إسلام ويب

الروض المربع - كتاب الصلاة [30]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • للنية في الصلاة أهمية كبيرة، لذلك رتب عليها الشارع أحكاماً عدة منها: صحة صلاة من سبق لسانه إلى غير ما أراد، وصلاة من قصد التعليم للآخرين، وصلاة من قضى صلاة بنية الأداء أو عكسها.

    1.   

    تابع النية في الصلاة

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد.

    فقد وصلنا إلى بداية الشرط التاسع من شروط الصلاة وهي: النية، وقد ذكر المؤلف رحمه الله أن محلها القلب، وأن التلفظ بها ليس بشرط، وذكرنا أن هذه العبارة لم يقل بها أحد فيما نحفظ التي هي شرط التلفظ بالنية، ولكن اختلفوا في إباحتها، ولو قال المؤلف: والتلفظ بها ليس بواجب لكان أقرب.

    على كل حال ذكرنا الخلاف وقلنا: إن الأقرب والله أعلم أن التلفظ بها غير مشروع، وهو إلى البدعة أقرب، و أبو العباس بن تيمية رحمه الله لم يفرق بين التلفظ بالنية في الحج والتلفظ بالنية في الصلاة، وقال: وكذلك الحج جعل التلبية في الحج كالتكبير في الصلاة، وقلنا: إن ثمة فرقاً بين المسألتين، كما نص على ذلك الإمام أحمد ، فقد جوز التلفظ بالنية في الحج ولم يجوز التلفظ بها في الصلاة كما في المنصوص عنه.

    وقلنا: إن الصحابة رضي الله عنهم كـعائشة جوزت التلفظ بالنية في الحج، كما روى ذلك الإمام الشافعي .

    سبق لسان المصلي إلى غير ما نواه من الصلاة وما يترتب عليه

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن سبق لسانه إلى غير ما نواه لم يضر، فيجب أن ينوي عين صلاة معينة فرضاً كانت كالظهر والعصر أو نفلاً كالوتر والسنة الراتبة؛ لحديث: ( إنما الأعمال بالنيات )، ولا يشترط في الفرض أن ينويه فرضاً فتكفي نية الظهر ونحوه، ولا في الأداء ولا في القضاء نيته؛ لأن التعيين يغني عن ذلك. ويصح قضاء بنية أداء وعكسه إذا بان خلاف ظنه].

    قول المؤلف رحمه الله: (وإن سبق لسانه إلى غير ما نواه لم يضر)، صورة المسألة: إذا كان قد نوى أن يصلي أو أن يفعل شيئاً فتلفظ، فخرج من بيته وقد توضأ ناو لصلاة الظهر، فاستقبله شخص فقال: أين تريد؟ قال: أصلي العصر، هذا اللفظ خرج بخلاف ما نواه، فالعبرة بما نواه لا بما تلفظ به، وهذا يدلك على أن محل النية هو القلب دون اللسان باتفاق المسلمين، ولو تكلم بلسانه بخلاف ما نواه، كان الاعتبار بما نواه لا بما تلفظ به، ولو تكلم بلسانه ولم تحصل النية في قلبه؛ لم يجزئ ذلك باتفاق المسلمين.

    مثلاً: شخص ركع ركعتين على أنها تطوع، فقال له شخص: ماذا صنعت؟ قال: صليت الفجر، الآن تلفظ ولم تحصل النية للفجر؛ فالعبرة بالنية لا باللفظ، إذاً النية محلها القلب، وهي مقدمة على التلفظ، ولسنا بحاجة إلى أن ندخل إلى الطلاق، ولماذا علق باللفظ ولم يعلق بالنية؛ لأن النية محلها القلب، وجعل الطلاق لأنه من باب خطاب الوضع، وتعلق به حق الغير، فناسب أن يعلق على اللفظ لا على النية، وإلا لدخلنا في ذمم الناس ولوقع الطلاق في غالب الأشياء، وهذا قول عامة أهل العلم خلافاً للمالكية، وإن كان في المسألة تفصيل، سوف نذكره إن شاء الله في وقته، وأن القول بهذا الإطلاق محل تأمل وتوقف.

    قال المؤلف رحمه الله: (فيجب أن ينوي عين صلاة معينة) يعني: يجب أن ينوي أن هذه الصلاة هي الظهر، أو أن هذه الصلاة هي العصر، أو أن هذه الصلاة هي المغرب أو العشاء أو الفجر، هذا إذا كانت فرضاً، وأما إذا كانت نفلاً مقيداً، فينوي أن هذه الصلاة هي سنة الظهر، أو أن هذه الصلاة هي سنة المغرب، في حالة ما إذا أراد أن يقضي ما فاته من السنن الرواتب، وعلى هذا فقس، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ( وإنما لكل امرئ ما نوى )، وإذا عين نفس الصلاة، فليس هناك حاجة إلى أن يقول: هي فرض أو نفل، إذا سماها أو نواها، بأن نوى أن هذه الصلاة هي الظهر، إذاً هو ليس بحاجة إلى أن يسميها؛ لأن تسميتها الظهر كافٍ في أن تكون فرضاً، وإذا سمى الوتر فهو كاف إلى أن يكون نفلاً مقيداً، وهذا هو معنى قول المؤلف: (فيجب أن ينوي عين صلاة معينة).

    قول المؤلف: (ولا يشترط في الفرض أن ينويه فرضاً، فتكفي نية الظهر ونحوه) يعني: أنه إذا عين الصلاة التي هي الفرض، فليس هو بحاجة إلى أن يسميها على أنها فرض؛ لأن تسميتها ظهراً كافية في الفرضية، وتسميتها عصراً كافية بنية الفرضية، وتسميتها ركعتي الظهر القبلية كافية بتسميتها سنة.

    قال المؤلف رحمه الله: (ولا في الأداء ولا في القضاء نيته؛ لأن التعيين يغني عن ذلك)، يعني: إذا أردت أن تصلي وقد استحضرت في نفسك أن الوقت قد خرج، فهذه الصلاة التي هي الظهر بعد خروج الوقت تعتبر قضاء، وإذا أردت أن تصلي وقد استحضرت أن هذه الصلاة في وقتها الذي أمرك ربك، فإن هذه الصلاة هي أداء، فالأداء فعل العبادة في وقتها المفروض، والقضاء هو فعل العبادة خارج وقتها المفروض.

    قضاء العبادة بنية الأداء وعكسه

    قال المؤلف رحمه الله: (ويصح قضاء بنية أداء وعكسه إذا بان خلاف ظنه)، لو أن شخصاً يريد أن يصلي الظهر فاستيقظ من النوم فوجد هدوءاً، فظن أن الوقت الآن وقت العصر، فهو لم يصل في نظره الظهر والعصر، فتوضأ ناوياً أن يصلي الظهر على أنها قضاء، كمن قام من النوم على أن الوقت وقت العصر وهو لم يصل الظهر، فذهب وتوضأ فصلى أربع ركعات على أنها الظهر قضاءً، فلما سلم نظر إلى الساعة فإذا الساعة الثانية والنصف، أي: لم يؤذن العصر بعد.

    قال المؤلف رحمه الله: (ويصح قضاء بنية أداء وعكسه)، نحن ذكرنا الآن أداء بنية قضاء، (وعكسه) هو أداء يظن أن الوقت ما زال قائماً، فبان خلاف الوقت أو خارج الوقت فهذا يصح؛ لأن الصلاة لم تختلف، ولا أثر للنية في تغيير العبادة من أداء أو قضاء؛ لأن القضاء يحكي الأداء، ومعنى لأن القضاء يحكي الأداء أن الأدلة الدالة على القضاء هي الأدلة الدالة على الأداء ولا فرق بينهما، هذا هو الراجح والله أعلم خلافاً للوجه الآخر عند الحنابلة.

    قال المؤلف رحمه الله: [ولا يشترط في النفل والإعادة أي الصلاة المعادة نيتهن، فلا يعتبر أن ينوي الصبي الظهر نفلاً ولا أن ينوي الظهر من أعادها معادة، كما لا تعتبر نية الفرض وأولى، ولا تعتبر إضافة الفعل إلى الله تعالى فيها ولا في باقي العبادات ولا عدد الركعات، ومن عليه ظهر إن عين السابقة لأجل الترتيب، ولا يمنع صحتها قصد تعليمها ونحوه، وينوي مع التحريمة لتكون النية مقارنة للعبادة].

    اشتراط النية في الفرض أو النفل المعاد

    قال المؤلف رحمه الله: (ولا يشترط في النفل) أي: النفل المطلق (والإعادة) يعني: إعادة الصلاة بنية النفل أو نية الإعادة، ومثل على ذلك بقوله: (فلا يعتبر أن ينوي الصبي الظهر نفلاً)؛ لأن الظهر في حقه نفلاً، (ولا أن ينوي الظهر من أعادها على أنها معادة)، مثل شخص دخل المسجد وقد صلى الظهر والناس ما زالوا يصلون فالسنة أن يدخل معهم، فإذا دخل فهذه ظهر معادة لكنها لا تلزم؛ لأنه جاء ليصلي ركعتين.

    وإذا أراد أن يعيد الظهر إعادة تعليمية، أو غير ذلك فبمجرد أنه تقدم ولم ينوها ظهراً أصلية كفى ذلك.

    قال المؤلف رحمه الله: (ولا أن ينوي الظهر من أعادها معادة، كما لا تعتبر نية الفرض وأولى)، لو أنه صلى الظهر ركعتين خلف مقيم وهو مسافر، لا تصح الصلاة؛ لأنه يجب أن يصلي المسافر خلف المقيم إتماماً، فقلنا له: أعد الظهر فأعاد الظهر، فبمجرد أنه أراد أن يصلي الظهر أربعاً أو ركعتين على الخلاف، فلا يلزم أن ينوي أنها معادة، كما لا تعتبر نية الفرد وأولى، كما أننا لم نقل له: إذا أردت أن تصلي الظهر فانوها فرضاً؛ لأن مجرد تسميتها ظهراً كافٍ في ذلك، كما أنه بمجرد إرادة صلاة الظهر بعدما علم خطأ صلاته، كافية في عدم نية الإعادة.

    قال المؤلف رحمه الله: (ولا تعتبر إضافة الفعل إلى الله تعالى فيها ولا في باقي العبادات)، يعني: هذه النية لا تعتبر أنها خالصة لله سبحانه وتعالى لم تكن لفلان ولا علان ولا غير ذلك، هذا قول المذهب، كما ذكر ذلك صاحب الإنصاف؛ لأن الأصل في فعل العبد في العبادات إذا نواها فإنما أرادها لله تعالى، كما قال الله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5]، فهو ما شرع في أداء عبادة إلا خوفاً من الله ورغبةً في ثوابه.

    إذاً لا يلزم أن يستحضر هذا حال التكبير، كما يستحضرها في النية لو أراد؛ لأن هذا مقصود أصلي لا ينفك عنه العبد، والله أعلم.

    قال المؤلف رحمه الله: (ولا عدد الركعات)، يعني إذا أراد أن يصلي الظهر، لا يلزم وهو يريد أن يكبر أن يستشعر أنه سوف يصلي أربع ركعات، ولا ينوي الاستقبال، جاء شخص إلى المسجد ووقف على خطوط المسجد ومعروف استقبال القبلة فقام وكبر، لا يلزم أن ينوي أن هذه استقبال القبلة؛ لأن هذه الأشياء معلوميتها معلومية حكمية، والله أعلم.

    النية في قضاء من عليه ظهران لم يصلهما

    قال المؤلف رحمه الله: (ومن عليه ظهران عين السابقة لأجل الترتيب)، من صلى مثلاً الظهر في الدوام هو مسافر، وخارج الدوام يصليها قصراً، لكن الظهر لأجل أنه يذهب ليتابع معاملة حكومية وهو مسافر، فكان الإمام إذا صلى صلى خلفه وقصر، والصحيح والواجب عليه أن يتم، فحصل له صلاتان، قلنا له: يجب أن تعيد الظهرين اللذين هما ظهر السبت وظهر الأحد، فقلنا له: إذا أردت أن تعيد، فيجب على من عليه ظهران أن يعيد السابقة لأجل الترتيب، أن يقول: هذه ظهر السبت، ثم ظهر الأحد؛ لأن الترتيب في الصلوات حكمه واجب عند جماهير أهل العلم من الحنفية والمالكية والحنابلة خلافاً للشافعية.

    حكم الصلاة إذا نوى المصلي بها تعليم الآخرين

    قال المؤلف رحمه الله: (ولا يمنع صحتها قصد تعليمها ونحوه)، يعني: لو أن شخصاً أراد أن يعلم أصحابه صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وصلى الظهر بنية الظهر وهو يريد التعليم فإن صلاته صحيحة؛ لأن إرادة التعليم لا يخالف إرادة الفرض، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( صلوا كما رأيتموني أصلي )، فالرسول صلى الله عليه وسلم قصد الفرض وقصد التعليم؛ لأنه أمرهم بذلك، وقال كما في الصحيحين من حديث سهل بن سعد الساعدي : ( إنما صنعت ذلك لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي )، وفي رواية: ( ولتعلَّموا صلاتي )، حينما صلى على المنبر، فلما أراد أن يسجد نزل من على المنبر وسجد بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.

    مقارنة النية للعبادة عند تكبيرة الإحرام

    قال المؤلف رحمه الله: [وينوي مع التحريمة لتكون النية مقارنة للعبادة].

    الأفضل أن تكون النية مقارنةً للعبادة، ومعنى المقارنة هنا: أن يأتي بتكبيرة الإحرام عقب النية، ينوي أنها الظهر ثم يرفع يديه ويقول: الله أكبر، فقولنا: الله أكبر، إنما جيء بها بعد نيتنا مباشرة على أنها الظهر، هذا هو معنى المقارنة، وكما قال أبو العباس بن تيمية : وهذا ممكن لا صعوبة فيه، بل عامة الناس إنما يصنعون هكذا، هذا هو معنى المقارنة.

    ومن ظن أن المقارنة أن ينوي حال التكبير بأن تكون النية أول التكبير وآخر النية آخر التكبير، كما يفهمه بعض الفضلاء فهذا خطأ؛ لأنه يلزم من ذلك ألا تكون النية كاملة في أول الدخول في الصلاة، فإذا قلت: الله؛ لم تكن النية كاملة للصلاة، فهذا إشكال أوجده المبالغة في تفصيلات النية، ولهذا أرى أن مثل هذه التفصيلات التي يذكرها بعض الفقهاء إنما هي لصحيح النية قوي الإرادة، وإلا لو قرأها من هو ضعيف الإرادة لدخل في وسوسة، ولهذا لسنا بحاجة إلى أن نذكر ذلك، فأنت من حين أن تتوضأ وتخرج من منزلك استشعر أنك تريد أن تصلي هذه الصلاة التي توضأت لأجلها.

    ولكن العبرة في أنه لو لم ينو إذا أراد أن ينوي، فيكبر عقب النية.

    تقديم النية على تكبيرة الإحرام بزمن

    قال المؤلف رحمه الله: [وله تقديمها أي النية، عليها أي على تكبيرة الإحرام بزمن يسير عرفاً، إن وجدت النية في الوقت، أي وقت المؤداة والراتبة ما لم يفسخها].

    إذا قلنا: إنه ينوي مع التحريمة، بمعنى أنه إذا انتهى من النية يكبر، فله أن يقدم النية قبل التكبير، وأن يكون هذا عند المؤلف بشرط أن يكون التقديم بزمن يسير، وهذا اليسير ما لا يفوت به الموالاة، وأن يكون في الوقت، فإذا كان خارج الوقت فلا، وإذا كان في الوقت ولكن بزمن غير يسير؛ فعلى كلام المؤلف لا بد من وجود أمرين:

    الأمر الأول: أن تكون النية سابقة للتكبير بزمن يسير، وأن يكون في وقت أداء هذه العبادة، فلو نوى مثلاً أن يصلي إذا دخل الوقت ثم ذهل ثم كبر، هذا يمكن أننا لا نتصوره في الحقيقة، لكنهم يقولون: إذا كان بزمن يسير خارج الوقت لا ينكره. والذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلم وهو ظاهر كلام الخرقي وهو قول ابن حامد عند الحنابلة واختيار أبي العباس بن تيمية رحمه الله: أنه يجوز تقديم النية على التكبير ولو بزمن غير يسير إذا كان في الوقت؛ لأن للعبد أن يقدم العبادة بعد وجوبها، والوجوب دخول الوقت فله أن يقدم العبادة التي هي عبادة النية بعد وجوبها وقبل سببها، فهي عبادة مؤقتة، فجاز تقديمها في أول الوقت المضاف إليها كالصوم وأولى، ( لا صيام لمن لم يبيت النية من الليل )، هذا هو الأقرب والله أعلم، فلو دخل الوقت وقال شخص: نريد أن نصلي، والمسجد يبعد ثلاثة كيلو، فتوضئوا ونووا أن يصلوا الظهر ومشوا، وبدءوا يتحدثون فيما بينهم، حتى كان الزمن طويلاً عرفاً، بحيث جلسوا نصف ساعة يسيرون وهم يتحدثون، ركع الإمام ثم أسرعوا فركعوا، لو دخلنا في مسألة أنها تكون قبل تكبيرة الإحرام بزمن يسير داخل الوقت، ربما نقف؛ لأنهم قالوا: الزمن اليسير ما لا تفوت به الموالاة كالوضوء، والوضوء يسير، نصف ساعة تنشف بها الأعضاء وهذا تكلف كما قلت، ولهذا الراجح والله أعلم أنه ولو كان بزمن طويل ما دام في الوقت، والله أعلم.

    قال المؤلف رحمه الله: (في الوقت يعني: وقت المؤداة والراتبة ما لم يفسخها)، يعني يفسخ النية.

    أحوال نية قطع الصلاة

    قال المؤلف رحمه الله: [فإن قطعها في أثناء الصلاة أو تردد في فسخها بطلت؛ لأن استدامة النية شرط ومع الفسخ أو التردد لا يبقى مستديماً وكذا لو علقه على شرط، لا إن عزم على فعل محظور قبل فعله].

    المؤلف رحمه الله ذكر في هذا الكلام -الذي هو ثلاثة أسطر- قطع النية، والتردد، والشك، وصوراً أخرى.

    الحالة الأولى: أن يقطع نية الصلاة، صلى الظهر وحده، فوجد جماعةً تصلي الظهر فأحب أن يصلي جماعة فينوي قطعها فيقطعها، فهذا تبطل صلاته باتفاق الفقهاء، فلو سلم أو قبل أن يلتفت ذات اليسار أو ذات اليمين إلى الجماعة، وجد شخصاً يعلِّم أخاه قراءة القرآن ويقرأ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، يقرأ، فظن هذا أنها جماعة فقطع لأجلها صلاته، فهنا لا يصح أن يبني على ما مضى؛ لأنه قطع النية وهذا بالإجماع.

    الحالة الثانية: أن يعزم على القطع، فنقول كما قلنا: إن النية تعريفها عزم القلب على فعل الشيء، فإذا عزم فقد نوى، ومن نوى القطع فقد قطع.

    التردد في قطع النية

    الحالة الثالثة: أن يتردد في قطعها، هل يقطع صلاته أم يستمر؟ مثال: شخص صلى الظهر ثم جاء والإمام في التشهد الأخير، فسلم الإمام ثم قام، الآن لم يدرك مع الإمام شيئاً، هو يغلب على ظنه أنها ستكون هناك جماعة أخرى فيقول: هل أستمر في صلاتي أم أقطع الصلاة لأجل أن أدرك جماعة ستأتي بعد؛ لأنهم ما زالوا يتوضئون في مكان الوضوء؟ فهو متردد، لكنه عزم على الاستمرار، هذا يوجد في غالب الناس في المسبوقين الذين يريدون أن ينتظروا الصلاة.

    قال المؤلف رحمه الله: (أو تردد)، إذاً مجرد التردد في العبادة يقطع الصلاة؛ لأنه لم يكن عازماً في بعض أداء العبادة، وهو قائم يقرأ الفاتحة وهو متردد، يركع وهو متردد ثم استمر، قالوا: قراءة الفاتحة التي يجب أن ينويها في الفرض تردد فيها، فلم يصح منه ذلك.

    والقول الثاني في المسألة: يصح؛ لأن تردده مع بقاء النية لا يدل على القطع ولا ينافي النية، ويمكن أن يستدل لهذه المسألة بأن شرع من قبلنا شرع لنا، بدليل قصة جريج العابد الذي كان يصلي فتأتيه أمه فتقول: يا جريج ! فيقول: اللهم أمي أو صلاتي، فقد تردد ثم أقبل على صلاته، وهذا يدل على أنه لم يقطع الصلاة.

    تعليق النية على شرط

    الحالة الرابعة: يقول المؤلف صورتها: (وكذا لو علقه على شرط) بأن قال: إن ضرب جوالي قطعت الصلاة، هو ينتظر رفقته، قال: إن ضرب جوالي قطعت الصلاة، فهو علق قطع الصلاة بإيجاد المكالمة أو الاتصال، أو إن نادتني أمي قطعت صلاتي، أو إن كلمني والدي قطعت صلاتي، فهذا علق قطع الصلاة بالمكالمة أو بمناداة الأم والأب، فالحنابلة يقولون: إذا علقه على شرط لم تصح، قالوا: لأن التعليق ينافي الجزم، فالأصل في النية أن تكون منجزة، وإذا علق القطع فالتعليق بالقطع ينافي الجزم.

    والقول الثاني: أن الصلاة تكون صحيحة؛ لأن النية موجودة، فكما أن التردد لا ينافي الجزم، فكذلك التعليق لا ينافي الجزم.

    العزم على قطع النية بفعل محظور

    الحالة الخامسة: يقول المؤلف: (لا إن عزم على فعل محظور قبل فعله)، يعني: إن عزم على أن يفعل محظوراً ولم يفعل فإن صلاته صحيحة، مثل أن يصلي وأخوه بجانبه وهو يقول في نيته: إن كلمني قطعت الصلاة وضربته، إذاً هذا التعليق على فعل محظور، فهذا أن يعزم على فعل محظور، ومثل أن يكلم ويتكلم ويقول: والله! لأردنَّ عليه وأنا في الصلاة، هذا فعل محظور.

    فيقول المؤلف بعدم بطلان الصلاة لعدم منافاة الجزم؛ لأنه قد يفعل المحظور وقد لا يفعل المحظور، ولو قلنا: بأن البطلان متعلق بفعل المبطل ولم يوجد فإنها تصح.

    1.   

    الشك في نية الصلاة

    من شك في أنه لم ينو الصلاة أو لم يكبر الإحرام

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإذا شك فيها أي في النية أو التحريمة استأنفها، وإن ذكر قبل قطعها، فإن لم يكن أتى بشيء من أعمال الصلاة بنى، وإن عمل مع الشك عملاً استأنف وبعد الفراغ لا أثر للشك].

    الله أكبر، سطران فيهما أكثر من مسألة، وهذا الذي جعل بعض المتقدمين ينشر المختصرات لأجل ألا يتعب الطالب ويكل في تفكيك العبارات، يقول: (وإذا شك فيها أي في النية أو التحريمة استأنفها)، يعني: هو الآن يقرأ الفاتحة ثم شك، هل نوى أم لم ينو؟ هل نوى الظهر أو لم ينو؟ أو هل كبر تكبيرة الإحرام أو لم يكبر؟

    الواجب على من شك في نية الصلاة

    يقول المؤلف: (إذا شك في النية أو شك في التحريمة استأنفها)، هذا هو المذهب.

    فإذا شك هل نوى الصلاة أو لم ينوها، فإن عليه أن يستأنف الصلاة؛ قالوا: لأن الأصل عدم النية، ولأن الأصل عدم التكبير.

    والقول الثاني في المسألة: صحة صلاته، ويحرم عليه خروجه من الصلاة بدعوى الشك، للعلم بأنه ما دخل إلا بنية، لماذا قرأ الفاتحة ووضع يده اليمنى على اليسرى؟ إلا أنه ناوٍ الصلاة، وهل من عادته أن يصلي من غير تكبير؟ لا.

    إذاً الأصل هو التكبير، وليس الأصل عدم التكبير؛ لأننا نقول: الأصل في الصلاة وجود التكبير أو عدم وجوده؟ وجوده، الأصل الصلاة أم عدم الصلاة، وأنا كما قلت: هذه المسائل إذا قرأها بعض الإخوة ربما يصاب بالوسوسة، والصحيح: أنه لا يجوز له أن يلتفت إذا كان يقرأ الفاتحة أو غيرها، لكننا نحن نذكر هذه الصور لأننا نشرح كلام المؤلف، وإلا فإني أرى أن النية محلها القلب، ولأنه بمجرد خروجه من منزله كاف في ذلك، والله أعلم.

    1.   

    أحوال من تذكر أنه نوى الصلاة بعد شكه في ذلك

    قال المؤلف رحمه الله: (وإن ذكر قبل استأنف)، بمعنى: إذا تردد هل كبرت أم لم أكبر؟ هذا الآن شك، لكنه ذكر أنه كبر، لأنه استحضر عندما كان الساعة السادسة وهو يقول: الله أكبر تذكر.

    فإذا تذكر أنه نوى فما الحكم؟

    قال المؤلف رحمه الله: هذه لها حالات ثلاث:

    الحالة الأولى: ألا يأتي بشيء من أعمال الصلاة الركنية، بمعنى: أنه شك ثم استفتح الفاتحة وهو ما زال شاكاً، فلما انتهت الفاتحة تذكر أنه قد كبر تكبيرة الإحرام، فيقول المؤلف: (فإن أتى بشيء من أعمال الصلاة استأنف)؛ لأنه فعل أحد أركان العبادة مع التردد دون العزم.

    الحالة الثانية: إن لم يفعل شيئاً من أعمال الصلاة، بنى على ما مضى؛ لأنه لم يفعل شيئاً من أركان الصلاة فيه تردد، هاتان حالتان، حالة يكون قد عمل شيئاً من أركان الصلاة بتردد، وحالة لم يعمل شيئاً من أعمال الصلاة، فإذا لم يعمل وقد تذكر أنه كبر صحت صلاته، فإن عمل لم تصح صلاته، وعلى القول الراجح أن التردد لا يؤثر، فالأصل صحة النية وصحة التكبير، والله أعلم.

    الحالة الثالثة: يقول المؤلف: (وبعد الفراغ لا أثر للشك)، يعني: أن العبد إذا صلى وانتهت صلاته قال: أنا كبرت أم لم أكبر؟ قلنا: الشك بعد الفعل لا يؤثر، وهكذا الشكوك تكثر، وعلى هذا فالإنسان يشك ولا أثر لشكه في ثلاث أحوال: أن يكون بعد فراغ العبادة، وإن كثر في حقه الوسوسة، وإن كان مجرد وهم دون غيره.

    والشك بعد الفعل لا يؤثر وهكذا إذا الشكوك تكثر

    والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767985398