بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم، اللهم يا حي يا قيوم! انفعنا بما علمتنا، واجعلنا من عبادك المتقين، وحزبك المفلحين، ومن حاملي سنة نبيك للمسلمين يا رب العالمين، وبعد:
حكم صلاة الضحى
المداومة على صلاة الضحى
أكثر ركعات الضحى
وقت صلاة الضحى
أفضل وقت لصلاة الضحى
قال المؤلف رحمه الله: (وأفضله) يعني: وأفضل وقت صلاة الضحى، (إذا اشتد الحر)، كما جاء ذلك في الصحيحين من حديث
زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (
صلاة الأوابين حين ترمض الفصال )، والفصيل هي الناقة الصغيرة التي يصعب عليها الجلوس في حر الرمضاء، فتجدها تقوم ولا تجلس، فهذا أفضل وقت الضحى، وهو قبل أذان الظهر بساعة تقريباً، يعني: عشرة ونصف، إحدى عشرة إلا ربع، هذا هو وقته تقريباً.
قال المؤلف رحمه الله: [ وسجود التلاوة والشكر صلاة؛ لأنه سجود يقصد به التقرب إلى الله تعالى، له تحريم وتحليل، فكان كسجود الصلاة، فيشترط له ما يشترط لصلاة النافلة، من ستر العورة، واستقبال القبلة، والنية، وغير ذلك ].
حكم سجود التلاوة وسجود الشكر
قال المؤلف رحمه الله: (وسجود التلاوة والشكر صلاة).
بين المؤلف من قبل أن سجود التلاوة سنة، ولهذا قال: (وتسن صلاة الضحى)، ثم قال: (وسجود التلاوة والشكر صلاة)، والراجح أن سجود التلاوة سنة وليس بواجب خلافاً للقول الآخر عند الشافعية الذي قواه السيوطي وغيره، والدليل أن سجود التلاوة ليس بواجب ما جاء في صحيح البخاري من حديث عمر أنه كان يخطب الجمعة، فقرأ سورة النحل فسجد فيها، فلما كان في الجمعة الأخرى قرأ سورة السجدة، فلما تهيأ الناس للسجود لم يسجد وقال: أيها الناس إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء، وهذا فعله عمر على ملأ من الصحابة، ولم ينكر عليه، وهو الراجح.
اختلاف العلماء في عدّ سجود التلاوة والشكر صلاة أم لا
وقد ذهب جماهير الفقهاء من الأئمة الأربعة في المشهور عندهم أن سجود التلاوة والشكر صلاة، ومعنى صلاة: أنه: لا بد أنه يشترط لها ما يشترط للصلاة، فلا بد فيها من تكبير، وطهارة، وستر للعورة، واستقبال للقبلة، واستدل الجمهور بما جاء عند
البيهقي بسند جيد من حديث
ابن عمر أنه قال: لا يسجد الرجل إلا وهو طاهر، وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم سجد للشكر، واستقبل القبلة كما في حديث
أبي بكرة .
والقول الآخر في المسألة: أن سجود التلاوة والشكر ليس بصلاة، ولا يشترط فيها ما يشترط للصلاة؛ لأن المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجد للتلاوة، ولم يحفظ عنه أنه كبر في غير الصلاة، ولهذا قال ابن عمر كما في الصحيحين: ( قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم السجدة فسجد فسجدنا حتى لم يجد أحدنا موضعاً لسجوده )، وهذا الحديث من رواية عبيد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر ، وأما ما جاء عند الحاكم من حديث عبد الله بن عمر العمري المكبر عن نافع عن ابن عمر أنه قال: فكبر، فهي رواية ضعيفة، وقد جاء في بعض نسخ الحاكم في هذا الإسناد بدل عبد الله بن عمر المكبر قال: عبيد الله ، وهذه الرواية بعض العلماء يصححها، والصحيح أنها خطأ في النسخة، وأن رواية الحاكم من طريق عبد الله ، وليس من طريق عبيد الله ؛ لأن هناك اثنين عبيد الله بن عمر بن عاصم المصغر، وهو ثقة ثبت، وأخاه عبد الله بن عمر العمري المكبر ضعيف، وإن كان من العباد الصلحاء، لكنه ضعيف الحديث.
وعلى هذا فالصحيح أنه لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كبر، وقد روى سجود التلاوة أكثر من خمسة من الصحابة، كـزيد بن ثابت و ابن عباس و ابن عمر وغيرهم، ولم يحفظ عن واحد منهم أنه أشار إلى أنه كبر، ولم يشر أحدهم إلى أنه كان يسلم، ومن المعلوم أنها لو كانت صلاة لما جاز أن ينفلت المسلم منها إلا بتسليم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما عند الإمام أحمد من حديث علي : ( مفتاح الصلاة التكبير، وتحليلها التسليم )، فلما لم ينقل عن واحد من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد للتلاوة سلم، أو في سجود الشكر أنه سجد ورفع وسلم، دل على أنها ليست بصلاة.
وأما ما جاء عن ابن عمر أنه قال: لا يسجد الرجل إلا وهو طاهر، فإنما ذكره على سبيل الاستحباب، بدليل أن البخاري روى في صحيحه معلقاً بصيغة الجزم أن ابن عمر كان يسجد على غير وضوء، ومن المعلوم أن ابن عمر لم يكن ليسجد على غير وضوء في صلاة، فدل ذلك على أن سجوده ربما كان للتلاوة أو للشكر، وهذا دليل على أن استدلالهم بحديث ابن عمر إنما هو على سبيل الاستحباب، ولا نقول إلا بذاك، ولا يعني هذا أننا نقول: لا يشرع الطهارة، ولا استقبال القبلة، بل إنه يشرع، أما التكبير والتسليم فإنه لا يستحب، لعدم نقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ولهذا قال المؤلف رحمه الله على قول الجمهور: (فكان كسجود الصلاة، فيشترط له ما يشترط لصلاة النافلة من ستر العورة، واستقبال القبلة، والنية، وغير ذلك)، وقلنا: إن الراجح أنه لا يشترط، بل لا يستحب التسليم، ولا التكبير لعدم نقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال المؤلف رحمه الله: (يشترط له ما يشترط لصلاة النافلة) ولم يقل: لصلاة الفرض؛ لأنه يجوز في النافلة ما لا يجوز في الفرض، فيجوز في النافلة أن يصلي جالساً ولو كانت مثل الفرض لما جاز، وسوف تأتي مسألة: أيهما أفضل أن يقوم لسجود التلاوة، أم يسجد وهو جالس؟ كما في الخلاف الذي بين الجمهور وبين ابن تيمية.
ولعلنا نقف عند هذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.