قول المؤلف: (فإن فات)، يعني: فإن أخبر البائع المشتري على خلاف رأس المال الذي دخلت عليه السلعة اختلف أهل العلم.
القول الأول: للمشتري الخيار بين فسخ العقد والإمضاء، وإن أراد البائع بعد ذلك أن يحط حط ويكون معاوضة جديدة، فلو أراد المشتري أن يفسخ العقد لأن البائع غره برأس المال، فقال البائع: لا، أنا سوف أحط عنك، فلم يرض المشتري، فللمشتري حق الفسخ؛ لأنه قد لا يقبل السلعة بعد ذلك؛ لأنه أحس بأنه قد غر بذلك، فلا يأمن من التغرير بعد ذلك، ربما يقول: لا، أنا أخبرت بطريقة خاطئة، والطريقة الصحيحة هي كذا، فلا يأمن المشتري من أن يكون البائع قد غره مرة ثانية، فقالوا: إن حق الغبن الذي وقع في قلب المشتري يجوز أن يبطل البيع، وهذا القول عندي أقرب والله أعلم، وهذا هو ظاهر مذهب الحنفية والمالكية.
القول الثاني في المسألة: قالوا: إنه إذا علم المشتري بأن البائع باعه برأس المال وربح عشرة مثلاً، ثم بان بأن رأس المال أقل، فليس للمشتري حق الفسخ، وإنما له الحق من الزيادة التي أخبره بها في رأس المال، يقولون: لأن المشتري قد رضي بالسلعة، ورضي بربح معلوم، فإذا بان بأن البائع زاده في رأس المال فإنه يجب الحط من رأس المال، ويبقى الربح معلوماً وهو عشرة.
والراجح هو القول الأول؛ لأن المشتري قد يرضى بأن يربح البائع مثلاً عشرة بالمائة، إذا قال: أبيعك بمائة ألف وعشرة آلاف، قد يرضى بأن يكون ربح البائع في السلعة عشرة بالمائة، لكن إذا كان البائع قد غره برأس المال، ثم بان بأنه اشتراها خمسين فيكون قد ربح ستين بالمائة، قد لا يرضى، ولو حط عن ذلك، فإنه يحس بأن فيه نوع غبن، وعدم مصداقية، فيكره ذلك؛ لأن بعض الناس يكره أن يستغل في بيعه وشرائه، فإذا أحس بأنه استغل فإنه يكره السلعة مطلقاً حتى ولو حطت بذلك، وهذا القول أقرب، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
ولهذا قال المؤلف: [ والمذهب أنه متى بان رأس المال أقل حط الزائد ويحط قسطه في مرابحة، وينقصه في مواضعة، ولا خيار للمشتري، ولا تقبل دعوى بائع غلطاً في رأس المال بلا بينة ].
يعني: إذا تبين إن قال له: ربحي عشرة، ورأس مالي مائة، صار ربحه عشرة بالمائة، ثم بان بأنه خمسين فينظر، فيقول: ليس لك إلا رأس المال خمسين وربحه عشرة بالمائة تقريباً خمسة ريالات، فيقول: لك خمسة ريالات، ولا خيار للبائع، ولكن الراجح والله أعلم أن المشتري ليس له إلزام البائع بالحق؛ لأن تغرير البائع يمكن أن يتفادى بحق المشتري بالفسخ، وأما أن يلزم البائع بأن يحط جزءاً من رأس المال فهذه معاوضة جديدة لا بد فيها من رضا الطرفين، والضرر لا يزال بمثله، والضرر الذي فعله البائع لا يزال بمثله بأن يلزم البائع بعد العلم برأس المال، والقاعدة أنه: ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه )، والله أعلم.
وعلى هذا فقول المؤلف: (ولا خيار للمشتري) فإن الراجح أن للمشتري خياراً، وهو القول الأول.
وقوله: (ولا خيار للمشتري) يعني: ولا أيضاً البائع.
والقول الثاني: لا خيار للمشتري ولا للبائع، فلو قال البائع: أبيعك بمائة ألف، وربح عشرة، صار عشرة بالمائة، ثم تبين أنه اشتراها بخمسين فليس لك حق أيها البائع إلا ربح عشرة بالمائة من الخمسين، فلا حق للبائع، ولا حق للمشتري بالفسخ، والراجح هو القول الأول وهو مذهب الجمهور، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
قول المؤلف: (ولا تقبل دعوى بائع غلطاً في رأس المال بلا بينة) يعني: لو أن محمداً قال لي: أبيعك السيارة برأس مالها مائة ألف وربح خمسة آلاف، فلما تم البيع جاء محمد فقال: يا عبد الله! أنا أخطأت فرأس مالها صراحة هي مائة وخمسة آلاف، بعد ما تم البيع هل يقبل دعوى بائع غلطاً في رأس المال، الراجح أنه لا يقبل بلا بينة؛ لأن قوله الثاني ليس بأصدق من القول الأول؛ لأن القول الثاني الذي قاله البائع ليس بأولى من القول الأول إلا ببينة، فإن أتى البائع ببينة مثل الفاتورة التي اشتراها به فلا حرج، فإن خشي المشتري بأن تكون الفاتورة ليست حقيقية طلب يمينه، والله أعلم؛ لأن الفواتير أحياناً ما تكون حقيقية، فيقول هذا: أبيعك بسعر الفاتورة، والفاتورة أحياناً أكثر من السعر الذي اشتراها به، فحينئذٍ للمشتري أن يطالب البائع بأن يحلف والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.