الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
مشاهدينا الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في درس جديد من دروس كتاب الحج من متن عمدة الفقه لـابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى، ضيفنا في هذا اللقاء هو فضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الله بن ناصر السلمي عضو هيئة التدريس بقسم الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، استهل لقاءنا ترحيباً بشيخنا، فحياكم الله يا شيخ عبد الله.
الشيخ: حياكم الله وبالإخوة المستمعين.
المقدم: أيضاً نرحب بالإخوة الحضور، فحياكم الله وأهلاً ومرحباً بكم، والترحيب موصول أيضاً للإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات على موقع الأكاديمية الإسلامية المفتوحة، والذي أرحب من خلاله بتواصلكم عبر منتديات الصفوة، عبر موقع الأكاديمية www.islamacademy.net الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. تحدثنا أيها الإخوة! في أول باب المواقيت، وذكرنا أن المواقيت تنقسم إلى قسمين: مواقيت مكانية، ومواقيت زمانية، وبينا أن هذه المواقيت منها مواقيت جهة المغرب، ومنها جهة الشرق، ومنها جهة الجنوب، ومنها جهة الشمال، إن صحت التسمية. وهذه المواقيت ذكرنا أنها ذو الحليفة لأهل المدينة، والجحفة لأهل الشام ومصر، ويلملم لأهل اليمن، وقرن لأهل نجد ومن حولها، وذات عرق لأهل المشرق. وبينا أن ذات عرق هل بينها النبي صلى الله عليه وسلم، أم هو اجتهاد من عمر رضي الله عنه؟ بينا ذلك وذكرنا سؤالاً في هذا الأمر، والذي توقفنا فيه هو قول المؤلف: [ فهذه المواقيت لأهلها، ولكل من مر عليها من غير أهلها ]. هذه المواقيت كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين من حديث ابن عباس : ( هن لهن )، يعني: أن هذه المواقيت لأصحاب الأماكن التي حددها النبي صلى الله عليه وسلم، فـ(هن لهن)، يعني: هذه المواقيت لأصحاب الأماكن، يعني: أهل المدينة، وأهل الشام ومصر، وأهل اليمن، وأهل نجد، وأهل المشرق، ولكل من مر عليها من غير أهلها، وهذه المسألة سوف نتحدث فيها بطول.
نقول: ذهب الحنابلة رحمهم الله إلى أنه إن أحرم من الحل، ثم دخل الحرم، ثم اتجه إلى عرفة جاز له ذلك، ولكنه أخطأ، وإن ذهب من الحل وجلس في عرفة، يعني: كأنه أهل بعرفة، ولم يدخل الحرم إلا بعد التعريف فإنهم يقولون: يلزمه دم، وهذا هو مذهب الحنابلة، يقولون: (حتى أهل مكة يهلون منها)، يعني: يجب أن يهل من الحرم، وذهب المالكية رحمهم الله إلى أن لأهل مكة أن يحرموا خارج الحرم؛ قالوا: لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( حتى أهل مكة يهلون منها )، هذا يدل على أنه لو أهل أبعد من المواقيت لجاز بالإجماع، فكذلك يقال في مكة؛ لأنه لو أهل خارج المواقيت، بعيداً عنها صح إحرامه، فكذلك يقال: إن أهل مكة لو أحرموا خارج الحرم، فقد أحرموا أبعد من الميقات، قالوا: وهذا يدل على أنه لا بأس بذلك. الأمر الثاني: قالوا: ولأنه جامع بين الحل والحرم لا محالة، فإذا أهل من الحل فإنه بعد عرفة سوف يدخل منطقة الحرم، وهي مزدلفة، فيكون قد طاف، وقد جمع بين الحل والحرم، وهذا -كما قلنا- هو الأظهر، والله تبارك وتعالى أعلم، وهو قول المالكية.
قول المؤلف: (ويهلون للعمرة من الحل) هذا إجماع من أهل العلم، نقل الإجماع غير واحد من أهل العلم كـابن قدامة و النووي وغيرهما، أن المكي إذا أراد أن يحرم بالعمرة فيجب عليه أن يخرج إلى أدنى الحرم، يعني: إلى الحل، واستدلوا على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين، قال: ( فاذهب بها يا قولان عند أهل العلم، والذي ذهب إليه أكثر الفقهاء المعاصرين، وأكثر المجامع الفقهية المعاصرة إلى أن جدة ليست ميقاتاً، وأنها داخل المواقيت، خلافاً لما ظنه بعض الباحثين، وقد أخطئوا، وسبب خطئهم هو ظنهم أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم من توقيت المواقيت هو إحاطة مكة بمحيط سداسي الشكل، وأن كل نقطة من النقاط التي تقع على هذا الخط يجوز للمسلم أن يحرم منها. صورة المسألة أحبتي! الآن هذه مكة، وفوق المدينة، وجهة الغرب فيها الجحفة، وأدناها من جهة الجنوب الغربي يلملم، ثم من جهة الوسط قرن، ويحاذيها من جهة المشرق ذات عرق، صارت الآن مرحلتان، قرن المنازل، يعني: قريباً من مكة تقريباً بتسعين كيلو، كذلك ذات عرق، وكذلك يلملم، فسبب قول بعض المعاصرين أن جدة ميقات، هو أنهم وضعوا خطاً من ذي الحليفة إلى الجحفة، ومن الجحفة إلى يلملم، ومن يلملم إلى قرن، ومن قرن إلى ذات عرق، ومن ذات عرق إلى ذي الحليفة، فكان هذا محيطاً سداسياً إلى الحرم، وقالوا: لأهل المدينة أن يتعدوا الميقات ما داموا لم يدخلوا محيط هذا الشكل السداسي، فلهم أن يحرموا من الجحفة، ولأهل مصر أن يتعدوا الجحفة ويحرموا من يلملم، ولأهل قرن أن يتعدوا قرناً ويحرموا من الجحفة، وقالوا: إذا وضعنا خطاً من الجحفة إلى يلملم وجدنا أن جدة تكون داخلة ضمن هذا الخط، هذا سبب الإشكال، وهذا بعيد؛ وذلك لأن العبرة ليست بأن نجعل بين مكة وبين المواقيت محيطاً على شكل سداسي أو غير ذلك؛ لأن العبرة قول عمر بن الخطاب كما في صحيح البخاري حينما جاءه أناس، فقالوا: يا أمير المؤمنين! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حد لأهل نجد قرناً، وإن قرناً جور عن طريقنا، فقال عمر رضي الله عنه: انظروا إلى حذوها من ميقاتكم، قال: فنظروا فوجدوا أقربها قرن المنازل، فنظروا إلى حذوها فإذا هي ذات عرق، وهذا أمر مهم. ما هي المحاذاة؟ المحاذاة معناها: أن تكون المسافة بين المكان المحاذي للميقات وبين مكة هي نفس المسافة التي بين الميقات وبين مكة، ولو نظرنا إلى جدة، فالذي يأتي من جهة الجو سوف يحاذي أقرب المواقيت إليه إما الجحفة وإما يلملم، فإذا كان بين يلملم وبين الجحفة فنقول له: انظر إلى أقربهما إليك، فإن كان أقربهما إليه الجحفة فحينئذٍ يجب أن تكون المسافة التي يحرم بها من جهة الجو، أو من جهة البر هي نفس المسافة التي بين الجحفة وبين مكة. أرجو أن يكون الأمر واضحاً. لو نظرنا بهذه الطريقة لوجدنا أن جدة داخلة في ضمن المواقيت، ومن أراد أن يجعلها بطريقة هندسية يضع فرجاراً بخريطة، ويضع الفرجار من مكة إلى الجحفة، ويضع قوساً بمقدار نصف قطر، ثم يضع يلملم كذلك، ثم يضع قرناً كذلك، ثم ذات عرق كذلك، ثم ذا الحليفة كذلك، فنقول: من مر محاذياً للمواقيت فيجب أن يحرم من هذه المحاذاة؛ لأن كل المحاذاة في هذا القطر تكون المسافة بين المكان المحاذي إلى ذي الحليفة هي نفس المسافة بين الميقات وبين مكة، وهذا -كما قلنا- هو أقرب الأقوال، والله أعلم. وعلى هذا فجدة ليست ميقاتاً، ومن جاء جدة من جهة الجو فلا بد أن يكون محاذياً لأقرب المواقيت إليه، إما يلملم وإما الجحفة، فلا بد أن يحرم منه، بل إن بعض الفقهاء قالوا: ومن مر إلى طريق ليس فيه ميقات اجتهد، كما أشار إلى ذلك ابن قدامة قال: اجتهد، فإن لم يجد فيجب أن يجعل بينه وبين مكة مرحلتين، ومعنى مرحلتين: تقريباً تسعون كيلو، والسبب في ذلك قالوا: لأن أقرب المواقيت إلى مكة هي قرن المنازل وذات عرق، وبينهما وبين مكة مرحلتان، فلا يسوغ لمسلم أن يحرم إلا وبينه وبين مكة مرحلتان، وجدة بينها وبين مكة أقل من مرحلتين مما يدل على أن جدة داخلة دون المواقيت.
إذا ثبت هذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( هن لهن ولمن أتى عليهن )، يعني: أن غير المدني لو مر في ميقات أهل المدينة فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يهل من ذي الحليفة؛ لأنه شاركهم في هذا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( هن لهن ولمن أتى عليهن )، وهذا الأمر واضح كما هو ظاهر حديث ابن عباس كما في الصحيحين وغيرهما، إلا أن بعض الفقهاء قال: هل للشامي إذا مر على ذي الحليفة، هل يجب عليه أن يحرم من ذي الحليفة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( هن لهن ولمن أتى عليهن )، أو له أن يتعدى ذا الحليفة إلى ميقاته الذي هو الجحفة؟ بمعنى آخر: الشامي إذا مر من طريق ذي الحليفة هل يجب عليه أن يحرم من ذي الحليفة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( هن لهن ولمن أتى عليهن )، أم له أن يتعدى ميقات ذي الحليفة إلى ميقاته وهو الجحفة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( يهل أهل الشام ومصر من الجحفة )؟ قولان عند أهل العلم: ذهب الحنابلة والشافعية وأكثر أهل الحديث إلى أنه لا يجوز للشامي إذا مر على ميقات غير ميقات بلده أن يتعداه إلى ميقات بلده، فلا يجوز له ذلك؛ لظاهر حديث ابن عباس رضي الله عنه. وذهب أبو حنيفة ، و مالك رحمه الله، وهو اختيار أبي العباس بن تيمية رحمهم الله جميعاً كما في كتاب الاختيارات إلى أن للشامي أن يتعدى ميقات أهل المدينة ولو مر عليه إلى ميقات بلده، وهو الجحفة، وقالوا: لأن قوله صلى الله عليه وسلم: ( هن لهن ولمن أتى عليهن )، قالوا: هذا عام خص بقوله صلى الله عليه وسلم: ( يهل أهل الشام من الجحفة ). والأقرب والله أعلم هو ظاهر حديث ابن عباس ، وأنه لا يسوغ لكل من أتى على ميقات غير ميقات بلده أن يتعداه إلى ميقات بلده؛ لظاهر حديث ابن عباس ، وقد بين أحمد رحمه الله إلى أن هذا ظاهر حديث ابن عباس . تبقى مسألة أخرى: إذا قلنا: إن الشامي هل له أن يتعدى ميقات أهل المدينة إلى ميقات بلده فهل هذا الحكم عام في كل من مر على غير ميقات بلده أن يتعداه إلى ميقات بلده؟ بمعنى: أن أهل نجد لو ذهبوا إلى المدينة، وصلوا في المسجد النبوي، وأرادوا أن يهلوا بالعمرة أو الحج، فهل لهم أن يتعدوا ميقات ذي الحليفة إلى ميقاتهم الذي هو نجد، يذهبوا له من طريق الطائف، هل لهم ذلك؟ ابن قدامة رحمه الله، وكذا ابن شاس من المالكية، و ابن الحاجب نقلوا الإجماع على أن كل من مر على ميقات غير ميقات بلده فلا يسوغ له أن يتعداه إلى ميقاته، باستثناء أهل الشام الذي وقع فيه الخلاف، هذا نقل الإجماع على ذلك، بغير خلاف؛ أشار إلى ذلك ابن قدامة و ابن الحاجب و ابن شاس من المالكية، غير أن ابن عبد البر في التمهيد أشار إلى أن الخلاف عام للشامي، ولكل من مر على ميقات غير ميقات بلده، والأقرب والله أعلم هو ما أشار إليه ابن قدامة لظاهر النص، وأنه لا يسوغ لكل من مر على ميقات غير ميقات بلده أن يتعداه إلى ميقات بلده. نلاحظ أن بعض الناس يذهب إلى المدينة، وميقاته مثلاً يلملم، فنجد أنه يتعداه إلى يلملم، فهل له ذلك؟ نقول: الراجح أنه ليس له ذلك.
نلاحظ أن بعض الإخوة يقول: لك أن تذهب إلى أقرب المواقيت، وهذا خطأ، فلا أعلم أحداً من أهل العلم قال: له ذلك، والخلاف إنما من أن يتعدى إلى ميقات بلده، أما أن يتعدى إلى ميقات أقربهم إليه، فلا أعلمه عن أهل العلم المتقدمين، وإن كان بعض من قال: إن جدة ميقات يلزمه أن يقول له ذلك، وهذا مخالف لنص الحديث الذي بينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ( هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ).
الشيخ: يقول المؤلف: (ومن لم يكن طريقه على ميقات فميقاته حذو أقربها إليه)، وهذه كما أشرنا إلى ذلك، مثلاً: جدة، لو أنه مر من طريق الجو فسوف يحاذي أقرب المواقيت إليه، إما الجحفة وإما يلملم، فيجب عليه أن يحرم من أقربهما إليه، وبالتالي تكون جدة دون المواقيت، وهي أقرب إلى مكة من يلملم، ومن الجحفة، وعلى هذا فيجب عليه أن يجتهد، فإن لم يستطع ولم يعرف، فقد قال أهل العلم كما أشار إلى ذلك ابن قدامة في المغني: فإنه يحرم والمسافة بينه وبين مكة مسافة مرحلتين، هذا هو الأقرب والله تبارك وتعالى أعلم؛ لقول عمر رضي الله عنه كما عند البخاري: انظروا إلى حذوها من ميقاتكم، أي: إلى أقربها ميقاتاً، فنظروا فوجدوا أن قرناً أقرب المواقيت إلى ذات عرق، فجعلوا ذات عرق ميقاتاً لأهل العراق.
هنا فيه تفصيل، وأرى أننا بحاجة إلى أن نفصله بطريقة أيسر وأسهل، نقول: لا يخلو المتجاوز للمواقيت من أن يكون على حالين: الحال الأولى: أن يتجاوز الميقات وهو مريد للنسك، فهنا لا يجوز له أن يتجاوز الميقات بغير إحرام، فيجب عليه أن يحرم من الميقات الذي مر عليه، ولو تعداه وأحرم من دون المواقيت، فيجب عليه دم كما سوف نشرح ذلك من كلام المؤلف، كما سوف يأتي إن شاء الله، ودليل ذلك -أنه يجب عليه- ما مر معنا من قوله صلى الله عليه وسلم: ( يهل أهل المدينة من ذي الحليفة، ويهل أهل الشام ومصر من الجحفة ...) الحديث، وقوله عليه الصلاة والسلام: (يهل) خبر بمعنى الأمر، ولما جاء في صحيح مسلم من حديث ابن عمر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أهل المدينة أن يهلوا من ذي الحليفة... ) الحديث. طيب! الحال الثانية: أن يتجاوز الميقات غير مريد للنسك، فلا يخلو هذا الأمر من قسمين: القسم الأول: أن يتجاوز الميقات وهو لا يريد دخول الحرم، بل يريد حاجة فيما سواه، فهذا لا يلزمه الإحرام في قول عامة الفقهاء؛ بل نقل بعض الفقهاء أن ذلك من غير خلاف -كما أشار إلى ذلك ابن قدامة رحمه الله- وفي الواقع أن في المسألة خلافاً، لكنه ضعيف. ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يذهبون إلى بدر مرتين، وهي دون المواقيت، وهم من أهل المدينة، ولم ينقل أنهم أحرموا، فهذا يدل على أن متجاوز الميقات غير مريد للنسك، وغير مريد دخول الحرم لا بأس أن يتجاوزه من غير إحرام. القسم الثاني من الحال الثانية: أن يكون قد تجاوز الميقات وهو غير مريد للنسك، وهو يريد منطقة الحرم، فهنا وقع خلاف، فالمؤلف يقول: لا يجوز لمن أراد دخول مكة -يعني: منطقة الحرم- تجاوز الميقات غير محرم، سواء نوى الحج والعمرة أو لم ينوهما، لا يجوز له ذلك، يعني: لا يجوز أن يتجاوز الميقات وهو ناو الحرم إلا أن يحرم سواء أراد الحج والعمرة أو لم يردهما، فنقول: يجب أن تحرم ولو كان غرضك في الحرم زيارة مريض أو قضاء حاجة أو غير ذلك، فيجب عليك أن تحرم للحج أو العمرة. استثنوا، قالوا: (إلا لقتال مباح، أو حاجة تتكرر)، قالوا: إلا لقتال مباح دليله ما جاء في الصحيحين من حديث أنس وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى رأسه المغفر، وعند الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، قال أنس : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى رأسه عمامة سوداء، هذا لأجل قتال مباح، قالوا: أو حاجة تتكرر، قالوا: الحاجة التي تتكرر مثل أصحاب الحطابين، والذين يذهبون للكلأ، أو الذين عندهم عمل، هم من أهل جدة ومكانهم في منطقة الحرم يترددون عليه دائماً، قالوا: هؤلاء لا يلزمهم؛ لم؟ قالوا: لأننا لو ألزمناهم بالإحرام بالعمرة أو الحج للزم أن يكونوا كل زمانهم محرمين، وهذا فيه مشقة وعسر، وهذا قول الحنابلة وهو قول الحنفية. وذهب الإمام الشافعي رحمه الله إلى أن من أراد تجاوز الميقات وهو غير مريد للنسك فله أن يتجاوزه من غير إحرام؛ سواء نوى الحرم أو دونه، وعمدة الإمام الشافعي رحمه الله هو ما جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس ومثله حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة )، فقوله صلى الله عليه وسلم: ( ممن أراد الحج والعمرة )، مفهومه: أن من لم يرد الحج والعمرة فلا بأس أن يتجاوز الميقات من غير إحرام، وهذا القول أظهر، والله تبارك وتعالى أعلم وأحكم.
المؤلف رحمه الله يقول: (ثم إذا أراد النسك أحرم من موضعه)؛ بمعنى أن كل من جوزنا له أن يتجاوز الميقات وهو غير مريد للنسك، ثم بقي في ذلك، ثم أراد أن يعتمر أو أن يحج فله أن يحرم من مكانه؛ لأنه تجاوز الميقات بإذن شرعي، فيكون حكمه حكم أهل هذا البلد. صورة المسألة: لو أن شخصاً من أهل اليمن عنده عمل في جدة، وقلنا: إن جدة دون المواقيت، فذهب إلى جدة لعمل، وهو غير مريد للحج أو العمرة، أو لم تتمحض نيته لإرادة الحج أو العمرة، أي أنه متردد، والتردد لا يعتبر نية جازمة، هذا الشخص الآن تجاوز الميقات غير مريد للحج أو العمرة، فهل له ذلك؟ نقول: له ذلك، طيب! لو أراد بعد قضاء عمله في جدة الإحرام هل له أن يحرم من جدة أم يرجع إلى ميقات بلده؛ وهو يلملم؟ نقول: ومن أراد النسك بعدما دخل بإذن شرعي فله أن يحرم من موضعه، يعني: من جدة، وعلى هذا فكل من كان عنده عمل في مكان دون المواقيت فله أن يتجاوز المواقيت وهو غير محرم، ثم إن أراد العمرة أو الحج بعد ذلك فله أن يحرم من موضعه، ولا يلزمه أن يرجع إلى الميقات. وهنا مسألة كثيرة الورود: شخص يقول: أنا أريد أن أذهب إلى جدة، وأنا ناو أن أجلس فيها أربعة أيام أو ثلاثة أيام، وبعد ذلك أذهب إلى مكة للعمرة، فهل لي أن أدخل جدة من غير إحرام؟ وهل لي إذا انتهيت من النزهة أن أحرم من جدة؟ نقول: من كان مريداً للنسك -الحج والعمرة- وإن كان تبعه شيء آخر، وهو النزهة أو قضاء عمل، ولكن منشأ السفر كان أساسه إرادة الحج والعمرة وشيء آخر، فنقول: أنت بالخيار بين أمرين: الأمر الأول: بين أن تذهب إلى جدة وتجلس فيها ما شئت، إما للنزهة أو قضاء حاجة، فإذا انتهيت ترجع إلى الميقات الذي مررت عليه أو مررت منه فتحرم من عنده. الأمر الثاني: تذهب ولا تتجاوز الميقات، بل تحرم وتجلس في جدة وأنت محرم ثلاثة أيام أو أربعة أيام، فإذا انتهت المدة تذهب إلى مكة، وهذا فيه مشقة، وعلى هذا فكل من أراد النسك أو الحج أو العمرة وأراد عملاً معيناً فهو قاصد، فنقول: أنت بالخيار بين أن تحرم وتجلس في جدة ثلاثة أيام وأنت محرم أو تدخل المواقيت أو دون المواقيت، وتقضي حاجتك، فإذا انتهيت من حاجتك ترجع إلى الميقات فتحرم منه، وهذه المسألة واضحة. وما يفعله بعض الإخوة من أنهم يرجعون إلى الميقات الذي لم يمروا عليه، خطأ، ويلزمهم دم كما سوف يأتي؛ لأنهم أحرموا دون المواقيت. طيب! شخص صار له عمل في جدة أو في مكان آخر دون المواقيت، يقول: أنا ذاهب إلى العمل، ومنشأ سفري هو العمل، وإن حصل لي فرصة أن أعتمر اعتمرت وإلا فلا، ومثل ذلك المرأة إذا كانت حائضاً، فتقول: سأذهب إلى مكة وأجلس، فإن طهرت في المدة التي كان زوجي قد جعلها لنا خمسة أيام أو ستة أيام أحرمت، وإلا فلا، فنقول: نيتكما مترددة، فلا يلزمكم أن ترجعوا إلى الميقات، فإذا طهرتي أيتها المرأة وأنتِ في مكة ولم تجزمي قطعاً فإن لك أن تحرمي بالعمرة من التنعيم، والحج من مكة. أما إذا كانت نيتك جازمة، وأن زوجك لم يرجع إلى منزلكم إلا بعد أن تأخذي العمرة، فنقول: إذا طهرتي فيجب عليك أن ترجعي إلى الميقات الذي مررتما منه.
الحال الأولى: أن يرجع، وهذا قبل أن يدخل في النسك، إذا تجاوز الميقات، وقال: أنا تجاوزت الميقات، نسأله: هل أهللت بالعمرة أو الحج؟ قال: لا، فنقول: ارجع إلى الميقات الذي مررت منه وأهل بالحج، ولا يلزمك بعد ذلك شيء؛ لأنه أحرم من موضعه، ودخل في النسك من المكان الذي أمر فيه. الحال الثانية: شخص تجاوز الميقات غير محرم، ولكنه لأمر ما أهل بالعمرة أو الحج، مثل الذين يركبون الطائرة، وسوف تهبط الطائرة في جدة، فلما وصلوا إلى جدة قالوا: ما أحرمنا، كابتن الطائرة لم يعلن عن المواقيت، فنقول: أنتم من أين؟ يجب عليكم أن ترجعوا إلى الميقات الذي مررتم منه أو حاذيتموه، فإن قالوا: هل علينا شيء؟ قلنا: إذا رجعتم وأهللتم بالعمرة أو الحج من الميقات الذي حاذيتموه ولم تهلوا منه ليس عليكم شيء، فإن قالوا: نحن حينما هبطت الطائرة في المطار لبينا بالعمرة أو الحج، قلنا: الآن دخلتم في النسك، فيلزمكم دم جبراً للواجب الذي تركتموه؛ وهو الإهلال من الميقات، هذا هو قول الحنابلة، وقول أكثر أهل الحديث، وهو الأقرب والله أعلم، خلافاً للإمام الشافعي وغيره؛ حيث قال الإمام الشافعي: إن رجع إلى الميقات ولو كان أهل بالعمرة، أو أهل بالحج دون المواقيت فلا بأس بذلك بشرط ألا يكون قد فعل شيئاً من أفعال النسك، يعني: لو قال: وصلت المطار، فقلت: لبيك عمرة، يقول الشافعي له: ارجع إلى الميقات الذي حاذيته أو مررت عليه، فإذا وصلت اذهب مرة ثانية إلى مكة وليس عليك شيء، لكنك لو طفت ودخلت في الطواف ثم سألت، ولم تكمل عمرتك، قلنا: يلزمك دم. والأقرب والله أعلم أنه مجرد تلبيته يعتبر قد دخل في النسك، سواء طاف أم لم يطف؛ لأنه مأمور بالإتمام؛ لقوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196]، وحينئذٍ نقول: قول الحنابلة في هذه المسألة هو الأظهر والله تبارك وتعالى أعلم. يقول المؤلف: ( فإن أحرم من دونه فعليه دم سواء رجع إلى الميقات أو لم يرجع ) خلافاً للإمام الشافعي ومثله أبو حنيفة رحمه الله.
اختلف أهل العلم هل يجوز أن يحرم الإنسان للعمرة أو الحج أبعد من ميقاته الذي سوف يمر عليه؟ يعني: شخص سوف يذهب إلى العمرة بالطائرة، هل له أن يحرم بالعمرة في بيته قبل أن يحاذي الميقات الذي سوف يمر عليه أم لا؟ اختلف العلماء في ذلك، فذهب الحنابلة رحمهم الله إلى أنه أساء، والأفضل ألا يحرم إلا من الميقات، واستدلوا على ذلك قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يحرموا إلا من المواقيت، وهم كانوا لاتباع السنة أحرى، ولأخذ الثواب أعلم وأدرى، وهذا القول قوي؛ بل إن مالكاً رحمه الله حرم في بعض أقواله على الإنسان أن يحرم أبعد من المواقيت، واستدل على ذلك بما جاء عند البيهقي من طريق الحسن البصري أن عمران بن حصين أحرم للعمرة من البصرة، فغضب عمر رضي الله عنه، وقال: لا يتسامع الناس أن أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحرم قبل المواقيت، وغضب عمر دليل على أن عمران فعل منكراً، وقد قال رجل لـمالك : يا أبا عبد الله ! ما ترى في الإحرام قبل الميقات؟ قال: أكرهه. قال: ولم؟ قال: أخاف عليك الفتنة، تأمل هذا الفقه، قال: أخاف عليك الفتنة قال: يا أبا عبد الله ! أي فتنة، إنما هي بضعة أمتار أتقرب بها إلى الله، يعني: إني أحرم وأكون قد دخلت في النسك بضعة أمتار، قال مالك : وأي فتنة أعظم أن ترى أنك فعلت عملاً لم يعمله النبي صلى الله عليه وسلم، فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]. وذهب الإمام الشافعي و أبو حنيفة إلى أنه له أن يحرم قبل المواقيت، بل قالوا: ذلك أفضل، لما جاء من حديث أم سلمة عند الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أحرم من بيت المقدس فكأنما حج أو اعتمر )، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث ضعيف كما أشار إلى ذلك غير واحد من أهل الحديث، وأحرم ابن عمر من إيليا، وهذا في سنده ضعف، والأقرب والله أعلم أن عثمان رضي الله عنه أنكر على واليه في خراسان حينما أحرم من مكانه، وأنكر عمر رضي الله عنه على عمران بن حصين حينما أحرم من البصرة، وإن كان الحديث الذي رواه البيهقي أن عمران أحرم من البصرة في سنده انقطاع، حيث أن الحسن البصري لم يسمع من عمران ، ولم يسمع من عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلا أن أهل العلم أجمعوا -كما نقل ذلك غير واحد من أهل العلم كـابن قدامة وغيره- على أن كل من أحرم قبل المواقيت فإن إحرامه يعتبر صحيحاً، والله تبارك وتعالى أعلم.
ميقات من كان منزله دون المواقيت
حكم إحرام المكي للحج من خارج الحرم
مكان إحرام المكي للعمرة
مدى اعتبار مدينة جدة ميقاتاً من المواقيت
حكم الإحرام من المواقيت وحكم تجاوز الميقات والإحرام من ميقات آخر
حكم الإحرام من غير ميقات البلد بعد مجاوزت
ميقات من لم يكن طريقه على ميقات
حكم مجاوزة الميقات من غير إحرام
موضع إحرام من تجاوز الميقات غير قاصد للنسك ثم نوى الحج أو العمرة
ما يلزم من جاوز الميقات غير محرم
حكم الإحرام قبل الميقات
نقول: الدخول في النسك هو نية الدخول في النسك، مسألة لبس الإحرام يعني: يتجرد من ثيابه، أو أن تلبس المرأة ما أمرت به، هذا ليس هو الدخول في النسك، وليس هو الإحرام، وبعض الناس يظن أنه إذا لبس إحرامه يكون قد دخل في النسك، العبرة بأن ينوي الدخول في النسك، أو يلبي، فيقول: لبيك عمرة أو لبيك حجاً، هذا هو الدخول في النسك، أما لبس المخيط أو لبس الإحرام فلا يعد هذا دخولاً في النسك، وعلى هذا فلو لبس إحرامه في بيته فله ذلك، ولكنه لا ينبغي له أن يدخل في النسك حتى يقول كابتن الطائرة: نحن حاذينا الميقات، أو يمر هو على الميقات فيحرم.
ومن المسائل المهمة أيضاً: أن المواقيت هي أماكن كبيرة ربما تكون أودية، فليس المراد والعبرة بالمسجد الذي وضع في هذه المواقيت، ولكن العبرة في المكان كله، والله تبارك وتعالى أعلم وأحكم.
هذه أشهر الحج، حينما انتهى المؤلف رحمه الله من المواقيت المكانية شرع في المواقيت الزمانية، وبين أن المواقيت الزمانية هي شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، ومعلوم أن بداية أشهر الحج شوال، وهذا مجمع عليه، فأشهر الحج شوال بلا خلاف، وذو القعدة بلا خلاف، واختلفوا في ذي الحجة، هل هي تسع من ذي الحجة كما هو قول الشافعي ، أو عشر من ذي الحجة كما هو قول الإمام أحمد ، وهو قول ابن عباس و ابن عمر و جابر كما روى ذلك غير واحد من أهل العلم، وصحح الآثار الحافظ ابن حجر، أم هو شهر ذي الحجة كله كما هو مذهب الإمام مالك؟
الأقرب والله أعلم أن أشهر الحج هي شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، ودليل ذلك هو قوله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ [البقرة:197]، وتفسيره كما روى البخاري معلقاً عن ابن عباس قال: وقت الحج أشهر معلومات، ومن المعلوم لدى الجميع أنه يجوز للإنسان أن يلبي بالحج ليلة العاشر، يعني: أن يلبي بالحج ليلة العيد، ومعلوم أن الليلة تأخذ حكم اليوم، فهذا يدل على أن عشر ذي الحجة تدخل من ضمن أشهر الحج؛ لأنه يستطيع أن يلبي للحج ليلة العيد.
أما الإمام الشافعي رحمه الله حينما قال: تسع من ذي الحجة أشار إلى أن الله سبحانه وتعالى قال: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ [البقرة:197]، يعني: وقت الحج أشهر معلومات، ومن المعلوم أن صبيحة يوم العيد ليس مكاناً ولا زماناً للإهلال بالحج؛ لأنه قد فاته ركن من أركان الحج وهو الوقوف بعرفة، ولكننا نقول: إن عشر من ذي الحجة من أشهر الحج؛ لأنه يجوز له أن يهل بالحج ليلة العيد، وأن أعظم أركان الحج إنما تنفذ وتطبق وتعمل في يوم العيد وهو يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر.
أما مالك رحمه الله فإنه قال: أشهر الحج يدخل فيها ذو الحجة كله؛ يقول: لأنه يبقى عليه بعض المناسك، وهو يوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، من الرمي والهدي وغير ذلك؛ ولكن الأقرب أنه ليس المراد بالحج هو فعل مناسك الحج، بل المراد هو وقته، يعني: الإهلال به، ومما يدل على ذلك لو قيل بقول مالك لقلنا: إن بعض النساء ترجع إلى بلدها؛ لأنها كانت حائضاً، ولا تستطيع أن تطوف طواف الإفاضة، ولا ترجع إلا من محرم مثلاً، فهل طوافها صحيح؟ نعم طوافها صحيح للإجماع، ولكن مالكاً قال: عليها دم، وبعض الحنابلة يقول كذلك، ولكننا نقول: هذا يدل على أنه ليس المراد بأشهر الحج هو فعل مناسك الحج؛ لأنه يجوز له أن يفعله حتى خارج شهر ذي الحجة.
وعلى هذا فالأقرب والله أعلم أن أشهر الحج هو كما أشار إليه المؤلف رحمه الله تعالى، وقلنا: إنه قول ابن عمر و ابن عباس و جابر كما أشار إلى ذلك الحافظ ابن حجر ، وقد روى هذه الآثار البيهقي وغير واحد من الأئمة المصنفين كـالدارقطني وغيرهم.
... غير هذه الأشهر، ولكنه أساء وأثم، أو أخطأ، وهذا هو مذهب المالكية ومذهب الحنابلة ومذهب الحنفية، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة:189] وجه الدلالة قالوا: فدل على أن جميع أشهر الحج هي مواقيت للحج.
القول الثاني في المسألة: قول ابن عباس وقول ابن عمر ، وهو قول الإمام الشافعي رحمه الله حيث قال: لا يجوز أن يهل بالحج في غير هذه الأشهر، واستدلوا على ذلك بأدلة، فقالوا: إن الله يقول: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ [البقرة:197]، يعني: أن وقت الحج أشهر معلومات، فلا يسوغ لمسلم أن يهل بالحج في غير ميقاته الزماني، ولو أهل بالحج فيجب عليه أن يقلبها عمرة، بمعنى: أنه لو أهل بالحج على أنه عمرة بحيث يكون قارناً أو متمتعاً فإنه لا يكون متمتعاً؛ لأن التمتع والقران أن يهل بالحج والعمرة في أشهر الحج، وهذا لا يكون، وهذا الأقرب، قال ابن عباس كما روى ذلك ابن جرير بسند جيد: لا يصلح لأحد أن يحرم قبل أشهر الحج، وفي رواية قال: لا يصلح لأحد أن يحرم قبل أشهر الحج. وهذا هو الأقرب، والله تبارك وتعالى أعلم.
الجواب: هذا واضح، نفس المسألة، قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن )، يعني: ممن أراد الحج والعمرة، ثم قال: ( ومن كان أهله دون ذلك فمهله من حيث ينشئ )، فهذا يدل على أن كل من كان دون المواقيت فله أن يحرم من مكانه، واختلف العلماء ما هو مكانه؟ هل هو المنزل أم الحي والقرية التي هو فيها؟ والأقرب كما قلنا القرية التي هو فيها.
الجواب: كل من أهل بالحج أو العمرة فيجب عليه أن يكون قد نزع لباس المخيط، ولباس المخيط هو كل ما فصل على قدر العضو مما كان يلبسه قبل ذلك، هذا هو المراد بالمخيط الذي ذكره الفقهاء، وحينئذٍ نقول: يلزمه أن يخلع، ولا بأس أن يلبي بالعمرة أو الحج ويشرع في الخلع كما جاء ذلك واضحاً في حديث يعلى بن أمية في قصة الرجل الذي لبس الجبة، أما إذا كان قد نسي، مثل الذين يلبسون الأزر، ويلبسون ملابسهم الداخلية، فإذا تذكر بعد ذلك فهو مأمور بأن ينزعه ولا شيء عليه؛ لأن ذلك من باب فعل المحظور، وفعل المحظور يجوز للمرء أن يفعله إذا كان جاهلاً أو ناسياً، ولا حرج عليه، فإذا تذكر يخلعه، كما أشار إلى ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم في حديث يعلى بن أمية حينما جاءه الرجل -كما في الصحيحين- فقال: ( يا رسول الله! ما تراني أصنع في عمرتي؟ وقد لبس الجبة وعليها أثر خلوق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما جاءه الوحي، قال: أين السائل عن العمرة؟ قال: أنا يا رسول الله! قال: اخلع عنك جبتك، واغسل عنك أثر الخلوق، واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك )، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، لماذا؟ لأنه كان جاهلاً في هذا الأمر، والله أعلم.
الجواب: كل من جاء من بلد وجلس في -مثلاً- الطائف أو غير ذلك وهو قبل المواقيت، فله أن يحرم قبل المواقيت، وقد مرت هذه المسألة معنا، وبينا أن إحرامهم صحيح بالإجماع، ولكن الأفضل أن يحرموا من الميقات نفسه، فلو أن الطائفي أحرم من مكانه فله ذلك، ويكون قد أحرم قبل المواقيت، ولكن الأفضل أن يحرموا من المواقيت نفسها، وعلى هذا فنقول: البسوا ألبسة الإحرام في بيوتكم، ثم اذهبوا إلى جهة مكة، فإذا حاذيتم المواقيت التي مررتم عليها فلبوا بالعمرة، ولا حرج في ذلك.
الجواب: هذا سؤال جيد، المكي إذا خرج من مكة وتجاوز الميقات مبتعداً عن مكة، فإذا أراد أن يأتي بلدته، فهل له أن يحرم من مكة، أم يجب عليه أن يحرم من الميقات الذي مر عليه؟
عامة الفقهاء رحمهم الله يقولون: المكي إذا خرج من مكة ونوى الحج والعمرة وهو ما زال لم يفارق مكة له أن يتجاوز الميقات ويحرم من مكة إن كان أراد الحج، وإن كان أراد العمرة فإنه يخرج ويحرم من التنعيم، ولا يلزمه أن يحرم من الميقات، حتى لو تجاوز الميقات وهو مريد للنسك؛ لأن حكمه حكم أهل بلدته، بل إن بعض الفقهاء قالوا: لو أن شخصاً له بيتان: بيت داخل المواقيت، وبيت خارج المواقيت جاز له أن يحرم من أيهما شاء، والله أعلم.
السؤال الأول هو: هل تعتبر جدة ميقاتاً مع التعليل؟
السؤال الثاني: ما حكم تجاوز الميقات من غير إحرام، وهو غير مريد للنسك؟
المقدم: أحسن الله إليكم يا شيخ عبد الله، وشكر سعيكم، وجزاكم الله خيراً.
مشاهدي الكرام بهذا أصل وإياكم إلى نهاية هذا الدرس المبارك، كنا بصحبة فضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الله بن ناصر السلمي عضو هيئة التدريس بقسم الفقه المقارن بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
الشكر لشيخنا، والشكر للحضور، والشكر لكم أنتم على طيب متابعتكم، الشكر للمتابعين والمتابعات لنا على موقع الأكاديمية، وأعتذر إن لم أستطع عرض شيء من إجاباتهم أو تساؤلاتهم نظراً لانقطاع التواصل بيني وبينهم أثناء الحلقة، آمل أن يكون هناك تواصل جديد في الحلقة القادمة، والتي ستكون بإذن الله تعالى عصر يوم الإثنين القادم، إلى ذلكم الحين ابقوا في حفظ الله ورعايته، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر