الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:
فقد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وتستحب صلاة أهل الثغر، أي: موضع المخافة، في مسجد واحد؛ لأنه أعلى للكلمة، وأوقع للهيبة، والأفضل لغيرهم أي: غير أهل الثغر، الصلاة في المسجد الذي لا تقام فيه الجماعة إلا بحضوره؛ لأنه يحصل بذلك ثواب عمارة المسجد وتحصيل الجماعة لمن يصلي فيه، ثم ما كان أكثر جماعة، ذكره في الكافي والمقنع وغيرهما، وفي الشرح أنه الأولى لحديث أبي بن كعب : ( وما كان أكثر فهو أحب إلى الله تعالى )، رواه أحمد و أبو داود وصححه ابن حبان ، ثم المسجد العتيق؛ لأن الطاعة فيه أسبق، قال في المبدع: والمذهب أنه مقدم على الأكثر جماعةً، وقال في الإنصاف: الصحيح من المذهب: أن المسجد العتيق أفضل من الأكثر جماعة، وجزم به في الإقناع والمنتهى، وأبعد المسجدين أولى من أقربهما إذا كانا جديدين أو قديمين، اختلفا في كثرة الجمع أو قلته أو استويا، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى )، رواه الشيخان، وتقدم الجماعة مطلقاً على أول الوقت].
وعلى هذا فقول المؤلف هنا الأقرب، أن ذلك على حسب المصلحة، والله أعلم.
فإذا تساوى الأمران فلا شك أن اجتماعهم فيه قوة وأجر من حيث ذات الصلاة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده )، كما سيأتي في الحديث الذي صححه كثير من أهل العلم.
فإن كانت الجماعة تقام ولو لم يحضر؛ صارت المسألة مبنية على ذات الصلاة نفسها، فيقال: الصلاة مع الجماعة الكثيرة أفضل من الصلاة مع الجماعة القليلة أو في المسجد العتيق كما سيأتي رأي المذهب في هذا.
وعلى هذا: فكون الإنسان يصلي في مسجد لا تقام فيه الجماعة إلا بحضوره ربما كان أفضل، ولهذا قال ابن تيمية رحمه الله: ومن كان إماماً راتباً في مسجد فصلاته فيه إذا لم تقم الجماعة إلا به أفضل من صلاته في غيره ولو كانت الجماعة كثيرة، وهذا يحصل في بعض المساجد التي ما يكون فيها قارئ إلا فلان، فيقولون: صل بنا يا فلان. إذا ما صليت فلن نصلي المغرب ولا العشاء؛ لأننا لا نحسن القراءة، فيقول: لا، أنا أريد أن أصلي مع الإمام الفلاني؛ لأنه حسن الصوت فيذهب إليه، فنقول: يا فلان! صلاتك في هذا المسجد الذي لا تقام فيه الجماعة في صلاة المغرب والعشاء إلا بحضورك أفضل من صلاتك في مسجد آخر. كذلك صلاة التراويح، صلاتك يا فلان! في هذا المسجد، بحيث يصلي كبار السن والناس والنساء أفضل من صلاتك في مسجد آخر ولو كان ذلك أدعى لخشوعك؛ لأن الجماعة سوف تقام بسببك، هذا في حق المرء نفسه.
فإذا كانت الجماعة سوف تقام، نظر المؤلف إلى نفس العبادة.
المرتبة الثانية: إذا نظرنا إلى نفس الفاعل وهو المكلف، فإذا كانت صلاة الجماعة لا تقام إلا بك؛ فإنك تصلي، وهي أفضل من صلاتك في مسجد آخر ولو كثرت جماعته.
المرتبة الثالثة: إذا تساوى؛ ذهبنا إلى ذات العبادة نفسها، وذات العبادة أيها أفضل الصلاة في المسجد العتيق أم الصلاة في المسجد الأكثر جماعة؟
اختلف المذهب في ذلك على روايات:
الرواية الأولى: قال المؤلف رحمه الله: (ثم ما كان أكثر جماعة)، يعني: إذا كانت الصلاة ليست صلاة ثغور وسوف تقام الجماعة ولو لم يحضر، فإن الأفضل الحضور مع الجماعة الأكثر، يعني: كونك تصلي في مسجد فيه ثلاثة صفوف أفضل من الصلاة في مسجد فيه أحد عشر شخصاً.
قال المؤلف رحمه الله: (ذكره في الكافي والمقنع وغيرهما وفي الشرح)، إذا قالوا: (في الشرح) فالمقصود به الشرح الكبير لـابن أبي عمر ؛ لأنه شرح كتاب المقنع للإمام أبي محمد بن قدامة .
قال المؤلف رحمه الله: (أنه الأولى، لحديث أبي بن كعب الذي رواه أبو داود وأحمد وصححه ابن حبان ) وكذلك يحيى بن معين و علي بن المديني وغيرهما، والحديث إسناده جيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله تعالى ).
الرواية الثانية: هي أن الصلاة في المسجد العتيق أولى من الصلاة في المسجد الأكثر جماعة، يقولون: (لأن الطاعة فيه أسبق)، والمؤلف ذكر ذلك في المرتبة الثانية من حيث ذات العبادة.
قال المؤلف رحمه الله: (قال في المبدع)، والمبدع هو شرح للمقنع للإمام ابن مفلح و ابن مفلح عددهم ثلاثة، وابن الأثير عددهم ثلاثة أو أربعة، والظاهر أنهم ثلاثة، ابن مفلح صاحب الفروع و ابن مفلح صاحب التراجم، و ابن مفلح صاحب المبدع، هذا الذي يظهر لي، والله أعلم.
على كل حال كتاب المبدع أرى أن اهتمام طلاب العلم به قليل، إلا أنه مليء بالمسائل التي ربما تكون مترابطة فيما بينها من المسائل، أحياناً مسألة في طهارة المياه ومسألة في الصلاة، فتجد أن هذا المؤلف يجمع بينهما، وقد ذكرت مسألة في الحيض، وقلت: لن تجدها إلا في المبدع، ومسائل كثيرة في الحج، وصلاة المغرب والعشاء جمع تأخير أم جمع تقديم على المذهب؟ وغير ذلك من المسائل.
قال المؤلف رحمه الله: (المذهب أنه مقدم على الأكثر جماعة)، يعني: المسجد العتيق مقدم على المسجد الأكثر جماعة، (قال صاحب الإنصاف) وهو المرداوي : (الصحيح من المذهب: أن المسجد العتيق أفضل من الأكثر جماعة، وجزم به في الإقناع والمنتهى)، والقاعدة: أن المذهب عند الحنابلة هو ما اختاره صاحب الإقناع والمنتهى، وإن اختلفا، يعني في الإقناع قول وفي المنتهى قول، فذهب الأصحاب إلى ثلاثة اتجاهات:
الاتجاه الأول: أن المذهب ما كان في المنتهى، وهذا هو المشهور عند المتأخرين. والاتجاه الثاني: أن المذهب ما في الإقناع، وهذا أضعفها. والاتجاه الثالث: أن المذهب ما اختاره مرعي في غاية المنتهى، وإذا قلنا: إن المذهب ما في المنتهى لم نحتج إلى أن نقول: المذهب ما اتفق الإقناع والمنتهى عليه؛ لأننا عولنا على ما في المنتهى، لكن الذي يظهر أن هذا ليس على سبيل الاطراد، أما إذا وجدت هذه المسألة عند أحدهما ولم توجد عند الآخر فهذا ما فيه إشكال.
والذي يظهر -والله أعلم-: أن ذلك على حسب كل مسألة، وإن كان الأكثر أن ما في المنتهى هو المذهب، فإن صاحب المنتهى قد أجاد العبارة، وأحكم الصياغة، بخلاف صاحب الإقناع، فإن عبارته ربما توهم وليست محكمة مثل إحكام المنتهى، وإن كانت مسائل الإقناع أكثر، ولهذا يسمون كشاف القناع مكنسة المذهب؛ لأنها لا تكاد توجد مسألة إلا وفيها إشكال.
على كل حال المذهب على سبيل تقعيد المتأخرين، أن الصلاة في المسجد القديم العتيق أولى من الصلاة في المسجد الأكثر جماعة هذا المذهب، وإن كان البهوتي إنما اختار ذلك أي المسجد الأكثر جماعة على المسجد العتيق؛ لأنه اختيار مذهب الأصل والأصل هو المقنع، لأن زاد المستقنع اختصار المقنع، فهو قدم ما اختاره صاحب المقنع، وإن كان المذهب تفضيل الصلاة في المسجد العتيق.
والأقرب -والله أعلم- هو المسجد الأكثر جماعة، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ( وما كان أكثر فهو أحب إلى الله تعالى )، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فضل المسجد العتيق، إنما فضل المسجد الحرام؛ لأنه مسجد حرام، وليس لأنه أول مسجد وضع في الأرض.
وعلى هذا فالذي يظهر -والله أعلم- أن الصلاة في المسجد الأكثر جماعة أفضل؛ ولأن المصلحة في كثرة الجماعة أرجح من قدم المسجد، ولهذا ينبغي أن يعلم أن الإنسان ربما إذا صلى في المسجد القريب من بيته يكون ذلك أدعى لانشراح صدر الإمام وعدم سوء الظن به، وكذلك أدعى إلى انشراح صدر الجماعة بوجوده، كل هذه لها اعتبارات، فلو أن إنساناً جاراً لمسجد ولا يصلي فيه وإنما في مسجد آخر، فإنه يشك في أمره ويقال: لماذا لا يصلي في المسجد الذي هو قريب من بيته؟ فيكون هذا مثل مسألة الذي لا تقام الجماعة إلا به، إن نظرنا إلى نفس الفاعل، والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: (وأبعد المسجدين أولى من أقربهما)، أي: إذا تساوت المصلحة، فربما يكون المسجد القريب أولى من البعيد، إذا كان في ذلك مصلحة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لبني سلمة حينما كانوا يأتون وهم من أهل العوالي يأتون إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: ( دياركم تكتب آثاركم )، يعني: لا تأتوا إلينا، بقاؤكم هناك أنفع لكم وأنفع لبلدكم أو قريتكم، وهذا الذي نقصده فنقول: أي المسجدين أفضل للإنسان البعيد أم القريب؟ نقول: على حسب المصلحة، فإن تساوت المصلحة من حيث الجماعة، فإن الصلاة في المسجد البعيد أفضل، بشرط، أن يكون المقصد كثرة الخطا، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ كثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة والإسباغ على المكاره، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط )، ولن يتأتى هذا إلا في حق من يأتي إلى المسجد مبكراً.
لكن يبقى السؤال قائماً: أيهما أفضل أن يذهب إلى المسجد القريب مبكراً فيصلي ويتسنن ويقرأ القرآن، أم يذهب إلى المسجد البعيد وربما تأخر في الوصول إليه؟
الجواب: إن كانت سوف تفوته تكبيرة الإحرام، فلا شك أن صلاته في المسجد القريب أولى من المسجد البعيد، وأما إذا كان سوف يفوته قراءة القرآن فإنه ما زال في صلاة من حين أن يخرج، فكونه يذهب مشياً وهو يقرأ القرآن أو يسبح ربما يكون أفضل، والله أعلم.
إذاً: إن كانت الجماعة تتأخر تأخراً إلى آخر الوقت كان تحصيل الوقت أولى من تحصيل الجماعة، وإن كان الوقت يسيراً وهو لا يبعد أن يكون في أول الوقت، فإن تحصيل الجماعة أولى.
مثاله: لو أن الجماعة تتأخر تأخراً شديداً، حتى أن الإنسان ربما لا يجد الفرصة ليذهب إلى بيته لحضور وقت الصلاة الأخرى، قلنا: الصلاة في أول الوقت أولى، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( سوف يكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة إلى آخر ميقاتها -يعني آخر وقتها- ويخنقونها إلى شرق الموتى قال
وإذنه ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: إذنه الصريح بأن يقول: يا جماعة! إذا تأخرت عن الساعة الفلانية فصلوا، أو يقول: فلان صل.
القسم الثاني: إذنه الضمني وهو أن الناس إذا اعتادوا أن الإمام إذا تأخر ثلاث دقائق أو أربع دقائق أو خمس دقائق عن الوقت صلى الجماعة، فهذا أمر ضمني ولو لم يصرح.
وعلى هذا فمن المعلوم أن الإمام الراتب أولى من غيره؛ لأنه أحق من إمامة صاحب البيت، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: ( ولا يؤمن الرجل الرجل في بيته، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه )، فإذا كنا نصلي في بيت رجل فلا يسوغ لي أن أتقدم ولو كنت أحفظهم للقرآن إلا أن نستأذنه، للحديث: ( ولا يؤمن الرجل الرجل في بيته إلا بإذنه )، ولهذا قال المؤلف: ولأن الراتب كصاحب البيت بل هو أولى.
(قال في التنقيح) أي: تنقيح المشبع للمرداوي : (وظاهر كلامهم لا تصح، وجزم به في المنتهى)، يعني: المذهب لو أن إنساناً تقدم على الإمام قبل وقت الصلاة المعتاد ولم يرض؛ فلا تصح؛ مثلاً يصلون صلاة المغرب بعد الأذان بعشر دقائق، فأول ما أذن أقام المؤذن أو تقدم شخص ولو لم يرض الإمام، فعلى المذهب يقول الإمام: أعيدوا صلاتكم فإنها لا تصح؛ لأنه افتيات على حقه من غير إذنه الضمني ومن غير إذنه الصريح.
والقول الثاني: أن الصلاة صحيحة؛ لأن البطلان لم يكن لذات العبادة ولا على وصفها الذي لا ينفك عنها، فإن الصلاة تصح وحدها وتصح جماعة، وعلى هذا فالراجح -والله أعلم- وهو مذهب عامة أهل العلم: أن الصلاة صحيحة، ويمكن أن يستأنس بما جاء في قصة المغيرة بن شعبة كما في الصحيحين (حينما تأخر النبي صلى الله عليه وسلم فتقدم بهم
وإلا فإن المذهب أنها لا تصح. قال: (وأما مع عذره)، والعذر هو التأخر الشديد، (فإن تأخر وضاق الوقت صلوا)، لفعل الصديق رضي الله عنه حينما مرض النبي صلى الله عليه وسلم وشق ذلك على الصحابة، وكذلك قصة عبد الرحمن بن عوف حينما ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى وفد بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم، فجعل المؤلف هذه القصة من باب العذر أو ضيق الوقت.
ولا شك أن هذا الاستدلال هنا أولى من الاستدلال في الأول لكننا نقول: إن الصلاة صحيحة على الراجح؛ لأن هذا النهي ليس نهياً لذات العبادة، والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: (ويراسل إن غاب عن وقته المعتاد مع قرب محله وعدم مشقته) يعني: لا يلزم بالضرورة أن يذهب الإنسان إلى الإمام، وإذا كان هناك جوال أو غير ذلك من وسائل الاتصال فهذا حسن إذا كان الوقت متسعاً.
وإما إن بعد محله، أو لم يظن حضوره، أو ظن ولكنه لا يكره فإنهم يصلون بإذنه الصريح وإذنه الضمني إذا تأخر أو أخبرهم أنه إذا وصل الوقت بعد ثلاث دقائق أو خمس دقائق من وقت الإقامة المعتاد صلوا، والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: (ومن صلى ولو في جماعة)، يعني: صلى وحده لعذر، أو صلى في جماعة، (ثم أقيم أي أقام المؤذن لفرض، سن أن يعيدها)، وقد مرت معنا هذه المسألة، أن الإنسان يستحب له أن يعيد الصلاة في المسجد بشروط ذكرها المؤلف: الأول: أن يكون في مسجد، والثاني: أن تقام الصلاة وهو في المسجد، أما لو أقيمت ثم جاء فهذه تختلف، هذا على المذهب، وقلنا: إن الصحيح إذا كان سوف يقصد المسجد لا لذات الجماعة، ولكن لأمر خارج، سواء أقيمت وهو في المسجد، أو أقيمت وهو خارج المسجد وهو محتاج إلى أن يدخل المسجد مثل وجود درس أو وجود تدريس أو نحو ذلك.
قال المؤلف رحمه الله: (سن له أن يعيدها)، إلا أن يكون الوقت وقت نهي، والثاني: أن يكون في المسجد، وقلنا: وقت نهي، هذا مستثنى مما لو كان في المسجد، وعلى هذا فالصحيح أن له أن يصلي إذا كان مسجد جماعة، لما جاء عند الإمام أحمد والإمام مالك في الموطأ من حديث جابر بن يزيد بن أسود عن أبيه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجلين اللذين صليا في رحالهما: إذا أتيتما مسجد جماعة فصليا تكن لكما نافلة ).
قال المؤلف رحمه الله: (إذا كان في المسجد)، يعني أقيمت وهو في المسجد، (أو جاء غير وقت نهي، ولم يقصد الإعادة)، يعني لم يقصد الإعادة في وقت النهي، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فتصلوا عند ذلك )، فهنا لم يتحر الصلاة في وقت النهي، إنما كان ذلك لأجل عمل خارجي.
وعلى هذا فالصحيح أن الإنسان له أن يعيد الصلاة مع جماعة، سواء أقيمت وهو في المسجد أو أقيمت وهو خارج المسجد، إذا لم يقصد الإعادة في وقت النهي، وأما إذا كان في غير وقت النهي فلا حرج، والله أعلم.
والصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجلين اللذين صليا في رحالهما: ( إذا أتيتما مسجد جماعة فصليا )، فأمرهما صلى الله عليه وسلم بالصلاة ولم يستفصل عليه الصلاة والسلام، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. وأما رواية: ( إلا المغرب فإنها وتر النهار )، فهي رواية ضعيفة، وعلى هذا: فيصلي المغرب.
وهل له أن يقوم ليصلي أربعاً، أو جاء والإمام بقي عليه ركعتان، فهل يصلي ركعتين؟ نقول: لا، يصلي مثل الإمام، لكنه إن جاء والإمام قد صلى ركعة فلا حرج أن يسلم معه؛ لأنها تطوع في حقه، والله أعلم.
ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (فلا تسن إعادتها)، وقلنا: إن الراجح له أن يعيدها وأن الرواية الواردة ( إلا المغرب فإنه وتر النهار )، فإنها لا تصح مرفوعة ورويت عن ابن عمر ، والصحيح أن ذلك محل نظر؛ وذلك لأن عموم الأمر بالصلاة مع الجماعة الثانية إذا أدركهم يشمل المغرب وغيره لقوله: ( فصليا تكن لكما نافلة ).
نسأل الله التوفيق والتسديد، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر