إسلام ويب

عمدة الفقه - كتاب الحج [8]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يختص الوطء حال الإحرام بإفساد الحج دون غيره من المحظورات، وذلك إن كان قبل التحلل الأول، أما بعده فلا يفسده، والمرأة كالرجل في محظورات الإحرام، إلّا في تغطية وجهها وجواز لبسها المخيط، والفدية أنواع منها: فدية الأذى، وفدية ترك الواجبات، وفدية قتل الصيد. وفدية الأذى على التخيير بين صيام ثلاثة أيام أو الإطعام أو النسك.
    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:

    مشاهدينا الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في درس جديد من دروس متن عمدة الفقه, والذي يأتيكم على الهواء مباشرة من استوديوهاتنا بمدينة الرياض, ضيفنا في هذا اللقاء هو فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي عضو هيئة التدريس بقسم الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. يسرني باسمكم جميعاً أن أستهل لقاءنا مرحباً بضيفنا, فحياكم الله يا شيخ عبد الله .

    الشيخ: حياكم الله وبالإخوة المستمعين والمستمعات.

    المقدم: أيضاً أرحب بجميع الأحبة والإخوة الذين حضروا في الأستوديو فأهلاً ومرحباً بكم, والترحيب موصول للإخوة والأخوات على موقع الأكاديمية الإسلامية المفتوحة، والذي من خلاله أسعد باستقبال أسئلتكم ومشاركاتكم وعرضها على ضيفنا الكريم, كما أسعد باستقبال اتصالات الإخوة المشاهدين والأخوات المشاهدات على أرقام الهواتف التي ستعرض على الشاشة تباعاً بين الفينة والأخرى، فأهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء وفي كل لقاء، وعلى بركة الله نستهل درسنا.

    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً, اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

    وبعد:

    أحبتي الكرام! وصلنا إلى قول المؤلف: [ التاسع ], ولم نكمل بقية مسائله، وهو من محظورات الإحرام.

    [التاسع: الوطء في الفرج], وذكرنا أنه إن كان قبل التحلل الأول فسد الحج ووجب المضي في فاسده، والحج من قابل وقلنا: هذا إجماع من الصحابة خلافاً لأهل الظاهر، وعليه بدنة بفتوى الصحابة.

    ما يلزم على من وطئ بعد التحلل الأول

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

    يقول ابن قدامة رحمه الله تعالى: [ وإن كان بعد التحلل الأول ففيه شاة ويحرم من التنعيم ليطوف محرماً، وإن وطئ في العمرة أفسدها وعليه شاة، ولا يفسد النسك بغيره, والمرأة كالرجل إلا أن إحرامها في وجهها ولها لبس المخيط ].

    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

    قول المؤلف: ( وإن كان بعد التحلل الأول ), يعني: وإن جامع الرجل بعد التحلل الأول, فإنه ذكر في ذلك أحكاماً: الحكم الأول: أن فيه شاة، وهذا لفتوى ابن عباس رضي الله عنه أنه قال في الذي يصيب من أهله قبل أن يطوف، قال: يعتمر ويهدي, يعني: عليه شاة, ولم يوجب المؤلف هنا البدنة؛ لأنها أخف من قبل التحلل الأول؛ لأنه بعد التحلل الأول قد حل من جميع محظورات الإحرام ما عدا النساء، فيكون إحرامه حينئذ أخف من الإحرام السابق, وقد قلنا: إن هذا أيضاً هو فتوى الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.

