الأول: من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس
الثاني: من طلوع الشمس حتى ترتفع قدر رمح
الثالث: عند قيام الشمس في كبد السماء حتى تزول
قال المؤلف رحمه الله: (والثالث عند قيامها حتى تزول)، ومعنى (قيامها) أي: حين تكون الشمس في كبد السماء، وفي رواية: (
حين يقوم قائم الظهيرة حتى ترتفع )، أو: (
حتى تزول )، وذلك أن الشمس حينما تخرج من جهة المشرق فإن الصلاة ممنوعة حتى ترتفع، فيكون مقدار ارتفاعها منها إلى الأفق قيد رمح، وهذا قدرناه بعشر دقائق إلى ربع ساعة تقريباً.
ومعنى قوله: ( فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة )، (محضورة) ليس من باب الحظر وهو المنع، ولكن من باب الحضور والمشاهدة والشهود.
وتكون الشمس في كبد السماء، حين يستقل الظل بالرمح كما جاء في رواية عمرو بن عبسة ، ومعنى (حتى يستقل الظل بالرمح) يعني: لا يزيد عليه، فإذا بدأ يزيد الظل عن قدر رمح من جهة الغرب فقد دخل وقت صلاة الظهر، وعلى هذا فقبل وقت صلاة الظهر بعشر دقائق أو ربع ساعة تقريباً وقت نهي، وهذا عند عامة أهل العلم.
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( ثم صل فإن الصلاة محضورة مشهودة حتى يستقل الظل بالرمح، ثم أقصر عن الصلاة فإنه حينئذ تسجر جهنم )، فكان سبب المنع أن جهنم تسجر حينئذ، فكره الصلاة فيها خشية من مشابهة الذين يعبدون الشمس والله أعلم. هذا هو مذهب الحنابلة.
وذهب الشافعية إلى أن هذا الوقت وقت نهي إلا يوم الجمعة، واستدلوا بحديث سلمان الفارسي الذي رواه البخاري ، وحديث أبي هريرة الذي في الصحيحين، والذي ذكر قصة الرجل الذي يخرج إلى المسجد يوم الجمعة فقال: ( فصلى ما كتب له حتى يدخل الإمام )، ومن المعلوم أن الإمام وهو الرسول صلى الله عليه وسلم كان لا يخرج إلا وقت الزوال، يعني: وقت دخول الظهر، وهذا الرجل كان يصلي في وقت النهي، قالوا: ففي هذا دلالة على أن يوم الجمعة ليس وقت نهي، واستدلوا أيضاً بأن النبي صلى الله عليه وسلم: ( نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة )، وهذا الحديث رواه البيهقي وهو ضعيف.
وأما المالكية فإنهم لا يرون العمل بحديث عُلي بن رباح عن عقبة لأن عمل أهل المدينة أنهم يصلون.
والراجح هو مذهب الحنابلة رحمهم الله، إلا أن الحنابلة قالوا: إن الإنسان إذا دخل يوم الجمعة وقت زوال الشمس فإنه يقف عن الصلاة، وخالفهم في ذلك أبو العباس بن تيمية وقال: له أن يصلي، ولم يكن أحد من الصحابة يخرج من المسجد لينظر هل زالت الشمس أم لا، بل كانوا يصلون حتى يدخل الإمام، وكأن ابن تيمية يرجح قول الشافعي ، والذي يظهر والله أعلم هو أن يقال: أما من دخل المسجد فصلى حتى يدخل الإمام فإنه لا بأس بذلك وليس بحاجة إلى أن يخرج فينظر هل زالت الشمس أم لا، وهذا في عهد الصحابة، واليوم لسنا بحاجة إلى النظر في الساعة، فإذا كان يصلي ما كتب له على ظاهر حديث سلمان فإنه لا بأس بذلك.
وعليه نقول: إذا دخل المصلي يوم الجمعة فصلى ما كتب له من حين دخوله فلا حرج عليه في ذلك، لظاهر حديث سلمان الذي فيه: ( فصلى ما كتب له حتى يدخل الإمام )، فعلق انتهاء الصلاة بدخول الإمام، فظاهره أنه ولو كان وقت نهي؛ لأنه حينئذ لم يتحر ذاك الوقت، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري من حديث ابن عمر وكما في صحيح مسلم من حديث عائشة : ( لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فتصلوا عند ذلك )، فهذا لم يتحر، أما إذا كان يقرأ القرآن حتى إذا كان قريباً من خروج الإمام للصلاة قام فصلى ركعتين مثلما يفعله بعض الشباب، فهذا داخل في وقت النهي والله أعلم، وبهذا نجمع بين الأحاديث.
ولهذا جاء في الشرح الكبير عند حديث سلمان بأنه يصلي إلى أن يعلم وقت النهي، فإن شك فله الصلاة إذ الترغيب في الصلاة إلى خروج الإمام يخص وقت النهي.
وهذا ليس على الظاهر، الحنابلة يقولون: حديث سلمان مقيد بحديث النهي، ولكن ليس ذلك بظاهر؛ لأنه قال: (حتى يدخل الإمام)، والذي يظهر والله أعلم أن هذا فيمن كان يصلي حتى يدخل الإمام، أما من لم يكن يصلي فإنه لا يشرع له ذلك والله أعلم.
وقد استدل المؤلف على ما ذهب إليه من أن الشمس إذا ارتفعت في كبد السماء كان ذلك وقت نهي حتى تزول، بحديث عُلي بن رباح عن عقبة بن عامر أنه قال: ( ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا )، واختص الثلاث الساعات مع أنه جاء نهي عن الصلاة بعد صلاة الصبح؟ لكون الصلاة في هذه الأوقات مغلظة.
وعلى هذا فأول وقت للنهي على الراجح من بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، والحنابلة يقولون: من طلوع الفجر، ونحن نقول: الصحيح من صلاة الصبح لحديث أبي سعيد وحديث ابن عباس : ( لا صلاة بعد الصبح )، وفي رواية: ( لا صلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس )، هذا وقت النهي الأول.
الوقت الثاني: من طلوعها إلى ارتفاعها.
الوقت الثالث: من وصولها إلى كبد السماء حتى تزول، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب )، رواه مسلم ، ومعنى تضيف بفتح المثناة فوق أي: تميل.
الرابع: بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس