الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم اسقنا الغيث هنيئاً غدقاً سحاً جللاً، نافعاً غير ضار، اللهم إنه لا غنى لنا عن رحمتك وجودك وفضلك، إنك أهل الجود وأهل الكرم جل جلالك وتقدست أسماؤك، ولا إله غيرك، اللهم أنت الغني، ونحن الفقراء، اللهم أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، ولا تهلكنا اللهم بالسنين، ولا تهلكنا اللهم بالسنين يا رب العالمين، وبعد:
فقد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإسراع تجهيزه إن مات غير فجأة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله ) رواه أبو داود ، ولا بأس أن ينتظر به من يحضره من وليه أو غيره إن كان قريباً، ولم يخش عليه أو يشق على الحاضرين، فإن مات فجأة أو شك في موته انتظر به حتى يعلم موته بانخساف صدغيه، وميل أنفه، وانفصال كفيه واسترخاء رجليه، وإنفاذ وصيته لما فيه من تعجيل الأجر، ويجب الإسراع في قضاء دينه سواء كان لله تعالى أو لآدمي لما روى الشافعي و أحمد و الترمذي ، وحسنه عن أبي هريرة مرفوعاً: ( نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه ) ولا بأس بتقبيله والنظر إليه ولو بعد تكفينه ].
أي: أن من السنة الإسراع في تجهيز الميت لما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أسرعوا بالجنازة )، وفي قراءة: ( أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحةً فخير تقدمونها إليه، وإن تك غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم )، وجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بالإسراع في دفن الجنازة دل ذلك على أن من الأفضل أيضاً الإسراع في غسلها وتكفينها حتى تحمل يعني: تدفن، وهذا أمر ثابت.
وقد استدل المؤلف على ذلك بالحديث الذي رواه أبو داود وغيره: ( لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله )، وهذا الحديث له قصة؛ وذلك ( أن النبي صلى الله عليه وسلم زار
قال المؤلف رحمه الله: (إن مات غير فجأة).
يعني: ينبغي الإسراع في الجنازة إن مات غير فجأة؛ لأن الموت الفجأة يظن أنه مات ولما يمت بعد، والآن بعد وجود الطرق الحديثة التي يعلم موته فلا حاجة إلى تأخيره، ومع ذلك لا ينبغي التسرع في غسل الميت إلا بعد التيقن من موته، وكم هي القصص حتى في يومنا هذا أنه يوجد شخص يغسل، ويحضر به إلى المسجد ليصلى عليه فيتحرك، وأنا أعرف أحد الإخوة قيل: إنه مات، فذهبوا به إلى المغسلة فغسلوه وكفنوه، ثم أتوا به في الظهر للصلاة عليه، فلما كبر الإمام وإذا هو يتحرك، فالتفت إلى الجماعة، وقال: هذا ما زال حياً، فذهبوا به، وأتي به في العشاء بعد ثبوت موته، ففي المرة الأولى لم يكن قد مات.
وأعرف أيضاً شخصاً قدم للصلاة عليه، فتحرك فقام، وهو حي يرزق، فأسباب ذلك هو وجود السكتة التي أحياناً يتأخر الإنسان أو يقل تنفسه، أو تقل نبضات قلبه، فيتعجل أهله بوفاته، ولما يمت بعد، فلا ينبغي التعجل في ذلك، وإذا عرف ذلك بالطرق الحديثة فالحمد لله.
لا بأس أن ينتظر بالجنازة للصلاة عليه شريطة ألا يتأخر بذلك، ولم يذكر المؤلف دليلاً للجواز، ودليل الجواز ما ثبت في صحيح مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنه أنه توفي ابن له بعسفان، فطلب من أحدهم أن ينظر ما اجتمعوا له، فقال: انظر ما اجتمع له من الناس. قال: فخرج ثم دخل، قال: قد اجتمع له خلق، قال: تقول: هم أربعون؟ قال: نعم، قال: اخرجوا بالجنازة، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه )، ووجه الدلالة أن ابن عباس أبقاه حتى يجتمع له الخلق، ومن ذلك أيضاً أنهم توقفوا في جنازة النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، لكن لا ينبغي أن يتأخر بها إلى الغد، فإن ذلك ليس من السنة، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد دفن جليبيب الأنصاري في الليل، كما ثبت ذلك عند أبي داود ، مع أن الصلاة في النهار أكثر، إلا أنه لا ينبغي التأخر بالجنازة، ولا يعرف في ذلك أمر إلا محبة إسراع النبي صلى الله عليه وسلم بدفنه.
قال المؤلف رحمه الله: (ولم يخش عليه أو يشق على الحاضرين).
وهذا إذا لم يكن هناك ثلاجات تحفظ الأموات؛ لأن بقاءه حتى ينتن، وتظهر ريحه لا يجوز؛ لأن الواجب حفظ حرمة المؤمن؛ لأن حرمته ميتاً كحرمته حياً، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( كسر عظم المؤمن ميتاً ككسره حياً )، والحديث إسناده لا بأس به، وقيل: إنه من قول عائشة وهو أصح، وعلى هذا فإن إبقاء المؤمن حتى ينتن وتظهر ريحه ويكشف عواره ليس من السنة، بل هو محرم.
وهذا لا بد منه، واليوم يعرف ذلك بالطرق الحديثة.
ثم قال المؤلف في طريقة معرفة موته: (بانخساف صدغيه)، والصدغ: هو ما بين العين إلى الأذن، هذا الذي يكون من الوجه، ولكنه يميل عن الوجه، فهذا إذا تم خسفه، فإنه دلالة على موته، وذلك لأن فيه عروقاً تصل إلى القلب، فهذا الانتفاخ الذي نراه أكثره من الأوعية الدموية، فإذا توقف الدم وتوقفت الدورة الدموية انخسف الصدغ والله المستعان.
قال المؤلف رحمه الله: (وميل أنفه، وانفصال كفيه، واسترخاء رجليه) كل ذلك من علامات الموت، اللهم الطف بنا وارحمنا إنك على كل شيء قدير.
يعني: أنه يستحب إنفاذ الوصية ولو قبل الصلاة عليه، وهذا هو المذهب، وقيل: إن الوصية نوعان:
النوع الأول: وصية ثابتة في ذمته من حقوق العباد، فواجب أن تؤدى عنه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( هل ترك من دين، فإن أخبر وإلا من يصلي عليه )، فكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليه لخطورة بقاء حقوق العباد في ذمة الميت، وقد جاء في الحديث: ( نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه )، كما ذكر المؤلف، وهذا الحديث يرويه سعد بن إبراهيم عن عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة رضي الله عنه، والحديث ضعفه شعبة لضعف عمر ، وقال البخاري : ليس بالقوي، وقال الإمام أحمد : صالح ، وقال البخاري مرة: صدوق إلا أنه يخالف في حديثه، وهذا الحديث ما خولف فيه عمر ، وأما أبوه فثقة ثبت حجة، أبو سلمة بن عبد الرحمن ، ولكن الحديث مع أن إسناده ضعيف إلا أن معناه صحيح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم -بأبي هو وأمي- أخبر أن فلاناً مأسور بدينه، فهذا يدل على أن الإنسان يحبس أو يؤخر أجره، أو يؤخر تنعمه في قبره، ما دامت حقوق العباد في رقبته.
النوع الثاني: إنفاذ وصيته المستحبة، التي ليس فيها إبراء ذمته، فإن هذا من السنة، لكن تعجيل ذلك قبل الصلاة عليه لم يحفظ فيه حديث ثابت، والله أعلم، وعلى كل لا ينبغي التأخر عن غسله ودفنه بحجة أن عليه حقوقاً؛ وذلك لأن حراماً الأنصاري جد جابر بن عبد الله قد مات وعليه دين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ذلك، فلما مات جاء جابر إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو دعاه، فأخبره بحال أبيه، فدعا الديانة أن يضعوا عنه فأبوا، فتأثر جابر ، والحديث متفق عليه أو رواه مسلم في صحيحه، وله قصة طويلة، الشاهد من ذلك أنه لم يحبس حراماً الأنصاري بسبب الدين الذي عليه؛ لأنه لم يكن قد أبقى شيئاً من ماله.
وعلى كل فهذا يدلك على تساهل الناس اليوم، وعدم إبراء ذممهم، وربما أخذوا أموال الناس ولم يبالوا بذلك، وقد جاء في الحديث الذي رواه البخاري من حديث أبي هريرة : ( من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله )، والله المستعان.
الإنسان أحياناً قد يكون عليه زكاة، أو كفارة، أو جبران لترك واجب كما في الحج مثلاً، فيتأخر، فلا يجوز له أن يتأخر في ذلك إذا كان قادراً، وهذا من قضاء الدين، وذكر المؤلف الحديث فقال (لما رواه الشافعي و أحمد و الترمذي وحسنه عن أبي هريرة مرفوعاً: ( نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه ) )، وقلنا: إن الحديث يرويه سعد بن إبراهيم عن عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ، و عمر بن أبي سلمة تكلم فيه البخاري و شعبة ، وأحسن حاله أنه لا بأس به إلا أنه يخطئ، ويتفرد، فإذا تفرد بحديث لم يقبل، والله المستعان!
وأما حديث، ( أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته، اقضوا فالله أحق بالقضاء )، هذا من حيث القضاء، لكن ليس من باب الإسراع، الذي في الإسراع جاء في الصحيح من حديث أبي قتادة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما أراد أن يتقدم في الصلاة، وقال: هل ترك شيئاً؟ قالوا: لا، فتأخر النبي صلى الله عليه وسلم وقال: صلوا على صاحبكم )، قال أبو قتادة : الديناران عليه، هذا الثابت، أن النبي صلى الله عليه وسلم تأخر، وهذا يدل على خطورة هذا الأمر، وجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ترك الصلاة على المدين كان ذلك دلالة على خطورة الأمر، وأنه ينبغي أن يقضى عن الميت لتبرأ ذمته.
هذا من حيث الإسراع، أما من حيث الغفران، فاختلف العلماء في هذه المسألة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم ثبت أنه قال في الصحيحين: ( يغفر للشهيد كل شيء إلا الدين )، فذهب بعض أهل العلم إلى أن جزاء الشهيد إنما يترتب إذا لم يكن عليه دين، فإن كان عليه دين فإن خيره يحبس حتى يقضى عنه، وقال بعض أهل العلم: إن هذا الحديث منسوخ، ونسخه حديث أبي هريرة كما عند البخاري : ( من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله )، فإن كان عنده مال فإنه يتأخر أجره حتى يقضى عنه، وإن لم يكن عنده مال فإن الراجح أن الله سبحانه وتعالى يرضي دائنه يوم القيامة، أو يسهل قضاء دينه فيثاب، وهذا القول أقرب والله أعلم، وأما حديث: ( يغفر للشهيد كل شيء إلا الدين )، فإنه منسوخ، إذا مات ولم يبق شيئاً.
يعني: لا بأس بتقبيل الميت، وأصح شيء في الباب هو ( أن
قال المؤلف رحمه الله: (والنظر إليه ولو بعد تكفينه).
يعني: لا بأس بالنظر إليه، وتقبيله، أما النظر إلى الميت إن كان فيه أثر المعصية أو أثر التغير فلا ينبغي؛ لأن هذا من الستر على المسلم، وأما إذا كان غريباً ولم تتغير جثته فلا بأس، كما صنع أبو بكر ، وأما حديث عثمان بن مظعون ، فقد رواه الترمذي و البيهقي وفي إسناده ضعف.
وقول المؤلف رحمه الله: (فرض كفاية)؛ لأن المقصود حصول الفعل، وليس المقصود أن يفعل كل أحد بحيث يدفن ثم يخرج ثم يدفن، ليس هذا هو المقصود، ولكن المقصود حصول الفعل في حق المفعول به، يعني: الميت، ودليل الغسل والتكفين قوله صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي وقصته ناقته: ( اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً )، ولما جاء في الصحيحين من حديث أم عطية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في بنته التي ماتت: ( اغسلنها ثلاثاً أو خمساً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك، واجعلن في الخامسة كافوراً أو شيئاً من كافور )، وقال: ( خذن هذه فأشعرنها إياه )، وهذا يدل على التكفين، وهو كما قلت: فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين.
والصلاة عليه أيضاً فرض كفاية، والمؤلف ذكر حديث الدارقطني الذي هو موضوع؛ وذلك لأن عثمان بن عبد الرحمن بن عطاء يرويه عن ابن عمر ، وله طرق عن نافع عن ابن عمر كلها واهية، ( صلوا على من قال: لا إله إلا الله ) فكلها واهية، ولهذا ذكر الحديث ابن الجوزي في الموضوعات، وقد ذكر ابن عدي في كتاب الكامل بعض طرق هذا الحديث وأشار إلى أن كل الذين رووا مثل هذا كلهم من الضعاف شديدي الضعف كـعثمان بن عبد الرحمن بن عطاء ، و عثمان بن عبد الله العثماني الذي يرويه عن مالك عن نافع عن ابن عمر ، فكلهم ضعفاء متهمون بالكذب، وأحسن شيء في باب الصلاة عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( صلوا على صاحبكم )؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر في الرجل الذي قتل نفسه بالصلاة عليه لحق المسلم على الأحياء، ولم يصل صلى الله عليه وسلم هو؛ لأنه يرى أن ذلك عقوبة له، وهذا يدل على أن أصل الصلاة عليه من فروض الكفايات، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصلاة عليه ولم يصل عليه هو، فدل ذلك على أن المقصود حصول الفعل والله أعلم، فإذا جاء الأمر بالصلاة عليه، وجاء الأمر بغسله، فدفنه فرض كفاية. وذكر المؤلف دليل ذلك فقال: (لقوله تعالى: ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ [عبس:21]، قال ابن عباس معناه: أكرمه بدفنه)، وقد نقل ابن حزم إجماع أهل العلم على أن مواراة المسلم فرض، وقد كان أهل أحد كثيرين فلم يكن صلى الله عليه وسلم يجد مكاناً فكان يدفن الرجلين في قبر واحد.
لأن كل هذا من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وأما قول المؤلف: (وحمله أيضاً فرض كفاية)، المقصود بذلك نقله من المصلى، أو من مكان التغسيل إلى المصلى ثم إلى دفنه، وليس المقصود تطلب حمل، فإذا أمكن بأي طرق فهو جائز، لكنه يستحب حمله، يعني: يستحب للإنسان أن يحمله، وأصح شيء في الباب هو فعل ابن مسعود أو قوله، ولا يصح مرفوعاً كما سوف يأتي بيانه.
قال المؤلف رحمه الله: (واتباعه سنة).
يعني: متابعته إلى الصلاة عليه وإلى دفنه كل ذلك سنة، كما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة : ( من تبع جنازة مسلم حتى يصلى عليه فله قيراط، ومن تبعه حتى يدفن فله قيراطان )، وكان بعض الصحابة قد خفي عليهم هذا الحديث، كما نقل عن ابن عمر أنه أنكر على أبي هريرة ، وصدقت عائشة أبا هريرة فقال ابن عمر وقد رجع إلى الحق: لقد فرطنا في قراريط كثيرة!
قول المؤلف رحمه الله: (وكره الإمام).
يعني ذلك إمام المذهب: وهو أحمد بن حنبل رحمه الله كره للغاسل والحفار أخذ أجرة على عمله، الكراهة هنا محتملة لثلاثة أشياء:
الأول إما لأنها من باب عدم الإعانة في وقت الحاجة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته )، وهذا من أهمها يعني: في هذا الوقت، فإذا أخذ مقابلاً على ما هو من حق أخيه عليه، فهذا حكمه في المذهب الكراهة.
الثاني: وإما لأن منعها يعني: منع فعلها من باب قوله تعالى: وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون:7]، يمنع ما لا ضرر ولا مشقة عليه، فهذا يدخل في باب قول الله تعالى: وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون:7]، والماعون هو القدر، والماعون الذي يكون في البيت ولا يحتاجه، فيمنعه عن صاحبه.
الثالث: قيل من باب الكراهة؛ لأن هذه محقرات، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحجام: ( ثمن الحجام خبيث )، ومع ذلك فقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم الحجام أجره، فدل ذلك على أن قصد التكسب في هذه المهنة ليس بمحمود، لأنها تزدرى، والأولى ألا يتفرغ الإنسان لمثل ذلك إلا أن يكون محتاجاً فهو أفضل من سؤال المخلوق.
قال المؤلف رحمه الله: (فيعطى من بيت المال).
من المعلوم أن الأفعال التي تفعل للميت على نوعين:
النوع الأول: ما يتطلب له نية، كالصلاة عليه، فهذا لا يجوز أخذ الأجر عليه، فإن هذا من الأخذ على القرب البدنية أو إن شئت قلت: قد أجمع أهل العلم على أنه ألا يصلي أحد عن أحد، ولا ينوب أحد عن أحد في الصلاة، وهو قول ابن عمر و ابن عباس وقد صح عنهما، إلا أن يكون ذلك على سبيل التبع مثل ركعتي الطواف في حق الحاج عن الغير، أو المعتمر عن الغير، أو من باب النذر، إذا كان المقصود أن الصلاة دخلت تبعاً، مثل أن ينذر لله تعالى أن يمشي إلى قباء فيصلي فيه، فإنه قد صح عن ابن عمر أنه أمر بالوفاء عنه إذا مات، فهذا أصله المشي، أما أن يصلي أحد عن أحد ابتداءً فهذا لا يصح، ولا يجوز أخذ الأجر عليه.
النوع الثاني: ألا يتطلب له نية، كغسله، فيجوز لمسلم وغير مسلم، وحفر قبره فيجوز لمسلم وغير مسلم، فهذه يجوز أخذ الأجر عليها لكنه مكروه؛ لأن هذا مما يبذل، ومن باب الإعانة، فإذا أخذ فهذا نوع من المحقرات قد قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي مسعود البدري : ( مهر البغي خبيث، وكسب الحجام خبيث، وحلوان الكاهن خبيث ).
قال المؤلف رحمه الله: (فإن تعذر أعطي بقدر عمله، قاله في المبدع).
أما قوله: (أعطي بقدر عمله)، فلو زاد المسلم فهذا من باب الكرم، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري : ( رحم الله امرءاً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا اقتضى )، وعلى هذا فلا بأس بالزيادة خاصة أن الذين يفعلون مثل ذلك غالباً من الفقراء.
لعلنا نقف عند هذا، والله أعلم.
الجواب: هذه تنقسم إلى أقسام:
القسم الأول: إهداء ثواب الصدقة، فهذا أمر مجمع عليه، كما نقله عبد الله بن المبارك وغيره.
القسم الثاني: إهداء ثواب الدعاء، وهذا أيضاً ثابت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة وهذا أمر مجمع عليه لم يختلفوا عليه.
والقسم الثالث: الحج والاعتمار عن الغير، فهذا اختلف العلماء فيه، وأوسع المذاهب في هذا هم الحنفية والحنابلة، فإنهم يجوزون أن يحج أو يعتمر الشخص عن والديه وعن غيرهما سواء حجة الفرض أم النقل، وسواء كان قادراً أو لم يكن قادراً، يقولون: يجوز للإنسان أن يحج عن غيره، أو يعتمر عن غيره، إذا كان الغير قد حج حجة الإسلام سواء كان معذوراً أو لم يكن معذوراً، وهذا القول أقوى، ومنعها مالك إلا في حق الميت، في حج الفرض وعمرة الفرض، و الشافعي بين القولين، والصحيح هو مذهب الحنابلة، بل إني أقول: يستحب للإنسان أن يحج عن أبيه ويعتمر لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـأبي رزين : ( حج عن أبيك واعتمر ).
القسم الرابع: هي إهداء بعض الطاعات للميت كأن يطوف سبعاً يعني: سبعة أشواط وينويها للأب، أو يقرأ القرآن وينوي الأجر للأب، وهذه قد منعها بعض أهل العلم وقالوا: إن هذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة أنهم كانوا يهدون الثواب في مثل هذه الأشياء، مثل قراءة القرآن والطواف.
القسم الخامس: الصوم، أما الصوم فإن كان عليه نذر فصام وليه عنه فجوزه الحنابلة، وهو اختيار ابن تيمية في: قاعدة في العقود، ومنعه الأئمة الثلاثة، وإن كان عن واجب فمنعه الأئمة الأربعة، وجوزه أبو عمر بن عبد البر و ابن حزم وبعض أهل الحديث، وهو اختيار شيخنا ابن باز والله أعلم، وهو أقرب، وأما إن كان ليس عن واجب ولا عن نذر، ولكنه من باب التطوع عنه فهذا ليس بمشروع، لما جاء عند عبد الرزاق بسند صحيح عن ابن عباس أنه قال: لا يصم أحد عن أحد، وكذلك ثبت عن ابن عمر كما عند مالك : لا يصم أحد عن أحد.
القسم السادس: الصلاة، وقد أجمع أهل العلم على أنه لا يصلي أحد عن أحد كما ذكر ذلك أبو عمر بن عبد البر وهو قول ابن عباس و ابن عمر . هذه ستة أحوال وهي على هذه الدرجات، والله أعلم.
الجواب: من غسل ميتاً فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ، وحديث: ( من غسل ميتاً فليغتسل ) جاء من حديث أبي هريرة وهو ضعيف، وقد جاء عن ابن عمر أنه توضأ، وأما الاغتسال فلا يحفظ والله أعلم، والاغتسال قيل: إنه جائز لفعل السلف، ولكنه ليس بواجب، ولا مستحب، والله أعلم.
نختم بهذا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر