الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:
فقد ذكرنا الحديث الأول في الدعاء للميت والحديث الثاني هو ( اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وقه عذاب القبر وفتنة القبر، قال
الحديث الثالث: جاء عند أهل السنن بسند لا بأس به أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اللهم إن عبدك فلان ابن فلان في ذمتك وحبل جوارك )، وكل دعاء دعاه الإنسان فلا حرج، فالأصل في الصلاة على الميت هو الدعاء له، ولهذا فسوف نذكر إن شاء الله أن الراجح في واجبات الصلاة على الميت بعد التكبير هو الدعاء للميت، فلو دعا في التكبيرة الأولى والثانية والثالثة ثم كبر الرابعة وسلم صحت صلاته، وأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقراءة الفاتحة الراجح -والله أعلم- أنهما سنة وليستا بواجب، وأن الواجب هو التكبير والدعاء، كما سوف يأتي بيانه؛ لحديثين: أما التكبير فلفعله صلى الله عليه وسلم، فإنه كبر بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام، وكم عدد التكبير؟ سوف نذكر الخلاف في هذا إن شاء الله هل هو أربع كما هو مذهب جمهور الأئمة، أم هو ثلاث كما ذهب إليه ابن عباس وهي رواية عند الإمام أحمد .
الأمر الثاني وهو الدعاء لحديث أبي هريرة : ( إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء )، فهذا أمر بالدعاء له والله أعلم، وأنتم ترون أن صاحب الشرح يقول: زاد الموفق : وأنت على كل شيء قدير، الأفضل أن الإنسان يقتصر على السنة، وإذا كان الميت وحداً ذكراً جاز أن يدعو له بلفظ المفرد كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع، فيقول: اللهم إن عبدك فلان بن فلان في ذمتك وحبل جوارك، وإن كان الميت أنثى قال: اللهم إن أمتك فلانة بنت فلان، وإذا كانوا عدداً كثيراً، قال: اللهم إنهم في ذمتك وحبل جوارك، وقد أشار المؤلف رحمه الله إلى هذا والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: [ وأبدله داراً خيراً من داره ]، وهذا معروف، فدار الدنيا ليست مثل دار الآخرة لمن دخل الجنة، فكأنه يريد أن يقول له: أدخله الجنة، ودعا له أيضاً أن يبدله أهلاً خيراً من أهله، وكيف نجمع بين هذا الحديث، ( أبدله أهلاً خيراً من أهله )، وبين ما جاء في بعض الروايات من حديث أم سلمة أن المرأة من أهل الجنة تكون أجمل من الحور العين ولا يصح في الباب حديث إلا أنه توافرت نقولات الأئمة في هذا الأمر، فالرجل الذي تكون زوجته من أهل الجنة، وهو من أهل الجنة فإن زوجته سوف تكون من أجمل نساء أهل الجنة مع ما أعطاه الله من الحور العين، وقد قال ابن تيمية في حديث: ( لكل رجل زوجتان من أهل الجنة )، أي: لكل أحد من أهل الجنة زوجتان من غير نسائه، وغير ما يعطيه الله من الحور العين، فالجواب على هذا أن الخيرية لا يلزم أن يكون فيها اختلاف، فكأنه يقول: إن زوجته التي في الدنيا اجعلها أفضل في الآخرة، وكذلك أن يبدله نساء خيراً في الجمال والخلق وغير ذلك.
ومن المعلوم أن الزوجة إذا كانت من أهل الجنة فسوف تكون أفضل من حيث الجمال، وأفضل من حيث الخلق.
قول المؤلف رحمه الله: (ولا بأس) جائز، لكن السنة هو ألا يشير، وأن يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى، أو يضع يده اليمنى على كفه اليسرى، هذا هو السنة لحديث وائل بن حجر رضي الله عنه أنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان قائماً في صلاته وضع يده اليمنى على كفه اليسرى والرسغ والساعد )، وجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كان محله القيام فإنه يضع يده اليمنى على كفه اليسرى، ولا يشير، فإن الإشارة حركة، ولم يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تحرك في صلاته إلا ما جاء فيه دليل بأمره، كقوله: ( اقتلوا الأسودين في الصلاة )، والحديث رواه أبو داود من حديث أبي هريرة ، وفيه ضمضم بن جوس عن أبي هريرة وإسناده لا بأس به.
وأما حديث عائشة رضي الله عنها في حركة النبي صلى الله عليه وسلم في فتحه الباب: ( كنت آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي قبل الباب، فإذا طرقت الباب تقدم ففتح ثم رجع )، فهذا الحديث أنكره الحفاظ، فقد أنكره الإمام أحمد و النسائي و أبو حاتم وغيرهم، فالحديث ضعيف، والمحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه في صلاته لا يتحرك بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام، نعم يشير بعينه كما جاء في حديث سهل الساعدي ( حينما صلى قبل الشعب، فجعل يبصر بعينيه إلى الشعب )، فهذا ثابت، أما أن يحرك يده فلا، ولهذا نقول: السنة عدم التحريك، والله أعلم.
قول المؤلف رحمه الله: (وإن كان الميت صغيراً ذكراً أو أنثى، أو بلغ مجنوناً واستمر)، يعني: أنه بلغ مجنوناً واستمر مجنوناً حتى مات، فإنه يدعى له، ويدعى له بعد الدعاء الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به للميت وبما يعود عليه وعلى أهله بالخير، واعلم أنه لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم سنة في صفة دعائه للميت إذا كان صغيراً، بإسناد صحيح، وإنما الذي ورد هو حديث المغيرة بن شعبة الذي رواه الإمام أحمد و الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وهو: ( والسقط يصلى عليه، والطفل يصلى عليه، ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة )، وهذا الحديث تكلم فيه الحفاظ، فأكثر الحفاظ على أنه موقوف على المغيرة بن شعبة ، وهذا هو الأقرب؛ لأن الحديث في صفة المشي أمام الجنازة، وإذا كان راكباً يمشي خلفها، وعلى هذا فلا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في دعائه للميت إذا كان صغيراً، ولهذا فلو دعا بقوله: اللهم اجعله فرطاً لوالديه، -ومعنى الفرط السابق لوالديه- اللهم ثقل به موازينهما، وارفع به درجاتهما؛ واجعله شفيعاً لهما عندك، وبخير الدنيا والآخرة جاز ذلك، والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ولا يستغفر له؛ لأنه شافع غير مشفوع فيه، ولا جرى عليه قلم، وإذا لم يعرف به إسلام والديه دعا لمواليه ].
قول المؤلف رحمه الله: (ولا يستغفر له؛ لأنه شافع غير مشفوع) لأن الصغير لم يفعل الذنب أصلاً حتى يقال: اللهم اغفر له، ولهذا أجمع أهل السنة والجماعة على أن الصبي إذا كان والداه مسلمين فإنه يدخل الجنة.
وقد جاء في الروايات أن الطفل يكون من الولدان المخلدون، ويكون طيراً، ومعنى طير -والله أعلم- يعني: أرواحهم، وأما قول المرأة الأنصارية: هنيئاً له عصفور من أهل الجنة، أو طير من أهل الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أو غير ذلك؟)، فإن هذا قبل أن يبين صلى الله عليه وسلم حكمه، وإلا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنهم من أهل الجنة، وهذا الأمر صار إجماعاً من أهل العلم والله أعلم، أما أطفال المشركين، فالله أعلم بما كانوا عاملين، هذا الذي يظهر والله أعلم.
قول المؤلف: (وإذا لم يعرف إسلام والديه دعا لمواليه)، يعني: موالي الصغير أو المجنون، إذا كان له موالي، والذي يظهر والله أعلم أنه إذا لم يعلم بوالديه فإنه ينظر إلى القرائن، فإن كان في بلد إسلام فإنه يدعى لوالديه؛ لأن الشفاعة هنا لوالديه القريبين أو لوالديه البعيدين؛ لأنه يقول: اللهم اغفر لوالديه، فهذا يكون لوالديه القريبين أو أجداده؛ لأنه من الآباء قال تعالى: وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ [يوسف:38]، فجعل الجد بمثابة الأب، والله أعلم.
قول المؤلف رحمه الله: (ويقف عند الرابعة) يعني: عند التكبيرة الرابعة يسكت سكتة يتراد بها نفسه، وقوله: (ولا يدعو، ولا يتشهد) هذا هو السنة أن الرابعة يسكت فيها ولا يدعو، وأما ما جاء عند الإمام أحمد من حديث عبد الله بن أبي أوفى أنه دعا في الرابعة، فإنه حديث ضعيف، فإن في سنده رجلاً يقال له إبراهيم الهجري ، وحديثه ضعيف، ولهذا فإنه لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تشهد البتة، ولا سبح البتة، وإنما جاء أنه دعا بعد الرابعة.
قال المؤلف رحمه الله: (ويسلم)، وإذا كبر الإمام أكثر من أربع فإن السنة أن يدعو بينهما إلا التكبير الذي يعقبه سلام، فإنه لا يدعو فيه، ولم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كبر أكثر من خمس، وأما الأربع فهو المعروف الدائم، وأما الخمس فقد ثبت في الصحيح من حديث زيد بن أرقم قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على جنائزنا أربعاً، ثم إنه أتي بجنازة فكبر عليها خمساً ).
إذاً التكبير خمساً فعله مرة، وأما أحاديث السبع والتسع فقد صححها الشيخ الألباني و ابن حبان وغيرهما لكنها ضعيفة، ولا تصح، وذلك لأن الأحاديث التي بين الرواة أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر سبعاً أو تسعاً على حمزة كلها منكرة؛ لأن المحفوظ في شهداء أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليهم، كما جاء في الصحيحين من حديث جابر : ( أتي النبي صلى الله عليه وسلم بشهداء أحد فأمر بجلودهم أن تنزع، ثم دفنهم بثيابهم، ولم يصل عليهم، ولم يغسلهم غسلاً )، فهذا هو المحفوظ أن الشهيد لا يغسل ولا يصلى عليه، فأحاديث حمزة أنه كبر عليه تسعاً منكرة، والله أعلم، وإنما المحفوظ عن علي رضي الله عنه كما رواه البخاري أنه أتي بجنازة سهل بن حنيف فكبر عليه ستاً، وقال: إنه ممن شهد بدراً، وسوف نأتي إن شاء الله إلى هذه المسألة، لكن لنبين أنه إن كبر ستاً كما فعل علي ، فإنه يدعو في الثالثة والرابعة والخامسة ثم يسكت في السادسة، وأما المأموم فإن كان لم يعلم بالتكبير فإنه إذا رأى الإمام كبر وهو قد سكت فإن شعر أن الإمام أطال دعا؛ لأنه ليس في الصلاة سكوت مطلق، إلا سكوت يسير يتراد إليه نفسه، فهذا جائز، والله أعلم.
والذي يظهر -والله أعلم- أن المحفوظ بالتسليمة الواحدة إنما هو عن الصحابة، فقد صح عن أبي هريرة ، وصح عن ابن عمر ، وقد قال ابن مسعود : إنكم تخالفون في التسليم، ففهم أصحاب القول الثاني أن المخالفة هي أن الناس يسلمون واحدة، والسنة تسليمتان، وفهم أصحاب القول الأول أن الناس يسلمون تسليمتين كما يسلمون في الصلاة، والسنة تسليمة واحدة.
والقول الثاني في المسألة: هو مذهب الحنفية والشافعية أن السنة أن يسلم تسليمتين لفعل ابن مسعود وقوله: إنكم تخالفون، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالف في التسليم، يعني: يخالف فعلكم في التسليم، ففهم أصحاب هذا القول أن الناس يسلمون تسليمة واحدة، وأن الرسول كان يسلم تسليمتين، والمحفوظ والله أعلم إنما هو من قول الصحابة، وحديث أبي هريرة إسناده قابل للتحسين، والله أعلم.
وأما الحديث الذي رواه البيهقي وهو قول ابن مسعود : ( ثلاث خلال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلهن تركهن الناس إحداهن التسليم في الجنازة مثل التسليم في الصلاة )، الذي يظهر -والله أعلم- أن المراد في هذا الحديث ليس هو أن يسلم تسليمتين وإنما المراد أن يرفع صوته بالتسليم، هذا هو الأقرب، والله أعلم.
