الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
مشاهدينا الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في درس جديد من دروس متن عمدة الفقه, والذي يأتيكم على الهواء مباشرة من استوديوهاتنا بمدينة الرياض, ضيفنا في هذا اللقاء هو فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي عضو هيئة التدريس بقسم الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. يسرني باسمكم جميعاً أن أستهل لقاءنا مرحباً بضيفنا, فحياكم الله يا شيخ عبد الله .
الشيخ: حياكم الله وبالإخوة المستمعين والمستمعات.
المقدم: أيضاً أرحب بجميع الأحبة والإخوة الذين حضروا في الأستوديو فأهلاً ومرحباً بكم, والترحيب موصول للإخوة والأخوات على موقع الأكاديمية الإسلامية المفتوحة، والذي من خلاله أسعد باستقبال أسئلتكم ومشاركاتكم وعرضها على ضيفنا الكريم, كما أسعد باستقبال اتصالات الإخوة المشاهدين والأخوات المشاهدات على أرقام الهواتف التي ستعرض على الشاشة تباعاً بين الفينة والأخرى، فأهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء وفي كل لقاء، وعلى بركة الله نستهل درسنا.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً, اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.
وبعد:
أحبتي الكرام! وصلنا إلى قول المؤلف: [ التاسع ], ولم نكمل بقية مسائله، وهو من محظورات الإحرام.
[التاسع: الوطء في الفرج], وذكرنا أنه إن كان قبل التحلل الأول فسد الحج ووجب المضي في فاسده، والحج من قابل وقلنا: هذا إجماع من الصحابة خلافاً لأهل الظاهر، وعليه بدنة بفتوى الصحابة.
يقول ابن قدامة رحمه الله تعالى: [ وإن كان بعد التحلل الأول ففيه شاة ويحرم من التنعيم ليطوف محرماً، وإن وطئ في العمرة أفسدها وعليه شاة، ولا يفسد النسك بغيره, والمرأة كالرجل إلا أن إحرامها في وجهها ولها لبس المخيط ].
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.
قول المؤلف: ( وإن كان بعد التحلل الأول ), يعني: وإن جامع الرجل بعد التحلل الأول, فإنه ذكر في ذلك أحكاماً: الحكم الأول: أن فيه شاة، وهذا لفتوى ابن عباس رضي الله عنه أنه قال في الذي يصيب من أهله قبل أن يطوف، قال: يعتمر ويهدي, يعني: عليه شاة, ولم يوجب المؤلف هنا البدنة؛ لأنها أخف من قبل التحلل الأول؛ لأنه بعد التحلل الأول قد حل من جميع محظورات الإحرام ما عدا النساء، فيكون إحرامه حينئذ أخف من الإحرام السابق, وقد قلنا: إن هذا أيضاً هو فتوى الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
أولاً: لما روى مالك في الموطأ عن عكرمة قال: لا أظنه إلا عن ابن عباس أنه قال في الرجل يصيب من أهله قبل أن يفيض -يعني: قبل أن يطوف- أن عليه أن يعتمر ويهدي, وقال رضي الله عنه في رجل أصاب أهله قبل أن يطوف: اقضيا نسككما وعليكما الحج من قابل, وانحرا جزواً بينكما, كما رواه البيهقي وغيره, وهذا يفيد على أن من جامع بعد التحلل الأول فإن حجه صحيح ولا يفسد، ولا يلزمه أن يحج من قابل, ومما يدل على ذلك أن أهل العلم قالوا: لأنه بعد التحلل الأول جاز له جميع محظورات الإحرام ما عدا النساء, فخف بذلك إحرامه، وهذا الأقرب، والله أعلم.
وهذا القول هو قول الحنابلة وقول المالكية؛ فقد ذهبوا إلى أن كل من جامع بعد التحلل الأول فإن إحرامه يفسد ولا يفسد حجه، وحينئذ يلزمه أن يحرم من التنعيم، واستدلوا على ذلك بما رواه مالك في موطئه عن عكرمة أنه قال: ولا أظنه إلا عن ابن عباس في الرجل يأتي أهله قبل أن يفيض، قال: عليه أن يعتمر وأن يهدي. فالهدي لأجل فعل محظور وهو الجماع، قالوا: لفساد إحرامه حينئذ, ولأنه وطء صادف إحراماً فأفسده، مثلما لو جامع قبل التحلل الأول فيفسد إحرامه, وهذا القول فيه نظر, ولهذا اختلف العلماء في هذا، وذهب الحنفية والشافعية إلى أنه لا يلزمه أن يذهب إلى التنعيم بل يبقى على إحرامه، إن كان لم يتحلل التحلل الكامل، واختلف العلماء متى يتحلل التحلل الكامل, هل هو بعد رمي جمرة العقبة أو بعد رمي جمرة العقبة والحلق والقول الثاني هو الراجح كما سوف يأتي إن شاء الله, لكن لو فرض أنه رمى ولم يحلق فهل يلزمه أن يعيد إحرامه أو يبقى على ما هو عليه كما هو مذهب الحنفية والشافعية؟ بمعنى أنه إن رمى جمرة العقبة وبقي على إحرامه ثم جامع قبل أن يحلق، فإن ابن قدامة ذكر إجماع أهل العلم على أنه قد جامع بعد التحلل الأول ولو لم يحلق, خلافاً للقاضي أبي يعلى وهذا قول الأئمة الأربعة كما سوف يأتي إن شاء الله.
على هذا لو جامع بعد التحلل الأول وتحلل من إحرامه بأن رمى وحلق فالمؤلف يقول: يجب عليه أن يخرج إلى التنعيم، وهو مذهب المالكية، وأما الحنفية والشافعية فقالوا: لا يجب عليه؛ لأنه لم يرد حديث صحيح بذلك؛ ولأن قول ابن عباس رضي الله عنه من باب الاستحباب لا من باب الوجوب, وهذا القول أظهر, وأما قولهم: لأنه صادف إحراماً جامع فيه فأفسده؟ نقول: من قال بإفساده خاصة وأنه قد تحلل من جميع المحظورات ما بقي إلا النساء، فكيف نقول له: يلزمك أن تحرم مرة ثانية؟!
فهو إذا تحلل التحلل الأول فما بقي عليه إلا النساء, فإذا جامع فهل نأخذ بالأكثر أم بالأقل؟ نأخذ بالأكثر وهو التحلل؛ لأنه تحلل من جميع إحرامه، وهذا هو الأقرب، والله أعلم.
يقول المؤلف رحمه الله: ( ويحرم من التنعيم ليطوف محرماً ), كلامه هذا أفادنا فائدة وهي أن إحرامه لا يلزم منه أخذ عمرة, وهذه هي الرواية الأولى عند الحنابلة، والرواية الثانية: أنه إن أحرم من التنعيم وجب عليه أن يأخذ عمرة ثم بعد ذلك يطوف للإفاضة, والأقرب -والله أعلم- أنه لا يلزمه، ولا يلزمه أيضاً لو أحرم أن يأخذ عمرة.
الحال الأولى: أن يطأ قبل الطواف بالبيت, يعني: بعد الإحرام وقبل الطواف بالبيت, فهنا يكون قد أفسد عمرته, وهذا محل إجماع عند القائلين بأن الوطء قبل التحلل الأول يفسد الحج أو العمرة, وحينئذ نقول: من جامع قبل الطواف فإن حجه أو عمرته حينئذ فاسدة.
الحال الثانية: أن يجامع بعد الطواف وقبل السعي والحلق, فالحنابلة رحمهم الله في المشهور عندهم أنهم يرون أنه أفسد عمرته؛ لأنه لم يتحلل من الركن الثالث من أركان العمرة؛ وهو السعي.
والرواية الثانية عند الحنابلة وهو اختيار ابن قدامة و ابن تيمية رحمهم الله أن السعي في الحج والعمرة ليس بركن ولكنه واجب, وحينئذ يكون قد جامع بعد إنهاء الأركان كلها؛ وهي الإحرام والطواف, فتكون حينئذ عمرته صحيحة, وهذا القول أظهر، كما سوف نأتي إليه إن شاء الله في إثبات أن السعي واجب وليس بركن.
الحال الثالثة: لو جامع بعد الطواف والسعي وقبل الحلق نقول حينئذ: لا تفسد عمرته، ونقله بعضهم إجماعاً، ولكن عليه محظور؛ لأنه تحلل بغير الحلق, وحينئذ يلزمه فدية أذى على الراجح, فحينئذ من جامع بعد الطواف والسعي فإنما يلزمه فدية أذى على قول، وعلى قول المؤلف يلزمه شاة.
قول المؤلف: فيلزمه شاة؛ بناء على فتوى ابن عباس ، وقول ابن عباس رضي الله عنه اختلف عنه في الروايات, فمرة يقول: عليه دم, ومرة يخيره في ذلك, وعلى كل حال لو ذبح شاة فهو أولى خروجاً من الخلاف, ولو أخذ بعد التحلل الأول -يعني: بعد أن طاف وسعى- فدية الأذى بناء على أنه محظور لم يكن بعيداً، وهو الأقرب، والله أعلم.
وعلى هذا فلو أنه رفض إحرامه هل يفسد حجه؟ لا يفسد.
لو أن أحداً أحرم بالعمرة ثم بعدما أحرم وطاف أو قبل أن يطوف قال: والله لا أريد أن آخذ عمرة لا أستطيع, أو امرأة لم تشترط في إحرامها فلما أرادت أن تطوف حاضت, فقالت: أنا لا أريد أن أكمل عمرتي فخلعت ثياب الإحرام أو خلع الرجل ثياب الإحرام, فهنا هل يفسد حجها أو تفسد عمرتها؟ لا, بل ما زالت باقية في إحرامها, هذا هو الصحيح، وعليه إجماع أهل العلم.
أولاً: لأن الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم إذا خاطبا الرجل فإن الحكم يشمل الرجل والمرأة على حد سواء كما ثبت عند أهل السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما النساء شقائق الرجال ).
قال المؤلف رحمه الله: [إلا أن إحرامها في وجهها], يعني: أنها لا يسوغ لها أن تغطي وجهها بغطاء, ومعنى الغطاء هنا أن تلبس على وجهها شيئاً كالبرقع وكالنقاب وكاللثام، كما قالت عائشة رضي الله عنها: ولا تتبرقع ولا تتلثم؛ لأن تلثهما وتبرقعها ونقابها يعد لباساً للوجه فتمنع منه المرأة, أما الغطاء العادي الذي ليس لباساً على الوجه بأن تضع المرأة خمارها من رأسها إلى وسط صدرها، فإن هذا لا بأس به إذا مر بها الرجال الأجانب, كما جاء في حديث أبي داود وإن كان في سنده ضعف، تقول عائشة : ( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن محرمات، فيمر بنا الركبان فتضع المرأة جلبابها في وسطها فإذا حاذونا -يعني: ابتعدوا عنا- رفعت ), وهذا الحديث فيه ضعف، ولكن عليه العمل, قال ابن قدامة : ولا نعلم خلافاً في جواز أن تغطي المرأة وجهها.
لو أن المرأة غطت وجهها أمام محارمها وأمام النساء نقول: تمنع من ذلك, ولكن ليس فيه فدية؛ لأنه ليس غطاءً للوجه ولكنه تخمير للرأس مع الوجه.
قال القاضي أبو يعلى رحمه الله: إن المرأة إذا غطت وجهها الغطاء العادي, ولم ترفعه مع القدرة, ومع افتراض عدم وجود أجانب فإنها تفتدي, يعني: عليها الفدية, قال ابن قدامة : وأما قول القاضي أبي يعلى فلا أعلمه عن أحمد , وكونه اشترط هذا الشرط فلا أعلمه عن أحمد ، ولا هو في الخبر بل الظاهر خلافه، وهذا هو الأقرب؛ لأننا نقول: إن أهل العلم قد أجمعوا على جواز تغطية المرأة وجهها أمام الأجانب، أو يجب عليها على الخلاف، فكونه يجوز لها ذلك فهذا دليل على أنه ليس بمحظور, ولكنها ينبغي لها ألا تغطي وجهها فيما لا حاجة فيه, فلو غطت فقد وقعت في المكروه، ولكنه ليس بمحظور على الراجح، والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: [ ولها أن تغطي رأسها ولها أن تلبس القمص من الثياب, ولها أن تلبس الجوارب والخفاف، ولكن ليس لها أن تنتقب، وليس لها أن تلبس القفازين ]؛ لما جاء في صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ولا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين ), وهل لها أن تكتحل؟ نقول: الأولى ألا تكتحل؛ لأنه زينة، والمحرمة ممنوعة من التجمل والزينة؛ لما جاء في صحيح مسلم من حديث جابر ( أن
وهل لها أن تلبس الحلي؟
نقول: ثبت عن عائشة و ابن عمر أنهما قالا: ولتلبس بعد ما شاءت من معصفر وخز وحلي وغير ذلك, وروي مرفوعاً من حديث ابن عمر وفي سنده محمد بن إسحاق وقد دلس, والصحيح وقفه على عائشة و ابن عمر .
ومحظورات الإحرام من حيث الفدية تنقسم إلى أربعة أقسام, وهذا التقسيم غير تقسيم المؤلف, فالمؤلف قسم الفدية إلى قسمين, أما نحن فنقسم محظورات الإحرام من حيث الفدية إلى أربعة أقسام:
القسم الأول: ما لا فدية فيه, كعقد النكاح للمحرم, فلو عقد فإنه يأثم، ولكن لا يلزمه فدية, وقلنا: مثل ذلك لو احتاج إلى لبس السراويل من لم يجد الإزار، فليلبس السراويل ولا فدية على الراجح, وكذلك قلنا في من لم يجد النعلين فليلبس الخفين ولا فدية.
القسم الثاني: ما فديته مغلظة؛ وهو الجماع في الإحرام.
القسم الثالث: ما فديته الجزاء أو بدله؛ وهو قتل الصيد.
الرابع: ما فديته فدية أذى, وهذا في جميع المحظورات ما عدا ما سبق, من النكاح والوطء وقتل الصيد.
وفدية الأذى هي: إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع, أو صيام ثلاثة أيام, أو ذبح شاة؛ لقوله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196].
إذاً: ابن حزم وبعض طلاب العلم المعاصرين يرون أن من فعل محظوراً من محظورات الإحرام غير الحلق يستغفر ربه ويتوب إليه وليس عليه شيء, واستدلوا بأدلة.
الدليل الأول: قالوا: لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم, قالوا: ونحن متعبدون بقول الله وقول رسوله, فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59].
الدليل الثاني: ما جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ), قالوا: وعليه فلا يسوغ أن نأمر المرء بمال -وهي الفدية- إلا بما ثبت بنص شرعي من كتاب أو سنة, وإلا كنا قد غرمناه ما لم يغرمه الشرع. قالوا: ولا يصح قياس الحلق على غيره من المحظورات.
هذه أظهر أدلة القائلين بأنه لا فدية أذى في محظورات الإحرام, وهذا القول انتشر مع الأسف في هذا الزمان وأصبح الناس لا يبالون, إذا فعل محظوراً قيل له: استغفر ربك, قال: أنا أستغفر ولا حرج. ومناط الحكم في فدية الأذى ليس لتصرف الناس أو نقول: عليه الفدية خوفاً من أن يتساهلوا, لا، ليس هذا المناط, بل مناط الحكم أعظم من ذلك؛ لأننا متعبدون بقول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم وما أجمع عليه أهل العلم.
وعتبي ليس على ابن حزم حينما يرى هذا القول ويختاره؛ لأن ابن حزم نعرف طريقته حيث أنه لا يأخذ بالقياس، ولا يأخذ بقول الصحابة إلا أن يكون إجماعاً صحيحاً, أما أن يقول: قول صحابي أو واحد أو اثنين فلا يعول عليه ابن حزم , فنقول: وهذا مرادنا, إذا كان بعض الإخوة حينما تسأله, هل ترى القياس؟ فيقول: نعم, فتتعجب حينما يرى القياس ويترك القياس هنا! وهنا القياس واضح, ولهذا لم يختلف أئمة الإسلام في عصورهم القديمة والحديثة في أن كل من فعل محظوراً من محظورات الإحرام أنه يجب عليه الفدية, ودليل ذلك أنهم قالوا: كل هذا قياس واضح، فقالوا: كل من فعل محظوراً من محظورات الإحرام فعليه الفدية, فمن حلق فعليه الفدية, ومن لبس فعليه الفدية, ومن تطيب فعليه الفدية, فالقياس واضح وهو قياس جميع المحظورات على الحلق بجامع فعل المحظور, وخرج غيره بالنص الذي هو الصيد, وكذا الوطء أي: الجماع, وهذا أحسب أنه قياس واضح, هذا واحد.
الثاني: أنه قول الصحابة، ولا يعلم لهم مخالف, فقد صح عن ابن عمر كما روى مالك في موطئه بإسناده قال: حدثنا الزهري عن سالم عن ابن عمر في الرجل الذي يجرح ويصاب ويحصر قال: فإن احتاج إلى شيء من الثياب فعل ثم افتدى, وقول ابن عمر : (ثم افتدى) دليل على أنه يرى الفدية في محظورات الإحرام وهذا إسناد كالشمس, بل هو سلسلة ذهبية: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري حدثنا سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عبد الله بن عمر من قوله, وهل خالف أحد من الصحابة ابن عمر ؟ نقول: لم يخالفه بل وافقه, فقد روى الطحاوي بإسناد صحيح عن عمرو بن دينار عن أبي معبد مولى ابن عباس عن ابن عباس أنه قال: يا أبا معبد, ناولني طيالستي -والطيالسة هي التي نسميها في هذه الأيام الجبة, أو الكوت- قال: أولست كنت تنهى عن ذلك؟ يعني: ظن أبو معبد أنها لا بأس بها للمحرم, قال: لا, ولكني سأفتدي, وهذا قياس صريح من ابن عباس على أنه جعل الألبسة حكمها حكم الحلق, حيث قال: ولكني سأفتدي, وروى ابن أبي شيبة بسند جيد عن عبد الرحمن بن أبي بكر أنه سئل عن الإثمد للمحرم, قال: يهريق دماً؛ لأن الإثمد طيب, وهؤلاء ثلاثة من الصحابة، وكون عبد الرحمن بن أبي بكر يأمر بالهدي فهذا معروف عند السلف أنهم أحياناً يأمرون الشخص بأعلى مراتب التخيير, وهذا واضح لمن تدبر أقوالهم في الأيمان وفي النذور وفي الكفارات وغيرها, فهؤلاء ثلاثة من الصحابة.
ولا نعلم أحداً من أئمة الإسلام في تاريخهم المجيد على اختلاف مدارسهم؛ مدرسة الشام ومدرسة العراق ومدرسة مصر ومدرسة الحجاز يخالف، فكلهم يرون هذا القول, ومن أتى بغير هذا فإنما الخطأ منه هو؛ لأن بعض الإخوة يأتي بمثال فيقول: عطاء بن أبي رباح لا يرى الفدية في كذا, فنقول: هل عطاء لا يرى الفدية مطلقاً أو أنه لا يرى لبس القباء محظور؟ فهو لا يرى أن لبس القباء محظوراً, وبالتالي لا يرى فيه الفدية, لا لأنه لا يرى الفدية ابتداء في كل محظور من محظورات الإحرام, هذا واضح, وحينئذ نقول: كل من فعل محظوراً من محظورات الإحرام فيجب عليه أن يفتدي, سواء كان احتاج إليه أو لم يحتج إليه, مثل الذين يدخلون المناطق التي لا يسوغ لهم أن يدخلوها وهم محرمون، تجدهم أنهم يلبون من الميقات وهم على ثيابهم، ثم يدخلون ثم يغيرون إحرامهم، ولا يأمرهم أحد بشيء, نقول: يلزمكم مع الإثم فدية الأذى؛ لأنكم فعلتم محظوراً من محظورات الإحرام قل أو كثر, هذا هو الأقرب، والله أعلم.
وقد نقل ابن قدامة و النووي وغير واحد من أهل العلم الإجماع على أن كل من فعل محظوراً من محظورات الإحرام غير الوطء والصيد والنكاح فعليه فدية.
القسم الأول: فدية على التخيير.
والقسم الثاني: فدية على الترتيب.
والمؤلف بدأ في الفدية التي هي على التخيير, فقال: (أحدهما على التخيير وهي فدية الأذى), وسميت فدية الأذى؛ لأنها شرعت بسبب الأذى الذي أصاب كعب بن عجرة قال: ( حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي, قال: ما كنت أرى أن الجهد بلغ ما أرى, أتجد شاة؟ قال: قلت: لا, قال: فأنزل الله هذه الآية ).
قول المؤلف: (وهي فدية الأذى واللبس والطيب), وهذه محظورات الإحرام: فدية الأذى واللبس والطيب, واللبس يشمل تغطية الرأس ولباس المخيط ولبس الخفين مع وجود النعلين.
قول المؤلف: (فله الخيار بين صيام ثلاثة أيام أو إطعام ثلاثة آصع من تمر لستة مساكين), الصاع أربعة أمداد, ونصف الصاع مدان, والمأمور به في الإطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع, يعني: لكل مسكين مدان, فإذا كانوا ستة فلكل مسكين نصف صاع, فصار عدد الآصع ثلاثة.
قوله: (أو ذبح شاة)، لقوله تعالى: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196], والنسك: هو النسيكة يعني: الذبيحة وهي الشاة التي تجزئ في الأضحية والعقيقة, وهي ما يبلغ لها سن معين وهي من الثني سنة ومن الجذع ستة أشهر, والماعز والإبل خمسة وغير ذلك كما سوف يأتي إليه مفصلاً, وأن تكون سليمة من العيوب الأربعة، وهذه هي شروط الهدي.
إذا ثبت هذا فإن المرء مخير بين إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع, أو صيام ثلاثة أيام أو ذبح شاة, والصيام ثلاثة أيام يصومها إن شاء في مكة أو خارج مكة, وإطعام ستة مساكين الأفضل أن يطعهما في مكة.
وهل له أن يطعمها خارج مكة؟
نقول: الأولى -وهو قول الجمهور- أن يطعهما في مكة, وله أن يطعهما في مكان الفقراء الذي فعل المحظور فيه. ولو ذبح الشاة في غير منطقة الحرم هل يجزئه أو لا يجزئه؟ قولان عند أهل العلم، والأقرب -والله أعلم- أنه يجزئه لو لم يذبحها في الحرم؛ لأنه لم يرد دليل صحيح صريح في وجوب ذبحها في الحرم, وأما قوله تعالى: ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:33], أو هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة:95], إنما ذلك في هدي التمتع, فإن هدي التمتع والقران يجب أن يذبحه في الحرم, وبعضهم يفرق بين هدي التمتع والقران وبين هدي الإحصار، وبين فعل المحظور, وعلى كل حال الأولى أن يذبحها في الحرم, وأن يطعم بها فقراء الحرم, هذا الأولى، والله أعلم.
والخلاف القوي هو في الذبح, أما الإطعام فالأقرب -وهو الأظهر- أنه يطعهما فقراء الحرم, فلو ذبحها خارج الحرم أجزأته إذا وزعها في فقراء الحرم مع أن المسألة ليس فيها دليل صحيح في هذا كما مر معنا لكننا نحتاط.
المؤلف هنا الآن أدخل بين ما لو فعل محظوراً، وبين ما لو ترك واجباً كالرمي أيام التشريق, فظاهر كلام المؤلف أنه على التخيير فيمن ترك واجباً أنه إما أن يذبح شاة وإما أن يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع, وإما أن يصوم ثلاثة أيام, وهذا القول بعيد.
والراجح -والله أعلم- أن من ترك واجباً من واجبات الحج فيجب عليه أن يذبح شاة, فإذا لم يجد فإنها تبقى في ذمته حتى يجد, والحنابلة يرون أنه إذا لم يجد صام عشرة أيام، وفي هذا القياس نظر، والأقرب أنها تبقى في ذمته حتى يجد هدياً, أما أن نقول: إذا لم تجد هدياً فأنت بالخيار بين الدم وبين الإطعام وبين الصيام، نقول: لا, هذا إنما هو في فدية الأذى, وبالمناسبة فإن بعض الفقهاء حينما يقع بعض الحجاج في محظور من محظورات الإحرام يقولون: عليك فدية, وحينما يترك واجباً من واجبات الحج يقولون: عليك فدية, هذا القول إنما ذكر للتجوز, ومثله حينما يقع في محظور من محظورات الإحرام يقولون: عليك دم, وحينما يترك واجباً من واجبات الحج يقولون: عليك دم, نقول: لا, الأقرب أن هذا التجوز ينبغي أن يبين للسائل؛ لأن السائل ربما لا يفقه, فيقال: كل من فعل محظوراً من محظورات الإحرام فيجب عليه الفدية وهي الثلاث بالخيار, وكل من ترك واجباً من واجبات الحج فإنه يجب عليه أن يذبح شاة هدياً, فإن لم يجد بقيت في ذمته إلى أن يجد, والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: [وجزاء الصيد مثل ما قتل من النعم], لو أن شخصاً غطى رأسه متعمداً بملاصق وترك واجباً, وترك الرمي أيام التشريق فإن عليه فدية الأذى بسبب تغطية رأسه, وعليه دم لتركه واجباً.
الآن المؤلف رحمه الله دخل في قتل الصيد, يقول المؤلف قتل الصيد فيه ثلاثة خيارات: إما الجزاء؛ جزاء الصيد مثل ما قتل, يعني: المثلية، وإما عدل ذلك من الإطعام، وإما الصيام, يقول الله تعالى: فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة:95]، هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ [المائدة:95], هذه الثانية, أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا [المائدة:95], ثلاثة أشياء هو مخير فيها, المؤلف يقول: (وجزاء الصيد مثل ما قتل من النعم) كما روى ابن ماجه من حديث جابر أنه قال: ( قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضبع بكبش ), والضبع صيد كما جاء في صحيح مسلم : ( الضبع صيد ). فالضبعة هذه مثلها الشاة.
وقل مثل ذلك في غيرها, فالحمار الوحشي مثله بقرة.
وقول المؤلف رحمه الله: (وجزاء الصيد مثل ما قتل من النعم) خصص ذلك بالنعم وهي بهيمة الأنعام, فلا يسوغ أن يأتي بجزاء غير هذا, فلو كان عنده غزال، وقد قتل غزالاً هل له ذلك إذا كان عنده في الحل؟ المؤلف يقول: (فجزاء مثل ما قتل من النعم), وذلك لقضاء الصحابة.
الجواب: الواجب إذا قلنا: إنه إذا فعل محظوراً يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع يعني: ثلاثة آصع, فلو تصدق بأكثر من ذلك فهذا خيرٌ وأحب كما روى البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنه في قصة المرأة التي قبلها زوجها قبل التحلل الأول, قال: عليك الهدي, قالت: أي الهدي؟ قال: أوتقدرين على ذلك؟ قالت: نعم, قال: عليك جزو, فهذا إنما أمرها ابن عباس بالجزور من باب أنه رأى أنها ذات قدرة وأنها لا ضرر عليها في ذلك, وهذا يدل على أن الإنسان لو زاد من باب الصدقة فهذا خير وأفضل، والله أعلم.
الجواب: الذي غطى رأسه إن كان بالشمسية فلا بأس بذلك؛ لحديث أم الحصين قالت: حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوادع فرأيت أسامة و بلالاً وأحدهما آخذ بخطام ناقته والآخر رافع ثوبه يقيه من الشمس حتى رمى جمرة العقبة, فهذا يدل على أن الإنسان لو غطى رأسه بغير ملاصق أنه لا بأس بذلك.
وأما إن كان بملاصق غير الشمسية فلا يخلو من حالين:
الحال الأولى: إن كان متعمداً يعلم هذا الحكم، فإننا نقول: عليك فدية الأذى, وفدية الأذى إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع, أو صيام ثلاثة أيام أو ذبح شاة, وأنت بالخيار فيها, تذبحها في الحرم وتوزعها على فقراء الحرم، هذا هو الأقرب والأحوط.
الحالة الثانية: إذا كان غير متعمد أو لا يعلم الحكم أو جاهلاً أو ناسياً فلا يلزمه شيء, بل متى ما تذكرت فإنك تخلع هذا الملاصق الذي على رأسك؛ لأن محظورات الإحرام على الراجح -وهي رواية عن أحمد اختارها ابن تيمية و ابن القيم- أن من فعلها ناسياً فإنه لا حرج عليه في ذلك، سواء كان تقليم ظفر أو حلق رأس أو لبس مخيط وغير ذلك, هذا على الراجح كما سوف يأتي مفصلاً إن شاء الله.
أما بالنسبة للسؤال الثاني فيقول: قال صلى الله عليه وسلم: ( الأذنان من الرأس ), والحديث ضعيف، والأقرب أنه لا بأس في تغطية الأذنين مع أن الأولى ألا يغطي المحرم أذنيه خروجاً من الخلاف، والله أعلم.
لعلي يا شيخ! أستعرض الإجابات جميعاً ثم أترك لكم التعليق, وهنا إجابة أخرى من المغرب أيَضاً بالنسبة للسؤال الأول: بالنسبة للمرأة لا يسوغ لها أن تغطي وجهها, وكان ابن عمر يقول: إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها, لكن إن فعلت فليس عليها فدية ولكن يكره في حقها, بالنسبة للأذن لعلها قريبة من إجابة الأخ.
وبالنسبة لإجابة السؤال الثاني: الأقرب أنه لا بأس بتغطية الأذنين وإن كان الأولى تركها؛ لأن الحديث الوارد فيها ضعيف والله تعالى أعلم.
الشيخ: الإجابات ما شاء الله وافية, وذكرنا أنه ينبغي أن تكون الإجابة على القول الراجح حتى لا تطيل الأخت أو الأخ في إجاباتهم, والإجابات ما شاء الله وافية.
الجواب: إذا نسي الإنسان الحلق أو التقصير فلا يخلو من أمرين؛ الأمر الأول: أن يكون الوقت قريباً, بأن يكون طاف وسعى ولبس ثيابه المعتادة, فنقول: إن تذكر فالواجب في حقه أن يخلع ثيابه المعتادة ويلبس إحرامه، ثم يقصر أو يحلق, فإن حلق أو قصر -وهذا الأمر الثاني- قبل ذلك ولم يعلم بالحكم إلا بعد أيام أو بعد سنة أو بعد سنتين أو بعد أشهر نقول: أنت الآن تركت واجباً من واجبات الإحرام، ويلزمك أن تذبح شاة في الحرم وتوزعها على فقراء الحرم، والله أعلم.
الجواب: نعم, امرأة تسأل هل تشرع الأضحية مع الهدي؟ ذكرنا خلاف أهل العلم، وقلنا: الراجح هو قول جمهور أهل العلم، وهو قول الحنابلة والشافعية واختيار ابن حزم على أن للإنسان إذا أراد أن يهدي وأن يضحي؛ أنه يضحي في بلده ويهدي في الحرم له ذلك؛ لأنها قربى يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى.
أما مسألة المرأة وهي من مكة أن الإحرام هل لها أن تحرم, نقول: لك أن تأخذي عمرة في أشهر الحج من شوال إلى يوم الثامن, ثم تتحللي ثم تهلي بالحج, لك ذلك, ولكن لا يلزمك هدي؛ لأنك من أهل مكة، والله أعلم؛ لقوله تعالى: ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:196].
الجواب: الشروط أن يكون المقتول من الصيد متوحشاً, يعني: وحشياً, وهو الذي لم يتأهل في الغالب أن يكون في البراري, لم يتأهل في البيوت، مثل الضبع، مثل الغزال، مثل الحمام, في الأصل أنه كان يطير ويبتعد, فهذا يعتبر صيداً, أما الذي هو متأهل فإنه لا بأس أن نقتله، أو أن نصيده، أو أن نذبحه، لا بأس بذلك, مثل البقرة والماعز وغير ذلك, أما الحمام لو كانت في بيوتنا فأراد محرم أن يذبحها, نقول: ليس لك أن تذبحها؛ لأن أصلها وحشية, وكونها استأنست وتأهلت لا يسوغ لك ذلك.
وعلى هذا فلو أن محرماً زارك ومن باب الإكرام تريد أن تطبخ له حماماً بالأرز، فهذا الذبح إنما ذبح لأجل المحرم, فحينئذ لا يجوز لك أن تأكل منه؛ لما جاء في صحيح مسلم من حديث الصعب بن جثامة : ( أنه أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حمار وحش فرده عليه, قال
الثاني: أن يكون مباحاً، أن يكون الصيد مما يؤكل, فلو أنه قتل ذئباً أو قتل ثعلباً فلا بأس بذلك؛ لأنه لا يعتبر صيداً؛ لأنه لا يؤكل.
الثالث: أن يكون برياً, فلو كان الصيد بحرياً فإنه لا بأس بذلك؛ لما جاء في قول الله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ [المائدة:96], هذه هي الشروط التي ذكرها أهل العلم، وأرجو أن أكون قد وضحت هذا بزيادة.
الجواب: المؤلف رحمه الله حينما ذكر الفدية من القسم الأول قال: هي على التخيير, ومعنى التخيير أن المكلف مخير في هذه الأشياء, فقول المؤلف: (فله الخيار بين صيام ثلاثة أيام أو إطعام ثلاثة آصع أو ذبح شاة) ذكر أن الأمر على التخيير؛ لأن الآية نص في التخيير, وهي قوله تعالى: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196], وقد روى البيهقي عن ابن عباس أنه قال: كل كلمة (أو) في القرآن فهي على التخيير, وكل كلمة (إلا أن يجد) فهي على الترتيب, وحينئذ المؤلف خير فقال: (له الخيار بين صيام ثلاثة أيام أو إطعام ثلاثة آصع من تمر لستة مساكين أو ذبح شاة), كله على الخيار, أما قول المؤلف: (من تمر), فإنما ذكرها على سبيل الغالب؛ لأن الغالب أن الناس كانوا في السابق يأكلون التمر, ولو أعطى كل ما هو قوت للبلد من تمر أو شعير أو قمح أو أرز فكل ذلك يجزئ، والله أعلم.
الجواب: نعم سؤال جيد, الله سبحانه وتعالى حينما قال أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع, فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196], وبينها النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين قال: ( صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع ), اختلف العلماء هل المقصود إطعام ستة مساكين أو المقصود إطعام ما يكفي لستة مساكين وهي ثلاثة آصع؟
قولان عند أهل العلم, الأقرب -والله أعلم- أنه إذا ورد في القرآن أو السنة تخصيص عدد ستة مساكين، أو إطعام عشرة مساكين في كفارة اليمين أن العدد مقصود, فيجب أن يطعم عددهم الستة أو يطعم العشرة، وهذا هو الأظهر، والله أعلم, وإن كان بعض الفقهاء يرى أن المقصود ما يكفي لستة مساكين فلو أعطاها واحداً كفاه, والأقرب هو تخصيص الستة؛ لأن العدد له مقصود في ذلك.
الجواب: ذكرنا هذا في أول محظورات الإحرام وقلنا: إن إزالة ما يبس من البشرة مثل ما يبس بين الشفتين أو الجلد المتعلق بين الجلد والأظفار, قلنا: أن أكثر أهل العلم قالوا: لا ينبغي للمحرم أن يصنع ذلك, وقال ابن حزم : له ذلك؛ لأنه لم يرد نص في ذلك, والأقرب هو قول عامة الفقهاء أن المحرم ممنوع من إزالة الشعر أو إزالة الظفر أو إزالة شيء من البشرة, وقلنا: دليل ذلك ما جاء في صحيح مسلم من حديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا أهل هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذن من شعره ولا من بشره ولا من أظفاره شيئاً ), وهذا يدل على أن المضحي شابه المحرم في الهدي وهذا في الأضحية, وقلنا: الأقرب أنه لا يأخذ حتى من بشره, إلا إن شق ذلك عليه بحيث أتعبه ولم يستطع بقاء ذلك, فحينئذ نقول: إن هذا أصبح مضراً لك، فلك أن تزيله، ولا حرج عليك إن شاء الله.
الجواب: جميل! إذا كانت المرأة سألت أو استمعت إلى سؤال الشخص عالماً أو طالب علم فأفتاها بفتوى, فإن كانت هذه الفتوى مما يسوغ فيه الخلاف بمعنى أن يكون لكل قول حظه من النظر, فإنها لا إثم عليها, كما قال ابن تيمية رحمه الله في المجلد التاسع والعشرين: ومن تعامل بمعاملة باجتهاد أو تأويل أو تقليد فما أخذه أو صنعه بعد ذلك فهو حلال؛ لأن الله يقول: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ [البقرة:275], فإذا جاءه عالم أو طالب علم فأفتاه فلا بأس, لكن أحياناً بسبب كثرة الناس ربما يفتي من ليس بأهل للفتوى, فلهذا ينبغي للإنسان إذا أفتي بفتوى أن يبحث عنها, فإذا كان لها سلف من أهل العلم أو رأى أن هذا طالب علم فهو يتحمل الفتوى هذه, وحينئذ نقول للمرأة: ابحثي عن هذه المسألة, فإن كان لا يسوغ فيها الخلاف من أقوال الأئمة الأربعة ولها حظ من النظر فلا إثم عليك في هذا إن شاء الله ولا حرج.
الجواب: لا حرج في ذلك إن شاء الله؛ لأنها ليست بمنتقبة ولا بمتبرقعة.
الشيخ: السؤال الأول: ما حكم ما لو جامع المحرم بعد التحلل الأول؟
السؤال الثاني: هل المرأة كالرجل في محظورات الإحرام فصل القول في ذلك؟ والله أعلم.
المقدم: أحسن الله إليكم يا شيخ عبد الله وشكر الله سعيكم وجزاكم الله خيراً, مشاهدينا الكرام بهذا أصل وإياكم إلى نهاية هذا الدرس المبارك والذي كان في متن عمدة الفقه, كان ضيفنا في هذا اللقاء هو فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي عضو هيئة التدريس بقسم الفقه المقارن بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, ألتقيكم بإذن الله عز وجل في مطلع الأسبوع القادم في يوم السبت, إلى ذلكم الحين وفي كل حين ابقوا في حفظ الله ورعايته, أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر