قال العلماء وهم الحنابلة والشافعية قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استثنى
أبا بكر من هذا الحكم؛ لأنه لم يجر ثوبه خيلاء، فدل ذلك على أنه إذا لم يكن في الإسبال خيلاء فلا بأس، هكذا استدلوا كما ذكر
النووي وغيره.
والجواب على هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم جوز حالة أبي بكر من غير نهي، فدل على أن من جر ثوبه من غير خيلاء جائز بلا كراهة، وأنتم تقولون بالكراهة، فحالة أبي بكر فعلها من غير كراهة ولا نهي، فقولكم بهذا الحديث على أن إسبال الثوب خيلاء محرم، وإذا كان من غير خيلاء مكروه، مع أن أبا بكر قد جوز له النبي صلى الله عليه وسلم هذا الفعل، قول ليس بجيد. هذا أولاً.
ثانياً: إن أبا بكر رضي الله عنه كان إزاره يسترخي وليس هو الذي يرخيه وفرق بين الأمرين، ففرق بين أن يكون إزارك أو بنطالك يسترخي فترفعه، وبين أن يكون الإرخاء منك ولهذا قال: ولكني أتعاهده، مثل أن تكون في الحج فإن إزارك مع الاستمرار والعمل يسترخي فتتعاهده.
ثالثاً: أن ثمة أحاديث أشارت إلى الحرمة من غير خيلاء، وأحاديث أشارت إلى أن الله لا ينظر إلى المسبل خيلاء، فدل على أن الحكم مختلف.
وأما قولكم: أن ما لم يشر إلى الخيلاء مطلق تقيده أحاديث الخيلاء كحديث: ( من جر ثوبه خيلاء )، قلنا: إن كلام أهل العلم في حمل المطلق على المقيد يكون في حال لم يختلفا في الحكم أو في السبب، فإن اختلفا في الحكم أو في السبب لم يصح حمل المطلق على المقيد، وهنا اختلف الحكم، فمن أسبل ولم يجر ثوبه خيلاء حكمه النار، ( ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار )، متفق عليه.
وأما من جر ثوبه خيلاء فحكمه ( لا ينظر الله إليه، ولا يزكيه، وله عذاب أليم )، إذاً الحكم مختلف، فلا يصح حمل المطلق على المقيد عند علماء الأصول.
رابعاً: أن طريقة الصحابة رضي الله عنهم هي المنع مطلقاً، وقد صح عن ابن مسعود رضي الله عنه ( أنه رأى رجلاً يصلي وهو مسبل، فقال: المسبل إزاره في الصلاة ليس من الله في حل ولا حرام )، والحديث أخرجه النسائي وغيره، وقد روي مرفوعاً وموقوفاً، ولكن الأصح رواية الموقوف، والله أعلم.
وابن تيمية رحمه الله في الاختيارات قال عندما ذكر كلام الحنابلة: ويظهر من ذلك على قاعدة المذهب: أن من صلى وثوبه مسبل لا تصح صلاته؛ لأن النهي عائد على الصفة أو على الذات أو على الكسب؟
على الصفة، ومثال النهي العائد على الذات الحرير والنجس، ومثال النهي العائد على الكسب المغصوب.
وعلى هذا فيقول ابن تيمية رحمه الله على قاعدة الحنابلة : أنهم لم يفرقوا بين هذه الأشياء الثلاثة، فيكون النهي هنا تبطل به الصلاة لكونه عائداً على الصفة، ولكن الحنابلة لا يبطلونها، والله أعلم.
ويجوز الإسبال من غير الخيلاء للحاجة كما مر معنا.
وعلى هذا فالذي يظهر والله أعلم أن الإسبال محرم إذا كان من غير خيلاء، وكبيرة إذا كان بخيلاء، وقد أطلت في هذه المسألة؛ لأنها انتشرت، وبدأ البعض يحتج بأقوال الرجال إذا كانت موافقةً لواقعهم، وأحياناً يحتجون بعمومات النص، ولا عبرة بالمخالف.
وقد ذكر عن الشافعي أنه قال: وقد أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يدعها لقول أحد من الناس.
والذي يظهر والله أعلم أن الإسبال محرم، فإن كان بخيلاء فهو أشد، ومما يدل على ذلك أن أصل الخيلاء محرم بإسبال أو غير إسبال، فلو أن شخصاً ما لبس ثياباً أصلاً وفيه خيلاء فهو واقع في المحرم، فوجود الإسبال في الثوب حكم زائد على مجرد الخيلاء، فالخيلاء والتبختر والفخر والكبر محرم ولو كان الإنسان عارياً كما هو معلوم، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.