الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم، وبعد:
فقد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ولا يصلى عليهم لكونهم أحياء عند ربهم. وإن سقط عن دابته أو شاهق بغير فعل العدو، أو وجد ميتاً ولا أثر به، أو مات حتف أنفه، أو برفسة، أو عاد سهمه عليه، أو حمل فأكل، أو شرب، أو نام، أو بال، أو تكلم أو عطس، أو طال بقاؤه عرفاً غسل وصلي عليه كغيره. ويغسل الباغي، ويصلى عليه. ويقتل قاطع الطريق، ويغسل، ويصلى عليه، ثم يصلب. والسقط إذا بلغ أربعة أشهر غسل وصلي عليه، وإن لم يستهل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( والسقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة ) رواه أحمد و أبو داود ].
من المعلوم أن الحياة الدنيا ليست مثل الحياة البرزخية، وليست مثل الحياة الآخرة، والشرع يطلق مسمى الحياة على الحياة الآخرة التي بعد الحياة الدنيا، والراجح أن الحياة أربع:
الأولى: الحياة الدنيا وهي الحياة المعروفة.
والثانية: الحياة قبل الولادة، وهذه تسمى حياة وهي أهليته للوجوب، وليست أهلية أداء، بمعنى أنه يعطى شيئاً من الحقوق، فيستحب أن يخرج عنه كفارة الفطر التي يسمونها صدقة الفطر، ويحبس من مال مورثه حتى يستهل صارخاً، وإذا ضربت بطن أمه فإن على من ضربها غرة عبد أو وليدة، وغير ذلك من أحكام، وهي حياة البطن.
الثالثة: الحياة البرزخية، وهي التي تكون بعد الوفاة وقبل أن يبعث الله الأرض ومن عليها، وإن كانت هذه تسمى أيضاً آخرة، لكن العلماء رحمهم الله يقولون هذا من باب التجوز، وإلا فإن الآخرة تختلف، واستدلوا على الفرق بقوله تعالى: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46]، فدل ذلك على أن ثمة عذابين.
الرابعة: الحياة الآخرة، تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:83]. والحياة البرزخية إنما التنعم فيها يكون للروح، ولها تعلق بالبدن، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث ابن مسعود : ( أرواحهم -يعني: الشهداء- في جوف طير خضرٍ معلقة تسرح في الجنة كيف شاءت )، فهذا يدل على أن التنعم للروح؛ لأنه جاء في الحديث: (ما هذه الروح الطيبة التي جاءت من قبل الأرض صلى الله عليك، وعلى جسد كنت تعمرينه)، كما ثبت ذلك عند أهل السنن بسند جيد من حديث البراء المعروف، فهذا يدل على أن التنعم في الحياة البرزخية على الروح.
وقولنا: ولها تعلق بالبدن؛ لأن البدن أحياناً يعذب في الحياة البرزخية -يعني: في القبر- كما ثبت ذلك في صحيح مسلم : ( وإنها لتختلف عليه أضلاعه )، وهذا يدل على أن الجسد أحياناً يعذب، وأما في الحياة الدنيا فإن العذاب على البدن وله تعلق بالروح، ولهذا إذا أصيب الإنسان بمس فإن الذي يتألم هو البدن، وأما الروح فلها تعلق على حسب وجود الماس وهو الجني من عدمه.
أما الحياة الرابعة: وهي حياة الآخرة، فالتنعم إنما هو للروح والبدن، ولهذا جاء عند الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: ( ثم ينزل الله من السماء ماءً كماء الرجال، فينبتون )، وهذا يدل على أنهم سوف يدخلون الجنة بأجسادهم، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم، وهذا هو الذي جعل المؤلف يقول: (لكونهم أحياء عند ربهم)، والحياة المقصودة حياة التنعم، وإلا فإن الحياة ما زالت موجودة في حياة البرزخ؛ لأن الكافر يقول: ( رب لا تقم الساعة، رب لا تقم الساعة، والمؤمن يقول: رب أقم الساعة، رب أقم الساعة )، والعذاب قائم عليهم، النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا [غافر:46]، والله تعالى أعلى وأعلم.
الحنابلة وهو مذهب أبي حنيفة و مالك يرون أن الإنسان إذا وجد في المعركة ميتاً ولا أثر به أنه ليس بشهيد، والذي يظهر -والله أعلم- أنه إن مات في المعركة فهو شهيد؛ لأن الأصل أنه قتل في المعركة؛ لأنه ربما يكون قد وطئه فرس العدو أو سيارة العدو أو غير ذلك، أو اختنق، والآن يوجد الغازات التي تقتل، فهذا يعد شهيداً؛ لأنه كما قال صلى الله عليه وسلم: ( الله أعلم بمن يقتل في سبيله )، كمن قتل بين صفين الله أعلم بنيته، فهذا في النية، أما في العمل فهذا يدل على أنه من الشهداء، هذا الذي يظهر والله أعلم.
جمهور أهل العلم يرون أن من عاد سهمه عليه لا يعد شهيداً، وذهب الشافعي إلى أنه يعد شهيداً، وهو رواية عند الإمام أحمد ، وهذا هو الأظهر، وذلك كما في غزوة ذات قرد التي رواها مسلم في صحيحه من حديث جابر ، وهو من أطول الأحاديث؛ وذلك لأن عامر بن الأكوع حارب وبارز أحد الأعداء فالتف على سيفه حتى ضربه بأكحله فمات، فقال جابر : ( فجعل الناس يتحدثون أن
يعني: أن جريح المعركة إن حمل من المعركة إلى خارجها فأكل وشرب أو نام أو طال بقاؤه فإنه لا يعدونه شهيداً، وهذا هو مذهب الحنابلة والحنفية.
وفصَّل الإمام مالك رحمه الله فقال: إن كانت الجراحة موحية بوفاته وقد أنفذت مقاتله فإنه يعد شهيداً، وإلا فلا.
و الشافعي رحمه الله يقول: إن وجد به شيء من الجراحات والمعركة ما زالت قائمة فإنه يعد شهيداً ولو أكل أو شرب.
والذي يظهر -والله أعلم- أن أكله وشربه ليس دلالة على عدم الشهادة، واليوم اختلف الوضع، الآن أكله وشربه معه في دبابته، أو في ثغره، وإخوانه يداوونه بسبب طلقة نار، وهو ما زال في الثغور، فالذي يظهر والله أعلم أنه كما قال الإمام مالك : إن كانت الجراحة موحية وقد أثخنت فيه، وأنفذت مقاتله، فإنه يعد شهيداً، أكل أو لم يأكل، هذا الذي يظهر والله أعلم.
وأما الدليل على ذلك أنه إن لم تنفذ مقاتله هو قصة سعد بن معاذ في غزوة الخندق حينما حكم على بني قريظة، وقد أصيب بأكحله، فضرب له النبي صلى الله عليه وسلم خيمة ليعوده من قريب، وهذه الضربة ليست موحية بالقتل، يعني: ليست قوية، هذا الذي يظهر والله أعلم، ولهذا صلى النبي صلى الله عليه وسلم عليه وغسله.
وعلى هذا فالذي يظهر أن أظهر الأقوال هو قول مالك ، فلو ضرب من قلبه حتى خرقت جسده، فهذا الغالب أنه لا يحيا، فقد نفذت بموقع لا يحيا بدونه، ولهذا يكون شهيداً بإذن الله سواء أكل أم لم يأكل.
البغاة هم الذين خرجوا على من اجتمعت كلمة المسلمين عليه، فيعد باغياً، فهذا مسلم؛ لأنه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فيغسل ويصلى عليه، ولا يعد شهيداً، ولو كان متأولاً، هذا هو قول عامة أهل العلم، وذهب أبو حنيفة إلى أنه يعد شهيداً، والذي يظهر والله أعلم أن الذين قتلهم الصحابة لأجل ذلك لم يعدونهم شهداء، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
أما قاطع الطريق فإنه يصلب كما هو معلوم، لكن صلبه يكون بعد غسله والصلاة عليه، وذلك أن إمام المسلمين إذا أراد أن يصلبه يأمر من يصلي عليه، ولو لم يكن ذلك عند أهله، فيصلى عليه ويغسل، ثم يصلب، ولا ينبغي للإمام أو لمن كان من أهل الشأن أن يصلي على مثل هؤلاء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن قتل نفسه: ( صلوا على صاحبكم )، فلا ينبغي للإمام أن يصلي على البغاة كما سوف يأتي إن شاء الله.
وإذا كانت الأحاديث الواردة فيها ضعف فإننا نبقى على الأصل، وهو أنه إذا بلغ أربعة أشهر، فإنه يكون إنساناً، والأصل أن الإنسان يصلى عليه ويغسل، وإن كان حديث المغيرة وهو (والسقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة)، قيل: إن الصواب أنه من قول المغيرة ، وهذا يدل على أنه قول صحابي ولا يعرف له مخالف.
السقط الذي لم ينفخ فيه الروح ليس فيه خلاف عندهم، اتفقوا عليه، الخلاف إذا نفخ فيه الروح ولم يستهل صارخاً هذا الذي أقصده، وإلا كما قلنا: لا يسمى سقطاً في باب الجنائز إلا من له أربعة أشهر، وأما قبل ذلك فلا، وإن سمي سقطاً، لكنه لا يأخذ أحكام السقط؛ لأن المقصود بأحكام السقط هو أن يصلى عليه ويسمى ويعق عنه، وهو ما له أربعة أشهر كما قلت، وتستحب تسميته؛ ويعق عنه؛ لأنه إنسان.
قال المؤلف رحمه الله: (فإن جهل أذكر أم أنثى)، وهذا يحصل إذا كان غير مخلق، كما قال تعالى: مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ [الحج:5]، فإذا كان غير مخلق سمي باسم يصلح لهما كنور وسعادة، وهبة الله، وغصن، وغير ذلك من الأسماء التي تصلح للذكر والأنثى، أو أمل، أو وسام، ونحو ذلك مما يصلح لهذا وذاك.
قول المؤلف رحمه الله: (ومن تعذر غسله لعدم الماء أو غيره) الميت أحياناً يتعذر غسله، إما لعدم وجود الماء، كما لو مات في السفر ولا ماء، فقد اختلف أهل العلم هل ييمم، أم يدفن كما هو؟ على قولين:
القول الأول: هو مذهب الحنابلة، وهو مذهب الشافعية في أحد قوليهم، أنه ييمم، لما جاء في حديث أبي ذر و أبي هريرة : ( الصعيد الطيب طهور المؤمن وإن لم يجد الماء، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته، فإن ذلك خير ).
والأحاديث الواردة في هذا فيها كلام كما مر معنا في البلوغ، وأحسن شيء في الباب حديث أبي هريرة ، وأما حديث أبي ذر ففي سنده عمرو بن بجدان وهو ضعيف، وأما حديث أبي هريرة فإسناده قابل للتحسين، كما ذكر ذلك ابن القطان الفاسي وغيره.
والقول الثاني: إذا لم يوجد الماء فإنه يكفن ويدفن، ويصلى عليه، قالوا: لأن الغسل إنما قصد به التنظيف، والتيمم يزيده شعثاً، وقالوا: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك إذا رأيتن ذلك )، وهذا هو التنظف، والذي يظهر والله أعلم أن غسل الميت إنما نظر فيه إلى أمرين: التنظف، وقصد الاغتسال، فيعامل معاملة الحي، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها ) فلو يمم لا حرج، خاصة أن التيمم مثل هذا لا يزيده شعثاً كما يقولون، وهذا الظاهر والله أعلم.
وقد يتعذر غسل الميت بالماء، كما لو كان محروقاً بحيث لو عرض عليه الماء لتقطع بسبب أن جلده قد ترهل، أو من أصيب بالجذام، وهو المرض المعروف، بحيث يتقطع جسده، أو وجد مقطعاً لا تعرف يده من رجله، وهذا موجود.
وقد رأيت طريقة دفن البوذيين لذويهم، فإنهم يقطعونهم مثل تقطيع البهيمة، ثم ينثرونها إلى النسور، فمن أكلته النسر فقد رفعت روحه، وكل ذلك من الجهل! والعجيب أن ذويه يجتمعون ينظرون، لا يخرجون حتى يرون النسور قد أكلته، فيفرحون، فإذا كنا نحن نقول: والحمد لله إن شاء الله إنه مات ميتة طيبة وهو يبتسم وقد رفع السبابة، هم يرجعون ويقولون: أكله النسر، وتتنافس على أكله! نسأل الله حسن الختام والعقل.
إذا ثبت هذا فإن مثل هؤلاء إذا اشتد عليهم مثل ذلك فالذي يظهر والله أعلم أننا نقول فيه مثلما قلنا في مسألة الجبيرة، وهو إن كان يضره الماء فإن الصحيح أنه يمسح مسحاً بقطنة؛ لأن المسح بالماء أولى من التيمم، فإن شق المسح فإنه يتيمم، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
قال المؤلف رحمه الله: (وإن تعذر غسل بعضه ما أمكن ويمم للباقي)، وهذا بناءً على مذهب الشافعية والحنابلة القائلين بجواز أن يجمع بين الماء والتيمم في حق الحي، فكذلك الميت.
يعني: أن الغاسل إما أن يرى الميت في حالة حسنة، وإما أن يراه في حالة سيئة، فإن رآه في حالة سيئة فينبغي له ألا يظهر ما رآه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء )، وفي رواية: ( فإنهم أفضوا إلى ما قدموا )، والحديث أصله في البخاري ، وأما إذا كان حسناً فلا بأس، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما لك يا
فإذا ثبت هذا وهو أن الإنسان لا ينبغي له أن يظهر الشيء السيء للميت فإن الراجح أنه لا فرق بين أن يكون الميت فاسقاً أو ليس بفاسق، من أهل البدع أو ليس من أهل البدع؛ لأن له حق أخوة الإسلام، أما الكافر فلا كرامة.
أما أن يتحدث المرء بما رآه من الخاتمة السيئة من باب العظة من دون ذكر أسماء، فلا حرج في ذلك إن شاء الله؛ لأن ذلك من باب الذكرى، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به ماذا رأى من أهل النار لأجل أن يتعظ الناس، والله أعلم.
هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة أنهم يرجون للمحسن الجنة، وأما المسيء فيخافون عليه العقوبة، لكن لا يشهدون لأحد بالجنة إلا من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم، أو أجمع عليه المسلمون، وأما من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة فهذا يدخل فيه كل من قال عنه صلى الله عليه وسلم: فلان من أهل الجنة كما قال في العشرة المبشرين بالجنة، وقولنا: ما أجمع عليه المسلمون هم أبو بكر و عمر و عثمان و علي فهؤلاء مما أجمع عليه المسلمون، وذكر أبو العباس بن تيمية رحمه الله أن من شهد له الناس بالخيرية مثل الأئمة الأربعة وغيرهم، فلا بأس بأن يقال: إنه من أهل الجنة، بل قال رحمه الله: فإذا كثر الشهود على أن فلاناً من أهل الجنة فلا بأس بالشهادة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( أنتم شهداء الله في أرضه )، وشهداء الله في الأرض أن يجمع الناس عليهم صغيرهم وكبيرهم، عربهم وعجمهم، ذكرهم وأنثاهم، صالحهم وطالحهم، لكن الآن الوضع يختلف، وإن كنا نجمع بإذن الله أن من مات على الإسلام فإن مآله إلى الجنة، هذا ما فيه إشكال عندنا، فلو قلنا: إن فلاناً من أهل الجنة ونعرف عنه أنه مات على التوحيد، وشهد أن لا إله إلا الله، فإنه في الجنة في الآخرة، هذا لا إشكال فيه، لكن أن تقول: هو في الجنة الآن دون أن يعذب فهذا هو الإشكال.
إذا كثرت الرؤى أن فلاناً من أهل الجنة أو رأيناه في صورة حسنة قال: فهذا من باب توارد الشهادات، ولا شك أن هذه خاتمة حسنة يعني: توارد الرؤى، إلا أن إطلاق أنه من أهل الجنة محل نظر، وإذا كان لا يقال: فلان شهيد كما قال البخاري رحمه الله: باب لا يقال: فلان شهيد، وهو شهيد المعركة، فإن غيره من باب أولى؛ لأن الناس أحياناً يبالغون في مثل ذلك، فلربما أوقعوه في منزلة ليس هو أهلاً لها، أو أنزلوه في منزلة هو أهل أن يكون في منزلة أعلى منها، ولهذا قطع الباب أولى، ولا يشهد لأحد بجنة ولا نار إلا من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم أو أجمع عليه المسلمون، وأما إن كنا نشهد له بالخيرية فلا حرج، نقول: إن شاء الله أنه يلقى رباً غفوراً، فلان فيه خير، كما جاء في صحيح البخاري من حديث عمر : ( أيما مسلم شهد له أربعة بالخير كان له الجنة، قالوا: وثلاثة؟ قال: وثلاثة، قالوا: واثنان؟ قال: واثنان، قالوا: ولم نسأله عن الواحد )، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( من أثنيتم له خيراً وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شراً وجبت له النار )، وهذا إنما يجمع الناس على أمرين: على ثناء النبي صلى الله عليه وسلم لمثل هذا القرن، وهم قرن الصحابة، وأن يجمع المسلمون عليه أيضاً والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
قال المؤلف رحمه الله: [ ولا نشهد إلا لمن شهد له النبي ].
هذا هو الصحيح، ولا حرج إذا أجمع المسلمون على الثناء عليه مثل الأئمة الأربعة، أما سائر الناس، فإن هذا مما يشكل، فأحياناً بعض أهل البدع بالغ الناس في الثناء عليهم، مثل ابن عربي المعروف، فقد كفره بعض السلف، وبعض أتباعه، بل من الفضلاء كـابن السبكي حيث بالغ في الثناء عليه، فمثل ذلك مما يقطع دابر النزاع بين المسلمين، فلا نشهد لأحدٍ بجنة ولا نار.
سوء الظن محرم مطلقاً، وأما من كان ظاهره في الحياة مناكفة الدعوة وأهل الحق فهذا لو أسيء به الظن فلا حرج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد تكلم في فلان وفلان، فقال: ( والله ما أظن أن فلاناً وفلاناً يعرفان من ديننا شيئاً )، وهذا يدل على أنه كان يتكلم عليهم صلى الله عليه وسلم، فإذا كان الإنسان ليس من أهل العدالة وربما ناكف أهل الحق والدين فهذا لو أسيء به الظن لا حرج، وأما من كان ظاهر العدالة ولا يعرف عنه شيء فيحرم؛ لأن الأصل أن للمسلم حرمة.
قال المؤلف رحمه الله: [ ويستحب ظن الخير بالمسلم ].
هذا هو الأصل أن الإنسان يحسن الظن بأخيه المسلم؛ لأن إحسان الظن دلالة على صدق الطوية، وحسن النية بالمسلمين، كما قال الله تعالى: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَ [الحشر:9]، ثم قال: وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا [الحشر:10]، وهذا هو الأصل أنه يسأل ربه ألا يكون له غل.
ونقف عند هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
الجواب: لا مانع من لعن الكافر، الراجح جواز ذلك، لا فرق بين موته أو حياته.
أما تعزية أهل الكافر فعلى حسب المصلحة، لكن ينبغي أن يكون ذلك لأجل الدين، ليس لأجل مصالح شخصية.
ويقول: جبر الله مصيبتكم وخلفكم خيراً منه كذا، وذكر ابن تيمية أنه لا بأس تهنئة الكفار في نجاحات دنياهم، وبعضهم فهم عن ابن تيمية عندما قال: التهنئة للكفار، أن المقصود بذلك التهنئة بأعيادهم، لا لا بعيد، كلام ابن تيمية بعيد عن ذلك. والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر