الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم انفعنا بما علمتنا, وعلمنا ما ينفعنا, وزدنا علماً وعملاً يا كريم! وبعد:
فقد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ولا يصلي من جهل الوقت ولم تمكنه مشاهدة الدلائل قبل غلبة ظنه بدخول وقتها, إما باجتهاد ونظر في الأدلة, أو له صنعة وجرت عادته بعمل شيء مقدر إلى وقت الصلاة, أو جرت عادته بقراءة شيء مقدر, ويستحب له التأخير حتى يتيقن, أو بخبر ثقة متيقن كأن يقول: رأيت الفجر طالعاً أو الشفق غائباً ونحوه، فإن أخبر عن ظن لم يعمل بخبره، ويعمل بأذان ثقة عارف ].
المؤلف حينما ذكر أنه يستحب تعجيل الصلاة مطلقاً أخبرك أنه مع هذا الاستحباب لا يسوغ لمسلم، ولا يجوز أن يصلي إلا إذا تيقن دخول الوقت بالإجماع, أو غلب على ظنه دخول الوقت وهذا هو المذهب, وإن كان لـأحمد رحمه الله رواية وهي أنه لا يصلي لغلبة الظن, بل حتى يتيقن, وإن كان الأظهر -والله أعلم- أنه يكفي غلبة الظن.
ودليل الاكتفاء بغلبة الظن هو ما ثبت في صحيح البخاري من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: ( أفطرنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس ), وجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم أفطر لصيام فرض بغلبة ظن أن الشمس قد غربت, ثم طلعت بعد ذلك, والصيام والصلاة على سواء من حيث اشتراط الوقت, ودليل آخر ما ثبت عند البيهقي والإمام أحمد أن زيداً قال: أفطرنا في عهد عمر رضي الله عنه, ثم طلعت الشمس فقال عمر : إنا لم نتجانف لإثم نقضي يوماً مكانه, ورواه مالك بسند صحيح.
وعلى هذا فالاجتهاد: أن يبذل وسعه في حصول معرفة دخول الوقت, بدليل أنهم قالوا: هذا الاجتهاد إما بحث ونظر في الأدلة, مثلاً معرفة النجوم, هناك نجوم يعرف بها جهة الشمال ونجوم يعرف بها جهة الجنوب, فنجمة الدبرة تأتي دبر بعض النجوم, ونجم الثريا يأتي أمامها نجوم، والفائدة من ذلك معرفة جهة الغرب وجهة الشمال, فهذا نظر واجتهاد في الأدلة, كاجتهاد أدلة القبلة.
وكذلك إذا كنت تميز بين الزوال من عدمه, وبين البياض المستطيل ما بين الشمال والجنوب وغير ذلك.
وكذلك من البحوث معرفة الساعة, إذا معك ساعة العصر وتستطيع أن تعرف من طريق النجوم جهة الشمال، فتستطيع أن تعمل بهذه الساعة إذا وضعت سهماً معيناً إلى جهة الشمال فيحدد لك القبلة, وإذا كنت تعرف الخطوط, خطوط الطول والعرض فإنك تستطيع أن تعرف ذلك, وهذا يسمى النظر في الأدلة.
ومن الاجتهاد هو أن تكون لك صنعة متى ما وصلت إلى شيء معين في هذه الصنعة فقد دخل الوقت في العادة عندك, إلا أنك لم تسمع الأذان, أو ذهبت إلى سفر وبدأت تعمل في هذا العمل فيغلب على ظنك أنك لا تستطيع أن تصل إلى هذا الشيء من هذا العمل إلا وقد دخل الوقت, فمثلاً أصحاب البراري الذين ينتقلون بخيامهم يبحثون عن مواطن القطر, فينتقلون من مكان إلى مكان, فإذا كان من عادتهم أنهم إذا طلع الفجر أخذوا أمتعتهم وانتقلوا إلى مكان آخر, فبمجرد انشغالهم في إثبات الخيام وضرب الأوتاد وما إن ينتهوا إلا وقد زالت الشمس, لكنهم تفاجئوا أن مثل هذا الوقت صار في يوم غيم, ولا يستطيعون أن يميزوا زوال الشمس, فيستطيعون بمعرفتهم المعتادة أنهم متى ما انتهوا من ضرب الخيام أو من ضرب واحدة أو اثنتين فإن الوقت يدخل, أو إن الشمس تزول, فهؤلاء يقال فيهم: لهم صنعة وجرت لهم عادة بعمل شيء مقدر إلى وقت دخول وقت الظهر مثلاً, أو دخول وقت المغرب مثلاً.
أو جرت له عادة بقراءة شيء من الكتب أو الآيات فيعلم, سئل زيد بن ثابت كما عند البخاري كم بينهما؟ يعني: بين الأذان والسحور؟ قال: مقدار اثنتين وخمسين آية, فهذا يدل على أنهم كانوا يقدرون بالآيات, وما زال بعض الصالحين إلى وقت قريب يقدرون مسافة بعض القرى من بعض بالقراءة, فحدثني بعض المشايخ أنهم كانوا يعرفون الفرق بين القرى التي حول مناطق القصيم بالآيات, فيقولون: بين المردسية وبريدة ثلاثمائة آية, وبين خب الفلاني إلى بريدة مائة وخمسون آية, فهم ما شاء الله من مجرد خروجهم يشرعون في القراءة, لكن قارن بين حالهم وحال زماننا اليوم! يذهب إلى محطة ويأخذ شيئاً يشغل وقته حتى إذا وصل لا يعلم هل وصل أم لا؟ يقول: ما شاء الله وصلنا سريعاً ولا يميز, فهذا فرق كبير.
على كل حال هذا يدل على أن الإنسان إذا كان له شيء جرت عادته بقراءة شيء علم ذلك, فهذا يحسب على أنه نوع من الاجتهاد؛ لأنه إذا انتهى من هذا العمل, أو انتهى من هذه القراءة فقد غلب على ظنه أن الوقت قد دخل؛ فقد جرت عادته بهذا.
أعيد القول الثاني: قالوا: يستحب ألا يؤخر؛ لأنه إذا جاز له أن يصلي بغلبة الظن مع أن الأصل أنه لا يجوز لمسلم أن يصلي إلا بدخول الوقت, فلأن يصلي في أول الوقت مع الغلبة من باب أولى؛ لأننا نقول: بغلبة الظن دخل الوقت.
هل نصلي أول الوقت أم آخر الوقت؟ إن قلنا: يصلي بأول الوقت؛ لأننا شرعنا في الاستحباب لغلبة الظن, فهذا أولى بالأخذ به من قولنا: غلبة الظن بدخول الوقت أصلا, وهذا هو الأولى, والله تبارك وتعالى أعلم, على أن الأفضل ألا يؤخر؛ لعموم أدلة أفضلية التقديم, كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يصليها بغلس ), وهذا كما قلنا: في حال ما لم يشق على المأمومين.
وإن قال قائل: الأعمى وغيره لا يكتفون بخبر الواحد, بل لابد من خبر اثنين فأكثر, قلنا: هذا صحيح من حيث القطع, ولكن وجود مؤذن واحد في البلد كاف لدخول الوقت, وما زال المسلمون على هذا.
يقول المؤلف: (كأن يقول: رأيت الفجر طالعاً, أو الشفق غائباً ونحوه), أو يؤذن, وعلى هذا فالذين يفطرون بخبر مؤذن قد أخطأ لا يلزمهم الإعادة على الراجح, ولكنهم إذا علموا خطأ المؤذن وجب عليهم الإمساك, كما هي رواية عند الإمام أحمد اختارها أبو العباس بن تيمية رحمه الله خلافاً للجمهور.
الدليل الأول: لأن الأصل عدم دخول الوقت, والقاعدة تقول: إن اليقين لا يزول بالشك.
الثاني: ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن مسعود في قصة ابن أم مكتوم الأعمى, قال ابن مسعود : ( وكان لا ينادي حتى يقال له: أصبحت, أصبحت ), كان لا يأخذ بخبر الأول الذي يقول: قد دخل الوقت, فكان ينتظر حتى يغلب على الظن أو يتيقن أن الناس قد اتفقوا على ذلك.
إذاً الأعمى حينما يأخذ بخبر هذا, أخذ به عن ظن وإلا عن يقين؟ عن ظن, وعلى هذا فالراجح أنه يجوز خلافاً للمذهب, فإن المذهب قالوا: لا يعمل بخبر ظن, ولكن الصحيح أنه يعمل إذا لم يكن عنده اجتهاد, وأما إذا كان عنده اجتهاد فلا يعمل بغلبة ظن هذا المخبز.
ويقول أبو العباس بن تيمية رحمه الله: ويجوز الأخذ بخبر المؤذن, ولو مع إمكان معرفة الوقت؛ لأن الخبر من ثقة متقن أو متيقن, كما يقول المؤلف.
قبله فصلاته نفل ].
قول المؤلف: (فإن أحرم باجتهاد) أو بخبر ثقة فبان خطأ اجتهاده, أو خطأ من أخبره فإن صلاته التي صلاها لا تبطل ولكنها تكون نفلاً, فتنقلب من فرض إلى نفل, ولو لم ينوها, والله أعلم.
وهذا سواء انتهى من الصلاة أو علم بعد ذلك وهو يصلي, فلو صلى جماعة المغرب ظانين أن الشمس قد غربت في يوم غيم, ثم طلعت وهم يصلون فماذا يصنعون؟
الذي يظهر والله أعلم أنهم يقطعون الصلاة؛ لأنه وقت نهي؛ فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد أن تصفر الشمس إلى الغروب, ونهى عن الصلاة حين تضيف الشمس إلى الغروب حتى تغرب, فإذا كانوا قد ظنوا أن الشمس قد غربت ثم طلعت الشمس فدل ذلك على أنهم صلوا قريباً من الغروب فيقطعونها.
أما لو كانوا قد صلوا إلى العصر فلا يقطعونها؛ لأنه ليس وقت نهي هذا الذي يظهر والله أعلم, أما إذا صلوها وانتهت فهذه لا بأس تكون نفلاً, ولهذا علل المؤلف فقال: (فنفل لأنها لم تجب ويعيد فرضه)؛ لأنه لم تبرأ ذمته بذلك, فالأصل أن الإنسان بإجماع العلماء لا تصح صلاته قبل الوقت, وأما إن علم أنه قد صلى بعد الوقت فإن صلاته صحيحة بالإجماع, هذا في حالة ما إذا تبين خطؤه, أما إذا لم يتبين له الحال فإن صلاته صحيحة ولا يلزمه أن يعيد.
قول المؤلف: (وإلا يتبين له الحال) ظهر أن صلاته صحيحة؛ لأنه عمل بغلبة ظن ولم يتبين له خطؤه, والقاعدة أنه يعمل بالظن ما لم يتبين الخطأ, فإذا لم يتبين الخطأ فإن الأصل أن الصلاة صحيحة؛ لأننا كيف نأمره بالصلاة بغلبة الظن ثم نأمره بعد ذلك بالإعادة مع أن هذا الظن لم يقطع؟ والأصل أن الإنسان إذا عمل بالظن الغالب فيستمر إلا أن يوجد اليقين فيبطله باليقين, وإذا لم يوجد فالصلاة صحيحة وقد برأت ذمته؛ لأن الله لم يأمرنا أن نصلي الصلاة مرتين, وهذا أمر مجمع عليه في الجملة.
وأفادنا المؤلف بهذا الكلام على أن الصور أربع:
الأولى: أن يصلي بغلبة الظن, ثم يتبين له أن الوقت قد أصاب فيه, فهذا لا إعادة عليه بالإجماع.
الثانية: أن يتبين له أن الوقت لم يدخل, فيكون اجتهاده خطأ فهذا يجب عليه أن يعيد قولاً واحداً.
الثالثة: ألا يتبين له شيء فصلاته صحيحة؛ لجواز العمل بغلبة الظن.
الرابعة: أن يتبين له أنه باعد الوقت فصلاته صحيحة.
هذه المسألة مبنية على مسألة إدراك الصلاة, هل تدرك بإدراك الركعة كاملة؟ كما هو مذهب مالك ، ورواية عند الإمام أحمد ، رواها عنه أبو الفتح الحلواني وغيره, وأحد القولين للشافعي وهو قول زفر ، ورواه عن أبي حنيفة ، أم تدرك بإدراك قدر التحريمة كما هو المذهب عند الحنابلة؟ أم تدرك بإدراك مقدار الصلاة أول الوقت, فإذا مضى زمن يمكن فيه فعل تلك العبادة ثم حصل المانع وجب عليه أن يقضي, وإلا فلا كما هو مذهب الشافعي ورواية عند الإمام أحمد اختارها ابن بطة وغيره.
وصورة المسألة على الأقوال الثلاثة: لو أن امرأة كانت طاهرة فأذن المؤذن لصلاة المغرب, أو أنها رأت الشمس وقد غربت, فلما سقطت الشمس وكانوا ينتظرون أمراً صرخت لتخبر أهلها فنزل عليها, وكان اصطراخها قدر التحريمة, فعلى المذهب أنها غربت الشمس وهي طاهرة, فإذا طهرت من حيضها وجب عليها أن تقضي صلاة المغرب؛ لأن الحنابلة يرون أن من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة, وقد جاء في الحديث: (من أدرك ركعة مع الإمام قبل أن يسلم فقد أدرك فضل الجماعة وثوابها), وقلنا: أن الحديث الصواب وقفه على أبي هريرة ، وأن الحديث في سنده ضعف, وأن الحديث ضعيف مرفوعاً, وسبب ضعفه أن الحديث من رواية محمد بن جابر عن أبان بن طارق عن كثير بن شنظير عن عطاء عن أبي هريرة , وقلنا: إن ابن علية رواه عن كثير بن شنظير, قلنا: عن عطاء عن جابر , وقلنايش
: إن ابن علية رواه عن كثير بن شنظير عن عطاء عن أبي هريرة من قوله, وأما المرفوع فهو من حديث جابر ولا يصح.
القول الثاني في المسألة: إن هذه المرأة حينما غربت الشمس صرخت وأخبرت أهلها ثم بدأت تنادي وتنادي وذهبت, وبعد سبع دقائق نزل عليها الدم, فالسبع الدقائق يمكن معها أن تصلي ثلاث ركعات لصلاة المغرب, فإن أدركت زمناً يمكن فعل العبادة كاملة فيها وجب عليها الصلاة, فإن أدركت دقيقتين لا يمكن معها إنهاء صلاة المغرب إلا ركعة هل يجب عليها؟ قالوا: لا يجب عليها. وهذا هو مذهب مالك واختيار ابن تيمية رحمه الله كما مر معنا, قالوا: إن الصلاة حينئذ لا تجب حتى يضيق عليها الوقت بمقدر ركعة, وهذا بناء على أن الوقت الأصل فيه أنه واجب موسع، وهذا هو الأظهر والله تبارك وتعالى أعلم.
فعلى هذا فمن دخل عليه وقت ثم طرأ عليه مانع كجنون أو حيض فلا قضاء عليه, إلا أن يضيق الوقت عن فعلها, ثم يوجد المانع بمقدار ركعة كما هو مذهب الإمام مالك ورواية عند الإمام أحمد وهو قول زفر ورواه عن أبي حنيفة والله تبارك وتعالى أعلم، واستدلوا بحديث: ( من أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة )؛ لأن تأخيره عن الصلاة مأذون فيه, والقاعدة أن ما ترتب على المأذون فلا ضمان.
هذه المسألة تختلف عن المسألة الأولى, فالمسألة الأولى فيها ثلاثة أقوال وبعضهم يجعلها أربعة, أما الصورة الثانية فهي لو أن امرأة حائضاً, طهرت قبل غروب الشمس بقدر التحريم, فعامة أهل العلم, بل حكى بعضهم الإجماع كما حكاه بعض الحنابلة، وليس في المسألة إجماع, قالوا: إنه يجب على المرأة إذا طهرت قبل غروب الشمس ولو بدقائق أن تقضي الصلاة وما يجمع إليها, فلو طهرت قبل الفجر وجب عليها أن تصلي المغرب والعشاء, وهذا بناء على أن وقت العشاء يطول إلى الفجر للضرورة, وقد مرت معنا هذه المسألة ورجحنا أنه يمتد، وقلت أكثر من مرة أنني كنت أفتي بأن وقت العشاء ينتهي في منتصف الليل ثم تبينته قبل سنوات والآن نفتي بأن وقت العشاء يمتد إلى الفجر؛ لحديث عائشة : ( أعتم النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل, وحتى نام من في المسجد, فخرج فقال: إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي ), وقول عائشة : (حتى ذهب عامة الليل), يدل على أنه قد ذهب أكثر من المنتصف.
وإذاً هذا القول الأول؛ لحديث: ( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ), والقول الثاني في المسألة: إنه لا تجب إلا بمقدار ركعة كاملة بركوعها وسجودها, فلو أن حائضاً طهرت ولو لم تغب الشمس, طهرت فأدركت مقدار دقيقتين أو ثلاث قبل الأذان فإنها حينئذ تجب عليها وإلا فلا, وهذا هو مذهب مالك رحمه الله والليث بن سعد , والشافعي وهو اختيار أبي العباس بن تيمية رحمه الله وهذا القول قوي, إلا أن الأولى والأحوط أن تصلي والله أعلم, وعلى هذا فلو ذهبت المرأة لتغتسل فقد انتهى الوقت قطعاً مع ذلك تقضيها بعد الفجر, فلو أن حائضاً طهرت قبل الفجر بدقيقتين فعلى قول عامة أهل العلم أنها إذا اغتسلت وصلت الفجر خوفاً من خروج وقته تصلي المغرب والعشاء, وعلى هذا فالذي يظهر والله أعلم عدم الوجوب، ولكن الأحوط أن تقضي وأن تصلي العشاء, أو أن تصلي العصر والظهر إذا طهرت قبل الغروب.
قولان عند أهل العلم: عامة أهل العلم من الأئمة الأربعة وغيرهم يقولون: أنها تصلي المغرب وما يجمع إليها كالعشاء, وتصلي العصر وما يجمع إليها وهي الظهر, وأما ما لا يجمع إليها كصلاة الفجر فإنها لا تصلي إلا الفجر, حتى لو طهرت قبل زوال الشمس بدقيقة أو دقيقتين أو ثلاث على القولين فإنها تصلي الفجر فقط قبل الزوال.
وهذا القول -أعني: أنها تصلي الصلاة وما يجمع إليها- هو قول عامة أهل العلم وهو اختيار أبي العباس ابن تيمية رحمه الله, وقد روي عن أبي هريرة وابن عباس وعبد الرحمن بن عوف ولا يصح عن واحد منهما فيما بلغنا, فقد روى الأحاديث ابن المنذر في الأوسط والبيهقي وابن أبي شيبة وغيرهم، والأحاديث في هذا الباب ضعيفة, إلا أن عامة أهل العلم على هذا القول، ولعل هذا القول قوي؛ للقاعدة التي يقولون فيها: لأن وقت الصلاة وقت للأخرى التي تجمع إليها مع العذر, فإذا جاز أن يجمع الظهر والعصر في السفر؛ لأن وقت العصر هو وقت للظهر في حال العذر, فهذا عذر والله أعلم.
وأما حديث عبد الرحمن بن عوف وابن عباس أنهما قالا: (إذا طهرت الحائض قبل مغيب الشمس صلت الظهر والعصر, وإذا رأت الطهر قبل أن يطلع الفجر صلت المغرب والعشاء), فقد رواه ابن المنذر في الأوسط وعبد الله ابن الإمام أحمد في مسائله وعبد الرزاق ولا يصح, ولكن عليه العمل عند عامة أهل العلم وهو أولى والله تبارك وتعالى أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر