الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:
فقد قال المؤلف رحمه الله: [فإن أقيمت وكان يصلي في نافلة أتمها خفيفة، إلا أن يخشى فوات الجماعة فيقطعها؛ لأن الفرض أهم، ومن كبر مأموماً قبل سلام إمامه الأولى لحق الجماعة؛ لأنه أدرك جزءاً من صلاة الإمام فأشبه ما لو أدرك ركعة، وإن لحقه المسبوق راكعا دخل معه في الركعة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( من أدرك الركوع فقد أدرك الركعة )، رواه أبو داود فيدرك الركعة إذا اجتمع مع الإمام في الركوع بحيث ينتهي إلى قدر الأجزاء قبل أن يزول الإمام عنه].
المؤلف رحمه الله بنى هذه المسائل بناءً على ما يراه رحمه الله من أن قوله صلى الله عليه وسلم: ( وإذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة )، أي: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة تبتدأ، وأما من شرع في صلاة النافلة ثم أقيمت الصلاة؛ فإنه عند المؤلف غير داخلٍ في الحديث، وقلنا: المسألة فيها أربعة أقوال، وإن كان بعضهم يزيد قولاً، لكن المشهور أربعة أقوال، والذي يظهر -والله أعلم- أن الحديث المراد به كل ما يطلق عليه صلاة؛ فإن بقي عليه ما يطلق عليه صلاة فإنه يقطع صلاته، وإن بقي عليه أقل مما يطلق عليه صلاة فإنه يستكمل صلاته، ولا يكون داخلاً في قوله: ( فلا صلاة إلا المكتوبة ).
لكن نحن الآن نبني على كلام المؤلف ونذكر القول الراجح، قال المؤلف رحمه الله: (فإن أقيمت وكان يصلي)، فعلى هذا إن كان يصلي ثم أقيمت الصلاة؛ فليس داخلاً في هذا الحديث، ( فلا صلاة إلا المكتوبة )، ولكن يشرع له أن يتمها خفيفة، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (أتمها خفيفة)، ولو كان خارج المسجد، مثلما لو كان إنسان يصلي في بيته سنة الظهر القبلية أو سنة الفجر القبلية ثم أقيمت الصلاة، فيشرع له أن يخففها.
قال المؤلف رحمه الله: (إلا أن يخشى فوات الجماعة فيقطعها)، فإن كانت صلاته سوف تؤدي إلى ترك الجماعة فإنه يقطعها، صورتها: مثل أن يكون قد تطوع خارج المسجد في بيته فأقيمت الصلاة، فهو لو أتمها ثم ذهب إلى المسجد لربما فاتته الصلاة، فحينئذٍ الواجب في حقه أن يقطعها؛ لأنه حينئذ تعارض في حقه إدراك الجماعة وهي واجبة عند الحنابلة، وبين إتمام النافلة وهي مستحبة أكيدة، وإذا تعارض الواجب مع المستحب فالمقدم الواجب.
إذاً: إذا كان سيدرك الجماعة فإنه يتمها خفيفة، وإدراك الجماعة تحصل ولو بإدراك جزء منها على مذهب الحنابلة، وسوف نناقش هذه المسألة، لكن القصد من ذلك أن الذي جعل المؤلف يقول: (إذا خشي فوت الجماعة فيقطعها)؛ لأنه تعارض في حقه مستحب وواجب فالمقدم الواجب، فإن كان يدرك الجماعة، فإن إدراك الجماعة حاصل وهو الوجوب، فإذاً يتمها خفيفة، وعلى القول الراجح تكون هذه الصورة واردة، وهي إذا بقي عليه ما لا يطلق عليه صلاة؛ فيستحب أن يتمها خفيفة.
قال المؤلف رحمه الله: [إلا أن يخشى فوات الجماعة فيقطعها؛ لأن الفرض أهم]، والقاعدة: إذا تعارض واجب ومندوب، فالمقدم الواجب، والواجب هو صلاة الجماعة.
المسألة الأولى: الجماعة بم تدرك؟
ذهب الحنابلة -وهو مذهب الشافعية والحنفية- إلى أن الجماعة تدرك بإدراك جزء منها، قالوا: لأنه أدرك جزءاً من صلاة الإمام، فأشبه ما لو أدرك ركعة، وقالوا: وقد جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة وحديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا )، قالوا: وجه الدلالة :( وما فاتكم فأتموا )، فدل الحديث بإطلاقه على أن من أدرك جزءاً من الصلاة يسمى مدركاً، فيكون بهذا قد أدرك الجماعة.
وهذا لا شك أنه استدلال في العمومات، ودائماً الاستدلال في العمومات ليس مثل الاستدلال في الخصوص، وهذه قاعدة، فأحياناً في مسائل الخلاف تجد أن بعض المذاهب يستدلون بالعمومات.
في حين يستدل هؤلاء بدليل أقوى، فقد استدلوا بحديث رواه مسلم من حديث عائشة : ( من أدرك سجدة من الصلاة فقد أدرك الصلاة )، قالوا: فهذا يدل على أن إدراك جزء من الصلاة يكون قد إدراكاً للصلاة.
والقول الثاني في المسألة: هو مذهب مالك ورواية عند الإمام أحمد اختارها أبو العباس ابن تيمية رحمه الله : وهو أن الجماعة لا تدرك إلا بإدراك ركعة، لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة : ( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة )، والمقصود بالركعة الركعة التامة بركوعها والرفع منها والسجود والرفع من السجود، هذا هو المقصود بالركعة، وأما حديث عائشة : ( من أدرك سجدة من الصلاة فقد أدرك الصلاة )، فهذا الحديث لم يقصد به السجدة فقط، ولكن المقصود بالسجدة هنا الركعة، فيكون من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل.
وهذا القول الثاني هو الأرجح، والله أعلم، لكننا نقول: ومع ذلك فإن كان قد خرج ولم يكن منه نقص أو تكاسل، فأدرك الإمام في آخر الصلاة، فإنه يكتب له أجر الجماعة لا فضلها، لما روى أبو داود من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من تطهر في بيته ثم خرج إلى المسجد فوجد الناس قد صلوا كتب له أجر الجماعة )، وهذا يدل على أن الجماعة الأولى لها أجر ولها فضل، والفضل خمس وعشرون درجة أو سبع وعشرون درجة، والأجر هو أجر خاص يحصل عليه الإنسان في الجماعة الراتبة لهذا الحديث.
والمسألة الثانية: قال المؤلف رحمه الله: (قبل سلام إمامه الأولى)، ذهب عامة أهل العلم إلى أن الصلاة إنما تنتهي بالسلام، وحكى بعضهم الإجماع، والواقع أن أبا حنيفة يرى أن الإنسان إذا جلس للتشهد الأخير ثم أحدث ولو لم يكن سلم فقد أتم صلاته، واستدلوا بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص ولا يصح، وسوف يأتي إن شاء الله، لكن الراجح: أن الصلاة تنتهي بالتسليم، لما روى الإمام أحمد و الترمذي وغيرهما من حديث علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم ).
وذهب عامة العلماء أو مذهب الجمهور إلى أن الركن إنما هو السلام الأول، وأما السلام الثاني فإما أن يكون واجباً أو مستحباً أو ركناً، وقلنا سابقاً: السلام الأول ركن والثاني واجب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم داوم على ذلك، ولم ينقل عنه أنه سلم تسليماً واحداً، وأما رواية أنه سلم تسليماً واحداً، فإنها في صلاة الليل، ومع ذلك لم تصح لحديث عائشة في صحيح مسلم. وهذا الذي جعل المؤلف يقول: (قبل سلامه الأولى)؛ لأن الأولى هي الركن.
وذهب بعضهم إلى أن الركعة لا تدرك إلا بإدراك الفاتحة؛ لأنها ركن، والركن لا يسقط، والصحيح أن الفاتحة ليست ركناً في حق المأموم، ولكنها واجبة تسقط مع العجز وعدم الإدراك، وهذا القول الثاني هو مذهب ابن حزم وهو ظاهر صنيع البخاري : أنها لا تدرك إلا بإدراك الفاتحة، والغريب أن البخاري روى حديث أبي بكرة ولا يأخذ به، فلو جاء إنسان والإمام راكع فمذهب ابن حزم والبخاري أنه لم يدرك الركعة، بل كأنه أدرك الإمام وهو بعد الرفع من الركوع أو أدرك الإمام وهو ساجد، فلا تعد له ركعة.
ومذهب الأئمة الأربعة أنه يكون مدركاً، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة )، وهذا قد أدرك الركعة.
ثم قال المؤلف مستدلاً لما ذهب إليه بقوله صلى الله عليه وسلم: ( من أدرك الركوع فقد أدرك الركعة )، والمؤلف إنما اختار هذه الرواية وهي رواية أبي داود لأجل أن فيها: ( من أدرك الركوع )، والحديث يقول المؤلف: (رواه أبو داود )، والحديث رواه أبو داود و ابن خزيمة و الدارقطني بلفظ: ( إذا جئتم إلى المسجد ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئاً، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة )، والحديث صححه ابن خزيمة ، ولكن الحديث إلى الضعف أقرب، وقد ضعفه الإمام البخاري رحمه الله.
وأحسن شيء في مثل ذلك حديث أبي هريرة وحديث أبي قتادة : ( فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا )، وهو أن الإنسان يستحب له أن يصلي مع الإمام كيفما اتفق ولا ينتظره حتى يقوم كما يفعله العامة، بل يستحب له ولو رأى الإمام ساجداً أن يسجد معه لهذا الحديث، وأما حديث: ( إذا جئتم والإمام ساجد فاسجدوا ولا تعدوها شيئاً )، فهو حديث ضعيف.
فإن أدرك المأموم إمامه في هذه الحالة، بحيث ينتهي إلى قدر الإجزاء، يعني: ليست القضية الموافقة التامة، لكن لابد مع الموافقة أن يحصل فيها قدر الإجزاء، وهي مقدار ما يقول: (سبحان ربي العظيم) أما لو جاء والإمام يريد أن ينهض وأحس بحركته فركع فلا يكون مدركاً للركعة؛ لأنه وإن كان قد أدرك شيئاً من مقدار ما يسمى ركوعاً في حق الإمام، لكنه لم يدرك معه قدر الإجزاء وهو مقدار ما يقول: (سبحان ربي العظيم)، وهذا القول تقدم معنا، وهو قول جماهير أهل العلم.
وقد سمعت عن بعض الفضلاء أنه يقول: إنما يدرك المأموم إمامه في مثل هذا بمقدار أن يكبر الإمام للركوع، فلو أن إماماً استتم قائماً، ولم يقل: (سمع الله لمن حمد) فأدركه المأموم وهو راكع فيكون مدركاً للركعة، وهذا القول حقيقة غريب، وأما الاحتجاج لهذا القول بأن الناس يصعب عليهم أن يروا الإمام فليس بصحيح، بل نقول: يبني على غلبة الظن كسائر الأحكام، فإن كان الإمام من عادته أنه يقوم فيقول: (سمع الله لمن حمده) بحيث يعرف أن صوت الإمام لم يتغير في الميكروفون، يعني: يعرف أن الإمام إنما قال: (سمع الله لمن حمده) بعد أن استتم قائماً، فلا إدراك للركوع، وإذا رأى أن صوت الإمام يختلف إذا كان بعيداً ولم يره فإنه يبني على أن الأصل أنه يكون مدركاً للركوع، وإلا للزم من ذلك أن الإمام ربما ينسى قول: (سمع الله لمن حمده) فيكون المأموم أتى إلى القول أنه أدرك الركعة.
والخلاصة: أن المأموم حتى لو كان شرع في الهوي إلى الركوع والإمام شرع في الارتفاع، فأدرك المأموم مقدار ما يقول: (سبحان ربي العظيم)، فإنه يكون مدركاً للركعة، أما لو لم يلتقيا في قدر ما يجزئ الركوع لم يكن مدركاً، والله أعلم.
يعني: أنه لا يصح أن يكبر تكبيرة الإحرام وهو منحنٍ؛ لأن من شروط تكبيرة الإحرام القيام مع القدرة، فحينئذ لابد أن يكبر قائماً، فإن أراد أن يكبر التكبيرة الثانية للركوع فهو مستحب خلافاً لمن قال: لا يستحب، بل يستحب، والله أعلم، فيكون التكبير الثاني تكبيراً للركوع وتكبيراً للإحرام.
قال المؤلف رحمه الله: [ولو لم يطمئن، ثم يطمئن ويتابع].
يعني: لو لم يطمئن في مسألة القيام والركوع فإنه يطمئن بعد ذلك ويتابع.
يعني: لو أن مأموماً أراد أن يدرك الإمام وهو راكع، فإن الركن في حقه أن يكبر وهو قائم ثم يركع، فإن شاء كبر للركوع وإن شاء لم يكبر، والراجح أن السنة أن يكبر، وقد قال بعض الفقهاء: لا يكبر، بل بالغ بعضهم فقال: إن ذلك لا يشرع، وهذا خطأ، والسنة أن يكبر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم: ( كان يكبر في كل خفض ورفع )، رواه الإمام أحمد من حديث أبي هريرة .
فالآن عندنا ركن وواجب، فالركن تكبيرة الإحرام، والواجب تكبيرة الركوع، من المعلوم أنه لو نوى الأعلى فقد دخل الأصغر في الأعلى، لكنه إن نوى الأصغر ولم ينو الأعلى فلا يدخل الأعلى في الأصغر.
فإذا لم ينو مطلقاً فلا يدخل أحدهما في الآخر، ولو نواهما بنية الركوع لم يصح التكبير.
إذاً: إما ألا ينوي شيئاً، وإما أن ينوي الركوع، وإما أن ينويهما جميعاً عن الركوع، فهذا كله لا يصح، فإن نواه عن تكبيرة الإحرام أجزأ ذلك؛ لأن تكبيرة الإحرام حينئذ قد أتي بها فدخل الأصغر في الأكبر.
في هذه العبارة مسألتان:
المسألة الأولى: أن يدرك المأموم إمامه وهو في أثناء الصلاة لا في آخرها، فحينئذٍ المستحب للمأموم أن يدخل مع الإمام سواء كان قائماً أو ساجداً أو غير ذلك من حالات الصلاة، لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة ومن حديث أبي قتادة : ( فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا )، فأمرهم صلى الله عليه وسلم أن يدخلوا مع الإمام حيثما أدركوه، ولما رواه أبو داود و ابن خزيمة وصححه وإن كان في سنده ضعف: ( إذا جئتم ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئاً )، وهذا الحديث ضعفه الإمام البخاري .
أما على القول بأن الخروج من الخلاف مستحب فيدخل مع الإمام؛ لأن الجماعة الثانية فيها خلاف، وأما الجماعة الأولى فليس فيها خلاف، لكن الذي يظهر -والله أعلم- أن المأموم ينتظر إذا غلب على ظنه وجود جماعة، لأجل أن يدرك فضل الجماعة الثانية، وهو سبع وعشرون درجة، لكن لا يسوغ للجماعة الثانية أن يشرعوا في الإقامة أو في التكبير والإمام لم ينته بعد.
المأموم لا يخلو حين إدراكه للإمام من حالتين:
الحالة الأولى: أن يدركه وهو راكع، فالسنة في حق المأموم عند المؤلف أن يكبر تكبيرتين: الأولى للإحرام، والثانية للركوع، فإن كبر تكبيراً واحداً بنية الإحرام جاز، هذا في حال ما إذا أدركه وهو راكع.
الحالة الثانية: أن يدركه في غير الركوع، مثل أن يدركه في التشهد الأخير، أو في التشهد الأول، أو وهو ساجد، أو وهو رافع من السجود، لكن في غير الركوع، فإن المؤلف يقول: (يكبر تكبيراً واحداً بنية الإحرام، ثم ينحط معه من غير تكبير)، وعلى هذا فلا يشرع له أن يكبر تكبيراً ثانياً، وهذا هو المذهب، ويقولون: لأن هذا الإدراك لا يعتد به ركعة فلا يكبر.
والقول الثاني في المسألة وهو رواية عند الإمام أحمد : أنه يكبر حتى لو كان الإمام ساجداً، فيشرع للمأموم أن يكبر تكبيرتين، لدليلين:
الأول: قوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث أبي موسى أنه قال: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر، فإذا رفع فارفعوا، ولا ترفعوا حتى يرفع، فتلك بتلك )، الشاهد أنه قال: ( فإذا كبر فسجد فكبروا، ولا تسجدوا حتى يسجد، فتلك بتلك ).
والدليل الثاني: عموم الحديث الذي رواه الإمام أحمد من حديث أبي هريرة ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في كل خفض ورفع )، فهذا يدل على أن المأموم يكبر، وهو الذي يظهر، والله أعلم.
صورتها: لو أن مسبوقاً أدرك مع إمامه الركعة الأخيرة، والإمام في السجود الأخير سوف يرفع رأسه من السجود فيقول: الله أكبر، فتكبير الإمام مشروع للجلوس في التشهد الأخير، وهذا التكبير الذي سوف يكبره المسبوق الذي أدرك مع الإمام آخر ركعة، يشرع له أن يقوم ولا يجلس، فمن حيث الترتيب فالمأموم أدرك الركعة الرابعة مع الإمام، والإمام في آخر سجود سوف يقول: الله أكبر فيجلس للتشهد الأخير، والمسبوق أدرك معه هذا التكبير الأخير، فنقول: التكبير الأخير من قبل المسبوق هو للقيام على الأصل وليس للجلوس، مع أنه إنما جلس متابعة لإمامه.
فإذا سلم الإمام سوف يقوم المأموم، فقيامه هنا لا بد أن يكبر فيه، ولا فائدة من التكبيرة إلا لأجل الانتقال، فكأن المؤلف رحمه الله أراد أن يقول: لا تحتجوا علينا حينما نقول: يكبر، وإن كان لا يعتد بتلك الركعة، مثلما قلنا في حق المأموم الذي أدرك إمامه في غير الركوع أنه لا يكبر؛ لأنه لا يعتد به شيئاً، يعني كأنه يقول: هذا الاستدلال إنما هو في حال متابعة الإمام، وأما الثانية في متابعته غيره لصلاته، هذا قصده رحمه الله، والله أعلم.
والراجح: أن المأموم يكبر سواء مع إمامه أو غير إمامه في كل خفض ورفع.
يعني: لو أن مسبوقاً قام ليقضي ما فاته بعدما سلم الإمام التسليمة الأولى، فإنه من المعلوم أنه لا يشرع للمأموم أن يقوم حتى يكمل الإمام التسليمة الثانية؛ لأنها ركن عند الحنابلة، قالوا: فإن قام يجب عليه أن يرجع؛ لأن قيامه الأول يكون مسابقةً للإمام، فإن رجع ثم قام أدرك، وتكون صلاته صحيحة، وإن لم يرجع كان قد سبق الإمام وهو متعمد، ومن سبق الإمام وهو متعمد بطلت صلاته، وأما إن كان جاهلاً فإن صلاته صحيحة، وهذا هو الذي يظهر، والله أعلم.
وأما إن كان ناسياً فقام، فيجب عليه أن يرجع، سواء كان متعمداً أم ناسياً، فيجب عليه الرجوع إذا كان يعلم الحكم؛ لأنه يكون قد فارق إمامه وقد بقي على الإمام شيء من صلاته، والمذهب أن من فارق إمامه من غير حاجة بطلت صلاته، ومن سبق إمامه متعمداً بطلت صلاته.
لعلنا نقف عند هذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
الجواب: مذهب الحنابلة أن الصلاة لا تدرك إلا بالركعة كاملة، وهو القول الراجح، لكن ومع هذا القول فشيخنا عبد العزيز بن باز يرى أن الصلاة تدرك بالركعة، ومع ذلك يرى الدخول معه، و أبو العباس بن تيمية أيضاً يرى أنها تدرك، ويرى أنه إذا لم يكن هناك إشكال دخل، وإلا صلى وحده.
الجواب: لا، هم يقولون: إن المأموم الآن فارق إمامه، وهو واجب عليه أن يتابعه في التسليمة الثانية الواجبة، فإن فارقه قبل تسليم الإمام الثانية فكأنما سبقه في ترك واجب، فهم يقولون: صلاته لم تبطل فهو ما زال يصلي، لكنها ما تصلح أن تكون فرضاً، هكذا يقولون، بل تنقلب نفلاً وما تكون فرضاً، والقول ببطلانها قول قوي إذا قلنا: إنه لم يكن متابعاً لإمامه، لكن هم يقولون: هنا تبطل فرضاً؛ لأنه نواها مع الإمام، فإذا لم تصح المتابعة لم تصح فرضاً، ولا نقول ببطلان الصلاة؛ لأنه ما ترك الركوع ولا ترك السجود ولا نقض الحدث.
أما الناسي فإنه يجب عليه أن يرجع، لكن إذا كان جاهلاً ما يدري، ففرق بين الناسي والجاهل، الناسي نسي أن الإمام ما زال يصلي فيرجع.
وإذا أراد أن يسلم يسجد معه، لكن أحياناً يرون أنه يجب عليه أن يجلس، لأجل أن يكون قيامه بعد سلام الإمام، وإذا أكمل على النفل فإن الحنابلة يرون أنه يستحب إكمال النفل من غير قطعه، لأنهم يتصورون أنه يعلم الحكم وقام، ويعلم أنه إذا لم يرجع تبطل، فتنقطع المتابعة ويصير نفلاً.
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر