الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل. وبعد:
هذا الأثر رواه محمد بن نصر في قيام الليل، ومن المعلوم أن كتاب قيام الليل لـمحمد بن نصر غير موجود، والمعروف والموجود هو المختصر.
وقد نص على ذلك الإمام أحمد ، وقال فيه عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: أنهم كرهوا أن يقوم الإنسان فيتنفل بالترويحة بين التسليمتين، وقد ذكر محمد بن نصر عن الليث بن سعد أنهم كانوا يستريحون قدر كذا وكذا ركعة، ومعنى التنفل بينهما أنه إذا سلم الإمام من تسليمتين فإنه ينتظر، يستريح، فتجد بعض الناس من شدة حرصه للطاعة والعبادة يقوم فيصلي هاتين الركعتين قبل أن يقوم الإمام فيصلي بالناس، فهذه الصلاة تعتبر مخالفة للإمام، ففيها مخالفة من وجوه:
الوجه الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه )، فهذا وإن كان قد سلم الإمام، لكن سلامه هنا من باب الاستراحة، فسوف يقوم، فإذا صلى بعض الناس من غير الإمام ففيه مخالفة.
الوجه الثاني: أن هذه الصفة لم تكن معهودة على ما شرع فيها التراويح، فإن عمر رضي الله عنه حينما جمع الناس على ذلك لم تكن هذه الفعلة معهودة عند الصحابة، فدل ذلك على كراهيتها، ولهذا أنكر الصحابة.
الوجه الثالث: لا يؤمن ممن فعل مثل ذلك أن يدخله العجب، فيقول: الناس يستريحون وأنا أصلي، فهذا فيه من العجب ما فيه، والله أعلم.
إذاً الأول: أن فيه مخالفة للإمام.
والثاني: أن هذه الصفة لم تكن معهودة في فعل الصحابة.
والثالث: لا يأمن على نفسه أن يدخله العجب، ولهذا قال أبو الدرداء : ليس منا من رغب عنا، فهذا فيه رغبة عنهم.
المقصود من هذا أن يسلم الإمام من التراويح، فيقول الحنابلة: إن ثمة فرقاً بين أن يصلي الناس قبل أن ينصرف الإمام بين كل تسليمتين، وبين أن يصلوا بعد ما ينصرف الإمام من التراويح، فأما الصلاة أثناء صلاة الإمام قبل أن ينصرف فسبق أن قلنا: إنها مكروهة، وأما بعد ذلك فإن ذلك لا يكره، فإذا سلم الإمام وانصرف الناس جلس جماعة، وقالوا: نحن نريد أن نصلي، صلاة التراويح، كما لو صلى بنا الإمام ثم سلم، وكنا خمسة أو عشرة، فإذا خرج الناس قمنا فصلينا.
قال المؤلف رحمه الله: (ولا يكره التعقيب وهو الصلاة بعدها).
يعني: بعد صلاة التراويح وبعد صلاة الإمام في جماعة، قال لقول أنس : لا ترجعون إلا لخير ترجونه، والرواية الأخرى عند الحنابلة أن ذلك مكروه إذا كان في جماعة، وهذا أقرب؛ لأمور كثيرة، أهمها: أن مثل هذا الفعل يخشى فيه من الفرقة، فلربما ظن الناس أن هذه الجماعة لم تر حسن ولا صحة الصلاة مع الإمام، فيصلون مع الإمام من باب التقية، وربما صلوا معهم لأنفسهم، فإذا صلوا بعد الإمام فيخشى أن الناس يظنون أن صلاة الإمام ليست بذاك، وهذا فيه إشكال كبير.
الثاني: أن هذه الصفة لم تكن معهودة عند الصحابة رضي الله عنه، وأما قول أنس فإنه محمول في حق من صلى وحده بعد التراويح، فسألوه عن ذلك، فقال: لا ترجعون إلا لخير ترجونه.
الثالث: أن فيه مخالفة لحديث ابن عمر كما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً )، فإذا أوتروا مع الإمام ثم صلوا ابتداءً بعد ذلك فهذا فيه مخالفة مقصودة، وفرق بين المخالفة المقصودة والمخالفة غير المقصودة، فالمخالفة المقصودة صورتها: أنه مجرد أن يسلم الإمام ويوتر بهم يصلون، فهم عازمون على أن يصلوا بعد الوتر.
وأما غير المقصودة فهو أن يوتر الإنسان أول الليل، ثم إن قام آخر الليل صلى ركعتين ركعتين، فهنا الصلاة بعد الوتر لم تكن مقصودة، فهذا هو الأقرب؛ أن قوله صلى الله عليه وسلم: ( اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً )، أن ذلك من باب الاستحباب، والثاني: أن الصلاة بعد الوتر إذا لم تكن مقصودة فلا بأس بها، مثل أن يوتر، ثم يريد أن ينام، فيشق عليه النوم، فيقول: بدلاً من أن أجلس على فراشي أذهب وأصلي، فهنا لا بأس، وأما أن يصلوا جماعة، فهذا الأقرب -والله أعلم- منهي عنه، وقد أشار بعض أئمة الدعوة، كالشيخ عبد الله با بطين في الدرر السنية إلى شيء من ذلك، والله أعلم.
ومما يدل على أن الصلاة بعد الوتر أيضاً جائزة، إذا كانت ليست جماعة، ما جاء في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( كنا نعد له طهوره وسواكه، فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه، فيصلي تسع ركعات لا يجلس إلا في الثامنة، فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم يقوم، فيصلي التاسعة، ثم يجلس فيسلم، ثم يصلي ركعتين وهو قاعد )، وقد اختلف العلماء في هاتين الركعتين، هل كانت الركعتان وهو قاعد من باب سنة العشاء، أم أنها من باب سنة الفجر، أم أنها صلاة مستقلة؟ ذكر ذلك الحافظ ابن حجر والله أعلم، ولعل هذا محمول على أن الصلاتين هما بعد دخول الوقت جمعاً بين قوله صلى الله عليه وسلم: ( اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً )، وبين هذا، أو أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعلها إلا أحياناً، إذا كان قد أوتر بتسع على الاستمرار، فهذا الذي يظهر.
فـعائشة إنما ذكرت هاتين الركعتين في حق ما لو صلاها صلى الله عليه وسلم وتراً تسعاً، أو سبعاً، أما إذا صلى ركعتين ركعتين فلم تذكر عائشة رضي الله عنها ذلك عنه عليه الصلاة والسلام.
ما معنى بين التراويح؟ يعني: في الترويحة التي يجلس الإمام يرتاح فيها من شدة طول صلاة التراويح، فتجد بعض الناس يذهبون ويطوفون، وكان هذا معهوداً عند أهل مكة، كما ذكر ذلك الإمام أحمد ، ولأجل أن أهل المدينة ليس عندهم طواف استبدلوا هذا الطواف بتسليمتين، حتى يوازوا أهل مكة في الفضل والعبادة، والذي يظهر -والله أعلم- أن مثل هذه المفارقة إذا كانت مقصودة مع الإمام فلا حرج، وأما إذا كان بعضهم يذهب وبعضهم يجلس، فالأفضل أن يستغفر ولا يطوف، وهذه صورة كانت في السابق، والآن -والله المستعان- صلاة الناس خفيفة جداً، السائب بن يزيد يقول: وكانوا يعتمدون على العصي من طول القيام، يعني: يقرءون تقريباً خمسة أجزاء، وحدثني أحد الإخوة أن في مصر يختمون في رمضان خمس مرات، يقول: فصليت معهم فكان الإمام يقرأ في الركعة الأولى خمسة أجزاء، الله أكبر.
هذا من باب عدم المشقة، فالمعروف عن الصحابة أن الإمام يسمع المأمومين القرآن كاملاً، ولم يحفظ عنهم أنهم قرءوا أكثر من ختمة، ولكن إذا كان الجماعة يرغبون في ذلك، وكانت الجماعة مقصودة فلا حرج، وإلا فالتوسط لحديث أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: ( فما غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم في موعظة قط أشد مما غضب يومئذٍ، وقال: أيها الناس إن منكم منفرين، فأيكم أم الناس فليخفف )، والحديث رواه مسلم ، ولكننا نقول: إذا كان الناس يؤثرون الزيادة فلا حرج، ونقول: إن إسماع الجماعة كامل القرآن مستحب ومطلوب، وأن هذا فعل الصحابة، فنحن حينما نقول: التراويح سنة، نقول: سنة لفعل الصحابة، وإنهاؤنا القرآن في التراويح سنة لفعل الصحابة، فلا نأخذ بعضاً ونترك بعضاً.
وأرى أن فعل بعض الجماعة في المساجد الذين يقرءون سوراً قصيرة جداً، حتى بلغني أنه يقرأ سطراً واحداً من القرآن من قصار المفصل، أرى أن صلاتهم هذه ليست بمشروعة مستحبة، ولو صلوا ركعة بتسليمة واحدة، وأطالوا الصلاة أحب إليّ من أن يصلوا هذه الصلاة، فلو سلموا من تسليمة واحدة، وقرءوا وجهين ثم انصرفوا، أو أوتروا أحب إليّ من أن يصلوا فعلتهم هذه؛ لأن هذه الصفة ليست معهودة عن الصحابة، ولا عن التابعين؛ بأن يقرأ مُدْهَامَّتَانِ [الرحمن:64] ثم يركع، وهذا ليس بمشروع.
وأما حجة من يفعل ذلك بأن ذلك تأليف للجماعة فأخشى أن يكون ذلك هوى في أنفسهم، لأجل كثرة الناس، فإن النفوس تتوق لكثرة الناس، وربما ترك السنة لأجل كثرة الناس، حتى سمعنا لأجل محبة الناس صلاته، لا يريد أن يطيل الصلاة، فيذهب إلى بيته فيقرأ القرآن، ويقول: أنا أختم لنفسي، ثم إذا جاء وهم في المائدة مثلاً، وفي الغد إذا هم يفاجئون وهم في سورة هود، ويقول: أنا أختم وحدي، هذا فعل غير مشروع، وأنكر شيخنا عبد العزيز بن باز هذا الفعل؛ لأنه لم يكن معهوداً، وهذا لا يخلو من أن يكون هوى في نفسه؛ لأنه يحب أن يقال: ختم فلان، وهو لم يختم، والعجب أنه يقول: أقرأ في نفسي، والله مشكلة إذا كان في رمضان كله لا يختم إلا ختمة واحدة، هذه مشكلة في حقه، وقد كره بعض السلف أن يختم الإنسان في أكثر من شهر، فإذا كان في رمضان يختم ختمة واحدة فهي مشكلة، والعبادات دائماً لا ينظر فيها لهوى الناس، نعم الرسول صلى الله عليه وسلم خفف، لكن التخفيف المعتاد، أما أن يقرأ آية أو سطراً، ويقول: صلينا صلاة التراويح، لا، ما هي صلاة التراويح، التراويح سميت تراويحاً للإطالة.
ولهذا أحب من الأئمة جزاهم الله خيراً أن يوفقوا بين صلاتهم، فأحياناً تجد أن صلاة التراويح أول رمضان ربما تكون أطول من قيام الليل في آخر رمضان؛ لأجل التخفيف على الناس بالختمة، فنقول: لا مانع أن نختم ليلة ثلاث وعشرين، أو ليلة أربع وعشرين، أو ليلة ست وعشرين، لماذا أفهمنا الناس كلهم أن الختمة لا تكون إلا ليلة سبع وعشرين، أو ليلة تسع وعشرين، لماذا لا نعطي الناس شيئاً من السنن حتى يغيروا ما تعودوا عليه مما ليس من السنة، فنختم القرآن ليلة واحد وعشرين، ومرة ليلة اثنين وعشرين، ومرة ليلة أربع وعشرين، ونكون أقوياء في إحياء السنن لأجل ألا تتعلق نفوس الناس بأن الليلة الفلانية يكون الختم، وإذا كان هناك إمامان يجتمع الناس لهما تجد أنهما يتفقان: هذا ليلة سبع وعشرين، وهذا ليلة تسع وعشرين، فكأنما اقتسموا الجماعة والناس، هذا لا ينبغي، فتجد أنه في ليال يخفف، وهذا في ليال لا يخفف حتى يتساويا، كل هذا ليس بمحمود، وليس بمشروع، ولا يخلو من أن تكون النفوس قد تاقت إلى الناس، ولو علم أن الناس انصرفوا عنه لأجل أنه يخفف لأطال، ولو علم أن الناس تركوه لأجل أنه يثقل لخفف، فكان التخفيف والتطويل لأجل الناس.
ولأجل هذا كان الإمام أحمد له تلميذ حسن الصوت، فكان الناس يجتمعون له، فقال أحمد لهذا الإمام: لا تصل بنا غداً، فلما جاء وإذا إمام يصلي ليس بمثل صلاة هذا، لأجل ألا تتوق نفسه إلى مثل هذا الأمر، وهذا مطلوب، قال الله: فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ [ق:45]، فالقرآن تذكير، والإمام يجب عليه أن يستحضر هذا الأمر، والله سبحانه وتعالى قد فضل بعضهم على بعض، ففضل هذا الإمام حسن الصوت بأن يجتمع الناس له ويخشعون، لكن لا يكون هذا على سبيل نيته، ولا على سبيل مخالفة السنة، والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: (ولا يستحب لهم أن ينقصوا عن ختمة ليحوزوا فضلها).
قول المؤلف رحمه الله: (لا يستحب لهم)، لا يستحب؛ لأن المقصود من شهر رمضان أن يسمع الناس القرآن، وقد ذكر أبو العباس بن تيمية رحمه الله أن قراءة القرآن في التراويح مستحبة باتفاق أئمة المسلمين، بل إن من مقصود صلاة التراويح قراءة القرآن فيها، ليسمع المسلمون كلام الله؛ فإن شهر رمضان فيه نزل القرآن، وفيه كان جبريل يدارس النبي صلى الله عليه وسلم، فأعظم مقصود بالتراويح إسماع المسلمين كلام الله سبحانه وتعالى.
القسم الأول: أن يختم القرآن خارج الصلاة ويدعو، وهذا لا بأس به، فقد روى ابن أبي داود في كتاب المصاحف بإسناد صحيح أن أنس بن مالك كان يجمع أهله وولده إذا أنهى القرآن فيدعو ويؤمنون، فهذا خارج الصلاة، ولا بأس بذلك، وقد فعله الصحابة.
القسم الثاني: أن يفعله داخل الصلاة، فهذا على أحوال:
الحالة الأولى: أن يدعو في وتره بعد أن أنهى القرآن، فيقرأ في آخر تسليمة: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1]، فيسلم ثم يقوم فيقرأ في الشفع والوتر، سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، و قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1]، و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، ثم يدعو، ولو أطال، فهذا لا بأس به، وليس ببدعة، وهذا أمر محمود.
وأما إطالة الدعاء فهي لأمور:
الأول: لأنه صادف ليلة مستجابة، ليلة وتر.
والثاني: لأنه عمل طاعة، ولا بأس بأن يدعو الإنسان بعد الطاعة، ويا ليت الناس الذين يختمون القرآن يصنعون هذا.
الحالة الثانية: أن يختم في وتره؛ بأن يقرأ في ركعة الوتر بـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1] و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1] وإن كان الحديث الوارد من حديث عائشة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في وتره بـ(قل هو الله أحد) و (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) ) حديث ضعيف أنكره الإمام أحمد و ابن معين ، لكنه من باب إنهاء القرآن فهذا حسن.
إذاً: الحالة الأولى: ينهي القرآن ثم يقرأ في الشفع والوتر، سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، و قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1]، و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1].
الحالة الثانية: يجعل قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1] و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1] في وتره، يعني: يمشي في القرآن، ثم يقرأ في آخر ركعة التي هي الوتر بهذا، وهذا حسن، وقد استحبه أحمد يعني قال: يختم في وتره.
الحالة الثالثة: أن يختم في شفع، يعني: في صلاة التراويح، وليس في صلاة القيام، فإذا صلى خمس تسليمات الركعة الثانية إذا قال: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ [الناس:1-6]، فأحياناً يرفع يديه يدعو، وهو ما زال في القيام قبل الركوع، وهذا كان أهل نجد يصنعونه إلى زمن قريب، وما زال بعض المساجد في الريف والقرى يصنعونه، فأرى أن هذا غير مشروع، ولا أقول ببدعية ذلك، لكنه غير مشروع، فلم يعهد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا قبل الركوع، وإنما ثبت ذلك عن ابن مسعود و عمر ، وذلك في الركعة الأخيرة من الفرض، قالوا: وما ثبت في الفرض جاز في النفل، لكن لم يفعله الصحابة بهذه الصفة، هذه ثلاث حالات، والله أعلم.
هم يقولون: إن الفعل هذا فعله عمر و ابن مسعود في الفرض، في قنوت النازلة، وما ثبت في الفرض جاز في النفل، ولكن نحن نقول: هذه الفعلة غير مشروعة، ولكن لا نقول ببدعية ذلك، وقد ذكر الفضل بن زياد للإمام أحمد عن الختمة قال: عمن يا أبا عبد الله لأن الإمام أحمد يستحب الختمة، قال: عن الكافة، أن أهل مكة وأهل المدينة يصنعون ذلك. فالإمام أحمد لم ير بأساً بذلك، والغريب أن من المالكية المتأخرين من يرى أن ذلك مكروه وبدعة، والشافعية والحنابلة يستحبون ذلك.
إذاً: دعاء ختم القرآن ما يقال: مستحب؛ لأن السنة استحباب فعل الخلفاء الراشدين، وأما فعل بعض الصحابة فهذا يدل على الجواز؛ لا بأس، فالصحابة أنهوا القرآن، لكن الدعاء لا نقول: مستحب، فنحن نقول: إنهاء القرآن مستحب لفعل الصحابة، وفرق بين شيء يفعله الصحابة ولا ينكر عليهم أحد؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء )، وبين شيء يفعله الصحابي، وليس أبا بكر ولا عمر فهذا يقال عنه: جائز.
النوع الأول: أن يقرأ بألحان معهودة، وهي الألحان التي نعرف أن فيها نوعاً من الحزن والتباكي، ولا يكون اللحن مفرطاً؛ يؤدي إلى إمالة أو زيادة حرف، أو زيادة مد، أو زيادة ترنم، فهذا لا بأس، بل هو مشروع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة : ( ما أذن الله لنبي أذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن )، يعني: ما استمع الله لشيء كاستماعه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن، وقال صلى الله عليه وسلم: ( زينوا القرآن بأصواتكم )، وجاء في الحديث: ( اقرءوا القرآن وأنتم تبكون، فإن لم تبكوا فتباكوا )، وقال صلى الله عليه وسلم لـأبي موسى: (لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود)، وقال صلى الله عليه وسلم: ( لقد عجبت من قراءتك البارحة )، وقال صلى الله عليه وسلم: ( إني لأعرف رفقة الأشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل )، وهذا يدل على أن لهم لحناً معروفاً؛ لأن رفقة الأشعريين، وأهل اليمن لهم لحن معروف أخذوه من سلفهم أبي موسى الأشعري ، فهذا اللحن المعروف مقامة، فكوننا نسميه مقامة على أمر كان معروفاً لا أثر للتسمية، فإذا علمنا أن القراءة الحزينة لها اسم عندهم في المقامات فلا أثر في ذلك، فهم يسمون المقامة الحزينة: الصبا، فإذا كانت هذه القراءة الحزينة المعروفة معروفة عندهم، فسموها بهذا اللحن، الصبا فلا حرج في موافقتهم لنا.
النوع الثاني: وهي الألحان المفرطة التي خرجت عن قراءة العرب، وربما كان فيها زيادة في المد، والترعيد واللحن، فأحياناً بعض المقامات لا تصلح للقرآن، ففيها من معنى الترنم والتغني المبالغ فيه، فهذا مكروه، وهو غير مشروع، وقد روى حذيفة مرفوعاً، وإن كان في سنده ضعف: ( اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الكتاب والفسق )، وهذا الحديث رواه الطبراني وفي سنده ضعف.
وقد ذكر ابن تيمية أن صرف القرآن إلى اللفظ، وإخراج الحرف المبالغ في الترقيق والتفخيم والنطق، وشغل القلب بذلك، أن ذلك ليس من سنته صلى الله عليه وسلم، ولعل في هذا التفريق خيراً.
وأما حكم تعلم المقامات فتعلمها على قسمين: إن كان من الباب الأول فلا حرج، وإن كان من الباب الثاني فهو غير مشروع، وقولنا بتعلمها شريطة ألا يقع في المحظور، فقد بلغني أن الذين يدرسون المقامات يسمعون الأغاني، فأعوذ بالله، وهكذا لا يخرج أحد عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم إلا وقع في المحظور.
الحنابلة يقولون: أفضل عشر ركعات، فيجعلون السنن الرواتب عشراً، وذهب بعض العلماء إلى أن السنن الرواتب ثنتي عشرة ركعة، استدلالاً بحديث أم حبيبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من صلى لله ثنتي عشرة ركعة تطوعاً من غير الفريضة بنى الله له بيتاً في الجنة )، والحديث رواه مسلم، ورواه الترمذي والنسائي ، وزاد الترمذي : ( أربع قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر )، ولكن هذه الزيادة منكرة والله أعلم؛ لأن الترمذي بعد ما ذكر حديث أم حبيبة قال في بعض رواياته: (ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها، وركعتان بعد العصر، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الصبح)، وهذه زيادة منكرة؛ لأن الصحيح أن ليس للعصر سنة: لا قبلية ولا بعدية.
وقال بعضهم: إنها ثنتا عشرة ركعة؛ لحديث عائشة عند مسلم : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أذن الظهر دخل بيته فصلى أربعاً، ثم يخرج فيصلي بالناس، ثم يدخل فيصلي ركعتين ) الحديث، قالوا: فهذا يدل على أنه يصلي أربعاً قبل الظهر، وبعضهم أنكر هذه اللفظة كما هو قول أبي حاتم ، ورأى أبو حاتم الرازي أن الصحيح هو في حفظ ابن عمر .
والذي يظهر والله أعلم أن السنن الرواتب كان النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً يصليها عشراً؛ لحديث ابن عمر ، وأحياناً يصليها ثنتي عشر ركعة. فقبل الظهر مرة أربعاً، ومرة ركعتين، وبعضهم قال: أربع إن صلاها في المسجد، وركعتان إن صلاها في بيته، وهذا الجمع ليس بشيء، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحفظ عنه أنه كان يتطوع في المسجد، ولعل الذي يظهر أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفعل هذا أحياناً، وهذا أحياناً.
وأصح شيء في الباب هو حديث ابن عمر ، فيقال: حديث عائشة إما أنه كان يفعله أحياناً، وإما أن هذا ليس من الرواتب، والله أعلم، ولهذا الحنابلة ما يجعلوه من الرواتب.
لعلنا نقف عند هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
الجواب: نحن نقول: بالنهار كثرة الركوع والسجود أفضل، وبالليل طول القيام أفضل، هذا أحسن جمع.
الجواب: يقول ابن عمر : حفظت، ما معنى حفظت؟ يعني: دائماً يرى الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل، ويدخل بيت حفصة يصلي ركعتين، دليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين، وحديث عائشة أنه كان يصلي أربعاً فهنا ما يمكن الجمع إلا أن نقول: كان مرة يفعل هذا، ومرة يفعل هذا. إذاً المحفوظ الدائم أنه كان يصلي عشراً إذا كان لا ينقص منها شيئاً، ولهذا أبو حاتم يقول: العمدة على حديث ابن عمر ، والحنابلة يقولون: العمدة على حديث ابن عمر ، فيكون فعل عائشة ليس دائماً، بل أحياناً، فهذا الذي جعل الحنابلة يقولون: ليست من السنن الراتبة، والصحيح أنها من السنن الرواتب، وأن من السنة الراتبة أن يصلي قبل الظهر أربعاً، وأيضاً يصليها ركعتين أحياناً، فنقول: إن السنن الرواتب العبرة بمواضيعها وليس أعدادها فقط.
الجواب: حديث أم حبيبة : ( من صلى لله ثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتاً في الجنة )، لا علاقة له بالسنن الرواتب فقط، بل ربما يكون في السفر، يصلي قيام الليل، يصلي ثنتي عشرة ركعة يجمع فيها بين السنن الرواتب وصلاة الليل.
الجواب: نحن تكلمنا في التورك وقلنا: إن الصحيح مذهب الحنابلة، وهذا التورك فيه أربعة أقوال، كل مذهب له قول، فعند أبي حنيفة لا يتورك ألبتة، وعند مالك يتورك في كل جلوس، والشافعي يتورك في التشهد الأخير، سواء كانت الصلاة ذات تشهدين أو تشهد واحد، و أحمد يقول: لا يتورك إلا في تشهد فيه جلستان، فيجلس في التشهد الأخير، هذه أربعة أقوال، إذا قلنا إن السنة ألا تفعل صلاة الوتر على هيئة المغرب فحينئذٍ لا يتورك، وإذا قلنا: يجوز أن يصلي الوتر على هيئة المغرب فنقول: يتورك في الثانية.
نقف إلى هنا، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر