إسلام ويب

الروض المربع - كتاب الصلاة [38]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ينظر المصلي إلى مكان سجوده لكونه من أسباب الخشوع في الصلاة إلا لحاجة، ويستفتح صلاته بدعاء الاستفتاح، وله أن يستعيذ بالله من الشيطان، ويسمي الله سبحانه وتعالى عند الشروع في القراءة.
    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا وزدنا علماً وعملاً يا كريم! وبعد:

    فقد قال المؤلف رحمه الله: [وينظر المصلي استحباباً مسجده أي موضع سجوده؛ لأنه أخشع إلا في صلاة خوف لحاجة].

    قول المؤلف رحمه الله: (وينظر المصلي استحباباً مسجده)، ومعنى مسجده: موضع سجوده، إلا لحاجة، يعني: إلا إذا كان هناك حاجة للالتفات، أما دليل الحاجة فهذا ثابت، لما رواه سهل الحنظلية وهذا الحديث إسناده لا بأس به: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عيناً فجعل ينظر إلى ناحية الشعب )، يعني ينتظر العين وهو يصلي، وهذا الحديث رواه أبو داود و الحاكم و البيهقي والحديث إن شاء الله إلى الحسن أقرب.

    أما قول المؤلف رحمه الله: (يضع بصره إلى موضع سجوده)، فاعلم أن كل الأحاديث الواردة في نظر العينين إلى موضع السجود كلها ضعيفة، فقد ضعف الإمام أحمد رحمه الله بعض الأحاديث، فمنها حديث عائشة رضي الله عنها، الذي رواه الحاكم و البيهقي من طريق عمرو بن أبي سلمة عن زهير بن محمد عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله بن عمر عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة فما خلف بصره موضع سجوده )، وهذا الحديث تكلم فيه البخاري رحمه الله، وتكلم فيه الحفاظ فإن رواية عمرو بن أبي سلمة السنيتي عن زهير بن محمد لا تصح، وهناك أحاديث كثيرة بهذا الإسناد، فيرون أن الحديث معلول، وكذلك قال فيه أبو حاتم .

    وقد تكلم البخاري على هذا الحديث في التاريخ الكبير وقال: إن رواية عمرو بن أبي سلمة عن زهير بن محمد خطأ، فعرفنا أن كل إسناد فيه عمرو بن أبي سلمة عن زهير فقد تكلم فيه البخاري ، وكذلك تكلم فيه أبو حاتم وقال: هذا حديث معلول، ورواه أبو داود وغيره من حديث أبي سعيد الخدري ولا يصح؛ لأن في سنده علي بن علي الرفاعي قال الإمام أحمد : لا يصح الحديث، و عبد الله بن أحمد يقول: لم يحمد أبي إسناده، يعني: لم يستحسنه.

    وهذا الوضع هو مذهب الإمام أحمد و أبي حنيفة و الشافعي يقولون: يجعل بصره موضع سجوده، وقلنا: إن الأحاديث فيها ضعف.

    وأحسن شيء في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكان: هي رواية أبي داود التي يرويها محمد بن عجلان عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه الذي هو عبد الله بن الزبير قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد في التشهد وضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى وأشار بالسبابة لا يجاوز بصره إشارته )، وهذا الحديث أصله عند مسلم إلا أن مسلماً رحمه الله لم يذكر زيادة: ( لا يجاوز بصره إشارته ) وهو في التشهد، وذلك لأن الليث بن سعد و أبا خالد الأحمر روياه عن محمد بن عجلان عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه بدون لفظة: ( لا يجاوز بصره إشارته )، فدل على أن الراوي عن محمد بن عجلان وهو يحيى القطان ثقة، فالخلل من محمد بن عجلان ، ورواه خلق كثير أيضاً غير مسلم عن محمد بن عجلان لم يذكروا هذه اللفظة، ورواه خلق عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه لم يذكروا هذه اللفظة، فدل على أن زيادة ( لا يجاوز بصره إشارته ) ضعيفة.

    وأما قول النووي و القاضي أبي يعلى : أنه يستحب أن ينظر، فهي بناءً على تصحيحهم لهذا الحديث، والأقرب أن رواية: ( لا يجاوز بصره إشارته ) إلى الضعف أقرب.

    إذاً لم يصح حديث في أين يضع المصلي عينه في الصلاة، وعلى هذا اختلف الأئمة.

    فذهب الجمهور: إلى أنه يضعها موضع السجود، وذهب مالك إلى أنه يضعها ناحية القبلة، واستدلوا على هذا: بحديث البراء عند البخاري و مسلم قال: ( كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فإذا رفع رأسه من الركوع لم نزل قياماً ننتظر حتى نراه قد وضع جبهته على الأرض )، فهذا يدل على أنهم كانوا ينظرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

    الثاني: أن كل الذين وصفوا صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وهم خمسة عشر نفساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قطعاً لم يكونوا ينظرون إلى موضع السجود، بل قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ( صلوا كما رأيتموني أصلي )، فقد كانوا ينظرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

    والقاعدة تقول: إذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم صفة في أصل عبادة ثبتت، فإن السنة هي عدم التحديد، وعلى هذا فالإنسان مخير إما أن يستقبل القبلة، وإما أن يضع بصره إلى موضع سجوده، وإما أن يطأطِئ إلى موضع القدمين، فكل ذلك جائز في حقه، والأصل هو الخشوع.

    فإن رأى أن الخشوع قبل القبلة فعل، وإن رأى موضع السجود فعل، وإن رأى موضع القدمين فعل، وجاء في بعض الروايات ( أنه طأطأ رأسه عليه الصلاة والسلام )، واستدل به بعض العلماء إلى أن النظر يكون إلى موضع القدمين ولا يصح الحديث الذي رواه البيهقي .

    وعلى هذا فالسنة أنه بالخيار، والقصد من ذلك أن ينظر إلى موضع قلبه هل خشع أم لا؟

    وبالنسبة لتغميض العينيين في الصلاة فقد أنكره الإمام أحمد وقال: إن ذلك فعل المجوس، ولم يصح حديث بهذا إلا أنه روي عن عائشة ، واستدل بعض أهل العلم بأنه لا بأس بتغميض العينين؛ لأن ذلك أخشع لقلبه، كما أشار ابن القيم رحمه الله إلى ذلك، والذي يظهر والله أعلم: أنه ليس ثمة حديث في تغميض العينين.

    ولكن الأولى أن الإنسان لا يغمض عينيه، إلا إذا تشاغل بما بين يديه، فيغمض عينيه حتى يكون أخشع لصلاته أو وقع ذلك اتفاقاً مثل أن يتأمل الإمام وهو يقرأ لكي يستعيد ذاكرته وتأمله في النص الذي سمعه فلا حرج في ذلك إن شاء الله، ولكن ليس ثمة سنة، كذلك نقول هنا.

    ولا حرج للمسلم أن ينظر ببصره دون أن يلتفت عن اليمين وعن الشمال، كما روى سهل الحنظلية قال: ( بعث النبي صلى الله عليه وسلم بعثاً فجعل ينظر إلى الشعب )، هذا حديث رواه أبو داود ، والحديث الآخر رواه الإمام أحمد وغيره من حديث أبي قتادة ( أن النبي صلى الله وسلم صلى بأصحابه يوماً فلمح رجلاً لا يقيم صلبه في الركوع والسجود فقال صلى الله عليه وسلم بعد ما سلم: لا ينظر الله إلى من لا يقيم صلبه في الركوع ولا السجود )، فهذا يدل على أن المصلي لا حرج أن ينظر أحياناً ذات اليمين وذات الشمال، والله تبارك وتعالى أعلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088545689

    عدد مرات الحفظ

    777240965