ثم إن المالكية يرون أن السنة للإمام والمنفرد في السلام أن يسلم تسليمة واحدة، ولا يشرع له تسليمتان، وأن المشروع في حق المأموم أن يسلم ثلاث تسليمات ومن ذهب إلى بلاد المغرب الإسلامي سيجد أن الأئمة يسلمون تسليمة واحدة فقط، واستدلوا بما رواه الإمام أحمد : ثم سلم تسليمة واحدة، وقد قال فيه الحافظ ابن حجر وإسناده على شرط مسلم والأقرب أنها منكرة؛ لأن مسلماً رواها في صلاة الليل، وهو قول عائشة : ( ثم سلم تسليماً يسمعنا ) فهذا هو السنة، فقول ابن مسعود : ( ثلاث خلال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلها وتركها الناس: التسليم ) يعني: رفع الصوت بالتسليم، والله أعلم.
وذلك لحديث عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها حتى ترفع أو توضع )، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وفي الباب أحاديث في هذا، ولهذا فالسنة أن الإنسان إذا رأى الجنازة فإنه يقوم لها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم جنازة فقام لها، فقالوا: يا رسول الله! إنها يهودية، فقال: إن الموت فزع )، وفي رواية: ( إنما قمت للملائكة )، والأحاديث في صحيح مسلم .
أجمع أهل العلم على أن الإنسان في صلاة الجنائز يرفع يديه في التكبيرة الأولى، نقل الإجماع ابن المنذر وغيره، وهذا هو مذهب الأئمة الأربعة، أما التكبيرة الثانية والثالثة والرابعة فذهب جماهير أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة أنه يرفع يديه، وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يرفع يديه، وهو قول لبعض المالكية، والمسألة لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها شيء، ونحن نقول: لما جاز أن يرفع في الأولى فإنه لا فرق أن يرفع في الثانية؛ لأننا نقول فيه: إن كل تكبيرة ركن، وسواء قلنا: إن التكبيرات ثلاث أو أربع، فلا فرق بين الأولى والثانية والثالثة، هذا الراجح والله أعلم.
وقد ثبت عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة، وروي مرفوعاً ولا يصح فإن في سنده عمر بن شبة أخطأ في هذا والله أعلم، فقد رواه عن ابن عمر مرفوعاً ولا يصح، والصواب وقفه على ابن عمر أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة، وقد روى ابن أبي شيبة عن زيد بن ثابت أنه قال: ( من السنة أن ترفع يديك في كل تكبيرة )، ولكن أصح شيء في الباب إنما هو من قول ابن عمر ، وأما حديث أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة فرفع يديه ثم لم يعد )، فحديث ضعيف، وأصح شيء في عدم الرفع إنما هو من قول ابن مسعود، والله أعلم.
قول المؤلف رحمه الله: (وواجباتها)، لما ذكر المؤلف صفة الصلاة على الميت شرع في بيان الواجب والمستحب فيها، فقال: (وواجبها أي: الواجب في صلاة الجنازة قيام في فرضها)، يعني: أن يقوم لها، فلا يجوز أن يصلي جالساً؛ لقوله تعالى: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، ولم يقل المؤلف أركان؛ لأن الصلاة على الميت فرض كفاية، والأولى أن يقول المؤلف وأركانها؛ لأن الراجح والله أعلم أن من صلى صلاة الجنازة يثاب إثابة الفرض كما قال أبو العباس بن تيمية رحمه الله.
الثاني: ولأن التكبير للإحرام في حق النافلة ركن، والفاتحة ركن مع أنها نافلة، فكوننا نقول: ركن، مع أنها فرض كفاية من باب أولى.
وأما التكبير أكثر من أربع فلم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك إلا مرة كبر خمساً كما في حديث زيد بن أرقم ، وقال بعضهم: يكبر سبعاً وتسعاً، والذي يظهر والله أعلم أنه لا يكبر أكثر من أربع، هذا السنة, وقد روى أبو عمر بن عبد البر في التمهيد بإسناده و عبد الرزاق و ابن أبي شيبة أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في عهد عمر فجمعهم عمر فاتفقوا على ألا يكبروا أكثر من أربع، يقول أبو عمر بن عبد البر : فهذا اتفاق منهم على أنه لا يزاد على أربع، وهذه من أمثلة. الإجماع على أمر وقع قبله خلاف، وهل يصح الإجماع على قول في مسألة وقد اختلف من قبلهم فيها على قولان، فبعضهم يقول: هذا إجماع، مع العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر خمساً، فكيف يكون هذا إجماعاً؟ ولهذا عمر إنما صنع ذلك من باب السياسة الشرعية، ولكن لو كبر خمساً لا حرج، ولو كبر ستاً كما فعل علي لا حرج، لكن السنة ألا يزاد على أربع لمداومة النبي صلى الله عليه وسلم عليه، فإن كان ولا بد فتكبيرة واحدة كما في حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال: ( كان
الحنابلة يرون أن الفاتحة واجبة في حق المصلي على الميت؛ لحديث عبادة بن الصامت : ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) والراجح والله أعلم أن قراءة الفاتحة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سنة، خلافاً للحنابلة والشافعية، وقد ذهب أبو حنيفة و مالك إلى أنهما سنة، وهو اختيار أبي العباس بن تيمية لقول ابن عباس : لتعلموا أنها سنة، كما عند البخاري ، ولا يصح الاستدلال بحديث: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) فيعم أي صلاة؛ لأن المقصود بهذا الحديث إنما هي الصلاة المفروضة أو المسنونة، ذات الركوع والسجود، وأما صلاة الجنازة فهي غير داخلة في هذا والله أعلم، فأن يجعل معنى صلاة يشمل صلاة الجنائز فلا والله أعلم، وهذا هو مذهب أبي حنيفة و مالك ، ومما يدل على ذلك أن الذين ذكروا صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنازة إنما هما صحابيان من صغار الصحابة أبو أمامة و ابن عباس .
ثانياً: أن الصلاة الإبراهيمية في الفريضة الراجح عدم وجوبها كما هو مذهب الحنفية والمالكية وأحد القولين عن الشافعية ورواية عند الإمام أحمد ، فإذا لم تجب في صلاة الفريضة، فعدم وجوبها في صلاة الجنائز من باب أولى، والله أعلم، وإنما الذي جاء من فعله، والفعل لا يدل على الوجوب كما هو معلوم.
إذاً: فالراجح في اختلاف العلماء في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الجنازة هو مذهب أبي حنيفة و مالك وأحد القولين عن الشافعي ورواية عند الإمام أحمد أنها سنة، ولم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بذلك.
فإن قال قائل: فما تقول في حديث: ( إن الله أمرنا أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك؟ ) قلنا: هذا الحديث ليس فيه ما يدل على أنه في الصلاة، هذا أولاً.
ثانياً: رواية ابن خزيمة ( فكيف نصلي عليك في صلاتنا؟ ) أيضاً لا يفيد أنها في الصلاة وإنما المقصود كيف نصلي عليك في دعائنا.
ثالثاً: الرواية فيها مقال.
رابعاً: أن قوله: (فكيف نصلي عليك في صلاتنا؟) المراد به السؤال عن كيفية الصلاة عليه، لا مكان الصلاة، إذ إنه يمكن أن نصلي عليه ونحن قيام، ويمكن أن نصلي عليه ونحن سجود، ويمكن نصلي عليه ونحن بين السجدتين، فلهذا إنما كان السؤال عن كيفية الصلاة عليه.
خامساً: أن القائلين بركنية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة يستدلون لذلك بهذا الحديث، يقولون: لو قال: اللهم صل على محمد كفى، فقلنا: إنكم لم تأخذوا بهذا الحديث؛ لأنه قال لهم: ( قولوا: اللهم صل على محمد وآل محمد )، فإما أن يقولوا بوجوب الصلاة الإبراهيمية ولا قائل به، وإما أن يقال: بأن هذا الحديث إنما هو عن بيان الكيفية، والله أعلم.
أما الدعوة للميت فإنها واجبة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة :( إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء )، وإسناده جيد، وأصل الصلاة على الميت هو الدعاء له.
وأما قوله: (والسلام)، فهذا أيضاً واجب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم )، وهذا في كل صلاة لها تكبير وتسليم، والحديث صحيح رواه الإمام أحمد و الترمذي من حديث علي رضي الله عنه.
والمالكية يقولون في صلاة الجنازة، يستحب للإمام والمنفرد أن يسلم تسليمة واحدة، ولا يشرع له أن يسلم تسليمة ثانية، وأما المأموم فالمستحب له ثلاث تسليمات تسليمة تلقاء وجهه ليسلم بها على الإمام، وتسليمة عن يمينه، وتسليمة عن شماله.
أما الحنفية فلا يرون وجوب التسليمة أصلاً، ويقولون: إنه إذا جلس للتشهد في الصلاة فقد أكمل الصلاة.
نقف هنا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر