إسلام ويب

الروض المربع - كتاب الصلاة [36]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • رفع اليدين عند التكبير في الصلاة سنة واظب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد بين لنا صفة الرفع والمكان الذي ترفع إليه اليدان عند التكبير، وينبغي للإمام أن يرفع صوته بالتكبير والقراءة حتى يحصل للمأموم متابعته والاقتداء به.

    1.   

    رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام

    حكم رفع اليدين عند التكبير

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

    فقد اختلف العلماء في حكم رفع اليدين عند التكبير فذهب الأئمة الأربعة إلى أنه سنة ووافقهم أصحاب المذاهب المشهورة المندثرة.

    وذهب بعض أهل العلم: إلى وجوب رفع اليدين حال التكبير، كما هو رأي داود الظاهري وبعض أهل الحديث، كـالحميدي وغيرهم، ونقل عن الأوزاعي ، والراجح والله أعلم سنية ذلك، لعدم الدليل الدال على وجوبه.

    وكون النبي صلى الله عليه وسلم يداوم على الفعل ثم يقول: ( صلوا كما رأيتموني أصلي )، دليل على تأكيد الاستحباب لا على ثبوت الإيجاب.

    السنة في رفع اليدين عند التكبير

    قال المؤلف رحمه الله في رفع اليدين: [حال التحريمة]، ولهذا أشار إلى أنه يبدأ به مع ابتداء التكبير وينهيه معه.

    إذاً أشار المؤلف إلى أن السنة أن يكون الرفع والشروع في التكبير واحداً، فيقول: الله أكبر.

    إذاً ابتداء الرفع وابتداء التكبير، وانتهاء الرفع وانتهاء التكبير واحد، وهذا أحد نوعي السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أن يكون الرفع مع ابتداء التكبير، وهذا هو المذهب، بحيث ينهيه بانتهاء الرفع، لحديث ابن عمر مرفوعاً أنه قال: ( فرفع يديه يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يكبر حتى يجعلهما حذو منكبيه )، والحديث رواه البخاري .

    وفي حديث وائل بن حجر : ( يرفع يديه مع التكبيرة )، وهو يروى من طريق عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر ، والعلماء قبلوا هذا الإسناد، وإن كان كليب بن ذهل مجهول، ولكنه من كبار التابعين، والقاعدة: أن رواية المجهول إذا كان من كبار التابعين أو أوساطهم ولم يأت بما يخالف الأصول وروى عنه جماعة، ولم يأت بما يفيد ركاكة الألفاظ أنها تقبل، كما أشار إلى ذلك الذهبي ، لكن الإشكال أن عاصم روى عنه جماعة من الحفاظ كـالثوري و شعبة و أبي عوانة و أبي خيثمة وخلق، وهذه الرواية تفرد بها ابن إدريس ، ولهذا تحتمل التحسين.

    السنة الثانية: أن يرفع يديه ثم يكبر، بحيث يكون الرفع قبل التكبير، فيرفع يديه ويخفضها ثم بعد ذلك يكبر.

    هذه سنة ثانية، وهي ثابتة أيضاً في صحيح مسلم من حديث ابن عمر أنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام للصلاة رفع يديه حتى تكون حذو منكبيه ثم كبر ).

    وبعضهم يذكر سنة ثالثة وهي: أن يكبر، ثم يرفع، لحديث أبي قلابة أن مالك بن الحويرث : كان إذا صلى كبر، ثم رفع يديه، ويقول بعض العلماء: أن هذه السنة لم يقل بها أحد من الأئمة المشهورين، ولعل هذا اختصار من بعض الرواة، خاصةً أن أبا قلابة إنما حكى فعل مالك بن الحويرث ، ثم إن مالكاً عندما قال في آخر فعله: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، لعله إنما قصد بذلك جلسة الاستراحة، دون سائر أفعاله، ولعل الراوي اختصر ذلك أيضاً.

    وعلى هذا: فالسنة المشهورة عند الأئمة سنتان؛ أن يكبر حال الرفع، أو أن يرفع ثم يكبر، وعلى هذا: فإذا ثبت أن في الرفع سنتين، فيفعل العبد أحياناً هذه وأحياناً هذه، كما قال ابن تيمية : أن العبادات الواردة على وجوه متنوعة السنة فيها أن تفعل هذه أحياناً وهذه أحياناً.

    قال المؤلف رحمه الله: [فإن عجز عن رفع إحداهما، رفع الأخرى] كمن على إحدى يديه جبيرة، فإنه يرفعها ما استطاع، والثانية يرفعها كيفما ثبت في السنة، ودليل ذلك أن الله يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )، وقد كان الصحابة يصلون ويدخلون أيديهم في ثيابهم، وإذا جاء وقت الرفع رفعوا على حسب حالهم في ثيابهم، وما يفعله بعض الناس من رفع بعض الأكف وهي خافضة في الأرض كأن يكون قائماً وتكون يداه ممدودتين إلى الأسفل بحيث يرفع كفيه قليلاً فهذا لم يثبت عن أحد ممن ينتسب إلى العلم، وهذا نوع من التقصير.

    والسنة أن يرفع كما قال المؤلف: [حذو منكبيه، أو إلى فروع أذنيه].

    صفة رفع اليدين عند التكبير

    قال المؤلف رحمه الله: [مضمومة الأصابع]، هذه هي السنة، أن يرفع يديه، ممدودتي الأصابع، مضمومتهما، لما روى أبو داود و النسائي و الترمذي من حديث ابن أبي ذئب عن سعيد بن سمعان عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل في الصلاة يرفع يديه مداً )، وعلى هذا فالسنة أن تكون مضمومة الأصابع، وما جاء في بعض الروايات: أنه نشر أصابعه، وأخرجها الترمذي ، فقد أخطأ يحيى بن اليمان فروى عن ابن أبي ذئب ، عن سعيد بن سمعان ، عن أبي هريرة أنه نشر أصابعه، فأخطأ في ذلك، ولهذا أشار أبو حاتم و الترمذي إلى أن هذه الرواية خطأ، وأن أكثر الرواة رووها عن ابن أبي ذئب بلفظ: ( يرفع يديه مداً ).

    قال المؤلف رحمه الله: [مستقبلاً ببطونها القبلة]، سواء قلنا: يرفع يديه إلى حذو المنكبين، أو إلى فروع الأذنين، وهذه إحدى الروايتين عن أحمد ، وأنا أفيدكم إذا أردت أن تنظر خاصةً في بعض العبادات سنية ذلك فانظر إلى الروايات المشهورة عن أحمد ، فإن أحمد رحمه لله بعد السبر وجدت أنه يفعل هذا أحياناً فينقل عنه، ويفعل هذا أحياناً فينقل عنه، أو يقول هذا أحياناً فينقل عنه، ويقول هذا أحياناً فينقل عنه، ولهذا نقل عن أحمد وهي المذهب: أن تكون اليدان مستقبلاً بهما القبلة حال الرفع، وهذا ليس فيه حديث صحيح، وإن كان بعض العلماء جزم بذلك، منهم ابن القيم ، وهو المذهب كما ذكر ذلك صاحب الإنصاف، والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وليس في ذلك سنة واضحة.

    إلا أن وائل بن حجر أشار إلى ذلك حين قال: ( كبر، فسجد، ووضع يديه، يقول الراوي: فكانت يداه إلى أذنيه بمنزلتهما حال الرفع )، أو كما قال رضي الله عنه، يعني أنه حينما وضع يديه على الأرض وهو ساجد، كانت مثل ما وضعهما وهو قائم، وهذا لا يفيد الاستقبال، فجائز أن يكون هكذا، وجائز أن يكون هكذا، لأن المعنى واحد.

    إذا ثبت هذا: فإن الرواية الأخرى عن أحمد وهو قول مالك في رواية أنه يجعل يديه قائمة حال الرفع والخفض، هكذا، فإذا كانت حذو المنكبين تكون هكذا قائمة، ومما يدل على هذا: ما رواه ابن سعد في الطبقات من حديث محمد بن حبان عن عمه أنه قال: كان ابن عمر إذا كبر استحب أن يستقبل بإبهامه القبلة، ومعنى استقبل بإبهامه القبلة يعني: هكذا، دون هكذا، لأن هذا ليس استقبالاً بالإبهام، الاستقبال بالإبهام يكون؟ هكذا، حال الخفض والرفع، وهو دون ما يفهمه بعض الناس، فإنهم يظنون أن حديث ابن عمر المقصود به هكذا وإنما المقصود به هكذا.

    وهذا يدلك: على أنه لا يوجد عن النبي صلى الله عليه وسلم سنة ثابتة في هذا، والقاعدة: أنه إذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم صفة في حال الفعل، فإنه يفعل الفعل كيفما اتفق، فله أن يستقبل بهما القبلة، وله أن يجعلهما قائمةً حال الخفض والرفع فليس في ذلك سنة ثابتة. مثل السواك، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يستاك لكنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يستاك بيمينه أو بشماله، فدل ذلك على أنه لا يوجد في ذلك سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكيفما اتفق فقد فعل السنة.

    المكان الذي ترفع إليه اليدان عند التكبير

    قال المؤلف رحمه الله: (حذو)، أي: مقابل منكبيه، والمحاذاة: يقصد بها المقابلة، لحديث ابن عمر : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى تكون حذو منكبيه، ثم يكبر )، هكذا، أو هكذا، يستقبل بإبهاميه القبلة، أولا، فكل ذلك جائز، والله أعلم.

    والسنة الثانية: أن يجعلهما يعني اليدين إلى فروع أذنيه هكذا، إما أن يستقبل بهما القبلة، وإما أن يستقبل بإبهاميه القبلة وما يفعله بعض إخواننا من مسك شحمة أذنيه بإبهاميه ليس له أصل في السنة، ولا قال به الأئمة المتبوعون.

    قال المؤلف رحمه الله: [فإن لم يقدر على الرفع المسنون؛ رفع حسب الإمكان].

    إما أن يوجد عيب في يديه بحيث لا يستطيع أن يرفع إلا مقداراً قريباً من حذو المنكبين، فإنه إذا فعل ذلك؛ يكون قد طبق السنة في حقه، لأنه فعل غاية ما يقدر عليه و لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286].

    وقت سقوط رفع اليدين عند التكبير في الصلاة

    قال المؤلف رحمه الله: [ويسقط بفراغ التكبير كله].

    يعني: أنه إذا انتهى من التكبير، فقد انتهى وقت رفع اليدين، ويكون رفع اليدين سنة فات محلها، وفي هذا رد على من يدعي أن هناك سنة ثالثة، وهي أن يكبر ثم يرفع يديه، ولهذا قلت: إنه غير معروف عند الفقهاء والأئمة المتبوعين، فلعل هذا اختصار من بعض الرواة، خاصةً أنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك إلا ما قاله الراوي: أن مالك بن الحويرث قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع، ولعله إنما أشار إلى جلسة الاستراحة دون سائر أفعاله والله أعلم.

    كشف اليدين عند التكبير والدعاء

    قال المؤلف رحمه الله: [وكشف يديه هنا وفي الدعاء أفضل].

    بحيث لا يغطيهما، وإن كان يجوز ذلك، كما روى وائل بن حجر أنه رأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أيديهم في ثيابهم، ومن المعلوم أن الذي يرفع يديه وهي داخل ثيابه، يكون رفعه ليس مثل رفع من يده خارج الثياب، ثم إن الأفضل أن يكشف يديه حال الدعاء وحال الرفع، لأنه هو الأصل، وهو أدل على المقصود، وأظهر للخشوع والخنوع لله سبحانه وتعالى.

    الحكمة من رفع اليدين حال التكبير

    قال المؤلف رحمه الله: [ورفعهما إشارة إلى رفع الحجاب بينه وبين ربه].

    أشار بعض العلماء إلى الحكمة في رفع اليدين، فقال بعضهم كما هو قول الشافعي : الحكمة هي الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وتعظيم الله سبحانه وتعالى، وهذا هو الأقرب والله أعلم، وبعضهم قال: الحكمة، فتح الباب بينه وبين الله، وإغلاق الستر بينه وبين المخلوقين، وهذا ليس عليه دليل.

    الصحيح هو قول الشافعي الحكمة: تعظيم الله، واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    قال المؤلف رحمه الله: [كالسجود، يعني: أنه يسن في السجود وضع يديه بالأرض حذو منكبيه].

    يعني أنه يسن في السجود أن يضع يديه حذو منكبيه، والسنة الثانية: أنه يضع يديه إلى فروع أذنيه، وفي رواية: وقد وضع وجهه بين يديه، كما في حديث وائل بن حجر عند مسلم ، وكذلك حديث أبي داود الذي مر معنا عن عاصم بن كليب عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ثم كبر، ثم سجد، فكانت يداه من أذنيه على الموضع الذي استقبل بهما القبلة ).

    1.   

    رفع الإمام صوته بتكبيرات الانتقال والقراءة

    رفع الإمام صوته بالتكبير وقول: سمع الله لمن حمده والتسليمة الأولى

    قال المؤلف رحمه الله: [ويسمع الإمام استحباباً بالتكبير كله من خلفه من المأمومين ليتابعوه، وكذا يجهر بسمع الله لمن حمده، والتسليمة الأولى].

    السنة للإمام أن يجهر بتكبيرات الانتقال، وكذا قول: سمع الله لمن حمده، لما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي موسى أنه قال: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا )، فوجود الفاء التي تفيد العطف مع التعقيب دليل على أنهم يسمعون الإمام، وإلا لما حصل مثل هذا الترتيب والتوافق، وكذلك ( إذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد ). فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع صوته بالتكبير، وبقول سمع الله لمن حمده، وبالتسليمة، ولهذا قال: ( لا تسبقني بقول آمين )، والحديث فيه كلام.

    إذاً: الإمام يسمع استحباباً بالتكبير كله من خلفه من المأمومين ليتابعوه، ومن المعلوم أن المأموم لا ينبغي له أن يوافق إمامه، ولا يجوز أن يسبق إمامه، فإذا كان يكره له أن يوافقه، دل على أن الإمام لا بد أن يرفع صوته ليطبق المأموم سنة الاتباع والله أعلم.

    وقد كان عثمان كما ينقل، ثم تبعه على ذلك معاوية و مروان بن الحكم وبنو أمية لا يرفعون أصواتهم في تكبيرات الانتقال، حتى ظن بعض العلماء: أنه يستحب خفض الصوت بالتكبير، والسنة الرفع كما لا يخفى، وقد أشار إلى ذلك أبو العباس بن تيمية في القواعد النورانية.

    قال المؤلف رحمه الله: [وكذا يجهر بسمع الله لمن حمده، والتسليمة الأولى].

    لحديث أبي موسى رضي الله عنه المتقدم، ولحديث: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد )، والله أعلم.

    حكم جهر المأمومين بتكبيرات الانتقال إذا لم يستطع الإمام إسماع جميعهم

    قال المؤلف رحمه الله: [فإن لم يمكنه إسماع جميعهم؛ جهر به بعض المأمومين].

    وهذا يسمونه التبليغ، والتبليغ إنما يفعل للحاجة، كما ثبت ذلك في الصحيحين ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم، وكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسمعهم ) وقد ذكر أبو العباس بن تيمية رحمه الله : أن العلماء اتفقوا على أنه لا يستحب التبليغ إلا لحاجة، بل يكره إلا لحاجة، وقد ذهب طائفة من الفقهاء، كما هو قول بعض أصحاب الإمام أحمد ، وبعض أصحاب الإمام مالك إلى بطلان صلاة من يبلغ، وأحياناً هناك بعض المصليات في الجهات الحكومية، أو الشركات الكبيرة، ليس فيها ميكرفونات فتجد الإمام يقول: الله أكبر، فيقول الناس كلهم: الله أكبر، وهذا خلاف السنة.

    وإنما ينبغي أن يقال: في الصفوف الأخيرة ويسمعهم واحد أو اثنان، أما أن يكون الناس كلهم بهذه الطريقة، فهذا لا يستحب بل يكره والله أعلم.

    قال المؤلف رحمه الله: [فإن لم يمكنه إسماع جميعهم، جهر به بعض المأمومين؛ لفعل أبي بكر معه صلى الله عليه وسلم، متفق عليه، كقراءته، أي: كما يسن للإمام أن يسمع قراءته من خلفه، في أولتي غير الظهرين أي: الظهر، والعصر، فيجهر، في أولتي المغرب، والعشاء، وفي الصبح، والجمعة، والعيدين، والكسوف، والاستسقاء، والتراويح، والوتر، بقدر ما يسمع المأمومين].

    رفع الإمام صوته بالقراءة في الصلوات الجهرية

    قال المؤلف رحمه الله: (كقراءته) يعني: أنه يستحب للإمام أن يجهر، في أولتي المغرب، والعشاء، والصبح، أما الصبح فإن الله وصفها بالقراءة، فقال: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً [الإسراء:78]، ومن المعلوم أن المراد بالشهود الملائكة، ملائكة الليل، وملائكة النهار، كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة : ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل والنهار )، ويصلون مع الإمام الفجر، وهذا إنما يكون برفع الصوت.

    كذلك المغرب، والعشاء، وهذا بإجماع أهل العلم.

    اختلاف العلماء في الجهر في أوليي المغرب والعشاء

    إلا أن أهل العلم اختلفوا، هل هو على سبيل الاستحباب، أو هو على سبيل الوجوب؟ فذهب جمهور الفقهاء، إلى أن رفع الصوت، والجهر في أوليي المغرب، والعشاء، على سبيل الاستحباب الشديد، وذهب أبو حنيفة رحمه الله، إلى أن ذلك على سبيل الوجوب، واستدلوا بما جاء في الصحيحين من حديث أبي قتادة رضي الله عنه أنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقرأ في الظهر، في الركعتين الأوليين بأم الكتاب، وسورة، وفي الركعتين الأخريين، قدر ثلاثين آية، وكان يسمعنا الآية أحياناً )، فقالوا: فكونه يقول: (كان يسمعنا الآية أحياناً) دليل على أنه كان يجهر في الظهر.

    ومما يدل على ذلك حديث عمران بن حصين قال: ( صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر، فلما سلم قال: أيكم قرأ خلفي بـسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى؟ فقال رجل: أنا يا رسول الله! قال: قد علمت أن بعضكم خالجنيها )، يعني: خالط علي فيها، وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسر.

    وأما الجهر: فإنه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم لحديث: ( قرأ معاذ بن جبل في صلاته لقومه بسورة البقرة فقال له: أفتان أنت يا معاذ ؟ اقرأ بـ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا [الشمس:1]، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى [الليل:1]، وَالضُّحَى [الضحى:1]، ونحوها من السور )، وأما القول بالوجوب، فإن القاعدة تقول: إن ما داوم النبي صلى الله عليه وسلم على فعله في الصلاة، فإنه لا يدل إلا على الاستحباب، خاصةً أن حديث المسيء صلاته لم يكن فيه ذكر الرفع أو الخفض.

    وهناك أحاديث في الباب، لكنها لا تصح، منها ما رواه أبو أيوب ( أن قوماً يجهرون في صلاة السر فذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه، فقال: أفلا ترمونهم بالبعر؟ )، وهذا الحديث منكر رواه الطبراني في الكبير، وفيه الوازع بن نافع لا يحتج به، والله أعلم.

    جهر الإمام بالقراءة في الجمعة والوتر والتراويح وغيرها

    قال المؤلف رحمه الله: (والجمعة، والعيدين، والكسوف، والاستسقاء)، وهذا ثابت، أما في الجمعة فكان يقرأ، كما في الصحيحين من حديث النعمان بـ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، و هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1]، وكذلك كان يقرأ بسورة الجمعة، والمنافقين، ويرفع بذلك صوته.

    يقول: (والتراويح)، يستحب في التراويح، كما ثبت ذلك في صحيح البخاري من حديث عمر رضي الله عنه أنه أمر أبي بن كعب أن يقرأ بهم (والوتر) جاء في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يا أبا بكر ! لقد مررت عليك البارحة وأنت تصلي، فلو رفعت قليلاً، فقال: يا رسول الله! لقد أسمعت من ناجيت، فقال لـعمر : يا عمر ! لقد مررت عليك البارحة وأنت تصلي، فلو خفضت شيئاً من صوتك فقال: يا رسول الله! أوقظ الوسنان، وأطرد الشيطان، وأنزل الله سبحانه وتعالى قوله: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً [الإسراء:110] الآية ).

    قال المؤلف رحمه الله: [وغيره، أي: غير الإمام، وهو المأموم، والمنفرد، يسر بذلك كله].

    أما المأموم فإنه يستحب له ألا يسمع الإمام، ولا يسمع الناس، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( قد علمت أن بعضكم خالجنيها )، كما مر معنا في حديث عمران بن حصين ، وهذا على سبيل الذم، وله أن يرفع أحياناً، لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أيكم قال كلمة كذا وكذا )، وقد جاء عند الترمذي أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقف حين انتهى به الصف وقال: ( اللهم آتني خير ما تؤتي عبادك الصالحين، فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيكم المتكلم بها؟ فأرم بها، فقال: أيكم المتكلم بها؟ قال رجل: أنا يا رسول الله! قال: إذاً: يعقر جوادك، وتستشهد في سبيل الله )، ففعل به هكذا، وجاء في بعض الروايات أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( لقد رأيت بضعاً وثلاثين أو بضعاً وعشرين ملكاً يبتدرونها، أيهم يرفعها )، فدل ذلك على أنه لو فعل أحياناً؛ جاز، لكن لا ينبغي أن يكون ذلك على سبيل الدوام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول، كما عند الإمام أحمد ، و أبي داود ، من حديث أبي سعيد ( أيها الناس! كلكم يناجي ربه فلا يؤذ بعضكم بعضاً في القراءة ).

    وأما المفرد فإن كانت صلاة سرية؛ فإنه يسر، وإن كانت جهرية، فقد ذهب الحنفية، والحنابلة، إلى أن ذلك مباح إن جهر جاز، وإن أسر جاز، وذهب المالكية والشافعية: إلى أن صلاة السر يستحب فيها الإسرار، وصلاة الجهر يستحب فيما الإجهار، وهذا القول لا بأس به، والله أعلم، لكنه لا يرفع صوته كثيراً.

    حكم إسماع غير الإمام نفسه واجبات الصلاة

    قال المؤلف رحمه الله: [لكن ينطق به بحيث يسمع نفسه وجوباً، في كل واجب لأنه لا يكون كلاماً بدون الصوت، وهو ما يتأتى بسماعه حيث لا مانع].

    لأنه لا تسمى قراءة إلا إذا أسمع نفسه، وإذا لم يسمع نفسه، فإنها لا تكون قراءة إلا بالتقييد، كما قال الله تعالى في قول المنافقين: وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ [المجادلة:8]، وأما إذا كان يسمع نفسه؛ فإنه يكون قولاً، فإن القول: لا يكون إلا بكلام مسموع، والله أعلم.

    قال المؤلف رحمه الله: [فإن كان، فبحيث يحصل السماع مع عدمه]، يعني: حيث لا مانع من السماع كمن به صمم، يعني: إذا كان لا يسمع نفسه، فإننا نقول له: ارفع صوتك بحيث تسمع نفسك فيما لو كان ليس بك صمم.

    ولو حرك لسانه بالقراءة، ولم يسمع نفسه هل يكفي؟ ذهب الحنابلة إلى أن ذلك لا يكفي، وذهب بعض المالكية، وهو اختيار ابن تيمية إلى أن ذلك كاف، ولعل هذا القول أظهر والله أعلم. يعني: لو أنه حرك لسانه بالقراءة، ولو لم يسمع نفسه؛ فإن ذلك جائز.

    ولعلنا نقف عند هذا، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767953236