الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:
فقد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويلزم الجاهل تعلم الفاتحة، والذكر الواجب، ومن صلى وتلقف القراءة من غيره صحت، ثم يقرأ بعدها، أي: بعد الفاتحة، سورة ندباً كاملة، فيستفتحها ببسم الله الرحمن الرحيم، وتجوز آية، إلا أن أحمد استحب كونها طويلة، كآية الدين والكرسي، ونص على جواز تفريق السورة في ركعتين؛ لفعله عليه الصلاة والسلام، ولا يعتد بالسورة قبل الفاتحة، ويكره الاقتصار على الفاتحة في الصلاة، والقراءة بكل القرآن في فرض؛ لعدم نقله، وللإطالة].
وجوب تعلم الفاتحة
قول المؤلف رحمه الله: (ويلزم الجاهل تعلم الفاتحة)، لأن الفاتحة ركن، وواجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فإن أمكن التعلم ووجد الوقت؛ فيجب عليه، وإن ضاق الوقت؛ فيجب عليه أن يتعلم أخف من ذلك، مثل بعض الآيات القرآنية، فإن لم يكن؛ فيتعلم الذكر الواجب، وهو قول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، على الخلاف في لا حول ولا قوة إلا بالله هل ثبتت في الحديث أم لا؟ هكذا بالترتيب.
أحوال المصلي الجاهل للفاتحة
واعلم أن قراءة الفاتحة، وتعلمها في حق المصلي على أحوال:
الحالة الأولى: أن يقدر على تعلم كامل السورة، فيجب عليه أن يقرأ كامل السورة، وهذا بالإجماع.
وأنا في ذكر الحال الثانية، والثالثة، سأذكر عبارة صاحب الكشاف. الحالة الثانية: ألا يقدر على تعلم كامل الفاتحة، بل يعرف بعض آيات الفاتحة، وبعض آيات القرآن، فالمذهب عند الحنابلة: أن الواجب في حقه أن يقرأ الفاتحة، ثم يكررها حتى تصل سبع آيات، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لأعلمنك سورةً هي أعظم سورة في القرآن، الحمد لله رب العالمين، هي السبع المثاني، والقرآن العظيم )، فيجب عليه أن يقرأ سبع آيات، فيقرأ بعض الفاتحة ويكررها حتى تصير سبع آيات.
وذهب الشافعي إلى أنه يقرأ بعض آيات الفاتحة، وبعض الآيات من القرآن حتى يكمل سبعاً.
وذهب ابن حزم ، ورواية عند الإمام أحمد ؛ أنه يقرأ ما أمكنه تعلمه، يعني: اللي يقدر عليه، إن كان يحفظ أربعاً يقرأ أربعاً فقط، لا يكرر، ولا يلزمه قراءة البدل من القرآن يعني: من السور غير الفاتحة.
وهذا القول هو الراجح والدليل: لأن العبد غير مأمور بما لا يستطيع لقوله تعالى:
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا
[التغابن:16]، وقد أدى ما استطاع، وهو قراءة بعض الآيات، وأما تكرارها فيحتاج إلى دليل، ولا دليل.
ثم إن تكرارها، أو قراءة آيات من غيرها ليست بدلاً عن الفاتحة، حتى يقال: إذا لم يمكن المبدل فلابد من البدل، ونحن نقول: إذا لم يستطع إنسان القيام ماذا يصنع؟ يسجد وإلا يجلس؟ يجلس، إذاً: ثبت أن الجلوس بدل عن القيام، لكنه لم يثبت أن الفاتحة إذا كان يعلم بعضها هناك شيء بدل عنها؛ لأن العبادات مبناها على التوقيف.
الحالة الثالثة: ألا يعلم الفاتحة، لكن عنده بعض آيات القرآن، وعنده سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فالواجب أن يقرأ شيئاً من القرآن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث رفاعة بن رافع : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم علم رجلاً الصلاة فقال: فإن كان معك قرآن فاقرأ، وإلا فاحمد الله، وهلله، وكبره)، وهذا الحديث رواه أبو داود ، وصححه الحاكم ، وتكلم فيه بعض أهل العلم، وصححه أيضاً ابن خزيمة وبعضهم يقول: هو حديث المسيء في صلاته، ولم يذكره البخاري و مسلم ، فهو إلى الضعف أقرب.
على كل، فالواجب أن يقرأ شيئاً من القرآن لعموم قوله تعالى:
فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ
[المزمل:20].
الواجب على المصلي إذا لم يستطع أن يتعلم شيئاً من القرآن
لزوم تعلم الجاهل الأذكار الواجبة في الصلاة
قال المؤلف رحمه الله: (والذكر الواجب)، يعني: ويلزم أن يتعلم الذكر الواجب، وهو قول: الله أكبر، في تكبيرة الإحرام، لأننا قلنا: لا يجزئ أن يقول: الله أعظم، أو الله أجل، واختلف في قول: الله الأكبر، فإن
أحمد و
مالك منعوا، و
الشافعي جوز.
ومن الذكر الواجب قول: سبحان ربي الأعلى في السجود، وسبحان ربي العظيم في الركوع، على المذهب خلافاً لجمهور أهل العلم، ومن الذكر الواجب: تعلم التشهد الأول، والتشهد الثاني؛ لأن التشهد الأول واجب ويسقط مع النسيان، والتشهد الأخير ركن.
وأما قول: رب اغفر لي، فإنه سنة كما سوف يأتي بيانه، وليس بواجب خلافاً للحنابلة، وهو قول جمهور أهل العلم.
حكم صلاة من تلقن الفاتحة من غيره في الصلاة
قال المؤلف رحمه الله: (ومن صلى وتلقف القراءة من غيره؛ صحت)، صورتها: رجل سريع الحافظة، قال لشخص: صلي وأنا خلفك أقرأ ما تقرأ، فكان الشخص يصلي فيرفع صوته فيقلده الشخص الآخر، ويتلقف قراءته، فيقول المؤلف: (صحت)، أي: صحت الصلاة، والدليل: لأن الواجب هو أداء العبادة، فإذا أداها فقد برئت ذمته، ومثل ذلك في واقعنا المعاصر، لو أن امرأة كبيرة في السن، تريد أن تصلي وهي لا تحفظ الفاتحة، فإنه يوضع لها مسجل يكرر الآيات، فإذا قرأ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 
[الفاتحة:2] تقرأ معه، وهكذا ويكون هنا واجب.
حكم قراءة المصلي سورة بعد الفاتحة
قال المؤلف رحمه الله: (ثم يقرأ بعدها أي: بعد الفاتحة، سورةً ندباً) استحب عامة أهل العلم أن يقرأ بعد الفاتحة سورةً من القرآن، قال صاحب الكشاف: وفي شرح الفروع لا خلاف بين أهل العلم في استحباب قراءة سورة بعد الفاتحة، ولعل شرح الفروع هو تعليقات
المرداوي على كتاب
ابن مفلح في الفروع، ولم أتبين ما شرطه غير هذا، ولعله هو المراد في التعليقات التي ذكرها
المرداوي على الفروع، ولا شك أن هذا معلوم عند أهل العلم، أي: استحباب قراءة سورة أخرى.
ودليل ذلك: فعله عليه الصلاة والسلام، فقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي قتادة أنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة )، وكذلك في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري في قراءة صلاة العصر.
قال المؤلف رحمه الله: (فيستفتحها ببسم الله الرحمن الرحيم)، وقلنا بذلك؛ لأن الراجح أن البسملة آية من القرآن بالإجماع في سورة النمل، وآية يؤتى بها للفصل بين السور.
قراءة آية واحدة بعد الفاتحة
قال المؤلف رحمه الله: (وتجوز آية)، يعني: لا بأس أن تقرأ آية واحدة، إلا أن الإمام
أحمد استحب أن تكون طويلة كآية الدين، قال في كشاف القناع
للبهوتي صاحب الروض، قال: والظاهر عدم إجزاء آية لا تستقل بمعنى، أو حكم، نحو
ثُمَّ نَظَرَ 
[المدثر:21]، أو
مُدْهَامَّتَانِ 
[الرحمن:64]، يقول: لو قرأ بعد الفاتحة
مُدْهَامَّتَانِ 
[الرحمن:64]، ثم ركع؛ لم يجزئه، يعني: عن الواجب، ولا عن السنة، ولعل هذا القول قوي، والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: (ونص على جواز تفريق السورة في ركعتين)، يعني: لك أن تقرأ في ركعتين سورة واحدة. قول المؤلف: (لفعله عليه الصلاة والسلام) فإن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ المرسلات في ركعتين، وقرأ الأنفال في المغرب، وقرأ طول الطوليين في ركعتين وهذا لا إشكال فيه، واعلم أن السورة إنما تكون موافقةً للسنة إذا جيء بها بعد الفاتحة، وأما إذا قرئت قبل الفاتحة؛ فإنها ذكر مشروع في غير محله، والذكر المشروع في غير محله يباح فيه سجود السهو إذا فعله ناسياً كما هو معلوم.
اقتصار المصلي على قراءة الفاتحة
قال المؤلف رحمه الله: (ويكره الاقتصار على الفاتحة في الصلاة)، هذا هو المذهب، أن السنة أن يقرأ بعد الفاتحة شيئاً، ولا شك أن استحباب قراءة سورة بعد الفاتحة سنة، لكن لا يلزم بترك السنة الوقوع في المكروه، والغالب أن بعض الفقهاء يضطرب في هذا الأمر، فكل من ترك السنة فقد فعل المكروه، بل إن
مالك بن أنس استحب في سنة الفجر قراءة فاتحة الكتاب فقط، ولهذا قالت
عائشة : (
حتى إني أقول: هل قرأ بأم القرآن أم لا؟ )، من شدة تخفيفه عليه الصلاة والسلام في الصلاة، فعلى هذا فالراجح: أن الكراهة حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل شرعي، ولم يثبت بدليل شرعي على أنه يكره أن يقتصر على الفاتحة، ولكن نقول: ترك السنة.
قراءة القرآن كله في فرض
قال المؤلف رحمه الله: (والقراءة بكل القرآن في فرض)، معناه: أن يجتمع مع جماعة ويقول: سوف نقرأ القرآن كله في ركعة، يعني: في صلاة العشاء مثلاً هذا هو المراد، وفهم بعض المتأخرين من الفضلاء: أن هذا مثل ما يفعله بعض الأئمة حينما يمر على القرآن في الفروض، فقال: إن هذا مكروه، وهذه العبارة لا يفهم منها ما يصبو إليه، والمقصود بهذه العبارة: أن يقرأ القرآن كاملاً في صلاة المغرب، أو صلاة العشاء، أو صلاة الظهر، أو صلاة الفجر.
قال المؤلف رحمه الله: (في فرض لعدم نقله)، إذاً: أفادنا المؤلف بقوله: (في فرض)، أنه لو كان في نفل جاز، وقد نقل عن عثمان رضي الله عنه أنه قرأ القرآن في ركعة، لكنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا السنة هي عدم فعله.
قال المؤلف رحمه الله: [وتكون السورة في صلاة الصبح من طوال المفصل بكسر الطاء، وأوله (ق) ولا يكره لعذر: كمرض وسفر من قصاره، ولا يكره بطواله، وتكون السورة في صلاة المغرب من قصاره ولا يكره بطواله، وتكون السورة في الباقي من الصلوات كالظهرين والعشاء من أوساطه].
ما يشرع قراءته في صلاة الصبح
ما يشرع قراءته في صلاة المغرب
ما يشرع قراءته في الأوليين من صلاة العشاء والظهر والعصر
قال المؤلف رحمه الله: [ ولا تصح الصلاة بقراءة خارجة عن مصحف
عثمان بن عفان رضي الله عنه، كقراءة
ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: فصيام ثلاثة أيام متتابعات، وتصح بما وافق مصحف
عثمان ، وصح سنده، وإن لم يكن من العشرة وتتعلق به الأحكام، وإن كان في القراءة زيادة حرف فهي أولى؛ لأجل العشر حسنات].
قول المؤلف رحمه الله: (ولا تصح الصلاة بقراءة خارجة عن مصحف عثمان )، سبق أن من الصحابة من كان يقرأ بإحدى القراءات التي نزلت فإن القرآن نزل على سبعة أحرف، فكان ابن مسعود يقرأ على إحدى هذه الأحرف، وفي مصحف عثمان قراءة أخرى، وقال بعض أهل العلم: إن مصحف عثمان هو حرف من الأحرف التي نزلت، وهذا الذي يظهر والله أعلم، فقالوا: إنه لا يصح أن يقرأ إلا بقراءة مصحف عثمان رضي الله عنه، فإن المسلمين أجمعوا عليه، ومصحف عثمان يصدق عليه القراءات العشر، وأما إذا قرأ بقراءة أبي أو بقراءة ابن مسعود ؛ فلا تصح، هذا قول جماهير أهل العلم، قالوا: لأنه يشترط في القرآن التواتر، وقراءة ابن مسعود ليست متواترة، فلو قرأ في سورة
وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى
[الليل:1]: (والذكر والأنثى)، وهي قراءة ابن مسعود ، قالوا: لا تصح القراءة.
وذهب أبو العباس بن تيمية رحمه الله ورواية عند الإمام أحمد : أن الصلاة بقراءة غير متواترة إذا صح سندها؛ جازت لأنها قرآن، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أثنى على قراءة ابن مسعود وقال: ( من أحب أن يقرأ القرآن غضاً طرياً كما نزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد )، وأمر بالأخذ عنه وعن غيره فقال: ( خذوا القرآن من أربعة: عبد الله بن مسعود و سالم مولى أبي حذيفة و معاذ و أبي بن كعب )، فكيف يأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نأخذ عنهم القرآن، ثم نقول: إن الصلاة بقراءة هؤلاء لا تصح؟!
وعلى هذا فالراجح والله أعلم: أن ما صحت فيه القراءة بسند صحيح ولو لم تكن متواترة، ولو لم تكن في مصحف عثمان أنها صحيحة، والله أعلم.
حكم الصلاة بقراءة غير القراءات العشر إذا وافقت مصحف عثمان وصح سندها
وإذا وافقت مصحف
عثمان أيضاً أجزأت عند عامة أهل العلم، ولو لم تكن من القراءات العشر، محل ذلك إذا صح سندها.
حكم صلاة من لم يحفظ الفاتحة لكنه يحفظ بعض القرآن على قراءة بعض القراء
قال المؤلف رحمه الله: (وتتعلق به الأحكام)، يعني: أنه إذا لم يكن يحفظ شيئاً من الفاتحة، ويحفظ بعض القرآن على قراءة بعض القراء؛ أجزأت والله أعلم.
تقديم القراءة التي فيها زيادة حرف على غيرها في الصلاة