر كما عند عبد الرزاق , وهذا ليس في مصنف عبد الرزاق المطبوع، لكن في نسخ بعض العلماء, فأنتم تعرفون أن عبد الرزاق له آثار غير موجودة في المطبوع لكن الذي يظهر والله أعلم, وإن صححه الحافظ أبو عمر بن عبد البر ، و أبو بكر بن العربي إلا أن الحديث ضعيف؛ لأن متابعة عبد الله بن عمر العمري هي أيضاً تحتاج إلى متابعة, ثم إن الحديث فيه نكارة، قال: ( أمني جبريل عند البيت ), وظاهر هذا أنه أمه عند البيت مستقبلاً القبلة, كما أشار إلى ذلك الحافظ ابن حجر , ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستقبل القبلة إلا بعد الهجرة, فهذا الحديث الذي يظهر -والله أعلم- أنه ضعيف, كما أشار إلى ذلك الإمام أحمد.

    قال المؤلف رحمه الله: (والوقت سبب وجوب الصلاة)؛ لأن السبب أحياناً يوافق الشرط من بعض الوجوه, فصار الوقت سبباً لوجوب الصلاة؛ ولهذا فارق الوقت سائر الشروط؛ لأن الوقت شرط أداء وشرط وجوب, بخلاف الشروط الأخرى, فإنها شرط أداء.

    إذاً الوقت فيه شرط وجوب وفيه شرط أداء, أما سائر الشروط التي سوف يذكرها المؤلف فهي شرط أداء وليست شرط وجوب, يعني: إذا أديتها لا بد أن تكون قد توفر في حقك هذا الشرط. بمعنى أنه إذا دخل الوقت وجبت عليك الصلاة.

    اشتراط الطهارة

    قال المؤلف رحمه الله: [ومنها الطهارة من الحدث؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ), متفق عليه, والطهارة من النجس، فلا تصح الصلاة مع نجاسة بدن المصلي أو ثوبه أو بقعته ويأتي.

    والصلوات المفروضات خمس في اليوم والليلة، ولا يجب غيرها إلا لعارض كالنذر, فوقت الظهر، وهي الأولى من الزوال, أي: ميل الشمس إلى المغرب, ويستمر إلى مساواة الشيء الشاخص فيئه بعد فيء الزوال, أي: بعد الظل الذي زالت عليه الشمس].

    قول المؤلف: (ومنها), أي: من الشروط (الطهارة من الحدث), والحدث: وصف قائم بالبدن, يمنع من الصلاة ونحوها, فلا بد من إزالة هذا الحدث المعنوي, ولا يكون ذلك إلا بالطهارة, فإن كان الحدث حدثاً أصغر اكتفي بالوضوء, وإن كان الحدث حدثاً أكبر فلا بد فيه من الغسل, ودليل ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ )، ولما رواه مسلم في صحيحه من حديث ابن عمر أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا يقبل الله صلاة من غير طهور, ولا صدقة من غلول ), فدل ذلك على أن الطهارة شرط للعبادة.

    إلا أن المؤلف رحمه الله زاد في الطهارة, قوله: (الطهارة من النجس)، ومن المعلوم أن هذا شرط جديد، وهو اجتناب النجاسة, لكن المؤلف ذكر هذا من باب الاستطراد، وإلا سوف يذكره شرطاً جديداً.

    وعلى هذا فقول المؤلف: (والطهارة من النجس), هذا ينبغي أن يستفرده بشرط جديد لأمور:

    أولاً: لأن الطهارة من الحدث مجمع عليه, وأما الطهارة من النجس فليس مجمعاً عليه, فكان الأولى بالمؤلف أن يخرجه, فالذين قالوا: بأن الطهارة من النجس شرط هم الجمهور، خلافاً لـمالك ، وإن كان قول مالك قوياً كما سوف يأتي شرح ذلك مفصلاً إن شاء الله.

    الثاني: أن المؤلف ذكر هذا بشرط جديد, فجعله من اجتناب النجاسات.

    قال المؤلف رحمه الله: (ولا تصح الصلاة مع نجاسة بدن المصلي, أو ثوبه أو بقعته ويأتي), نحن قلنا: إن الطهارة هي التي ثبت وجوبها، وثبت عدم صحة العبادة بفقدها، لكن هل جاء حديث بوجوب طهارة البدن والثوب؟ نعم جاء, وهو حديث أبي سعيد عند الأربعة: ( أن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما أذى ). وهل جاء حديث على أنه إذا صليت بالثوب النجس تبطل صلاتك؟ لم يأتنا؛ بل جاءنا ما يفيد أن اجتناب النجاسة يخالف سائر الشروط, فلو أن مسلماً قبل الوقت بدقيقة كبر للظهر, ثم أدى باقي الصلوات داخل الوقت فلا تصح صلاته.

    ولو أن شخصاً لم يجد الماء ووجد التراب؛ ولكنه لم يتيمم فقال: الله أكبر ثم تيمم, هل تصح صلاته, وقل مثل ذلك في سائر الشروط, إلا اجتناب النجاسة, فإن النبي صلى الله عليه وسلم حينما علم أن بهما أذى لم يعد الصلاة, بل أزالهما, مما يدل على أن اجتناب النجاسة شيء يخالف سائر الشروط, فلا يلزم من عدمه العدم, ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم, فعلى هذا يظهر أن اجتناب النجاسة واجب وليس بشرط, فلو صلى بالنجاسة فهو آثم لكن صلاته صحيحة، والله أعلم.

    1.   

    مواقيت الصلاة

    قال المؤلف رحمه الله: (والصلوات المفروضات خمس في اليوم والليلة، فلا يجب غيرها إلا لعارض كالنذر), أما هذا فهو أمر مجمع عليه, حكى الإجماع غير واحد من أهل العلم, كـابن حزم و ابن المنذر و ابن تيمية وغيرهم.

    قال المؤلف رحمه الله: (ولا يجب غيرها), يعني: غير الصلوات الخمس؛ لقول الرجل الأعرابي كما في حديث طلحة بن عبيد الله : ( أتانا رسولك فزعم أن علينا خمس صلوات في اليوم والليلة, قال: صدق, قال: فهل عليّ غيرها؟ قال: لا، إلا أن تتطوع ).

    1.   

    وقت صلاة الظهر

    قال المؤلف رحمه الله: (فوقت الظهر وهي الأولى), بدأ المؤلف بالظهر وسماها الأولى, لماذا؟ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ابتدأها في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص كما في صحيح مسلم حينما قال: ( وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر, ووقت العصر ما لم تصفر الشمس, ووقت صلاة المغرب إذا غربت الشمس...) الحديث.

    فبدأ بالظهر اقتداءً ببعض الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأولى أن يبدأ بالفجر, لماذا؟ لكي تكون صلاة العصر هي الصلاة الوسطى؛ لقول الله تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238], ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها أولاً في غالب الأحاديث, كحديث أبي موسى , وحديث جبريل, وحديث أبي موسى هو (حينما سأله السائل عن الوقت؟ فلم يجبه، فلما كان من الغد أمر بلالاً فأذن الفجر حين انشق الفجر، والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضاً).

    وعلى هذا فالأولى أن يبدأ بالفجر وهي أول ما فرض الله من الصلوات، ودليل المؤلف حين بدأ بالظهر هو أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأها في بعض أحاديثه؛ ولأنها أول ما فرضها الله من الصلوات, وهذا يحتاج إلى دليل.

    وأما قوله تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ [الإسراء:78], فذكر الظهر أولاً، ولم يذكر الفجر إلا أخيراً فقال: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78], فالذي يظهر -والله أعلم- أن الله لم يذكر الفجر؛ لأن الفجر وقته منقطع لا شيء قبله ولا شيء بعده, بخلاف الصلوات الأربع, فإنها من حين بدايتها ليس بينها وقت منقطع, هذا هو الراجح والله أعلم.

    بداية وقت صلاة الظهر ونهايته

    قال المؤلف رحمه الله: (يبدأ وقت الظهر من الزوال), ومعنى الزوال: هو ميل الشمس إلى جهة الغرب, والزوال هو الميل.

    قال المؤلف رحمه الله: (ويستمر الوقت من الزوال إلى أن يصير ظل كل شيء مثله), يعني: ظل العمود مثل مثله.

    قول المؤلف: (غير فيء الزوال), معنى فيء الزوال: أن الشمس إذا خرجت من الشرق, فإنه سوف يكون لكل شيء شاخص ظل, وكلما ارتفعت الشمس إلى كبد السماء كلما تقلص شيء من الظل, حتى تكون الشمس في كبد السماء, فيبقى ظل بسيط, هذا الظل يختلف من وقت الشتاء إلى وقت الصيف, ويختلف من جهة الشمال إلى جهة الجنوب, على حسب الشتاء والصيف وعلى حسب بعض البقع والمدن، فإذا صارت الشمس في كبد السماء فإنه لا يقل هذا الفيء -وهذا يسموه فيء الزوال، ويكون صغيراً لكنه لا يقل- أحياناً يكون بمقدار شبر, وأحياناً يكون بمقدار أصابع, وأحياناً يكون بمقدار ذراع, ونصف ذراع على حسب الشتاء والصيف, لكنه يقف عند هذا, ثم إذا زالت الشمس إلى جهة الغرب بدأ الفيء يزيد قليلاً, فإذا صار ظل العمود مثل العمود زائداً على فيء الزوال فقد خرج وقت الظهر, ودخل وقت العصر, وهذا هو مذهب الشافعية والحنابلة الذين قالوا: إن وقت الظهر يخرج إذا صار ظل الرجل كطوله غير فيء الزوال.

    وذهب مالك رحمه الله إلى أن آخر وقت الظهر إذا كان ظل الرجل كطوله وهذا وقت مشترك بين الظهر والعصر؛ لأنه يجوز أن تصلي فيه الظهر، ويجوز أن تصلي العصر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( ووقت صلاة الظهر ما لم تحضر صلاة العصر ), فقوله: (ما لم تحضر صلاة العصر) دليل على أنه وقت مشترك, والذي يظهر -والله أعلم- على أن وقت الظهر يختلف عن وقت العصر.

    قال المؤلف رحمه الله: [اعلم أن الشمس إذا طلعت رفع لكل شاخص ظل طويل من جانب المغرب, ثم ما دامت الشمس ترتفع فالظل ينقص، فإذا انتهت الشمس إلى وسط السماء، وهي حالة الاستواء انتهى نقصانه, فإذا زاد أدنى زيادة فهو الزوال, ويقصر الظل في الصيف؛ لارتفاعها إلى الجو, ويطول في الشتاء, ويختلف في الشهر والبلد].

    هذا كله شرحناه، وهو معلوم واضح لمن أراد أن يتأمل الشمس فسوف يجد هذا رأي العين.

    تعجيل صلاة الظهر

    قال المؤلف رحمه الله: [وتعجيلها أفضل، وتحصل فضيلة التعجيل بالتأهب أول الوقت إلا في شدة الحر, فيستحب تأخيرها إلى أن ينكسر لحديث: ( أبردوا بالظهر ) ولو صلى وحده أو في بيته أو مع غيم لمن يصلي جماعة, أي: ويستحب تأخيرها مع غيم إلى قرب وقت العصر لمن يصلي جماعة؛ لأنه وقت يخاف فيه المطر والريح].

    قول المؤلف: (وتعجيلها أفضل), الأصل أن المسلم يصلي الصلاة في أول وقتها؛ لما جاء في الصحيحين من حديث ابن مسعود : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة على وقتها ), ورواية الحاكم ( في أول وقتها ), هذا هو الأفضل, ويحصل الصلاة في أول وقتها هو من حين التأهب والاستعداد في تحصيل شروط العبادة، وانتظار الناس قليلاً, بين الأذان والإقامة ثلث ساعة، أو ربع ساعة، أو نصف ساعة، هذا داخل في أول الوقت, والله أعلم.

    وإن كان الأفضل أن يبكر بها الإنسان, فإذا كانوا مجموعة في سفر، في وقت الشتاء، فالأفضل في حقهم مجرد دخول الوقت أن يصلوا, هذا هو الأفضل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( الصلاة على وقتها )؛ ولهذا قال المؤلف: (وتحصل فضيلة التعجيل بالتأهب أول الوقت), يعني: بأن يكون بين الأذان والإقامة ثلث ساعة أو خمسة وعشرين دقيقة هذا هو الأفضل.

    وليس الخمسة والعشرون دقيقة أو نصف ساعة يعد تأخراً؛ لأن هذا انتظار للمسلمين ولجماعة المسجد، وهو يحصل في أول الوقت, وإن كان الأفضل ألا يزاد عن ثلث ساعة أو خمسة وعشرين دقيقة.

    الإبراد في صلاة الظهر

    قال المؤلف رحمه لله: (إلا في شدة الحر), يعني: أن شدة الحر يستحب فيه تأخير صلاة الظهر, وعلى هذا فشدة الحر إنما تتأتى في الصيف أما في الشتاء فلا, وقد اختلف العلماء كما ذكر ذلك الحافظ ابن رجب في حكم استحباب الإبراد بالصلاة في شدة الحر بعد ثبوت ذلك في السنة, فإن الحنابلة رحمهم الله يرون أن الأفضل في شدة الحر التأخير, لما ثبت في الصحيحين من حديث أبي ذر ، ومن حديث أبي سعيد : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر، فأراد المؤذن أن يؤذن لصلاة الظهر, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أبرد, أبرد ), أو قال: ( انتظر, انتظر, فقال: إن شدة الحر من فيح جهنم, فإذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة ), وهذا يدل على أنه إذا اشتد الحر فإن السنة هو التأخير.

    وذهب بعض أهل العلم كالشافعية ورواية عند الحنابلة إلى أن هذا إنما يكون في السفر, وإلا فالأصل أن الصلاة في أول الوقت مطلقاً مستحبة, حتى في شدة الحر, واستدلوا بما رواه مسلم من حديث خباب بن الأرت أنه قال: ( شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء فلم يشكنا ), يعني: لم يزل شكوانا، ولم يرخص لنا, قالوا: فدل ذلك على أنهم كانوا يصلون في الصيف في أول الوقت, والذي يظهر -والله تبارك وتعالى أعلم- أن الحر إذا اشتد فإن الأفضل هو التأخير, وهذا الحكم في ما لا يشق على المسلمين, فإن شق ذلك على المسلمين فإنه يصليها في أول الوقت؛ لحديث خباب بن الأرت , إذ أن خباباً رغب بالإبراد, ولكن الإبراد ربما يضر ببعض المصلين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولأجل هذا قال: فلم يشكنا, يعني: لم يزل شكوانا, لم يرخص لنا الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لو أخر لشق ذلك على بعض الصحابة وهم كانوا يعملون في النهار فيحتاجون إلى القيلولة, فهذا هو الجمع الأقرب.

    الحكمة من الإبراد بصلاة الظهر

    إذا ثبت هذا فما الحكمة في التأخير لأجل الإبراد؟

    ذكر الحافظ ابن رجب ثلاث حكم أو ثلاثة أشياء أقربها والله أعلم هو ما علل به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ( إن شدة الحر من فيح جهنم, فإذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة ), فسبب الإبراد وسبب التأخير هو فيح جهنم, وعلى هذا فلأجل هذا التعليل استحب للإنسان أن يؤخر سواء كان جماعة أو صلى وحده.

    ولو قلنا: إن سبب ذلك هو شدة الحر, ولما يلاقيه المسلمون في الخروج إلى الصلاة في وقت شدة الحر، فناسب أن يؤخروا استحباباً.

    والتأخير إنما هو في حق الجماعة دون الفرد الذي يصلي وحده.

    قال المؤلف رحمه الله: (ولو صلى وحده), يعني: لو صلى وحده لعذر كمرض أو سفر، فإن الأفضل في حقه أن يبرد.

    قال المؤلف رحمه الله: (أو مع غيم لمن يصلي جماعة) يعني: يستحب تعجيل الصلاة في أول وقتها إلا في حالتين:

    الحالة الأولى: شدة الحر.

    الحالة الثانية: مع الغيم؛ لأجل أنه لو نزل مطر فيجمع بينهما -بين الظهر والعصر- والذي يظهر -والله أعلم- أن هذا التعليل ليس بجيد؛ ولهذا ذهب مالك و الشافعي إلى أنه يستحب التعجيل متى علم دخول الوقت لعموم النصوص الدالة على أفضلية التعجيل؛ لحديث ابن مسعود كما مر, وانظر تعليل الحنابلة حيث قالوا: (ويستحب تأخيرها مع غيم إلى قرب وقت العصر لمن يصلي جماعة) قالوا: (لأنه وقت يخاف فيه المطر والريح فطلب الأسهل بالخروج لهما معاً), وهذا مذهب أبي حنيفة و أحمد ، والراجح مذهب مالك ، و الشافعي ، ورواية عند الإمام أحمد أن الأفضل هو التعجيل مطلقاً إلا في شدة الحر؛ لعموم الأدلة على استحباب التعجيل بالصلاة.

    استحباب التبكير لصلاة الجمعة

    قال المؤلف رحمه الله: [وهذا في غير الجمعة فيسن تقديمها مطلقاً].

    قول المؤلف: (الجمعة يسن تقديمها مطلقاً), هذا هو الراجح والله أعلم؛ لقول سلمة رضي الله عنه: ( كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ), والواجب في صلاة الجمعة ألا يخطب ولا يصلى إلا بعد دخول وقت الظهر, يعني: إذا زالت الشمس, كما هو قول عامة أهل العلم خلافاً للحنابلة رحمهم الله, كما سيأتي بيان ذلك مفصلاً إن شاء الله, لكن المؤلف أراد أن يبين أن صلاة الجمعة يجب التبكير بها؛ لأجل أن الناس يأتون من كل حدب وصوب من الأماكن البعيدة فناسب ألا يتأخر عليهم؛ لأن في ذلك مشقة لهم.

    نقف عند هذا والله أعلم, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767952735