    مدى فساد الحج بالوطء بعد التحلل الأول

    الشيخ: ولم يتحدث المؤلف هنا على مسألة فساد الحج أو غيره؛ لكنه قال: [ فإن كان قبل التحلل الأول فسد الحج ], فمفهومه أنه بعد التحلل الأول لا يفسد الحج، وهذا هو قول عامة أهل العلم, وهو قول ابن عباس وغيره, وهو قول الأئمة الأربعة رضي الله عنهم أجمعين, وإن كان ابن عمر روي عنه أن حجه يفسد إن كان قد جامع قبل الطواف بالبيت, فلو تحلل التحلل الأول ولم يطف بالبيت، فإن جامع قبل أن يطوف طواف الإفاضة فإن حجه يفسد عند ابن عمر , ولكن الروايات عن ابن عمر مختلفة، والأقرب هو قول عامة الفقهاء؛ لأمور:

    أولاً: لما روى مالك في الموطأ عن عكرمة قال: لا أظنه إلا عن ابن عباس أنه قال في الرجل يصيب من أهله قبل أن يفيض -يعني: قبل أن يطوف- أن عليه أن يعتمر ويهدي, وقال رضي الله عنه في رجل أصاب أهله قبل أن يطوف: اقضيا نسككما وعليكما الحج من قابل, وانحرا جزواً بينكما, كما رواه البيهقي وغيره, وهذا يفيد على أن من جامع بعد التحلل الأول فإن حجه صحيح ولا يفسد، ولا يلزمه أن يحج من قابل, ومما يدل على ذلك أن أهل العلم قالوا: لأنه بعد التحلل الأول جاز له جميع محظورات الإحرام ما عدا النساء, فخف بذلك إحرامه، وهذا الأقرب، والله أعلم.

    وجوب إحرام من وطئ بعد التحلل الأول من الحل

    الشيخ: قول المؤلف رحمه الله: (ويحرم من التنعيم), يعني: أن كل من جامع بعد التحلل الأول فإنه يجب عليه أن يحرم من التنعيم, وقوله: (من التنعيم) لم يقصد التنعيم قصداً, إنما أراد بذلك أنه يجب عليه أن يحرم من الحل، حتى يكون قد طاف بالبيت طواف الإفاضة، ويجمع فيها بين الحل والحرم, فهو الآن في الحرم فإذا جامع بعد التحلل الأول فالمؤلف يقول: (ويحرم من التنعيم), يعني: يحرم من الحل؛ ليجمع في طوافه بين الحل والحرم.

    وهذا القول هو قول الحنابلة وقول المالكية؛ فقد ذهبوا إلى أن كل من جامع بعد التحلل الأول فإن إحرامه يفسد ولا يفسد حجه، وحينئذ يلزمه أن يحرم من التنعيم، واستدلوا على ذلك بما رواه مالك في موطئه عن عكرمة أنه قال: ولا أظنه إلا عن ابن عباس في الرجل يأتي أهله قبل أن يفيض، قال: عليه أن يعتمر وأن يهدي. فالهدي لأجل فعل محظور وهو الجماع، قالوا: لفساد إحرامه حينئذ, ولأنه وطء صادف إحراماً فأفسده، مثلما لو جامع قبل التحلل الأول فيفسد إحرامه, وهذا القول فيه نظر, ولهذا اختلف العلماء في هذا، وذهب الحنفية والشافعية إلى أنه لا يلزمه أن يذهب إلى التنعيم بل يبقى على إحرامه، إن كان لم يتحلل التحلل الكامل، واختلف العلماء متى يتحلل التحلل الكامل, هل هو بعد رمي جمرة العقبة أو بعد رمي جمرة العقبة والحلق والقول الثاني هو الراجح كما سوف يأتي إن شاء الله, لكن لو فرض أنه رمى ولم يحلق فهل يلزمه أن يعيد إحرامه أو يبقى على ما هو عليه كما هو مذهب الحنفية والشافعية؟ بمعنى أنه إن رمى جمرة العقبة وبقي على إحرامه ثم جامع قبل أن يحلق، فإن ابن قدامة ذكر إجماع أهل العلم على أنه قد جامع بعد التحلل الأول ولو لم يحلق, خلافاً للقاضي أبي يعلى وهذا قول الأئمة الأربعة كما سوف يأتي إن شاء الله.

    على هذا لو جامع بعد التحلل الأول وتحلل من إحرامه بأن رمى وحلق فالمؤلف يقول: يجب عليه أن يخرج إلى التنعيم، وهو مذهب المالكية، وأما الحنفية والشافعية فقالوا: لا يجب عليه؛ لأنه لم يرد حديث صحيح بذلك؛ ولأن قول ابن عباس رضي الله عنه من باب الاستحباب لا من باب الوجوب, وهذا القول أظهر, وأما قولهم: لأنه صادف إحراماً جامع فيه فأفسده؟ نقول: من قال بإفساده خاصة وأنه قد تحلل من جميع المحظورات ما بقي إلا النساء، فكيف نقول له: يلزمك أن تحرم مرة ثانية؟!

    فهو إذا تحلل التحلل الأول فما بقي عليه إلا النساء, فإذا جامع فهل نأخذ بالأكثر أم بالأقل؟ نأخذ بالأكثر وهو التحلل؛ لأنه تحلل من جميع إحرامه، وهذا هو الأقرب، والله أعلم.

    يقول المؤلف رحمه الله: ( ويحرم من التنعيم ليطوف محرماً ), كلامه هذا أفادنا فائدة وهي أن إحرامه لا يلزم منه أخذ عمرة, وهذه هي الرواية الأولى عند الحنابلة، والرواية الثانية: أنه إن أحرم من التنعيم وجب عليه أن يأخذ عمرة ثم بعد ذلك يطوف للإفاضة, والأقرب -والله أعلم- أنه لا يلزمه، ولا يلزمه أيضاً لو أحرم أن يأخذ عمرة.

    أحكام الوطء في العمرة

    الشيخ: قال المؤلف رحمه الله: [ وإن وطئ في العمرة أفسدها وعليه شاة ], الذي يطأ في إحرام العمرة لا يخلو من أحوال:

    الحال الأولى: أن يطأ قبل الطواف بالبيت, يعني: بعد الإحرام وقبل الطواف بالبيت, فهنا يكون قد أفسد عمرته, وهذا محل إجماع عند القائلين بأن الوطء قبل التحلل الأول يفسد الحج أو العمرة, وحينئذ نقول: من جامع قبل الطواف فإن حجه أو عمرته حينئذ فاسدة.

    الحال الثانية: أن يجامع بعد الطواف وقبل السعي والحلق, فالحنابلة رحمهم الله في المشهور عندهم أنهم يرون أنه أفسد عمرته؛ لأنه لم يتحلل من الركن الثالث من أركان العمرة؛ وهو السعي.

    والرواية الثانية عند الحنابلة وهو اختيار ابن قدامة و ابن تيمية رحمهم الله أن السعي في الحج والعمرة ليس بركن ولكنه واجب, وحينئذ يكون قد جامع بعد إنهاء الأركان كلها؛ وهي الإحرام والطواف, فتكون حينئذ عمرته صحيحة, وهذا القول أظهر، كما سوف نأتي إليه إن شاء الله في إثبات أن السعي واجب وليس بركن.

    الحال الثالثة: لو جامع بعد الطواف والسعي وقبل الحلق نقول حينئذ: لا تفسد عمرته، ونقله بعضهم إجماعاً، ولكن عليه محظور؛ لأنه تحلل بغير الحلق, وحينئذ يلزمه فدية أذى على الراجح, فحينئذ من جامع بعد الطواف والسعي فإنما يلزمه فدية أذى على قول، وعلى قول المؤلف يلزمه شاة.

    قول المؤلف: فيلزمه شاة؛ بناء على فتوى ابن عباس ، وقول ابن عباس رضي الله عنه اختلف عنه في الروايات, فمرة يقول: عليه دم, ومرة يخيره في ذلك, وعلى كل حال لو ذبح شاة فهو أولى خروجاً من الخلاف, ولو أخذ بعد التحلل الأول -يعني: بعد أن طاف وسعى- فدية الأذى بناء على أنه محظور لم يكن بعيداً، وهو الأقرب، والله أعلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088522107

    عدد مرات الحفظ

    777108357