إسلام ويب

الروض المربع - كتاب الصلاة [37]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • وضع اليد اليمنى على اليسرى من سنن الصلاة، ولها صفتان: الأولى: أن يضع يده اليمنى على كفه اليسرى والثانية: أن يضع كفه اليمنى على ذراعه اليسرى، وبالنسبة لمكان وضع اليدين فللمصلي أن يضعهما تحت السرة أو فوق السرة لورود الأدلة في ذلك.
    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا وزدنا علماً وعملاً يا كريم! وبعد:

    فمن المعلوم أن صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم اعتنى بها الأئمة محدثون وفقهاء، ولأجل هذا كثرت الروايات والأحاديث والمرويات في هذا الباب، مما يتطلب بحثاً حديثياً وفقهياً لكل جزئية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيها: ( صلوا كما رأيتموني أصلي )، ولهذا تجدون باب صفة الصلاة وكتاب الحج فيهما من الاختلافات الدقيقة الجزئية ما ليست في كثير من أبواب العبادات كلها.

    ولأجل هذا: لا بد من ذكر ما تكلم فيه الأئمة من أحاديث ولا بد من ذكر كلام في علم الرجال، فلا تظنون أن الدرس صار حديثاً، ولكن لأجل هذا التحقيق تطلب مزيد عناية والله أعلم.

    قال المؤلف رحمه الله: [ثم إذا فرغ من التكبيرة يقبض كوع يسراه بيمينه، ويجعلهما تحت سرته استحباباً لقول علي : ( من السنة وضع اليمين على الشمال تحت السرة )، رواه أحمد و أبو داود ].

    المؤلف حينما ذكر طريقة التكبير وأنها الرفع، وأن هذا محل إجماع في أول التكبيرة.

    بعد التكبير أين يضع يده؟ فعندنا قسمان في هذه الجزئية: الأول: أين يضع يده؟ والثاني: المكان الذي يضع فيه يديه.

    أما القسم الأول: فإن أهل العلم رحمهم الله ذكروا صفات في وضع اليد اليمنى على اليسرى، والسنة هو وضع اليمنى على اليسرى، وقد جاء عند النسائي من حديث ابن مسعود أنه قال: ( رآني النبي صلى الله عليه وسلم وقد وضعت الشمال على اليمين، فأخذ بيدي فوضع اليمين على الشمال )، فهذا مجمع عليه، ولها صفات وهي:

    الصفة الأولى: صفة الوضع، وهي أن يضع يده اليمنى على كفه اليسرى، لما جاء في صحيح مسلم من طريق عبد الجبار بن وائل ، عن علقمة بن وائل بن حجر ، عن أبيه أنه قال: ( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة فكبر )، وصف الراوي همام ( حيال أذنيه ثم وضع يده اليمنى على اليسرى )، وجاء عند أبي داود و النسائي زيادة وفيها: ( وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد )، الرسغ هو الوسط.

    فعظم يلي الإبهام كوع وما يلي لخنصره الكرسوع والرسغ ما وسط

    فهذا هو الرسغ، والساعد هو الذي بعد الرسغ، فهذه الزيادة لبيان مكان اليد، وهو أن يضعها هكذا، كف اليمنى في جزء من كف اليسرى وجزء من أول الساعد هكذا، هذا يسموه صفة الوضع.

    إذا ثبت هذا فقد جاء عند النسائي من طريق علقمة بن وائل عن أبيه، إلا أن الراوي عنه هو موسى العنبري و قيس بن سليم العنبري كلاهما رويا عن علقمة بن وائل عن أبيه أنه قال: ( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان قائماً في الصلاة قبض كفه اليمنى على اليسرى )، وهذه الرواية تفرد بها عن علقمة هذان الراويان.

    والغريب في الأول: أن الذين ذكروا هذه الصفة بوبوا عليها باب وضع اليمنى على اليسرى من دون لفظ القبض، ولعل هذا إما أن يكون اختصاراً رويت بالمعنى، وإما أن هذا يتخفف فيه وضعاً أو قبضاً، فعندنا حديث الوضع وهو أصح، وجاءنا رواية النسائي عن علقمة وهي رواية القبض، فإما أن يقال: إن رواية القبض رويت اختصاراً بالمعنى، بدليل أن الذين رووا هذه الرواية بوبوا عليها باب وضع اليمنى على اليسرى، كرواية وائل بن حجر عند مسلم وعند أبي داود و النسائي ، وإما أن يقال: إنهم يخففون، إذ لا يرون فرقاً بين القبض والوضع فكلها وضع، وإن كان المعنى الأول أحرى أنها رويت اختصاراً.

    وبالنسبة للوضع فقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يفعلها، كما روى ابن عساكر في تاريخ دمشق، وبالمناسبة تاريخ ابن عساكر وطبقات ابن سعد فيهما من الروايات عن الصحابة ما يندهش منه صاحب الحديث، وربما لا تكاد تجد هذه الآثار في غيرهما، روى ابن عساكر من طريق أبي زياد قال: إن رأيت فنسيت، إلا أني لا أنسى حينما رأيت أبا بكر يضع يده هكذا فوصف يده اليمنى على كفه اليسرى وأول الساعد، مثل رواية وائل بن حجر عند مسلم و أبي داود و النسائي، لكن رواية النسائي تفرد فيها بذكر القبض.

    الصفة الثانية: أن يضع كفه اليمنى على ذراعه اليسرى، وهذه رواية البخاري من حديث سهل قال: ( كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى في الصلاة على ذراعه اليسرى )، قال أبو حازم الراوي: ولا أراه ينمي إلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه صفة ثانية.

    واعلم أن وضع اليمنى على اليسرى بإحدى هاتين الصفتين مستحبة استحباباً شديداً، وهو قول عامة أهل العلم، فهو قول أبي حنيفة و الشافعي و أحمد وأكثر أهل العلم، إلا أن مالكاً نقل عنه أن ذلك مباح، ونقل عنه كرواية الجمهور.

    إذا ثبت هذا: فاعلم أن هاتين الصفتين فيهما من الذلة والانكسار والخشوع والخنوع لله ما لا يخفى، ولهذا سئل الإمام أحمد رحمه الله: ما الحكمة في وضع اليمنى على اليسرى؟ فقال: ذل بين يدي عزيز، روى ذلك أبو إسحاق الكوسجي في مسائله.

    وقال: ابن المنذر في الأوسط وقد روي عن المهاجر أنه سئل عن ذلك فقال: ذل بين يدي عزيز و المهاجر من كبار التابعين، روى عن بعض الصحابة، إلا أنه لم يذكر لها إسناداً، فهذا يدل على أن أحمد رحمه الله ما تكاد تخفى عليه الآثار، كما لا تكاد تخفى عليه الأحاديث رحمه الله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088514267

    عدد مرات الحفظ

    777056738