الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:
فقد قال المؤلف رحمه الله: [وإن قلب منفرد أو مأموم فرضه نفلاً في وقته المتسع جاز؛ لأنه إكمال في المعنى، كنقض المسجد للإصلاح، لكن يكره لغير غرض صحيح، مثل أن يحرم منفرداً فيريد الصلاة في جماعة، ونص أحمد فيمن صلى ركعة من فريضة منفرداً ثم حضر الإمام وأقيمت الصلاة يقطع صلاته ويدخل معهم، ويتخرج منه قطع النافلة بحضور الجماعة بطريق الأولى، وإن انتقل بنية من غير تحريمة من فرض إلى فرض آخر بطلا؛ لأنه قطع نية الأول، ولم ينو الثاني من أوله، وإن نوى الثاني من أوله بتكبيرة إحرام صح. وينقلب نفلاً ما بان عدم كفايته فلم تكن وفرض لم يدخل وقته].
يقول المؤلف وهو يتحدث عما يتعلق بآخر شروط الصلاة وهي النية: (وإن قلب منفرد أو مأموم فرضه نفلاً في وقته المتسع جاز)، وهذا يفيد أن للإمام والمأموم أن يغير نيته وهو في الصلاة من أعلى إلى أدنى في بعض صوره، فإذا كان إماماً فقلب الفرض إلى نفل مطلق في وقته المتسع؛ جاز، وإنما قال: (في وقته المتسع)، لأن الوقت إذا ضاق ولم يكفي إلا للفرض، وقلب الفرض إلى نفل؛ أدى ذلك إلى ترك صلاة الفرض في وقته، ويأثم لأجل ذلك.
فتحويل النية من شيء إلى شيء ينقسم إلى أقسام:
إلا أنهم اختلفوا في الاستحباب، فإن كان لغرض صحيح، مثل أن يدرك جماعة إذا كان يصلي منفرداً، فعلى القول بأن الجماعة فرض عين، كان ذلك غرضاً صحيحاً، وإذا كان يصلي منفرداً في أول وقت الظهر، وأراد أن يغير نيته لغرض صحيح كـ: ( أبرد أبرد، أو انتظر انتظر )؛ لأجل شدة الحر، ( فإن شدة الحر من فيح جهنم )، فهذا غرض صحيح، فيجوز، أو يستحب، على أثر حكم نيته، فإن كان يريد الجماعة؛ صارت الجماعة مستحبة أو واجبة على القول بأنها فرض كما جاء في بعض روايات المذهب.
فإن كان لغير غرض صحيح، فإن المذهب أنه يكره، والقول الآخر: أنه يحرم؛ لأنه أبطل عمله، ولا يجوز للإنسان أن يقطع فرضه، وهذا القول: يحرم إن كان لغير غرض صحيح قول قوي، لقوله صلى الله عليه وسلم كما عند الإمام أحمد وأهل السنن من حديث علي رضي الله عنه: ( مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم )، فإذا كبر حرم عليه أن يقطعها حتى يكملها إلا لغرض صحيح، فهذا يجعل القول بأن تحريم قطع الصلاة إلا لغرض صحيح قوي.
قال المؤلف رحمه الله: (وإن قلب منفرد أو مأموم فرضه نفلاً في وقته المتسع؛ جاز)؛ لأنه إكمال في المعنى، أي: أن النفل المطلق إكمال للفرض بالمعنى، كما لو نقض المسجد لإصلاحه، فإن إصلاحه وهدمه إنما هو إكمال له؛ لأجل أن يبقى أكثر وأكثر، وهذا القياس يدلك على أن العلماء رحمهم الله يقيسون أقيسة شبهية، وإن كانت ليست قوية، فيستدلون ببعض الأقيسة مع أن بعضها أقوى لأجل إدراك الطالب.
قال المؤلف رحمه الله: (مثل أن يحرم منفرداً فيريد الصلاة في جماعة)، يعني: لو صلى منفرداً، وأقيمت جماعة، فأحب أن يصلي معهم لأجل أن يدرك آخر الجماعة فهذا مستحب له، وعلى القول بالوجوب قال بعضهم: يجب عليه أن يحول نيته إلى نفل؛ لأنه ليس ثمة عذر له في أن يصلي منفرداً.
قال المؤلف رحمه الله: (ونص أحمد )، أي: أن الحنابلة قالوا بجواز ذلك، وليس منصوص أحمد في هذه المسألة، وإنما أخذوها من تخريج مسألة نص عليها الإمام أحمد ، وهذا يسميه العلماء: التخريج من كلام الإمام، يعني: إيجاد حكم مسألة من نص من الإمام في غيرها إذا لم يكن ثمة فرق، أو من باب أولى.
قال المؤلف رحمه الله: (ونص أحمد فيمن صلى ركعةً من فريضة منفرداً، ثم حضر الإمام وأقيمت الصلاة: يقطع صلاته ويدخل معهم)، فالإمام أحمد نص على أن الشخص لو صلى وحده بنية الفرض، ثم جاء الإمام وأقام الصلاة، يقول أحمد : يقطع صلاة الفرض ليصلي مع الإمام.
قال المؤلف رحمه الله: (ويتخرج منه قطع النافلة بحضور الجماعة)، يعني: فإذا جوز أحمد أن يقطع الفرض إذا كان منفرداً ليصليه مع الجماعة؛ فلأن يجوز أن يقطع النفل لأجل الفريضة في الجماعة من باب أولى.
ومثال قلب المأموم فرضه إلى نفل مطلقاً: كأن يصلي خلف إمام يتأخر، وأراد أن يدرك رفقته في السفر، فيحول نيته من فرض إلى نفل، لأن غرضه صحيح، والله أعلم.
واعلم أن قول المؤلف: (بطلا) تجوز منه في العبارة، وذلك أن الثانية لم تنعقد أصلاً حتى يقال: إنها بطلت، فالصحيح أن يقول: بطلت الأولى ولم تصح الثانية؛ لأن الثانية لم تنعقد أصلاً حتى يقال: إنها بطلت، ولهذا قال المؤلف: (لأنه قطع نية الأول ولم ينو الثاني من أوله).
قال المؤلف: (وإن نوى الثاني من أوله بتكبيرة إحرام صح)، يعني: لو صلى العصر ثم تذكر أنه لم يصل الظهر، فهنا يجب عليه الترتيب كما هو مذهب أبي حنيفة و أحمد و مالك ، فيجوز له أن يقطعها، ثم يكبر بنية الظهر، وجواز القطع هنا مثل ما لو صلى مع الإمام، وهو يصلي العصر، فتذكر أنه لم يصل الظهر وهو يريد إدراك الجماعة، فله أن يقطعها ويكبر بنية الظهر مع الإمام.
ولو قال: أصلي، فإنه لا يصح، ويكون نفلاً مطلقاً، (ما بان عدمه) يعني: عدم ما نواه.
قال المؤلف رحمه الله: (وفرض لم يدخل وقته)، يعني: مثل شخص ظن أن الظهر قد دخل وقته فأقام للصلاة وهو في البر، فلما انتهى من الصلاة نظر إلى الساعة وإذا ساعته قد تقدمت، ووقت الظهر لم يدخل بعد، فتكون هذه الصلاة التي صلاها نفلاً، وإن لم ينوها نفلاً، هذا معنى كلام المؤلف.
نكتفي بهذا، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر