إسلام ويب

الروض المربع - كتاب البيع [14]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تنقسم شروط البيع إلى قسمين: شروط صحيحة، وشروط فاسدة، كما أن الشروط في البيع تختلف عن شروط البيع، فمن الشروط الصحيحة في البيع ما يكون لمصلحة العقد، أو من مقتضاه.

    1.   

    الشروط الصحيحة في البيع

    النوع الأول: ما يقتضيه عقد البيع

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبسًا علينا فنضل، وبعد:

    فقد ذكرنا سابقاً أن الشروط في البيع تنقسم إلى قسمين: شروط صحيحة وشروط فاسدة، وقلنا: إن الشروط في البيع تختلف عن شروط البيع، وذكرنا فروقاً بينهما.

    وتحدثنا عن القسم الأول، وهي الشروط الصحيحة، وقلنا: إن الشروط الصحيحة ثلاثة أنواع: شرط يسميه العلماء شرطاً من مقتضى العقد، وهو أن وجوده كعدمه؛ لأن العقد يقتضيه مثل أن يقول المشتري: أن أستلم المثمن، ويقول البائع: أن أستلم الثمن، فإن هذا من مقتضيات البيع، ومثل أن يقول البائع للمشتري: إذا مكنتك من السلعة فإن ضمانها عليك، فإن هذا من مقتضى البيع، فإذا مكن البائع المشتري من تسليم السلعة وتمادى المشتري، أو قال وقد تمكن منها تمكناً تاماً: أبقها عندك، فإن ضمانها حينئذٍ يكون على المشتري، فإذا قال البائع هذا، فإن هذا الشرط من مقتضى العقد، ومعنى مقتضى العقد أن وجوده كعدمه.

    ولـأبي العباس بن تيمية كلام في الفرق بين مقتضى العقد ومقصود العقد، وإن كان أبو العباس بن تيمية يرى أن القول بأن مقصود العقد أحسن من أن أقول: مقتضى العقد، فإن مقتضى العقد منه ما هو من مقصوداته، ومنها ما هو من غير مقصوداته، فمقصود العقد أحسن وأولى بالتصريح به؛ لأن من مقتضى العقد ما يجوز الشرط عليه، بخلاف ما يخالف مقصود العقد، فمثلاً إذا قال البائع للمشتري: إذا أردت أن تبيعها فأنا أحق بها أي: بالثمن.

    فالجمهور من الأئمة الأربعة يقولون: إن هذا شرط مخالف لمقتضى العقد، ما هو الشرط؟ أن يقول: إذا أردت أن تبيعها، يقول البائع: أبيعك إياها، ولكن إذا أردت أن تبيعها فأنا أحق بها أي: بالثمن، يقولون: إن هذا شرط باطل، لم؟ قالوا: لأن هذا يخالف مقتضى العقد؛ لأن من مقتضى العقد أن يتصرف المشتري كيفما شاء، ورواية عند الإمام أحمد وهو قول ابن مسعود وهو اختيار ابن تيمية : أن هذا لا بأس به؛ لأن امرأة عبد الله بن مسعود باعته جارية لها، فقالت: أنا أحق بها إذا أردت بيعها، فسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: لا تمسها وفيها شرط لأحد.

    وجه الدلالة: أن عمر منعه من الاستمتاع ولم يمنعه من صحة العقد، مع أن هذا العقد على تقعيدات الجمهور مخالف لمقتضى العقد، يقول ابن تيمية : فهذا لا يخالف مقصود العقد وإن كان يخالف مقتضاه، وأما ما كان يخالف مقصود العقد وهو أن يعود الشرط على أصل العقد بالإبطال، مثل أن يقول: إن ضمان السلعة على المستأجر ولو لم يتعد أو يفرط، فهذا يخالف مقصود العقد؛ لأن من مقصود عقد الإجارة أن يكون ضمانها على المؤجر؛ وأن المستأجر لا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط، على تفصيلات عندهم، وقلنا: إن الراجح هو قول ابن تيمية .

    النوع الثاني: ما كان من مصلحة عقد البيع

    النوع الثاني: الشروط التي تكون من مصلحة العقد، والفرق بينها وبين الأول أن هذه الشروط ليست من مقتضيات العقد، فعدمها يترتب عليها عدم وجود مصلحة للعقد، وكلما كانت من عقود التوثيقات شرط فيها، فإذا اشترط أحد المتعاقدين الرهن أو الضمان أو التأجيل، فهذا يسميها العلماء: شرط من مصلحة العقد، ولا خلاف بين أهل العلم على أن الشرط الذي يكون من عقود التوثيقات في البيع أو في عقود المعاوضات كشرط الرهن في عقد معاوضة كبيع أو إجارة، أو ضامن، أو أجل بأن يؤجل الثمن، فهذه الشروط صحيحة عند جميع أهل العلم، كما قال تعالى: إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ [البقرة:282]، وقال تعالى: وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [البقرة:283]، وأما دليل التأجيل: إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282]، فهذا لا بأس به.

    ومثل المؤلف بقوله: [(كالرهن المعين) أو الضامن المعين (و) كـ (تأجيل ثمن) أو بعضه إلى مدة معلومة]، هذه بإجماع أهل العلم.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكشرط صفة في المبيع ككون العبد كاتباً أو خصياً أو مسلماً أو خياطاً].

    هذه شروط في المعقود عليه، وليست خارجة عنه، وبهذا يفرق بينها وبين القسم الثالث، فإن القسم الثالث ليست شروطاً في المعقود عليه، ولكنها شروط لأحد المتعاقدين يعود على المعقود عليه من مصلحته، وهذا الفرق بينها وبين القسم الثالث.

    إذاً القسم الثاني والثالث الفرق بينهما كما سوف يأتي: أن القسم الثاني هو الشرط في المعقود عليه، فلو اشترط أن تكون المواد من بلد معين، فهذا شرط في المعقود عليه، فإذا قال: تكون الصناعة من اليابان، وأن تكون الموكيت من الأسبان، وغير ذلك، فهذه يسميها العلماء شرطاً في المعقود عليه، صفة مرغوبة في المعقود عليه، فهذا ما يسميها العلماء من مصلحة العقد، وهذا جائز عند جمهور أهل العلم، ويسميه بعضهم: خيار شرط الخلف بالصفة، بأن يخالف فيما وصف له في المعقود عليه، وإن كان ابن حزم يخالف في ذلك وبعض أصحاب الشافعية، مع أن مذهب الشافعي يجوز ذلك.

    وهذا مثل: (وكشرط صفة في المبيع ككون العبد كاتباً أو خصياً أو مسلماً أو خياطاً مثلاً) أو أن يكون الجذع من الضأن خصياً، أو أن يكون الجذع من الضأن له قرون، أو أن يكون البعير له وبر كثيف، أو أن يكون الماعز له قصة، الآن صار الماعز كلما زادت قصته وغطت عينه صار نوعاً من الجمال، مزاين الغنم، معروف عندهم، فكلما زادت القصة كلما غلا ثمنه، وأن تكون آذان الماعز طويلة، كلما كانت طويلة عندهم زاد ثمنها، فهذا يسميه العلماء شرطاً في مصلحة العقد، فإذا اشترطه أحد المتعاقدين ثم بان خلاف ذلك جاز أن يرجع في المعقود عليه، كما ذكرنا هذه المسألة.

    قال المؤلف رحمه الله: [والأمة بكراً].

    على المذهب إذا خالف في القسم الثاني، فإن المشتري مخير على المذهب بين إمساك ومطالبة بالأرش أو بين الرد، وقلنا: إن هذا هو مذهب الحنابلة ووافقهم الشافعية على ذلك، وقلنا: إن الراجح هو القول الثاني، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك ، ورواية عند الإمام أحمد واختارها أبو العباس بن تيمية رحمهم الله على أن المشتري ليس له إلا أمرين: إما إمساك بلا أرش، وإما الرد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حكم في المصراة، وهي المعيبة، فقال: ( لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إما أن يمسكها وإما أن يردها وصاعاً من تمر ).

    وجه الدلالة: قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للمشتري بعد علمه بالمعقود عليه بعيب، أنه ليس له إلا إمساك بلا أرش أو رده، ولم يحكم صلى الله عليه وسلم بالأرش، قالوا: والأرش معاوضة جديدة، لا بد فيها من رضا الطرفين.

    وأما قول من قال: إن المشتري متضرر بالمعقود عليه والأصل في المعقود عليه السلامة، فالجواب: أن المعقود عليه اشترى على شرط السلامة، بيد أن ضرره لا يزاد بضرر مثله، وضرر المثل هو إلزام البائع بدفع الأرش، فالضرر يزال بالرد، أما أن يعاقب البائع بأزيد مما ظلم فهذا ليس من الإسلام في شيء، وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [الشورى:40].

    وإنما حكم النبي صلى الله عليه وسلم بصاع من تمر؛ لأجل الحليب الذي فيه لم نعلم كم مقداره؛ لأنه ربما يكون يوماً أو يومين أو ثلاثة، فقالوا: إن الصاع هو اللبن الموجود في وقت المعقود عليه، وأما اليوم الثاني والثالث فإنما الخراج بالضمان، فهو أعطى الدابة ثم استدر ضرعها، فيكون الخراج بالضرع، هذا مذهب عامة أهل العلم خلافاً لـأبي حنيفة والخلاف فيه طويل.

    القسم الثالث: وهو من الشروط الصحيحة، وهذا الخلاف أقعد وأكثر، وبهذا يتبين أن مذهب الحنابلة أوسع المذاهب في باب الشروط. والله أعلم.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767954847