يستحب الإسراع بالجنازة عند حملها ولكن دون الخبب، واختلف أهل العلم في موضع المشي مع الجنازة على أقوال، وكره أهل العلم الجلوس حتى توضع، واستحب بعضهم القيام لها إذا مرت.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:
فقد قال المؤلف رحمه الله: [ وكره تغطيته بغير أبيض ].
وكره تغطيته بغير الأبيض؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما عند أهل السنن و أحمد من حديث ابن عباس : ( البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم )، فإذا كفن في غير الأبيض فقد خالف المأمور، والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: [ ولا بأس بحمله على دابة لغرض صحيح كبعد قبره ].
إذا حملت الجنازة على دابة فلا حرج إن شاء الله، خاصة إذا كان ذلك لحاجة مثل أن يكون بين مكان الصلاة والمقبرة مسافة، ولكن الأفضل هو حملها، والله أعلم.
أما القيام للجنازة فإن السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (
إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها )، في رواية: (
إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها حتى تخلفكم أو توضع من قبل أن تخلفكم )، وقد اختلف العلماء في حكم القيام إذا رئيت الجنازة، فذهب بعض أهل العلم وهم الجمهور إلى أن ذلك منسوخ، وأن ذلك جائز، بل قال الحنابلة: وكره قيام لها إن جاءت، واستدلوا بما رواه الإمام
أحمد من حديث
علي رضي الله عنه أنه قال: (
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بالقيام في الجنازة، ثم جلس بعد ذلك وأمرنا بالجلوس )، وهذا الحديث عند الإمام
أحمد والذي يظهر، والله أعلم، أن فيه نكارة، والصحيح رواية
مسلم : (
أن النبي صلى الله عليه وسلم قام للجنازة ثم جلس )، هذا هو الصحيح، وعلى هذا فإن القول الثاني في المسألة: إن القيام للجنازة سنة، وأن الترك إنما هو لترك الواجب، فكان ذلك واجباً، ثم نسخ الوجوب إلى الاستحباب، ولو صح حديث
علي : (
ثم أمرنا بالجلوس )، لدل ذلك على أن نسخ الأمر إلى الاستحباب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل ذلك، فقال: (
إن الموت فزع )، وفي رواية: (
إنما قمت للملائكة ) والله أعلم، فدل ذلك على أن القيام للجنازة إذا رئيت سنة، وهذا هو اختيار
أبي العباس ابن تيمية رحمه الله، وهو رواية عند الإمام
أحمد .
فأما إذا كانت الجنازة موضوعة، فالذي يظهر والله أعلم أن القيام لها محل نظر، فإن الملاحظ عند الناس إذا فتح باب الجنائز، ورأوا الجنازة قاموا، هذا موجود عند كثيرين، فمن رأى منكم الجوامع الكبار بمجرد أن يأتي الشخص الذي هو موكل بالجنائز وبمجرد أن يفتح الباب ورئيت الجنازة قاموا لها، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها حتى تخلفكم أو توضع من قبل أن تخلفكم )، فمسألة رؤية الجنازة إنما إذا كانت تمشي، وأما القيام فإن كان إنما قام لأجل الاستحضار والاستعداد للصلاة فلا حرج، فإن كان من أجل ورودها فالبقاء جالساً هو الأصل، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم؛ لأن الأمر إنما هو إذا كانت تمشي، ولهذا قال: ( إنما قمت للملائكة )؛ لأن الملائكة كانت قياماً، والله أعلم.
وأما قيام الرسول صلى الله عليه وسلم لجنازة اليهودي فقد قال: ( إنما قمت للملائكة لم أقم لليهودي )، فدل ذلك على أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما قام مرة للجنازة ومرة قام لأن الموت فزع، ومرة قام لأجل الملائكة، فدل ذلك على أن ثمة أموراً:
أولاً: يكره الجلوس لمن تبعها حتى توضع؛ لحديث أبي سعيد .
ثانياً: يكره أن يبقى الإنسان جالساً إذا مرت جنازة، فالأفضل القيام خلافاً للحنابلة الذين قالوا: يكره قيام لها إن جاءت أو مرت به وهو جالس، والصحيح أن ذلك مستحب، وعليه فإذا كانت الجنازة على الأرض فإن القيام لها يحتاج إلى دليل، ولا دليل، بل إن ظاهر المذهب الكراهة، والصحيح أن ذلك يحتاج إلى دليل، وما يفعله الناس اليوم حيث يقومون لمجرد أن ينظروا إلى الجنازة فإن الحديث ليس على ظاهره بهذا: ( إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها حتى تخلفكم أو توضع من قبل أن تخلفكم )، يعني: حتى إذا رأيتم الجنازة وهي محمولة، أما إذا كان على الأرض فلا يقام لها، والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: [ ورفع الصوت معها ولو بقراءة ].
يعني: يكره رفع الصوت، وقد روى قيس بن عباد أنه قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون رفع الصوت عند الجنائز، وذكره أبو العباس بن تيمية في كتابه الفذ: اقتضاء الصراط المستقيم على أن خفض الصوت هو الذي كان سائداً في هدي الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وقد قال عمرو بن العاص كما عند مسلم : فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار، وهذا يدل على أنه يكره التجمير يعني: البخور للجنازة كما يفعل اليوم بجنائز النصارى وطقوسهم، وكذلك رفع الصوت بالنياحة ونحو ذلك.
لعلنا نقف عند هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.