بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم اسقنا الغيث هنيئاً غدقاً سحاً جللاً، نافعاً غير ضار، اللهم إنه لا غنى لنا عن رحمتك وجودك وفضلك، إنك أهل الجود وأهل الكرم جل جلالك وتقدست أسماؤك، ولا إله غيرك، اللهم أنت الغني، ونحن الفقراء، اللهم أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، ولا تهلكنا اللهم بالسنين، ولا تهلكنا اللهم بالسنين يا رب العالمين، وبعد:
فقد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإسراع تجهيزه إن مات غير فجأة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله ) رواه أبو داود ، ولا بأس أن ينتظر به من يحضره من وليه أو غيره إن كان قريباً، ولم يخش عليه أو يشق على الحاضرين، فإن مات فجأة أو شك في موته انتظر به حتى يعلم موته بانخساف صدغيه، وميل أنفه، وانفصال كفيه واسترخاء رجليه، وإنفاذ وصيته لما فيه من تعجيل الأجر، ويجب الإسراع في قضاء دينه سواء كان لله تعالى أو لآدمي لما روى الشافعي و أحمد و الترمذي ، وحسنه عن أبي هريرة مرفوعاً: ( نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه ) ولا بأس بتقبيله والنظر إليه ولو بعد تكفينه ].
الإسراع في تجهيز الميت
انتظار حضور بعض أهل الميت جنازته
قال المؤلف رحمه الله: (ولا بأس أن ينتظر به من يحضره من وليه وغيره إن كان قريباً).
لا بأس أن ينتظر بالجنازة للصلاة عليه شريطة ألا يتأخر بذلك، ولم يذكر المؤلف دليلاً للجواز، ودليل الجواز ما ثبت في صحيح مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنه أنه توفي ابن له بعسفان، فطلب من أحدهم أن ينظر ما اجتمعوا له، فقال: انظر ما اجتمع له من الناس. قال: فخرج ثم دخل، قال: قد اجتمع له خلق، قال: تقول: هم أربعون؟ قال: نعم، قال: اخرجوا بالجنازة، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه )، ووجه الدلالة أن ابن عباس أبقاه حتى يجتمع له الخلق، ومن ذلك أيضاً أنهم توقفوا في جنازة النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، لكن لا ينبغي أن يتأخر بها إلى الغد، فإن ذلك ليس من السنة، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد دفن جليبيب الأنصاري في الليل، كما ثبت ذلك عند أبي داود ، مع أن الصلاة في النهار أكثر، إلا أنه لا ينبغي التأخر بالجنازة، ولا يعرف في ذلك أمر إلا محبة إسراع النبي صلى الله عليه وسلم بدفنه.
قال المؤلف رحمه الله: (ولم يخش عليه أو يشق على الحاضرين).
وهذا إذا لم يكن هناك ثلاجات تحفظ الأموات؛ لأن بقاءه حتى ينتن، وتظهر ريحه لا يجوز؛ لأن الواجب حفظ حرمة المؤمن؛ لأن حرمته ميتاً كحرمته حياً، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( كسر عظم المؤمن ميتاً ككسره حياً )، والحديث إسناده لا بأس به، وقيل: إنه من قول عائشة وهو أصح، وعلى هذا فإن إبقاء المؤمن حتى ينتن وتظهر ريحه ويكشف عواره ليس من السنة، بل هو محرم.
الشك في موت الميت
قال المؤلف رحمه الله: (فإن مات فجأة أو شك في موته انتظر به حتى يعلم موته).
وهذا لا بد منه، واليوم يعرف ذلك بالطرق الحديثة.
ثم قال المؤلف في طريقة معرفة موته: (بانخساف صدغيه)، والصدغ: هو ما بين العين إلى الأذن، هذا الذي يكون من الوجه، ولكنه يميل عن الوجه، فهذا إذا تم خسفه، فإنه دلالة على موته، وذلك لأن فيه عروقاً تصل إلى القلب، فهذا الانتفاخ الذي نراه أكثره من الأوعية الدموية، فإذا توقف الدم وتوقفت الدورة الدموية انخسف الصدغ والله المستعان.
قال المؤلف رحمه الله: (وميل أنفه، وانفصال كفيه، واسترخاء رجليه) كل ذلك من علامات الموت، اللهم الطف بنا وارحمنا إنك على كل شيء قدير.
المبادرة بإنفاذ وصية الميت
قال المؤلف رحمه الله: (وإنفاذ وصيته).
يعني: أنه يستحب إنفاذ الوصية ولو قبل الصلاة عليه، وهذا هو المذهب، وقيل: إن الوصية نوعان:
النوع الأول: وصية ثابتة في ذمته من حقوق العباد، فواجب أن تؤدى عنه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( هل ترك من دين، فإن أخبر وإلا من يصلي عليه )، فكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليه لخطورة بقاء حقوق العباد في ذمة الميت، وقد جاء في الحديث: ( نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه )، كما ذكر المؤلف، وهذا الحديث يرويه سعد بن إبراهيم عن عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة رضي الله عنه، والحديث ضعفه شعبة لضعف عمر ، وقال البخاري : ليس بالقوي، وقال الإمام أحمد : صالح ، وقال البخاري مرة: صدوق إلا أنه يخالف في حديثه، وهذا الحديث ما خولف فيه عمر ، وأما أبوه فثقة ثبت حجة، أبو سلمة بن عبد الرحمن ، ولكن الحديث مع أن إسناده ضعيف إلا أن معناه صحيح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم -بأبي هو وأمي- أخبر أن فلاناً مأسور بدينه، فهذا يدل على أن الإنسان يحبس أو يؤخر أجره، أو يؤخر تنعمه في قبره، ما دامت حقوق العباد في رقبته.
النوع الثاني: إنفاذ وصيته المستحبة، التي ليس فيها إبراء ذمته، فإن هذا من السنة، لكن تعجيل ذلك قبل الصلاة عليه لم يحفظ فيه حديث ثابت، والله أعلم، وعلى كل لا ينبغي التأخر عن غسله ودفنه بحجة أن عليه حقوقاً؛ وذلك لأن حراماً الأنصاري جد جابر بن عبد الله قد مات وعليه دين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ذلك، فلما مات جاء جابر إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو دعاه، فأخبره بحال أبيه، فدعا الديانة أن يضعوا عنه فأبوا، فتأثر جابر ، والحديث متفق عليه أو رواه مسلم في صحيحه، وله قصة طويلة، الشاهد من ذلك أنه لم يحبس حراماً الأنصاري بسبب الدين الذي عليه؛ لأنه لم يكن قد أبقى شيئاً من ماله.
وعلى كل فهذا يدلك على تساهل الناس اليوم، وعدم إبراء ذممهم، وربما أخذوا أموال الناس ولم يبالوا بذلك، وقد جاء في الحديث الذي رواه البخاري من حديث أبي هريرة : ( من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله )، والله المستعان.
الإسراع في قضاء دين الميت
تقبيل الميت والنظر إليه
قال المؤلف رحمه الله: [ فصل، غسل الميت المسلم وتكفينه فرض كفاية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الذي وقصته راحلته: (
اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ) متفق عليه عن
ابن عباس ، والصلاة عليه فرض كفاية؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (
صلوا على من قال: لا إله إلا الله ) رواه
الخلال و
الدارقطني ، وضعفه
ابن الجوزي ، ودفنه فرض كفاية؛ لقوله تعالى
ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ 
[عبس:21] قال
ابن عباس : معناه: أكرمه بدفنه، وحمله أيضاً فرض كفاية، واتباعه سنة ].
حكم تغسيل الميت وتكفينه
حمل الجنازة واتباعها
قال المؤلف رحمه الله: (وحمله أيضاً فرض كفاية واتباعه سنة).
لأن كل هذا من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وأما قول المؤلف: (وحمله أيضاً فرض كفاية)، المقصود بذلك نقله من المصلى، أو من مكان التغسيل إلى المصلى ثم إلى دفنه، وليس المقصود تطلب حمل، فإذا أمكن بأي طرق فهو جائز، لكنه يستحب حمله، يعني: يستحب للإنسان أن يحمله، وأصح شيء في الباب هو فعل ابن مسعود أو قوله، ولا يصح مرفوعاً كما سوف يأتي بيانه.
قال المؤلف رحمه الله: (واتباعه سنة).
يعني: متابعته إلى الصلاة عليه وإلى دفنه كل ذلك سنة، كما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة : ( من تبع جنازة مسلم حتى يصلى عليه فله قيراط، ومن تبعه حتى يدفن فله قيراطان )، وكان بعض الصحابة قد خفي عليهم هذا الحديث، كما نقل عن ابن عمر أنه أنكر على أبي هريرة ، وصدقت عائشة أبا هريرة فقال ابن عمر وقد رجع إلى الحق: لقد فرطنا في قراريط كثيرة!
أجرة الغاسل والحفار وعلة النهي عنها
قال المؤلف رحمه لله: [ وكره الإمام للغاسل والحفار أخذ أجرة على عمله إلا أن يكون محتاجاً، فيعطى من بيت المال، فإن تعذر أعطي بقدر عمله قاله في المبدع، والأفضل أن يختار لتغسيله ثقة عارفاً بأحكامه ].
قول المؤلف رحمه الله: (وكره الإمام).
يعني ذلك إمام المذهب: وهو أحمد بن حنبل رحمه الله كره للغاسل والحفار أخذ أجرة على عمله، الكراهة هنا محتملة لثلاثة أشياء:
الأول إما لأنها من باب عدم الإعانة في وقت الحاجة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته )، وهذا من أهمها يعني: في هذا الوقت، فإذا أخذ مقابلاً على ما هو من حق أخيه عليه، فهذا حكمه في المذهب الكراهة.
الثاني: وإما لأن منعها يعني: منع فعلها من باب قوله تعالى:
وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ
[الماعون:7]، يمنع ما لا ضرر ولا مشقة عليه، فهذا يدخل في باب قول الله تعالى:
وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ
[الماعون:7]، والماعون هو القدر، والماعون الذي يكون في البيت ولا يحتاجه، فيمنعه عن صاحبه.
الثالث: قيل من باب الكراهة؛ لأن هذه محقرات، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحجام: ( ثمن الحجام خبيث )، ومع ذلك فقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم الحجام أجره، فدل ذلك على أن قصد التكسب في هذه المهنة ليس بمحمود، لأنها تزدرى، والأولى ألا يتفرغ الإنسان لمثل ذلك إلا أن يكون محتاجاً فهو أفضل من سؤال المخلوق.
قال المؤلف رحمه الله: (فيعطى من بيت المال).
من المعلوم أن الأفعال التي تفعل للميت على نوعين:
النوع الأول: ما يتطلب له نية، كالصلاة عليه، فهذا لا يجوز أخذ الأجر عليه، فإن هذا من الأخذ على القرب البدنية أو إن شئت قلت: قد أجمع أهل العلم على أنه ألا يصلي أحد عن أحد، ولا ينوب أحد عن أحد في الصلاة، وهو قول ابن عمر و ابن عباس وقد صح عنهما، إلا أن يكون ذلك على سبيل التبع مثل ركعتي الطواف في حق الحاج عن الغير، أو المعتمر عن الغير، أو من باب النذر، إذا كان المقصود أن الصلاة دخلت تبعاً، مثل أن ينذر لله تعالى أن يمشي إلى قباء فيصلي فيه، فإنه قد صح عن ابن عمر أنه أمر بالوفاء عنه إذا مات، فهذا أصله المشي، أما أن يصلي أحد عن أحد ابتداءً فهذا لا يصح، ولا يجوز أخذ الأجر عليه.
النوع الثاني: ألا يتطلب له نية، كغسله، فيجوز لمسلم وغير مسلم، وحفر قبره فيجوز لمسلم وغير مسلم، فهذه يجوز أخذ الأجر عليها لكنه مكروه؛ لأن هذا مما يبذل، ومن باب الإعانة، فإذا أخذ فهذا نوع من المحقرات قد قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي مسعود البدري : ( مهر البغي خبيث، وكسب الحجام خبيث، وحلوان الكاهن خبيث ).
قال المؤلف رحمه الله: (فإن تعذر أعطي بقدر عمله، قاله في المبدع).
أما قوله: (أعطي بقدر عمله)، فلو زاد المسلم فهذا من باب الكرم، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري : ( رحم الله امرءاً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا اقتضى )، وعلى هذا فلا بأس بالزيادة خاصة أن الذين يفعلون مثل ذلك غالباً من الفقراء.
لعلنا نقف عند هذا، والله أعلم.
أقسام القرب التي يتقرب بها عن الغير
السؤال: ما هي العبادات التي يجوز أن يتقرب بها عن الغير؟
الجواب: هذه تنقسم إلى أقسام:
القسم الأول: إهداء ثواب الصدقة، فهذا أمر مجمع عليه، كما نقله عبد الله بن المبارك وغيره.
القسم الثاني: إهداء ثواب الدعاء، وهذا أيضاً ثابت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة وهذا أمر مجمع عليه لم يختلفوا عليه.
والقسم الثالث: الحج والاعتمار عن الغير، فهذا اختلف العلماء فيه، وأوسع المذاهب في هذا هم الحنفية والحنابلة، فإنهم يجوزون أن يحج أو يعتمر الشخص عن والديه وعن غيرهما سواء حجة الفرض أم النقل، وسواء كان قادراً أو لم يكن قادراً، يقولون: يجوز للإنسان أن يحج عن غيره، أو يعتمر عن غيره، إذا كان الغير قد حج حجة الإسلام سواء كان معذوراً أو لم يكن معذوراً، وهذا القول أقوى، ومنعها مالك إلا في حق الميت، في حج الفرض وعمرة الفرض، و الشافعي بين القولين، والصحيح هو مذهب الحنابلة، بل إني أقول: يستحب للإنسان أن يحج عن أبيه ويعتمر لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـأبي رزين : ( حج عن أبيك واعتمر ).
القسم الرابع: هي إهداء بعض الطاعات للميت كأن يطوف سبعاً يعني: سبعة أشواط وينويها للأب، أو يقرأ القرآن وينوي الأجر للأب، وهذه قد منعها بعض أهل العلم وقالوا: إن هذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة أنهم كانوا يهدون الثواب في مثل هذه الأشياء، مثل قراءة القرآن والطواف.
القسم الخامس: الصوم، أما الصوم فإن كان عليه نذر فصام وليه عنه فجوزه الحنابلة، وهو اختيار ابن تيمية في: قاعدة في العقود، ومنعه الأئمة الثلاثة، وإن كان عن واجب فمنعه الأئمة الأربعة، وجوزه أبو عمر بن عبد البر و ابن حزم وبعض أهل الحديث، وهو اختيار شيخنا ابن باز والله أعلم، وهو أقرب، وأما إن كان ليس عن واجب ولا عن نذر، ولكنه من باب التطوع عنه فهذا ليس بمشروع، لما جاء عند عبد الرزاق بسند صحيح عن ابن عباس أنه قال: لا يصم أحد عن أحد، وكذلك ثبت عن ابن عمر كما عند مالك : لا يصم أحد عن أحد.
القسم السادس: الصلاة، وقد أجمع أهل العلم على أنه لا يصلي أحد عن أحد كما ذكر ذلك أبو عمر بن عبد البر وهو قول ابن عباس و ابن عمر . هذه ستة أحوال وهي على هذه الدرجات، والله أعلم.
حكم الوضوء والاغتسال لمن غسل ميتاً أو حمله
السؤال: ما حكم الوضوء والاغتسال بعد تغسيل الميت وحمله؟
الجواب: من غسل ميتاً فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ، وحديث: ( من غسل ميتاً فليغتسل ) جاء من حديث أبي هريرة وهو ضعيف، وقد جاء عن ابن عمر أنه توضأ، وأما الاغتسال فلا يحفظ والله أعلم، والاغتسال قيل: إنه جائز لفعل السلف، ولكنه ليس بواجب، ولا مستحب، والله أعلم.
نختم بهذا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.