الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:
فقد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفرض من قرب من القبلة أي: الكعبة وهو من أمكنه معاينتها أو الخبر عن يقين إصابة عينها ببدنه كله بحيث لا يخرج شيء منه عن الكعبة, ولا يضر علو ولا نزول, وفرض من بعد عن الكعبة استقبال جهتها، فلا يضر التيامن ولا التياسر اليسيران عرفاً إلا من كان بمسجده صلى الله عليه وسلم لأن قبلته متيقنة, فإن أخبره بالقبلة مكلف ثقة عدل ظاهراً وباطناً بيقين عمل به، حراً كان أو عبداً، رجلاً كان أو امرأة, أو وجد محاريب إسلامية عمل بها؛ لأن اتفاقهم عليها مع تكرار الأعصار إجماع عليها, فلا تجوز مخالفتها حيث علمها للمسلمين، ولا ينحرف].
وهذه القدرة هل هي قدرة شرعية أم قدرة فقهية؟ المعروف من إطلاق المؤلف أنها قدرة فقهية، فلو أن الصفوف اتصلت ثم صلى هو في آخر الصفوف فمن المعلوم أن اتصال الصفوف له حكم غير حكم صلاة المنفرد.
ففي حال اتصال الصفوف لا يستطيع أن يقدر عليها شرعاً؛ لكنه يستطيع أن يقدر عليها حساً, فعلى كلام المؤلف فإنه يجب عليه أن يتخطى الصفوف حتى يتيقن أنه أصاب عين القبلة!
وأما دليل ذلك فإنهم قالوا: الإجماع على أن من استطاع رؤية البيت فإنه يجب عليه أن يستقبله, وهذا من حيث الجملة صحيح، أن من رأى البيت يجب عليه أن يصيب عينه.
وأما قولهم: إن أمكنه رؤيتها فلم يفعل لم تصح صلاته فإن هذا محل نظر، مثل: الذي يصلي في سطح البيت في العشر الأواخر من رمضان، صلاة الفروض فإنه لا يتيقن أنه أصاب عين القبلة؛ ومع ذلك هو متمكن من إصابة عينها, فهل إمكانية التمكن كافية في وجوب استقبال عين القبلة؟
الحنابلة يقولون: إمكانية ذلك كافية في إثبات الوجوب, والذي يظهر والله أعلم أنه إن رأى البيت أو قدر على رؤيته من غير مشقة ولا كلفة وجب عليه استقبال عين الكعبة، وأما من لم يمكنه رؤيته من مكانه كأن يكون بعيداً عن الكعبة، أو كان خارج المسجد ممن يعيش في بيوتات مكة فإن الذي يظهر والله أعلم أنه لا يجب عليه إصابة عينها, فالجهة كافية ولو لمن كان في مكة وما يليها.
ودليل هذا القول ما ثبت من حديث أبي هريرة عند الترمذي بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما بين المشرق والمغرب قبلة ) وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك مع أننا نجزم أن قبلة المسجد النبوي في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أصيب عينها؛ لأن اجتهاده يقر عليه بوحي, وهذا هو الذي يظهر, والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: (أو الخبر عن يقين) كمن نشأ في مكة أو أقام فيها كثيراً بحيث يجزم أن هذا عين القبلة، فإنه على كلام المؤلف يجب عليه إصابة عينها, والراجح والله أعلم أنه لا يجب.
وهذه من المسائل التي لو قلنا بها لكان على الذين يصلون في المسجد الحرام مشقة وعناء، فعلى هذا فكل من رأى الكعبة أو أمكنه رؤيتها من غير مشقة ولا كلفة فإنه يجب عليه أن يصيب عينها، وأما من لم ير الكعبة وشق عليه رؤيتها من مكانه فإننا نقول: لا يجب عليه؛ لأنني في مكاني الذي أريد أن أصلي فيه غير مأمور ألا أصلي فيه حتى أرى عينها, وإنما يكفي اجتهادي في هذا المكان، والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: (إصابة عينها ببدنه كله بحيث لا يخرج شيء منه عن الكعبة)؛ قالوا: لأنه قادر على التوجه إلى عينها فلم يجز له التوجه إلى جزء منها, ولو قيل بهذا القول لكان في ذلك مشقة وحرج على المصلين ولأدت إلى ألا يصلي الناس بعيداً عن الصفوف الأولى في المسجد.
قال المؤلف رحمه الله: (ولا يضر علو ولا نزول), يعني: لا يضر كونك أسفل مسامتة الكعبة أو أعلى من الكعبة؛ لأن العبرة باستقبال عينها أو هوائها أو قرارها؛ ولا يشترط المسامتة, فالذين يصلون في البدروم لم يستقبلوا عين الكعبة, لكنهم استقبلوا قرارها.
والذين يصلون في سطح المسجد لم يستقبلوا عينها وإنما استقبلوا هواءها, وهذا هو معروف بإجماعهم؛ لأن الواجب ليس المسامتة, ولكن الواجب إصابة عينها أو قرارها أو هوائها.
مثل الآن: نحن نصلي بصف معتدل وعرض الكعبة ليس مثل عرض هذا المسجد, ومع ذلك نجزم أننا لم نصب عينها؛ ولهذا يقول ابن تيمية: ولهذا كانت جميع مساجد أهل الشام والكوفة تصح الصلاة فيها باتفاقهم, ولو خط خط من هذه المساجد إلى عين الكعبة لم يصب عينها, وهذا معروف.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أقر أصحابه الذين صلوا خلفه أن يصلوا في صف مستقيم, ومن المعلوم أن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضه أكبر من عرض الكعبة, ولو كان المقصود إصابة عينها لوجد تقوس الصف ولا قائل به، والله أعلم.
وأما من قال من الفقهاء: من قدر على إصابة عينها وجب عليه أن يصيب عينها ولو كان بعيداً، فقوله مخالف لإجماع العلماء؛ لأننا الآن نستطيع أن نصيب عين الكعبة بالأقمار الصناعية أو أجهزة ماجلان أو وغيره, فنستطيع أن نجزم بواسطتها أننا أصبنا عين الكعبة, وكانوا في السابق يعرفون ذلك بالنجوم؛ ولهذا قالوا: إن الشامي إذا وضع القطب ما بين أذنه ونقرة القفا فقد أصاب ما بين الركن الشامي والميزاب, ومع ذلك لم يؤمر الذي يقدر على ذلك أن يفعله.
قال المؤلف رحمه الله: (إلا من كان بمسجده صلى الله عليه وسلم لأن قبلته متيقنة), أي: إلا الذين في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يضر وجود تيامن أو وجود تياسر؛ لأن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي وضعه قد أصاب عين الكعبة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقر على خطأ.
وعلى هذا فيشترط في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم إصابة العين ببدنه؛ لأنه لا يقر على خطأ, وفي هذا القول نظر؛ لأن صلاة الصف الطويل في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم صحيحة بالإجماع, ومن المعلوم أن عرض مسجد رسول الله أكبر من عرض الكعبة, فهذا انحراف كبير.
فالذين في أطراف الصف قطعاً لم يصيبوا عينها, فلو كان المقصود إصابة عينها في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم لأمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجعلوا الصف مقوساً ولا قائل به.
فلا بد أن أذهب فأسأل عنه هل هو عدل ظاهراً وباطناً أو لا، أو أبحث عن القبلة من جهة أخرى, وعلى هذا فمستور الحال لا يقبل, وفي هذا عناء ومشقة على الناس, وليس ثمة دليل صحيح يجب أن يصار إليه. ولو كان هناك دليل لقلنا: سمعنا وأطعنا, وكان في بحثنا هذا عبادة وأي عبادة.
ولكن الذي يظهر أنه إذا أخبرك شخص ولو مستور الحال وغلب على ظنك علمه بالقبلة بالقرائن كان ذلك كافياً, والقرائن مثل الذي في الكونتر في الشقق المفروشة إذا أخبرني بناء على أنه يغلب على ظني أنه يسأله خلق كثير وهو يعرف ذلك, أو أنا في البر ورأيت راعي غنم وسألته وأنا لا أعلم عن راعي الغنم, فأخبرني عن القبلة فيغلب على ظني أن هذا الذي يعيش في هذا المكان قد بحث وسأل عن القبلة, واجتهاده أعظم من اجتهادي في الغالب, فهذا كافٍ.
ولو كان مميزاً بحيث يعرف ما يعرفه الكبار صح قبول خبره, وعلى هذا فالقرائن تختلف باختلاف الأحوال والأشخاص, الأحوال مثل: الذي في البر أو في الشارع ليس مثل الذي عاش في المكان.
وعلى هذا فإذا ذهبت خارج البلاد ووجدت فيها عربياً لا يصلي وسألته عن القبلة, فأخبرك فأنا أقول: هذا ليس كافياً للاجتهاد, وإن قلنا: أنه لا يعيد، حتى يسأله عن الشمال والجنوب والغرب؛ لأن هذا أنفع وأضبط, والله أعلم.
قوله: (بيقين), يعني إن كان المخبر لم يتيقن ذلك لم يصح قبول خبره, وإن كان متيقناً وكان مكلفاً عدلاً ظاهراً وباطناً وجب قبول خبره والعمل به, (حراً كان أو عبداً رجلاً كان أو امرأة)؛ لأن هذا ليس من باب الشهادة, ولكنه من باب الإخبار.
وهذا يقودنا إلى مسألة: هل تصح المحاريب الموجودة في المساجد؟
هناك مساجد فيها محاريب لها أكثر من ألف سنة, وهذا يدل على أن المؤلف الذي ألف هذا الكتاب كان في القرن التاسع أو الثامن, وهذا يدل على أنها كانت موجودة؛ ولهذا اختلف الفقهاء فيها فأباح الحنابلة وجود المحاريب في المساجد, واستحبها الإمام أحمد في رواية, وكرهها الظاهرية, وذهب السيوطي إلى بدعيتها, وألف في ذلك كتاباً. والذي يظهر والله أعلم هو إباحتها.
واعلم أن وجودها شيء, والصلاة في الطاق شيء آخر, والطاق: هو الذي نسميه المحراب, فروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كره الصلاة في الطاق؛ لأجل أن الناس لا يرونه, أما لو كان خارجاً بحيث يراه الجماعة لم يكن في ذلك بأس كما هو معروف, والله أعلم.
وكل الأحاديث الواردة في النهي عن وجود المحاريب ضعيفة, كما في حديث: (لا تزال هذه الأمة بخير ما لم يتخذوا في مساجدهم مذابح كمذابح النصارى), رواه ابن أبي شيبة وهو ضعيف, وأما حديث ابن عمر : (اتقوا هذه المذابح) فالمقصود بها صدور المجالس, وقد حسنه بعض أهل العلم, وهو أقرب إلى الضعف وقد رواه البيهقي.
قال المؤلف رحمه الله: (ولا ينحرف) يعني: لا ينحرف عن هذه المحاريب من حيث الجهة؛ لأن هذه المساجد أقرب إلى إصابتها, فلو انحرف كأنه صلى إلى القبلة عن اجتهاد من عنده من غير يقين، أو خالف الثقات, هذا هو المقصود بقوله: ولا ينحرف.
أنا أشرح كلام أنا جاهل فيه لأنني لا أحسن معرفة النجوم, وإن كان بعض العلماء قد استحب معرفة النجوم لمعرفة القبلة, كما قال عمر رضي الله عنه: تعلموا من النجوم ما تعرفون به القبلة والطريق.
لكننا نقول: أثبت أدلة القبلة في زمان المؤلف هو القطب؛ لأنه لا يزول ولا يتحرك, والقطب: هو القطب الشمالي؛ ولهذا يقول: (هو نجم خفي شمالي، وحوله أنجم دائرة كفراشة الرحى) رأيناه في الليل, لكنه ربما لا يرى لمن كان خفيف النظر؛ لأنه يشع قليلاً، ويختفي قليلاً, خاصة مع وجود السحب, فهذا لا يميزه كل أحد إلا بالمعرفة والدربة, وقوله: (في أحد طرفيها الجدي, يعني: أحد طرفي هذه النجوم الجدي والآخر الفرقدان).
ثم ذكر المؤلف كيفية استقبال القبلة بقوله: (يكون وراء ظهر المصلي بالشام) أي: يجعله ما بين الأذن اليمنى ونقرة القفا فيصيب ما بين الركن الشمالي والميزاب. قوله: (وعلى عاتقه الأيسر بـمصر), يعني: يجعل القطب على عاتقه الأيسر إن كان بمصر ثم يصلي فإنه يكون حينئذٍ مستقبلاً القبلة.
والآن هناك بعض المواقع تقول: الساعة الفلانية إذا كنت في مكة فاجعل الشمس بين عينيك تصيب عين القبلة, والساعة الفلانية إذا كنت في الرياض اجعل الشمس بين عينيك تصيب عين القبلة, وهذا يعرفه من عرف منازل الشمس ومواقعها فإنه يستطيع أن يعرف جهة الغرب من جهة الشمال والجنوب والله أعلم؛ ولهذا قال الخلوفي :
من واجه القطب بأرض اليمن وعكسه الشام وخلف الأذن
يمنى عراق ثم يسرى مصر قد صحح استقبالها في العمر
وهذان البيتان إذا حفظهما الإنسان يعرف ذلك, لكن المشكلة إذا كان لا يعرف القطب من غيره, فربما استقبل بيت المقدس! وهو لا يدري.
إن الشمس تطلع من المشرق وتغرب من المغرب, ومن المعلوم أن شروق الشمس في الشتاء يختلف عن شروقها في الصيف؛ ولهذا يقولون: يصلي المصلي في البلاد الشامية ويجعلها عن يساره, ويصلي المصلي في البلاد الجنوبية ويجعلها عن يمينه, والشمس شروقها في الشتاء يختلف عن شروقها في الصيف, والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: (ويستحب تعلم أدلة القبلة والوقت), نعم يستحب؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب, وما لا يتم المستحب إلا به فهو مستحب. قوله: (فإن دخل الوقت وخفيت عليه لزمه) أي: لزمه التعلم إن لم يضق الوقت, ولزمه الاجتهاد أيضاً.
قوله: (ويقلد إن ضاق الوقت), يعني: إذا كان لا يفهم ولا يعي، خاصةً الأعمى فإنه يقلد أبداً.
المجتهد هو العالم بأدلة القبلة, وقلت: من كان عالماً بشيء فإنه يعد مجتهداً فيه, فالمجتهد هنا: هو العالم بالقبلة, فإذا وجد اثنان كل واحد منهما مجتهد في القبلة بيد أنهما اختلفا, لا يخلو اختلافهما من حالات:
الحالة الأولى: أن يختلفا في الجهة فأحدهم يقول: القبلة جهة الشرق, والآخر يقول: القبلة جهة الغرب, فهذان اختلفا في الجهة, فالحكم في هذا الحال أنه لا يتبع أحدهما الآخر, ومعناه: لا يجوز أن يصلي أحدهما خلف الآخر؛ لأنه صلى خلف من يعتقد خطأ اجتهاده وبطلانه, هذا هو المذهب.
والقول الآخر في المسألة: جواز الاقتداء؛ لأن من صلى خلف من يعتقد بطلان صلاته فصلاته صحيحة, كمن صلى خلف من لا يرى بأكل لحم الجزور بأساً في الصلاة, وقد سئل الإمام أحمد: أنصلي خلف من لا يرى بأساً؟ قال: ألا تصلي خلف مالك بن أنس و سعيد بن المسيب ؟! فهذا يدل على أن من صلى خلف من يعتقد بطلان صلاته فصلاته صحيحة.
والذي يظهر أن هذا شيء, والصلاة خلف من يعتقد بطلان الصلاة فيما لا يؤدي إلى خلل في أركان صلاة المصلي شيء آخر, فإذا كان لا يخالف صلاة المصلي في أركانها فإن الصلاة صحيحة, وإن خالف فلا, فإذا صلى الإمام إلى جهة والمأموم إلى جهة أخرى, فإن المأموم يكون قد اتبع شخصاً يؤدي اتباعه إلى الإخلال بما أوجب الله عليه في نظره, فهنا لا يتبعه, أما من صلى خلف من يعتقد بطلان صلاته فيما لو صلى كمن لا يرى وجوب الفاتحة, فإنه لا يؤدي إلى بطلان صلاة المصلي أو مخالفته من حيث فعله فهذا هو الفرق, والله أعلم.
فكل من صلى خلف من يعتقد بطلان صلاته فيما لا يؤدي اجتهاد الأول إلى مخالفة فعل الثاني واجتهاده من حيث فعله هو فإن الصلاة صحيحة, وإن أدى إلى مخالفة فعله فإن الصلاة حينئذٍ لا تصح كما لو صلى الإمام إلى جهة والمأموم يرى ويعتقد أن الجهة هذه خاطئة والصحيح الصلاة إلى الجهة الأخرى.
الحالة الثانية: أن يتفقا في الجهة لكن يميل أحدهما يميناً والآخر يميل شمالاً, فالذي يظهر والله أعلم صحة الاقتداء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الترمذي : ( ما بين المشرق والمغرب قبلة ).
قال المؤلف رحمه الله: [فيتبع المقلد لجهل أو عمى أوثقهما أي: أعلمهما وأصدقهما وأشدهما تحرياً لدينه].
يعني: لو أن عندنا ثلاثة, مجتهدان ومقلد كالجاهل أو الأعمى وجب عليه أن يقلد أوثقهما عنده. ومعنى الثقة أي: الأعلم والأصدق والأشد تحرياً لدينه؛ لأن الصواب إليه أقرب, وظاهر كلام المؤلف أنه لو قلد الثاني الذي هو المفضول لم تصح صلاته.
والذي يظهر والله أعلم أن تقليد المفضول مع وجود الفاضل يجوز، وهو مذهب الشافعي؛ لأن له الأخذ بدليل, والمفضول دليل جاز أن يأخذ به لو انفرد, فيجوز أن يأخذ به إذا اجتمع, هذا الذي يظهر والله أعلم.
خاصة أن معنى: أوثقهما وأعلمهما وأصدقهما هذه الصفات تحتاج إلى تحري كون بعض الناس يذهبون إلى البر وكلهم في كلية الشريعة، أو أصول الدين، ولا يعلمان شيئاً, فإذا سألت أحدهم عن الأعلم قال: أنا أعلم أنا درست في الكشاف, والثاني: يقول: أنا أعلم أنا قرأت كذا, وكل يدعي وصلاً بليلى.
قال المؤلف رحمه الله: [ولأن الصواب إليه أقرب, فإن تساويا خير].
لأن الحق بإذن الله لا يعدوهما.
قال المؤلف رحمه الله: [وإن قلد اثنين لم يرجع برجوع أحدهما].
يعني: لو أن رجلاً جاء شخصان فأخبراه أن القبلة جهة المشرق فأخذ بقولهما, ثم رجع أحدهما عن قوله لم يجب عليه أن يرجع بسبب تفرقهما؛ لأنه يجوز أن يقلد خبر الواحد.
نقف عند هذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر