إسلام ويب

الروض المربع - كتاب الصلاة [10]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • حدد الشارع الحكيم أوقات الصلوات ابتداء وانتهاء، وعلق ذلك بأمارات متعلقة بالشمس طلوعاً وغروباً، وبالظل طولاً وقصراً، وبالشفق الأحمر ظهوراً وغياباً، وجعل لبعض الصلوات وقتاً اختيارياً وآخر اضطرارياً.

    1.   

    تابع وقت صلاة الظهر

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل, وبعد:

    فقد ذكرنا سابقاً في كلام المؤلف أنه يقول في خروج وقت الظهر, إذا صار ظل كل شيء مثله بعد فيء الزوال, والدليل على أنه ينتهي بعد فيء الزوال رواية البخاري لم يروها مسلم , من حديث أبي ذر قال: فأراد أن يؤذن فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أبرد أبرد ), يقول أبو ذر، ( حتى ساوى الظل التلول, ثم أمره فأذن, ثم أقام الصلاة ), وهذا دليل على أن ما بعد مساواة الظل التلول أمر جائز, ولأجله صلى فيه, فدل ذلك على أن مساواة الظل -وهو التل- لا بد أن يكون زائداً على فيء الزوال.

    وقول عمر رضي الله عنه: إن أهم شيء عندي من أمركم الصلاة فمن حافظ عليها فهو لما سواها أحفظ, ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع, ثم صلوا الظهر إذا صار ظل الفيء ذراعاً, هذا هو الذي نسميه بداية الصلاة, هذا الفيء الذي صار ذراعاً غير محسوب إذا ساوى الظل التلال, وإلا لصلى الظهر خارج الوقت.

    وما ذكره بعض العلماء من شراح الحديث أن (حتى ساوى الظل التلول) دليل على أنه جمع جمعاً صورياً, نقول من قال لكم إن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع, الرسول صلى الله عليه وسلم ما جمع في هذا الحديث, الرسول صلى الله عليه وسلم صلى الظهر فقط.

    وما ذكره بعض الفقهاء أن هذا الحديث دليل على عدم الموالاة بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلاها في أول العصر, ولم يصل العصر بعدها فدل على عدم وجوب الموالاة بينهما.

    نقول: إن الراجح أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلاها في وقت الظهر, ودليله: ( حتى ساوى الظل التلول ).

    1.   

    وقت صلاة العصر

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويليه أي: يلي وقت الظهر وقت العصر المختار من غير فصل بينهما، ويستمر إلى مصير الفيء مثليه بعد فيء الزوال أي: بعد الظل الذي زالت عليه الشمس].

    قول المؤلف: (ويليه), يعني: ويلي وقت الظهر مباشرة وقت العصر, فليس ثمة بينهما فاصل في قول أكثر أهل العلم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص كما في صحيح مسلم: ( ووقت الظهر ما لم يحضر العصر ), فقوله: (ما لم يحضر العصر), دليل على أنه ليس بينهما شيء فاصل, خلافاً لما يقوله بعض فقهاء الشافعية وبعض فقهاء الحنابلة, وعلى هذا فليس بين الظهر وبين العصر شيء, مما يدل على ذلك قوله تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ [الإسراء:78], فهذه أربع صلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء, ليس بينها فاصل في الآية, بخلاف الفجر فإن الفاصل والاختيار واضح, قال تعالى: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ [الإسراء:78], فوصل ما قبلها وعم ما بعدها.

    وقت الاختيار لصلاة العصر

    قال المؤلف رحمه الله: (المختار), إذاً: وقت العصر له وقت مختار، ووقت ضرورة, فذكر المؤلف الوقت المختار وهو إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه, فإذا صار ظل كل شيء مثليه انتهى وقت صلاة العصر المختار.

    ويرى أبو حنيفة أن بداية وقت صلاة العصر هو أن يصير ظل كل شيء مثليه, يعني: بانتهاء وقت الاختيار عند الحنابلة يبدأ وقت العصر عند الحنفية, واستدل الحنابلة على هذا بحديث جبريل الذي ذكرناه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أمني جبريل عند البيت مرتين ), وهذا الحديث صححه ابن العربي ، وأبو عمر بن عبد البر, وابن دقيق العيد , والأقرب -والله أعلم- أن في سنده عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة يرويه عن حكيم بن حكيم عن نافع بن جبير بن مطعم عن ابن عباس , وعبد الرحمن بن الحارث ضعيف, ومتابعة عبد الله بن عمر العمري لا يفرح بها, إذ أنه يحتاج هو إلى متابع أحسن منه.

    وعلى هذا فالذي يظهر -والله أعلم- أن وقت صلاة العصر الاختياري ينتهي باصفرار الشمس لما في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ووقت العصر ما لم تصفر الشمس )، ولما رواه الترمذي والنسائي وغيرهما من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( وإن آخر وقتها -يعني العصر -يعني: آخر وقت العصر المختار- حتى تصفار الشمس ), وهذا القول هو مذهب مالك رحمه الله, ورواية عند الإمام أحمد .

    وقت الاضطرار لصلاة العصر

    قال المؤلف رحمه الله: [ووقت الضرورة إلى غروبها, أي: إلى غروب الشمس، فالصلاة فيه أداء لكن يأثم بالتأخير إليه لغير عذر].

    قول المؤلف: (ووقت الضرورة), يعني: والوقت الثاني وقت الضرورة, يبتدئ من اصفرار الشمس إلى غروب الشمس, والدليل هو ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ), فهذا يدل على أن إدراكه للعصر إدراك لوقته, وإلا لما صار فرقاً بين الغروب وبين غيره, وهذا هو الأقرب.

    فقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أدرك ركعة من العصر قبل غروب الشمس فقد أدرك العصر ) دليل على أن قبل الغروب وقت للعصر, وإلا لما كان في قوله: (أدرك العصر) فائدة؛ لأن ما بعد الغروب مثل ما قبله, وهذا مخالف للحديث.

    قال المؤلف رحمه الله: (فالصلاة فيه أداء لكن يأثم بالتأخير) يعني: أن صلاة المرء في هذا الوقت أداء وليس قضاء, وهذا هو الراجح, ولكن مع أنها أداء لكنه يأثم, ودليل الإثم ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( تلك صلاة المنافق, تلك صلاة المنافق, تلك صلاة المنافق, يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعاً لا يذكر الله تعالى فيها إلا قليلاً ), وقد ذكر هذا الحديث أنس حينما رأى أصحابه أخروا صلاة العصر, فقال: أصليتم العصر؟ قالوا: إنما انصرفنا الآن من الظهر, قال: قوموا فأصلي بكم, ثم قال هذا الحديث، يقول: ( تلك صلاة المنافق... ) الحديث. فدل على أن صلاة المنافق يؤخرها إلى قبل غروب الشمس بقليل, وهذا دليل على الإثم.

    وهو دليل على أن وقت صلاة العصر ما زال، وذلك بقوله: ( فقد أدرك العصر ) كما في حديث أبي هريرة .

    قال المؤلف رحمه الله: (يأثم بالتأخير إليه لغير عذر)؛ لأن وقت الضرورة إنما يفعلها الإنسان لعذر, مثل أن يكون نائماً, ومثل أن تكون المرأة الحائض تتطهر بعدما طهرت, ومثل أن يكون الإنسان احتلم في النهار وأراد أن يغتسل, كل ذلك دليل على أن تأخيره بعد انصراف الشمس جائز إذا كان لعذر, وقد قال أنس رضي الله عنه: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر والشمس مرتفعة حية, ثم يذهب الذاهب إلى العوالي والشمس مرتفعة حية ), والعوالي تبعد عن المدينة أربعة أميال, ويقول رافع بن خديج رضي الله عنه: ( كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر ثم ننحر جزوراً, ثم نقسمه عشر قسم, ثم نطبخ لحماً نضيجاً قبل أن تغرب الشمس ), وهذا يختلف ما بين وقت الشتاء ووقت الصيف, فلو كان وقت الشتاء فلا يستطيع أحد أن يدرك هذا في الغالب, لكن وقت الصيف يدرك لا محالة.

    استحباب تعجيل صلاة العصر

    قال المؤلف رحمه الله: [ويسن تعجيلها مطلقاً, وهي الصلاة الوسطى].

    قول المؤلف: (ويسن تعجيلها) يعني: الأفضل أن يعجل المسلم صلاة العصر ويصليها في أول الوقت؛ كما في حديث رافع بن خديج السابق ذكره, ولحديث أنس بن مالك: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر والشمس مرتفعة حية, فيذهب الذاهب إلى العوالي فيأتيهم والشمس مرتفعة )، ولما جاء في الصحيحين من حديث ابن مسعود : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة على وقتها ) وقد قال موسى عليه السلام: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى [طه:84].

    قال المؤلف رحمه الله: (وهي الصلاة الوسطى), أكثر أهل العلم يرون أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر؛ لما جاء في الصحيحين من حديث علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق حينما أخر صلاة العصر قال: ( شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر, حشا الله قبورهم وأجوافهم ناراً ), وفي رواية ابن مسعود عند مسلم : ( شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ).

    ونقف عند هذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد.

    مواد ذات صلة

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767954807