بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:
فقد قال المؤلف رحمه الله: [ويكون المصلي مستوياً ظهره، ويجعل رأسه حياله، أي: بإزاء ظهره فلا يرفعه ولا يخفضه، روى ابن ماجه عن وابصة بن معبد قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، وكان إذا ركع سوى ظهره حتى لو صب الماء عليه لاستقر)، ويجافي مرفقيه عن جنبيه، والمجزئ الانحناء بحيث يمكنه مس ركبتيه بيديه إن كان وسطاً في الخلقة، أو قدره من غيره، ومن قاعد مقابلة وجهه ما وراء ركبتيه من الأرض أدنى مقابلة، وتتمتها الكمال].
وضعية الظهر والرأس في الركوع
أن يصلي مستوياً ظهره المقصود من ذلك أن يقبض على ركبتيه ويجعل رأسه قريباً من ظهره فلم يُشخص رأسه ولم يصوبه، وما يفعله بعض الناس من أن يُبرز رأسه مخالفة لمستوى ظهره فهذا خطأ، والسنة ألا يُشخص رأسه ولا يصوبه، يعني: لا يرفع رأسه ولا يُنزله بل بين ذلك لحديث
عائشة رضي الله عنها في صحيح
مسلم أنها قالت: (
وكان إذا ركع لم يُشخص رأسه ولم يصوبه)، وبعض الناس يريد أن يكون رأسه مستوياً ولأجل هذا الاستواء يُخالف سنة ثابتة والاستواء سنة ضعيفة؛ لأن من المعلوم أن حديث
وابصة بن معبد : (
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسوي ظهره حتى لو صب الماء لاستقر )، هذا الحديث تفرد به رجل يقال له
طلحة بن زيد وهو ضعيف فلا يُحتج به إذا تفرد، والحديث رواه
ابن ماجه فبعض الإخوة يحاول يجعل ظهره مستوياً ثم يخالف سنة اليد، فالسنة في اليد أن تكون وتراً، والوتر هو أن تكون ممدودة، ويكون الجنب مع اليد متجافيان، وقد نقل
الطحاوي الإجماع على استحباب ذلك.
فما يفعله بعض الإخوة حينما يجعل عضلة عضديه ملتصقة بجنبه فهذا مخالفة للسنة؛ لأن السنة في اليد أن تكون وتراً لحديث أبي حميد : (ثم وتر يديه)، يعني: جعل يديه على أنها وتر وكأن جسده قوس فيكون ظهره مستوياً كمثل بعض الناس، وبعض الناس يكون في أسفل ظهره نوع من البروز، فهذا لا يكلف الله نفساً إلا وسعها فقد طبق السنة، فاستواء الظهر لا يلزم، والذي يلزم هو: أن يكون الرأس مستوياً مع الظهر، وأن تكون اليدان قابضتين على الرُكبتين مفرجتي الأصابع، وأن يوتر يديه، فإن استوى الظهر فالحمد لله وإلا فليس ثمة سنة في استواء الظهر.
وبعض الناس يضع اليدين على الفخذ لا يضعها على الركبة، وهذه مخالفة للسنة، ووضع اليدين يكون على الركبتين، هكذا هي السنة، نعم هي ليس بواجب لكن كلما استشعر الإنسان وهو يفعل مثل هذه السنن كلما أحس أنه على هدي محمد صلى الله عليه وسلم فأحس بالخشوع، هذا أولاً.
ثانياً: وهو مهم جداً أنه كلما طبق الإنسان هذه السنن كلما كانت جبراً للنقص الحاصل من عدم الخشوع، فالإنسان أحياناً لا يخشع في صلاته فتنقص صلاته، فكلما طبق شيئاً من السنن كانت هذه السنن جابرة للنقص الحاصل في الصلاة مثل السهو والذهول ولا أحد ينفك عنه هذا إطلاقاً، وما يروى عن بعض التابعين أنه كان إذا صلى وسقط المسجد من أسفل ولم يعلم -كما ينقل هذا عن مسلم بن يسار- فهذه حالة تأتي للإنسان أحياناً، أما أن يكون هذا غالب صلاته فهذا بعيد، فالصحابة رضي الله عنهم أجل وأعظم وأكبر ومع ذلك كما قال سعد بن أبي وقاص في تفسير قوله تعالى:
الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ
[الماعون:5]، قال: أينا ذلك الرجل يا بُني! وإنما ذلك الذين يؤخرون الصلاة، فهذا يدل على أن الإنسان مهما بلغ من العلم فإنه أحياناً يذهل في صلاته، ولهذا قال العلماء في حديث حمران مولى عثمان عن عثمان قال: (ثم صلى ركعتين مقبلاً عليهما بوجهه)، قال العلماء معنى مقبلاً: أنه كلما جاءه العارض كلما رجع، هذا هو المقصود، وإلا فإن الذهول حاصل، و عمر رضي الله عنه كان تأتيه كثير من هذه الأشياء رضي الله عنه، حتى إنه مرة من المرات صلى بأصحابه ولم يكبر ولم يقرأ، فلما سلم قال له أصحابه: يا أمير المؤمنين! لم نراك تقرأ، قال: والله إني لأجهز جيشاً يخرج من كذا إلى مدينة كذا ثم أعاد الصلاة، يعني: الظاهر أنه لم يقرأ الفاتحة، والرواية جاءت مختصرة، لكن هذا يدل أنه أحياناً يذهل.
وأنا أتعجب من تكلف بعض الإخوان! هذا عمر بن الخطاب ما كان عنده تكلف، يعني: الواحد منا لو قيل له: سهوت، قال: والله ما سهوت وإني تأملت في آية كذا، يعني: يُبالغ في أشياء ليست واقعة، فإيمان الصحابة فيه نوع من الصدق والوضوح ما فيه تكلف، وهكذا تجد أن الإنسان كلما تكلف في حياته وفي طبيعته فإنه يتعب، وإذا عامل نفسه بالطبيعة وكان خشوعه الطبيعي كان ذلك أقرب للسنة، وكلما ابتعد عن تكلف الناس وعيون الناس كلما كان ذلك أسمح لصلاته وأسمح لقراءته، ولا يقول: إن الناس سيقولون: هذا الشيخ الفلاني أو هذا الطالب الفلاني تأخر أو غيره، إن تأخر تأخر بعذره، أما أن يتكلف ويحاول يبعد نفسه عن الظهور فهذا لا ينفعه، لكن عود نفسك أن تكون طبيعياً، إن تأخرت فالله سبحانه وتعالى هو الذي يُعاقبك أو يعذرك، أو تقدمت فالله سبحانه وتعالى هو الذي يثيبك أو لا يثيبك.
ومن ذلك أن عثمان رضي الله عنه عندما كان عمر يخطب فجاء عثمان في صلاة الجمعة، فقال عمر : ما بال أقوام يتأخرون عن الصلاة؟ قال: يا أمير المؤمنين! والله ما إن سمعت الإقامة حتى توضأت وأتيت، قال: والوضوء أيضاً! فانظروا ليس فيه كلفة ولا شيء، يعني: أراد عمر أن يعرف سبب تأخره، و عثمان ما خرج إلى الصلاة إلا وقت الإقامة وصلاة الجمعة، ومع ذلك هو ثالث الناس، فلا ننظر إلى أمور بسيطة ليست هي محط القلوب.
نعم ينبغي للعالم وينبغي لطالب العلم وينبغي للداعية وينبغي للناس جميعاً أن يتقدموا إلى صلاتهم، لكن ما يُدرى ما سبب ذلك.
وقد روى القاضي عياض عن عبد الله بن وهب قال: كنت أقرأ لـمالك الأحاديث، قال: فأقيمت الصلاة، فبدأت آخذ كتابي، يعني: أروح أمشي، فقال مالك : ماذا تصنع؟ قلت: أريد أن أصلي، قال مالك : ما الذي قمت إليه بأعظم مما كنت فيه، هذه مسألة عند مالك رحمه الله. والقصد من ذلك أن العلم إن كان يطلب لله، ليس تكثراً أو زيادة أو غيره كان فيه خشوع وفيه زيادة إيمان، وليس القصد من العلم أن أقرأ الكتاب لأجل أني متى ما أسأل أجيب، لا؛ بل أتعلم العلم لأصحح ديني وأصححه للآخرين، فكان العلم بهذا نوراً، ولهذا قال مالك لـيحيى بن يحيى العابد عندما أرسل له الكتاب: ما الذي أنت فيه بأعظم مما أنا فيه، وأرى أن كلانا على خير.
وأنا أنصحكم نصيحة بحضور الدروس في الفجر ولا شك سوف تجدون لذة الحضور إلى دروس الفجر، وسوف تجدون أن درس الفجر فيه نور ليس في غيره، وأن دروس الفجر فيها من البركة ما ليس في غيرها، وهذا ليس كلامي هذا كلام الأئمة؛ بل كان ابن القيم يقول: لا ينبغي للعالم أن ينام فإن كان ولا بد فإذا طلعت الشمس، يعني: حتى في أوقات الراحة لو أنت مثلاً في البر أو في رحلة حاول أن تذكر الله بعد الفجر ولو على فراشك حتى إذا طلعت الشمس فنم؛ لأن هذا وقت توزيع الأرزاق، وأعظم الرزق هو رزق العلم، ولا تظن أن الله إذا منحك علماً أن هذا أمر سهل، بل والله العظيم إنها من أعظم النِعم، فالإنسان يُعظم في دنياه بسبب العلم، كما قال الله تعالى:
يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ
[المجادلة:11]، فهذا تراه في الدنيا فكيف في الآخرة، وهذه درجات مطلقة، فأنت ترى أن العالم يُرفع مكانه بين يدي الناس صغيرهم وكبيرهم، فإذا كان الله يُعطي العالم هذه المكانة في الدنيا فكيف في الآخرة، اللهم اجعلنا وجهاء في الدنيا والآخرة ومن المقربين.
حكم ثني الركبتين في الركوع
المجزئ في انحناء الركوع
قال المؤلف رحمه الله: (والمجزئ) يعني: والمجزئ في الانحناء هو (بحيث يُمكنه مس ركبتيه بيديه إن كان وسطاً في الخلقة)، يعني: لو انحنى ثم مد يديه لمست يداه ركبتيه، هنا يكون قد ركع، وذكر
المجد أبو البركات أن ضابطه أن يكون انحناؤه إلى الركوع المعتدل أقرب منه إلى القيام المعتدل؛ لأن بعض الناس أحياناً تكون يداه طويلتين فهو يمكن وهو قائم أن يمس ركبتيه بيديه، وهذا ليس له عبرة، ولهذا قالوا: إن كان وسطاً في الخلقة، فالقاعدة في هذا أن ينحني حتى يمس بيديه ركبتيه، فهذا هو الركوع. ونحن نقول هذا حتى نعلم هل أدركنا الإمام في الركوع أم لا؟ فأحياناً الإمام يكون راكعاً فحينما أقول: الله أكبر ثم أركع أرى جزءاً من رأس الإمام فهنا أرى انحناءه، إن كان بحيث لو مد يديه إلى ركبتيه مسهما أكون حينئذٍ قد أدركت الركوع، هذا هو المعروف عند الأئمة والجمهور، وبعضهم يقول: العبرة بإدراك الركوع إنما هي بقول الإمام: سمع الله لمن حمده، فلو قال الإمام: سمع الله لمن حمده حينما استتم قائماً وأنا أدركته قبل أن يقولها أكون قد أدركت، هذا عند بعض أهل العلم، والراجح هو القول الأول، والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: (ومن قاعد مقابلة وجهه ما وراء ركبتيه من الأرض) يعني ما وراء أمام ركبتيه، يعني: بحيث إذا انحنى يرى أن يكون أمام ركبتيه، إذا جلس ثم انحنى هذا الانحناء يكون أماماً، يعني: قريب من الركبتين، ومعنى ما وراء؟ يعني أمام، ولو قال المؤلف: ومن قاعد مقابلة وجهه أمام ركبتيه من الأرض كان أولى.
الذكر الوارد في الركوع
حكم قول: سبحان ربي العظيم في الركوع
حكم قول ما زاد عن سبحان ربي العظيم من الأذكار في الركوع
القدر الواجب والمستحب في ذكر الركوع
قال المؤلف رحمه الله: [ثم يرفع رأسه ويديه لحديث
ابن عمر السابق].
رفع اليدين في الرفع من الركوع
يرفع يديه لحديث
ابن عمر في مواضع رفع اليدين، وأن هذا الموضع الثالث في الرفع، وهو الرفع من الركوع، يرفع يديه.
الذكر الوارد في الرفع من الركوع
قال المؤلف رحمه الله: [قائلاً إمام ومنفرد: سمع الله لمن حمده مرتباً وجوباً؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك، قاله في المبدع].
يقول الإمام والمنفرد: سمع الله لمن حمده لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (ثم يقول: سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركعة، ثم يقول وهو قائم: ربنا ولك الحمد)، الحديث متفق عليه، فهذا يدل على أن الإمام يقول: سمع الله لمن حمده ويقول: ربنا ولك الحمد، والإمام والمنفرد حكمهما واحد.
أما المأموم فهل يقول سمع الله لمن حمده؟
بعض العلماء كما نُقل عن بعض المالكية، ونُقل عن ابن حزم أنه يقول: والسنة ألا يقول لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإذا قال: سمع الله لمن حمده؛ فقولوا ربنا ولك الحمد)، فهذا يدل على أن المأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده.
ولو قال: حمداً لله سمع الله من غير الترتيب لم يصح كما ذكر ذلك المؤلف.
وانظروا إلى قول المؤلف: (لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك، قاله في المبدع)، مما يدل على أنهم يتخففون في نقل الكلام من بعضهم لبعض، والآن أصبح البحث الأكاديمي يقولون: هذه سرقة علمية، والواقع أنه ليس هناك سرقة علمية، وأنه لا بأس أن ينقل شخص من آخر ولو لم ينسب، لكنه لا ينقل نقلاً ويعزوه لنفسه إلا إذا كان من شروط البحث الأكاديمي الذي هو الجامعي بهذه الطريقة؛ لأجل أن ينظروا هل هو من عندياته أم لا، أو لأجل التقليد، أما أن يريد أن يؤلف كتاباً فهذا الخطب فيه يسير، والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: [ومعنى سمع استجاب].
معنى: (سمع الله لمن حمده) استجاب الله لمن حمده، هذا معروف عند العلماء يعني استجاب؛ لأنه دعاء. نقف عند هذا، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.